ليس عيبًا أن يكون للوطن ألف وجه، ولكن حين تتباعد الوجوه حد التناقض، وقتها فقط تدرك أن أحد المتناقضين بات فى مرحلة الخطر. إذا هي واقعتان استيقظت عليهما صفحة وجه مصر ليتحول حينا إلى فرح ومرة أخرى إلى عبس وقهر على أبنائها. قمة اليأس يقابله قمة الأمل، ليست كلمات جوفاء فقدت معناه بكثرة الاستخدام، ولكنها واقع مرت به مصر على مدار اليومين السابقين، فالأولى مشاركة عصام حجي، مستشار رئيس الجمهورية العلمي السابق، ومعه ثلاثة علماء مصريين غيره شاركوا في النقلة العلمية الكبيرة بهبوط المركبة "فيله" لأول مرة على سطح مذنب. ويعد الحدث غاية فى الأهمية وفقًا لرأى رئيس مركز أبحاث الفضاء الأوروبي بالنسبة للبشرية، فيما أنه يمثل لمصر الأهمية القصوى، حيث أطلق على اسم المركبة فيله نسبه إلى معبد فيله الذي بني في عهد الإغريق لعبادة الألهة "إيزيس"، وقال حجى إن فيله تعني باللغة الإغريقية (الحبيبة) أو (الحبيبات). وقال حجي، على صفحته على فيس بوك اليوم، "لم يشفع لهذا الإنجاز التاريخي أن تحمل المركبة أسماء مصرية تاريخية ووجود باحثين مصريين مشاركين بالمهمة لدى أعلامنا للاهتمام بهذا الحدث الذي يتصدر في هذه اللحظة كل وكالات الأنباء بينما تتصدر أخبار العنتيل والفضائح والسباب على الفضائيات وسائل الإعلام اليوم". وأعرب حجي عن اعتقاده بأن هذا الإنجاز "يؤكد أن شباب مصر الذي تتناوب وسائل الإعلام على الحط من قيمته قادر على أن يساهم في أكبر وأعقد التحديات العلمية". وأهدى حجي الإنجاز لكل شباب الوطن عله يزرع الأمل، لافتًا إلى أن المصريين المشاركين فيه هم (1) د. رامي المعري، 35 سنة (2) د. أحمد الشافعي 28 سنة، (3) عصام حجي، 39 سنة، (4) د عصام معروف ، 56 سنة. وقال حجي إن "طموحات وأحلام وآمال تكسر واقع ملأته أصوات الجهل والكراهية التي بنت للإحباط معبدا خالداً وللجهل حصناً منيعاً". حصن منيع هذا الذى تحدث عنه حجي، يبدو أنه لم يكن من وحى خياله، بل واقع وواقع مؤلم، فحين يبنى هذا الحصن على إنسان ليصله به الإحباط حد الانتحار يكون ذلك الأخير قد فقد آخر نقطة كان محتملا لها أن تضىء. إنها زينب مهدى، تلك المصرية التى مثلت وجهًا آخر متناقضًا لحجي، فاختارت لنفسها أن تمثل ذلك الطرف المحبط والفاقد الأمل فى الحياة. لم تبلغ مهدى بعد بضع سنوات بعد عقدها الثاني، لتقرر أن تفارق الحياة بإرادتها، تاركة خلفها كل تلك المظاهر التى لاقتها خلال متابعتها لملف المعتقلات فى السجون، ويشهد الكثير من زملائها أنها كانت نموذجًا للعاملة فى النشاط الاجتماعي النسوي، ولم تفارق الضحكة وجهها على حد قول إحدى زميلاتها. فيما نشر ثالث صورة من محادثة مر عليها سنة جمعت بينه وبينها، وأعربت له عن نيتها فى الانتحار ولكنه لم يأخذ الأمر على محمل الجد. وبذلك تؤكد زينب ذلك السؤال الاستنكاري الذى طرحه حجي عقب إهمال الإعلام للنجاح العلمي للمصريين فى ناسا، منوهًا بأنه فعلا باتت نجوم السماء أقرب من تراب الوطن للمصريين.