هو نجم ثاقب من نجوم الإسلام الذين خدموا الدعوة الإسلامية، ساهم فى الارتقاء بالفكر الإسلامى ، والإجتهاد خلال عمله الدعوة الذى زاد على ستين عاماً ... لقد كان الشيخ محمد الغزالى حجر عثرة أمام المشككين من أعداء الإسلام .. يتتبع فكرهم ويصليهم من قلمه البتار، الذى يعرى دعاة هذا الفكر وكشفه أمام الرأى العام .. كان الرجل يصدع بالحق ، ولا يهاب فى الله لومة لائم ، لقد انتقد الطاغوت وهو فى قمة عليائه ، حتى سلط عليه بعض الأغرار من سخر منه على صفحات جريدة الأهرام، وهب الناس من كل صوب يتظاهرون ويدافعون عن الشيخ الغزالى، نتذكره اليوم فى زمن شحت فيه القدوة الحسنة التى تقود الأمة نحو الخير، ومازال تلامذته ومريديه وفكره وكتبه يعيشون بيننا، نلتمس من خلالهم السير فى الطريق السوى. ولد في قرية نكلا العنب، ايتاي البارود، محافظة البحيرة بمصر في (5 من ذي الحجة 1335ه/ 22 سبتمبر 1917 م)، نشأ في أسرة "متدينة", وله خمس اخوة, فأتم حفظ القرآن بكتّاب القرية في العاشرة, ويقول الإمام محمد الغزالي عن نفسه وقتئذ: “كنت أتدرب على إجادة الحفظ بالتلاوة في غدوي ورواحي، وأختم القرآن في تتابع صلواتي، وقبل نومي، وفي وحدتي، وأذكر أنني ختمته أثناء اعتقالي، فقد كان القرآن مؤنسا في تلك الوحدة الموحشة"، والتحق بعد ذلك بمعهد الإسكندرية الديني الابتدائي وظل بالمعهد حتى حصل منه على شهادة الكفاءة ثم الشهادة الثانوية الأزهرية, ثم انتقل بعد ذلك إلى القاهرة سنة (1356 ه الموافق 1937م) والتحق بكلية أصول الدين بالأزهر، وبدأت كتاباته في مجلة (الإخوان المسلمين) أثناء دراسته بالسنة الثالثة في الكلية, بعد تعرفه على الإمام حسن البنّا مؤسس الجماعة، وظل الإمام يشجعه على الكتابة حتى تخرّج بعد أربع سنوات في سنة (1360 ه = 1941م) وتخصص بعدها في الدعوة والإرشاد حتى حصل على درجة العالمية سنة (1362 ه =1943م) وعمره ست وعشرون سنة, وبدأت بعدها رحلته في الدعوة من خلال مساجد القاهرة, وقد تلقى العلم عن الشيخ عبد العظيم الزرقاني, والشيخ محمود شلتوت, والشيخ محمد أبو زهرة، والدكتور محمد يوسف موسى ، والشيخ محمد محمد المدني وغيرهم من علماء الأزهر. سمي الشيخ "محمد الغزالي" بهذا الاسم رغبة من والده بالتيمن بالإمام الغزالي فلقد رأى في منامه الشيخ الغزالي وقال له "أنه سوف ينجب ولدا" ونصحه أن يسميه على اسمه الغزالي فما كان من الأب إلا أن عمل بما رآه في منامه. سافر إلى الجزائر سنة 1984 م للتدريس في جامعة الأمير عبد القادر للعلوم الإسلامية بقسطنطينة, درس فيها رفقة العديد من الشيوخ كالشيخ يوسف القرضاوي والشيخ البوطي حتى تسعينات القرن العشرين. نال العديد من الجوائز والتكريم فحصل على جائزة الملك فيصل للعلوم الإسلامية عام 1409 ه /1989م. للإمام الغزالى فكر خاص نابع من العقيدة الإسلامية الخالصة النقية من كل شوائب علقت بها عبر الأزمنة ، وفى عصر الغزالى ودت أصواتاً عالية تحارب الشيوعية لحساب الرأسمالية باسم الإسلام ، على الجانب الآخر رأى من يحاربون الرأسمالية لحساب الشيوعية باسم الإسلام، والإسلام ينظر إلى الرأسمالية والشيوعية نظرة عداء واحتقار لأن له نظرته المستقلة التى تعمل على إسعاد البشرية جميعاً فى ظلال صادقة من الإخاء والحرية والمساواة وهذا ما تضمنته كتابه الذى ظهر فى عام 1951"الإسلام المفترى بين الشيوعيين والرأسماليين"، وفى عصره وقرت الشيوعية بأرض مصر الطيبة، يهتف لها بألسنة أصحابها يتسمون بأسماء المسلمين ، وقد سيطروا على منافذ الرأى ، وجدوا فى المنابر العالية والجرائد الكبرى، وجميع وسائل الإعلام كانت رهن أيديهم، ثم رأوا فى عون الحاكم المتجبر ما مهد لهم طريق السيطرة والنفوذ ، ولكن الغزالى حفظه الله يهتف بكفر الشيوعية ، ولا يجد فى بلده من يجرؤ على طبع مؤلفاته، فيتجه بها إلى الدول العربية ليواجه الزحف الأحمر، مبيناً خطره على الإسلام ..ثم تزيد المسألة خطورة، فيتقدم احد العملاء ، تحت حماية وتأييد السلطة بسمومهم القاتلة مرجفين بمبادىء الإسلام ، لكن الغزالى يصيح بهم فى أضخم المؤتمرات السياسية ، ليوضح لهم ماضيهم القذر فى الوصولية والانتهاز ، ورئيس الدولة يسمع، والإذاعة والتليفزيون تنقلان كلمة الإسلام على لسان الغزالى ، فإذا الحقد المسموم يدفع الشاعر الشيوعى الجهول للتهكم بالغزالى فى صور مسيئة ظهرت بالأهرام ، فهاج لها الشعب المصرى أكبر هياج .
وقد كافح الغزالى العلمانيين الذين سيطروا على كل المراكز الحساسة فى الدولة، وراحو يرمون الإسلام بكل نقيصة ويتهمونه بالتخلف والرجعية، فتصدى لهم الشيخ الغزالى هو واعوانه جنود الحق يفند أباطيلهم فى كتبه ومقالاته ومحاضراته ومناظراته لأساطينهم أمثال: فؤاد زكريا، وفرج فودة، وحسين احمد امين، ومحمد احمد خلف الله، ولويس عوض، وغالى شكرى وغيرهم ..وأبان عجزهم الثقافى عن الرد على الأدلة الموضوعية وانهم لا يصلحون إلا لإشاعة الشبهات وإذاعة الأباطيل والخرافات ، ودفع حججهم الواهية التى تقول إن الإسلام يدعو إلى الدولة الدينية "الثيوقراطية" وهم يدعون بديلاً إلى الدولة المدنية وقد انتبه الغزالى إلى هذه السفسطة والتلاعب بالألفاظ فيقول:"أننى أشعر بأن هناك خلطاً للأوراق بين من يتحدثون عن الدين ، ويقولون لا نريد حكومة دينية . ما معنى حكومة دينية؟..الأديان كثيرة – هل تريدون حكومة بوذية؟..حكومة هندوكية؟ حكومة صليبية؟..حكومة إسرائيلية؟ حكومة إسلامية؟ ما الذى تريدونه بهذه الكلمة الغامضة المبهمة؟". وأوضح أن الأمم تريد أن تحكم بشريعتها ، وضرب مثالاً على ذلك بالبوذيين والإسرائيليين، ثم يستطرد فيقول" إن الإسلام لم يعرف يوماً الحكومة الدينية لأنه لا يوجد به كهنوت ولا به واسطة كما عند الديانات الأخرى التى تقول بوجوب واسطة بين العباد ورب العباد وهذا ما لم يعرفه الإسلام ولم يقربه قط ". أثرى الفكر الإسلامى بالعديد من المؤلفات والبحوث والمقالات، فقد عرف الكتابة فى فترة مبكرة من حياته فى الصف الثانى من دراسته فى كلية اصول الدين حيث اعتمد عليه الإمام البنا فى جريدة الأخوان المسلمين، وتوالت مؤلفاته التى طبع منها العشرات فيما بعد ومنها: السنة النبوية بين أهل الفقه وأهل الحديث ، وعقيدة المسلم، وفقه السيرة، وكيف تفهم الإسلام، وهموم داعية، وسر تأخر العرب والمسلمين، وخلق المسلم، ومعركة المصحف، ومشكلات في طريق الحياة الإسلامية، والإسلام المفترى عليه، والإسلام والمناهج الاشتراكية، والإسلام والأوضاع الاقتصادية، والإسلام والاستبداد السياسي، والإسلام والطاقات المعطلة، والاستعمار أحقاد وأطماع، وفي موكب الدعوة، والتعصب والتسامح بين المسيحية والإسلام ، وحقيقة القومية العربية، ومع الله، والحق المر، وقذائف الحق، وكفاح دين ، ومن هنا نعلم، ونظرات في القرآن. توفي في 20 شوال 1416 ه الموافق 9 مارس 1996م في السعودية أثناء مشاركته في مؤتمر حول الإسلام وتحديات العصر الذي نظمه الحرس الوطني في فعالياته الثقافية السنوية المعروفة ب (المهرجان الوطني للتراث والثقافة الجنادرية) ودفن بمقبرة البقيع بالمدينة المنورة. حيث كان قد صرح قبله بأمنيته أن يدفن هناك. .