بعيدًا عن الذين حسموا خيارهم وأعلنوا نصرتهم لمرشح ما، فإن عامة المصريين (وأنا منهم) ما زالوا حائرين بين أسماء الذين أعلنوا أو أعلن أنصارهم نيتهم الترشح لرئاسة الجمهوية. صحيح أن كل فرد عنده معاييره التي يفرز من خلالها هؤلاء المرشحين، ويقوم من النظرة الأولى لهذه القائمة باستبعاد بعض الأسماء منها مباشرة، لكننا نبقى حائرين في النهاية بين اسمين أو ثلاثة ممن تبقى، بناء على خلفية كل منا السياسية والثقافية، وما يطمح فيه لوطنه. وغالبًا ما تثور النقاشات بين الأصحاب والزملاء والأصدقاء في مختلف التجمعات، مستعرضة مميزات ومثالب هذه الشخصيات، وأيها يصلح وأيها لا يصلح، ومن المستحيل أن تخرج من نقاش من هذه النقاشات برأي واحد تجاه مرشح ما. وخلال هذه النقاشات تسمع قريبًا من الآتي، (ولا اعتبار للترتيب، مع حفظ الألقاب، وتحفظي على بعض هذه الآراء): - البرادعي لا يصلح رئيسًا؛ لأنه ربيب أمريكا والغرب، ومنفصل شعوريًّا عن الشعب المصري. - محمد سليم العوا لا يصلح رئيسًا؛ لأنه ديكتاتور في تعاملاته بشهادة من تعامل معه، كما أن هواه شيعي، فكيف لو صار رئيسًا، هل سيحترم الرأي الآخر والمعارضة؟. - عبد المنعم أبو الفتوح لا يصلح رئيسًا؛ لأنه خالف شورى جماعته، فكيف به لو صار رئيسًا، هل سيحترم شورى شعبه؟. - حازم أبو إسماعيل لا يصلح رئيسًا؛ لأنه إسلامي سيستعدي قوى الغرب على مصر لو صار رئيسًا. - أيمن نور لا يصلح رئيسًا؛ لأنه صنيعة أمريكية، وغير قادر على إدارة حياته الخاصة، فكيف يدير دولة كمصر؟. - حمدين صباحي لا يصلح رئيسًا؛ لأنه زعيم محلي يجيد الخطابة، لكن ليس له خبرات سياسية وإدارية. - هشام بسطويسي لا يصلح رئيسًا؛ لأنه ليس لديه خبرة سياسية تؤهله لقيادة دولة. - عمرو موسى، وأحمد شفيق، وعمر سليمان، لا يصلحون رؤساء؛ لأنهم من أركان وسدنة النظام السابق. - أما رؤساء أحزاب ما قبل الثورة فإنهم لا يصلحون رؤساء؛ لأن أحزابهم كرتونية، وقد ساهموا في تجميل وجه النظام السابق قبل الثورة بإضفاء شرعية زائفة عليه، دون أن يكون لهم رصيد حقيقي في الشارع المصري. هذه مجرد أمثلة مما يقال، نتفق مع بعضها أو نختلف، وبالطبع قد تظهر أسماء أخرى مع الأيام، وهناك أسماء في القائمة، لكنها ليست معروفة إلا في نطاقات ضيقة جدًّا، بعضهم على مستوى حيه الذي يعيش فيه، أو شركته التي يعمل بها، وبعضهم على مستوى صفحة إعجاب اقامها له أنصاره على الفيس بوك. والخلاصة أنه حتى الآن لم يبرز مرشح معين تستطيع أن تقول أن الأغلبية من الشعب تميل إليه، وأنه قادر على تحقيق الفوز في سباق الرئاسة، ويبدو أن هذه الحيرة ستستمر حتى نهاية يوم الانتخاب. السؤال الأول من حيث المبدأ: من إذن يصلح لحكم مصر الآن؟ وسؤال ثانٍ: هل المعاير التي نحكم بها على هذا المرشح أو ذاك هي معايير صحيحة واعية؟ وسؤال ثالث: هل نملك القدرة على الحكم الموضوعي، وتغليب العقل على العاطفة والمصلحة العامة على المصالح الفئوية أو الشخصية عند الاختيار؟ وسؤال رابع: هل يتصور أحد أنه من الممكن أن نجد المرشح (كامل الأوصاف) المبرأ من كل عيب ونقيصة، والذي يجمع عليه كل المصريون؟ وسؤال خامس: ما العامل المؤثر في نجاح هذا المرشح ورسوب غيره؟ وسؤال سادس: كيف يستطيع المرشح وأنصاره إقناع الناس وحشدهم للتصويت له يوم الانتخاب؟ البعض يقلل من أهمية الأمر، ويصرف اهتمامه للانتخابات البرلمانية، على اعتبار أن المرحلة القادمة ستكون مصر فيها دولة مؤسسات، لا دولة الحاكم الفرد، وستكون صلاحيات رئيس الجمهورية فيها محدودة، والرقابة عليه وعلى قراراته وتصرفاته صارمة، وأن الحكومة التي ستخرج من رحم الانتخابات البرلمانية ستكون حكومة حقيقية لا مجرد منفذين لأوامر السيد الرئيس. وهذه وجهة نظر معتبرة، وإن كنت أعتقد أن تلك الثقافة ستحتاج منا (كشعب مصري) إلى وقت لنستوعبها بعد سنوات طوال من حكم الفرد وتأليه الحاكم، وتسخير كل من وما حوله للسعي في رضاه. وبعيدًا عن الضجيج الذي يصنعه الإعلام، وبرامج التوك شو في القنوات المختلفة، فلا شك أن المرشح الذي يكون هو وأنصاره الأقرب لاهتمامات رجل الشارع، والألصق باحتياجاته، والأكثر قدرة على خطابه بما يعيه ويفهمه ويؤثر فيه، هو الأقرب للنجاح. وما سوى ذلك مما يفعله الإعلام فإنه يبقى أثره محدودًا وفقط على شريحة ليست عريضة من الناس. حقيقة، رغم كل هذا، ورغم حدة النقاشات حول هذا الموضوع واستعارها، فإني لا أخفيكم سعادتي، نعم، فأنا سعيد أن مثل هذا الجدل يثور في بلدي، وأن أبناء وطني يعرفون أنهم يملكون الاختيار، وأن صوتهم سيكون مؤثرًا، وأنه لا يوجد إنسان الآن يستطيع أن يحدد النتائج إلا بعد أن يخبرنا بها صندوق الانتخاب، وهذا بعد رحيل عصر المرشح الأوحد، والمرشحين (الديكور)، والنتائج المحسومة، ورحيل التزوير (إلى غير رجعة إن شاء الله)، ويبقى أن نتعلم كيف نحسن التعامل مع هذه المرحلة من تاريخنا، لتمر بسلام، ونصل للأوفق والأفضل لوطننا. [email protected]