اخطر ما يهدد دولنا القومية حاليا هو تعرضها للتفكك وربما السقوط والغياب من الخريطة السياسية وأصبح الأمر واضحا وجليا فى كثير من دول المنطقة التى تتعرض حاليا للتفكيك المتعمد بداية من لبنان الى السودان والعراقوسوريا واليمن ومصر وتهديدا للسعودية ، والتى يبقى العمل المشترك فيها جميعا هو محاولات تفكيك الهوية القومية للوطن إلى عدة قوميات مختلفة ومتنوعة ومتناحرة تمهد وتسارع بالتقسيم على أسس طائفية وعرقية مختلفة ولأجل هذا وجب الانتباه والحذر ومحاولة تدارك ما فات حفظا لأمننا القومى وإستمرارلوجودنا العربى على خريطة الفعل السياسى الاقليمى والعالمي العالم . ولبيان حقيقة الهوية وأهميتها فى الصراع الدائر حالية فى منطقتنا العربية المشتعلة بالأحداث والمرشحة لإعادة التفكيك والتركيب فى مرحلة ما بعد سيكس بيكو وبداية مرحلة طهران الغرب . نتوف عند ماهية الهوية ودورها الوظيفى وعلاقتها بالأمن القومى الهوية هى أصل الشيء وحقيقته وروح الإنسان وسر الحياة فيه ، وسبب وجوده ، والسمت المميز له عن غيره ، ووثيقة الإرث الحضارى له ،و الطاقة المحركة ، والأمل فى مستقبل أفضل ، كما هي معيار التوجه السياسى وصنع القرار فيه ، وهوية المجتمع هى سر قوته وسبب بقائه ، وسر نموه وتطوره وهى التى تحدد مساراته واتجاهاته فى العالم من حوله ، كما هى أساس وحدته واحتشاده ، وهى المحفز الحقيقى للفعل والبذل والتنافس والإنجاز الحضاري ، الهوية قصة حب خالدة بين الانسان كفرد ومجتمع وأمة وذاته الحقيقية ، والتى تتكامل بين ماضى طويل وحاضر حى ومستقبل منشود ، الهوية كائن حى يأكل ويشرب وينمو ، ويقوى ويضعف ، يتحرك ويسكن يتفاعل مع محيطه المادى والمعنوى ويتأثر ويؤثر فيه الهوية روح الجسد تغيب عنه، فيهبط سلوكيا وحضاريا ، ثم يشتاق اليها ويحتاجها ولا يستطيع العيش بدونها فيعود إليها ليحسن من سلوكه وأدائه وانجازه ليسترد موقعه ومكانته الحضارية بين الأمم فتتحرك هويته لتلتقيه فى منتصف الطريق ، اشتاقا لبعضهما ولكنها كانت تنتظره ليقبل فقط عليها . الهوية روح تغيب ولكنها لا تموت أبدا ، تضمر حينا ، ولكنها تعود الى جسد المواطن والمؤسسة والمجتمع فتحييه من جديد وتمنحه القوة والقدرة على الفعل والانجاز ، فتقوى به وتمتد وتنتشر وتفتح لها فروعا ممتدة فى مجتمعات جديدة ، بين المواطن وهويته ، بين المدرسة وهويتها ، بين المؤسسة وهويتها ، بين المجتمع والدولة وهويتها ، فتمنح الفرد والمؤسسة والمجتمع أحاسيس ومعانى وطاقات الحياة والوجود و الأمل و الرغبة فى الإنجاز و طاقة وقوة الحركة والفعل . وللهوية أدوار وظيفية وآثار مادية حقيقية ملموسة فى كافة مجالات الحياة فهوية المجتمع تنتج نمط الحياة الخاص المميز للمجتمع المعتز بذاته بين الأمم ،كما تحسن السلوك المجتمعى ، وتقلل المشاكل وتخفض معدلات الجريمة ،و توحد المجتمع وتهبط بمعدلات الصراع البيني كما ترفع مستوى الانضباط المجتمعي بالقيم والأخلاق والقوانين ومعايير الأداء المهني وتساهم بشكل مباشر في رفع مستويات الاداء والانجاز والناتج المحلى والدخل القومى . وتتكون هوية المجتمع من جزء صلب وآخر مرن ، والجزء الصلب بمعنى البناء التأسيسى الثابت والذى يتكون من العقيدة واللغة والقيم والتراث و رؤية ورسالة ومهمة هذا المجتمع فى الحاضر الذى يعيشه والمستقبل الذى يسعى اليه ، والجزء المرن المتمم لبناء هوية المجتمع هو الاعراف والتقاليد المجتمعية الخاصة ، والفلكلور الشعبى الخاص ، وطبيعة جغرافيا المجتمع التى تفرض نفسها على السمت الخاص لأبناء المجتمع وترسم نمط حياتهم الخاص المميز لهم ، كل هذه المكونات تتفاعل فيما بينها لتشكل الكينونة الخاصة للمجتمع ، والتى تعنى وجوده وكينونته فى هذا العالم الذى يمتلك فيه كل مجتمع هويته الخاصة به ، التى يعتز بالانتماء اليها ، ويسعى الى المحافظة عليها ، بل وفتح آفاق جديدة لها لدى المجتمعات الأخرى ليؤكد وجوده ، ويعظم من مكاسبه المادية والمعنوية ، ويحفظ لنفسه فرصته الدائمة فى النمو والتقدم والاستقرار والرفاهية . قوة وضعف الهوية وكلما كان مضمون ومحتوى المكونات الخمسة للهوية ( المعتقدات والقيم واللغة والتراث والمهمة والرسالة الحضارية ) قويا فى ذاته الحضارية ، وقويا بعمق تمكينه فى نفوس المجتمع كلما كان المجتمع قويا وصلبا ومحصنا وعصيا على الاختراق والتفكيك وأكثر قدرة على التحسين المستر لجودة سلوكه وأدواؤه والفعل والانجاز الحضارى ، والعكس الصحيح . و تمر الهوية بفترات قوة حين تتمسك وتعتز بذاتها القوية الصلبة وتمتلك القدرة على الفصل بين الجزء الصلب الثابت من ذاتها والآخر المتغير ، بما يمكنها من إعادة إنتاج وتطوير ذاتها استجابة لتغير الواقع من حولها وتطلعا وسعيا لغد أفضل ، فتنفتح وتتواصل وتنمو فىعلاقتها التبادلية مع عالمها وتستجيب لتغيرات الواقع وتعيد إنتاج نفسها بما يمنحه قوة الانتشار والتمدد . وتمر بفترات ضعف وانحسار حينما ، تتهاون في التمسك بذاتها وتنحت ذاتها فتضعف أمام نفسها فتضطر للنقل والاستيراد من الهويات الأخرى ، نقل المستورد المحتاج المستهلك الضعيف الجاذب للاستعمار و حين تنغلق على ذاتها وتفتقد حيوية وثراء الحياة من حولها ، او حين تتعرض لهجمات شرسة موجهة من الآخر الذى يسعى لاختراقها وتفكيكها لصالح مصالح وأجندات سياسية مختلفة وهذا بالتحديد ما تتعرض له أكثر دول المنطقة والتى يمكن حصرها في المهددات التالية : مخاطر تهدد هوية الوطن إثارة النعرات الطائفية والخلافات الفقهية والمذهبية وصولا الى إنشاء تكوينات سياسية مختلفة على أسس طائفية مختلفة تخرج عن سياق الدولة القومية الحاضنة لكل ابنائها إنشاء تكوينات ثقافية جديدة يتم رعايتها واستقطابها خارجيا لتتحول فجأة الى توجه وتيار مجتمعي يتم تأطيره فى شكل سياسى ما ، يخرج فى ذاته عن سياق الدولة القومية الحاضنة لكل ابنائها تهميش بعض أو أحد التكوينات الدينية أو العرقية المختلفة ، فيفتح الطريق لاستثماره من قبل منظمات حقوق الإنسان والمؤسسات الدولية المختلفة وتحويلها الى ازمة سياسية تمهيدا لصياغتها فى مكون سياسيى ما يخرج عن سياق الدولة القومية الحاضنة لكل ابنائها العمل على تفكيك منظومة القيم الكلية الأساسية الحاكمة لتوجهات وسلوك المجتمع وخلق حالة من الفراغ والارتباك والتيه القيمى الذى يمهد البيئة الاجتماعية المحلية لتلقي القيم الخارجية الوافدة والتى تعمل غالبا على تغيير ثقافة وهوية المجتمع وخروجه بالكلية عن سياق الدولة القومية الحاضنة لكل ابنائها إشعال الفتن السياسية والترويج لفكرة المحاصصات الطائفية بدعوى بلوغ الاستقرار السياسى فى حين انها فى حقيقتها تمكين للفتنة والانقسام المجتمع الذى يؤسس لخروج كيانات كثيرة عن سياق الدولة القومية الحاضنة لكل ابنائها تعمل فى خدمة ذلك العديد من مراكز البحوث والدراسات المختلفة التى تروج للمفاهيم وأفكار التقسيم الطائفى عبر عقد المؤتمرات والندوات وحلقات النقاش المختلفة ، وإصدار التقارير الدورية المستمرة التى تتعمد التركيز على أية خلافات وحوادث طائفية وتلقى عليها الضوء وتبرزها وتضخمها ، كما تعززها بمؤشرات القياس المختلفة والتى تقدم موادها المفاهيمية والمعلوماتية الخام الى ما يعرف بالنخب الثقافية من الكتاب والإعلاميين لترويجها على عموم الجماهير . يتكرر الأمر من حولنا فى لبنانالعراق والسودان ثم سوريا ومصر واليمن والسعودية والتي تعد الدولة التالية المرشحة بقوة للتقسيم عي أساس ، والخشية ان يمتد الامر لبقية دول الخليج والمغرب العربي ، وما هى عن المؤامرة والفتنة ببعيد ، ولهذا تبقى الحاجة ملحة وعاجلة وبقوة لسلسة من مشروعات تأمين الهوية القومية الخاصة والعربية بشكل عام يأتى فى مقدمتها مشروع عام وموحد لتحديد الثوابت والملامح الاساسية للهوية العربية الواحدة لكل من يتحدث بالعربية من الخليج الى المحيط يوازيها مشروع خاص للهوية الوطنية الخاصة لكل دولة من دولنا العربية يؤكد خصوصيتها من جهة وارتباطها بمكونها العام وحاضنتها الكبيرة الامة العربية الواحدة . بالإضافة الى المشروع الأساس والذى سيكون ركيزة لبناء وتطوير العنصر البشري لمجتمعاتنا العربية ألا وهو مشروع رعاية وتطوير وتمكين علم تخطيط وبناء القيم والهوية والذى أشرف بالعمل على تأسيسه وبناؤه وتطوير منذ عقد ونصف من الزمان والذى يبحث فى ماهية وأهمية القيم وكيفية تخطيط منظومات القيم المختلفة للشرائح العمرية والمهنية والمجتمعية المختلفة ، لتحسين جودة السلوك والأداء والانجاز الفردى المجتمعى والمؤسسى فى مجالات الحياة والعمل المختلفة ، وكيفية تعزيز وتمكين هوية المجتمعات والمحافظة عليها وتطويرها واستثمارها لحماية الأمن القومى للمجتمع ومن جهة ومن جهة أخرى إستثمارالهوية فى تعزيز قدرة المجتمع على الفعل والانجاز الحضاري * رئيس مركز هويتى لدراسات وبحوث القيم والهوية