سعدت كما سعد غالبية المصريين بالوزارات الأربع الجدد، والتى تعكس الاهتمام التفصيلى الكبير بهموم واحتياجات الشعب المصرى، وضرورة تحسين حالته المعيشية، بيد أن قلقى زاد على مشروع النهضة عندما لم أجد وزارة متخصصة لتولى مهمة إعادة هندسة الهوية المصرية، واللازمة لإعادة إنتاج الشخصية المصرية القادرة على الاتحاد والتعاون والاحتشاد والعمل والإنجاز، والتى تعد الرافعة الأساسية لتنفيذ مشروع النهضة. بالتأكيد نعيش حلمًا جميلاً هو حلم النهضة المصرية، والذى نتمنى أن يتحقق قريبًا إلى واقع ملموس، وبالتأكيد كلنا كمصريين وطنيين مخلصين لمصر نتنافس فيما بيننا لتقديم كل ما نستطيع لتحويل حلم النهضة إلى حقيقة، وعلامته ومؤشره إن شاء الله تعالى هو انتقال مصر من دول الأطراف إلى مركز القرار والأحداث فى المنطقة والعالم، وإنه لقريب جدًا وعلى مرأى البصر بإذن الله تعالى. بيد أن لكل حلم يريد أن يتحقق استحقاقات تتمثل فى أفكار وخطط ومشاريع عمل وإنجازات متتالية تتحقق، تأتى جميعها وفق سنن وقوانين الحياة فى هذا الكون، ومن أهم سنن وقوانين الله تعالى فى كونه: هو أن بداية التحولات النوعية فى حياة البشر- والتى تعرف بمحطات النهوض هو التحول والتطور فى بناء هوية الإنسان الحضارى الفاعل عقيدة وثقافة وفكرًا وقيمًا، والتى تنتقل من الفرد إلى المجتمع فيما يعرف بالتحولات الثقافية والاجتماعية، والتى يتبعها نضج وتطور فى سلوك المجتمع يحرك آلة الإنتاج والاقتصاد والسياسة.. ولا شك أن هوية الفرد والمجتمع تضعف وتقوى، وتتحرك تبعًا لها قوة وقدرة المجتمع والدول على الفعل والإنجاز. كما أن من أهم الأدوار الوظيفية للهوية، بالإضافة إلى تفجير طاقات البشر لتقديم أفضل ما لديهم، هو تعزيز التوافق الاجتماعى بين الطوائف المتلفة داخل المجتمع الواحد التى تمنح المجتمع قوة وصلابة ذاتية لمواجهة ومغالبة أى تحديات تعوق مسيرته النهضوية. وبالتأكيد ونحن فى هذه المرحلة المفصلية من تاريخ مصر نحتاج وبشدة إلى هذين الدورين المهمين، ولا يمكن الاستغناء بأى حال من الأحوال عنهما أو أحد منها، حيث سيعد تهديدًا لتحقيق حلم النهضة يرقى إلى أن يكون تهديدًا للأمن القومى المصرى، خاصة ونحن نعيش حالة من حالات الارتباك والضعف فى بنية الهوية المصرية، والتى استمرت فى التعرض لمحاولات الهدم والتفكيك والإحلال على مدار ما يقارب النصف قرن من الزمان. ومن أهم المؤشرات التى تؤكد الضعف والارتباك المؤقت التى تعانيها هويتنا المصرية، والتى سنتعافى منها قريبًا إن شاء الله، إن أحسنا تخطيط وإعادة هندسة هويتنا المصرية من جديد. أهم مؤشرات الضعف المؤقت للهوية المصرية: بالرغم من عراقة وأصالة وتميز الشخصية المصرية، إلا أنها وبفعل ما تعرضت له قد أصيبت فى شىء غير قليل من منظومة قيمها الحاكمة، من أهم هذه المؤشرات هو الافتقار إلى رؤية إستراتيجية تحدد صفات وملامح المنتج البشرى المصرى المطلوب لتحمل مهمة تحويل مشروع النهضة من حلم إلى حقيقة، كذلك التباين الكبير فى الهوية الحالية التى وصل إليها الواقع المصرى وبين الملامح الأساسية لمجتمعات التنمية والنهوض فى العالم المعاصر على الأقل. ضعف مستوى الأداء والإنجاز المجتمعى. غياب الاستثمار الأمثل للمواهب والقدرات البشرية المتاحة. ندرة وشح المبادرات الفردية. اتساع فجوة التباين بين طوائف ومكونات المجتمع، وتحوله إلى صراع ناعم مرشح للتحول إلى صراع صلب. ضعف التأثير القيمى على إدارة وتنظيم وضبط سلوك المجتمع، وتحول دوافع وأبجديات الصراع المجتمعى إلى صراع على المصالح تباعًا، وربما تهمل فيه القيم الدينية والأخلاقية. تعدد وتباين المرجعيات فى غياب عام يؤطرها وينظمها ويوجهها. ضعف الانتماء المؤقت للصالح العام للمجتمع إلى حساب المصالح الخاصة. تعدد الولاءات والانتماءات، وترجمتها إلى أجندات مجتمعية متباينة ومتصارعة أحيانًا. مخاطر هذا الضعف: من أهم مخاطر وتداعيات هذا الضعف هو ما نعيشه اليوم من حالتين: الأولى: فريق الثورة المضادة، وما يحاول صنعه من أزمات متنوعة ومتكررة لتشويه وتعويق مسيرة النهضة المصرية. الثانية: حالة الضعف والسلبية المجتمعية المتمثلة فى ضعف إيجابية جماهير الشعب المصرى فى مواجهة فريق الثورة المضادة، وردعه للتوقف عن ممارسة هذا الدور السلبى الخطير. أود أن أشير هنا إلى ما هو ثابت علميًا وتاريخيًا أن الشعوب ذات الهوية القوية الحية تنتفض أول ما تنتفض لمواجهة أى تهديد يحاول أن يصيب شيئًا من هويتها.. مما يتطلب ضرورة البدء فى عملية إعادة هندسة للهوية المصرية بمعنى "هندرتها" بإعادة تفكيكها وتركيبها من جديد وفق متطلبات المرحلة المقبلة، وأن يتم ذلك عبر فريق متخصص من علماء التربية وعلم النفس والعلوم الشرعية وخبراء فى مجال تخطيط القيم وصناعة الهوية. وللحديث بقية فى ماهية نظرية إعادة هندسة أو هندرة الهوية.