«مستقبل وطن».. أمانة الشباب تناقش الملفات التنظيمية والحزبية مع قيادات المحافظات    تفاصيل حفل توزيع جوائز "صور القاهرة التي التقطها المصورون الأتراك" في السفارة التركية بالقاهرة    200 يوم.. قرار عاجل من التعليم لصرف مكافأة امتحانات صفوف النقل والشهادة الإعدادية 2025 (مستند)    سعر الذهب اليوم الإثنين 28 أبريل محليا وعالميا.. عيار 21 الآن بعد الانخفاض الأخير    فيتنام: زيارة رئيس الوزراء الياباني تفتح مرحلة جديدة في الشراكة الشاملة بين البلدين    محافظ الدقهلية في جولة ليلية:يتفقد مساكن الجلاء ويؤكد على الانتهاء من تشغيل المصاعد وتوصيل الغاز ومستوى النظافة    شارك صحافة من وإلى المواطن    رسميا بعد التحرك الجديد.. سعر الدولار اليوم مقابل الجنيه المصري اليوم الإثنين 28 أبريل 2025    لن نكشف تفاصيل ما فعلناه أو ما سنفعله، الجيش الأمريكي: ضرب 800 هدف حوثي منذ بدء العملية العسكرية    الإمارت ترحب بتوقيع إعلان المبادئ بين الكونغو الديمقراطية ورواندا    استشهاد 14 فلسطينيًا جراء قصف الاحتلال مقهى ومنزلًا وسط وجنوب قطاع غزة    رئيس الشاباك: إفادة نتنياهو المليئة بالمغالطات هدفها إخراج الأمور عن سياقها وتغيير الواقع    'الفجر' تنعى والد الزميلة يارا أحمد    خدم المدينة أكثر من الحكومة، مطالب بتدشين تمثال لمحمد صلاح في ليفربول    في أقل من 15 يومًا | "المتحدة للرياضة" تنجح في تنظيم افتتاح مبهر لبطولة أمم إفريقيا    وزير الرياضة وأبو ريدة يهنئان المنتخب الوطني تحت 20 عامًا بالفوز على جنوب أفريقيا    مواعيد أهم مباريات اليوم الإثنين 28- 4- 2025 في جميع البطولات والقنوات الناقلة    جوميز يرد على أنباء مفاوضات الأهلي: تركيزي بالكامل مع الفتح السعودي    «بدون إذن كولر».. إعلامي يكشف مفاجأة بشأن مشاركة أفشة أمام صن داونز    مأساة في كفر الشيخ| مريض نفسي يطعن والدته حتى الموت    اليوم| استكمال محاكمة نقيب المعلمين بتهمة تقاضي رشوة    بالصور| السيطرة على حريق مخلفات وحشائش بمحطة السكة الحديد بطنطا    بالصور.. السفير التركي يكرم الفائز بأجمل صورة لمعالم القاهرة بحضور 100 مصور تركي    بعد بلال سرور.. تامر حسين يعلن استقالته من جمعية المؤلفين والملحنين المصرية    حالة من الحساسية الزائدة والقلق.. حظ برج القوس اليوم 28 أبريل    امنح نفسك فرصة.. نصائح وحظ برج الدلو اليوم 28 أبريل    أول ظهور لبطل فيلم «الساحر» بعد اعتزاله منذ 2003.. تغير شكله تماما    حقيقة انتشار الجدري المائي بين تلاميذ المدارس.. مستشار الرئيس للصحة يكشف (فيديو)    نيابة أمن الدولة تخلي سبيل أحمد طنطاوي في قضيتي تحريض على التظاهر والإرهاب    إحالة أوراق متهم بقتل تاجر مسن بالشرقية إلى المفتي    إنقاذ طفلة من الغرق في مجرى مائي بالفيوم    إنفوجراف| أرقام استثنائية تزين مسيرة صلاح بعد لقب البريميرليج الثاني في ليفربول    رياضة ½ الليل| فوز فرعوني.. صلاح بطل.. صفقة للأهلي.. أزمة جديدة.. مرموش بالنهائي    دمار وهلع ونزوح كثيف ..قصف صهيونى عنيف على الضاحية الجنوبية لبيروت    نتنياهو يواصل عدوانه على غزة: إقامة دولة فلسطينية هي فكرة "عبثية"    أهم أخبار العالم والعرب حتى منتصف الليل.. غارات أمريكية تستهدف مديرية بصنعاء وأخرى بعمران.. استشهاد 9 فلسطينيين في قصف للاحتلال على خان يونس ومدينة غزة.. نتنياهو: 7 أكتوبر أعظم فشل استخباراتى فى تاريخ إسرائيل    29 مايو، موعد عرض فيلم ريستارت بجميع دور العرض داخل مصر وخارجها    الملحن مدين يشارك ليلى أحمد زاهر وهشام جمال فرحتهما بحفل زفافهما    خبير لإكسترا نيوز: صندوق النقد الدولى خفّض توقعاته لنمو الاقتصاد الأمريكى    «عبث فكري يهدد العقول».. سعاد صالح ترد على سعد الدين الهلالي بسبب المواريث (فيديو)    اليوم| جنايات الزقازيق تستكمل محاكمة المتهم بقتل شقيقه ونجليه بالشرقية    نائب «القومي للمرأة» تستعرض المحاور الاستراتيجية لتمكين المرأة المصرية 2023    محافظ القليوبية يبحث مع رئيس شركة جنوب الدلتا للكهرباء دعم وتطوير البنية التحتية    خطوات استخراج رقم جلوس الثانوية العامة 2025 من مواقع الوزارة بالتفصيل    البترول: 3 فئات لتكلفة توصيل الغاز الطبيعي للمنازل.. وإحداها تُدفَع كاملة    نجاح فريق طبي في استئصال طحال متضخم يزن 2 كجم من مريضة بمستشفى أسيوط العام    حقوق عين شمس تستضيف مؤتمر "صياغة العقود وآثارها على التحكيم" مايو المقبل    "بيت الزكاة والصدقات": وصول حملة دعم حفظة القرآن الكريم للقرى الأكثر احتياجًا بأسوان    علي جمعة: تعظيم النبي صلى الله عليه وسلم أمرٌ إلهي.. وما عظّمنا محمدًا إلا بأمر من الله    تكريم وقسم وكلمة الخريجين.. «طب بنها» تحتفل بتخريج الدفعة السابعة والثلاثين (صور)    صحة الدقهلية تناقش بروتوكول التحويل للحالات الطارئة بين مستشفيات المحافظة    الإفتاء تحسم الجدل حول مسألة سفر المرأة للحج بدون محرم    ماذا يحدث للجسم عند تناول تفاحة خضراء يوميًا؟    هيئة كبار العلماء السعودية: من حج بدون تصريح «آثم»    كارثة صحية أم توفير.. معايير إعادة استخدام زيت الطهي    سعر الحديد اليوم الأحد 27 -4-2025.. الطن ب40 ألف جنيه    خلال جلسة اليوم .. المحكمة التأديبية تقرر وقف طبيبة كفر الدوار عن العمل 6 أشهر وخصم نصف المرتب    البابا تواضروس يصلي قداس «أحد توما» في كنيسة أبو سيفين ببولندا    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



رؤية مرجعية للنهوض
نشر في محيط يوم 19 - 07 - 2012


مركز "محيط" للدراسات السياسية والإستراتيجية
إعداد مدحت ماهر

في دراسة معمقة، عرضت أ.د.نادية مصطفى ل"مشاريع النهوض الحضاري عبر القرن العشرين"، أوضحت أطروحات هذه المشروعات بإجمال والتي اتسم الكثير منها بالشمول مثل (الجامعة الإسلامية)، وكيف جاء تركيز أغلبها على: أسباب ضعف الأمة (الاستعمار والاستبداد والتخلف)، ومحاولة تجاوز النظر إلى الواقع وتطوراته إلى مستقبل أرحب لكن دون استيعاب للواقع نفسه.

كما اتسم كثير من المشروعات بالتعميم المفرط، والاجتزاء في مداخل الإصلاح: سياسي، أو اقتصادي، أو تربوي، دون ربط بينها، وكذلك العناية بعالم الأفكار دون عوالم المؤسسات والأشخاص والأحداث، وأخيرًا اتسمت أغلب هذه المشروعات بالفصل بين الداخل والخارج بصورة عامة. والخلاصة أنها تعبر عن جهود فكرية عميقة لكن بلا جهد حقيقي للتقريب من التنفيذ والتطبيق.

وأما سؤال (لماذا لم تثمر كثير من المشاريع الفكرية والنهضوية نتيجة حقيقية؟) طرحت تفسيرات عدة: الفصل الذي أقامه بعض الرواد بين الديني-المجتمعي-التربوي وبين الشأن السياسي -الاستراتيجي، وضعف اتصال الفكر النهضوي بالواقع، كذلك انطلقت مشروعات من قطيعة إما مع المرجعية والأصل، أو مع جديد العصر.

وفي النهاية فنحن أمام فرصة تاريخية لإنجاز مشروع نهضوي عملي يبدأ من مصر ويمتد إلى سائر الأمة فالعالم، وينبغي أن نستفيد من مثالب التجارب السالفة سواء في المشاريع الفكرية أو الخبرات العملية (كثورات مصر 1919، 1952..)، ولقد أصبح المشروع النهضوي اليوم في حاجة ماسة إلى الجمع بين الفكر والعمل.

والفكر يشمل: الرؤية التأسيسية، والهوية والانتماء الحضاري، ومداخل التغيير، وأولويات المرحلة.

والعمل يشمل: التوعية والاتصال بقطاعات المجتمع المختلفة، وآليات عدة: لإنشاء أو تبني كيانات تقوم على تفعيل فكر النهوض، وآليات للتحريك والتحويل من الفكر إلى الحركة، ضمن فقه تدبير عملي، وآليات للتنسيق والتجميع، وآليات ترشيد وحفز.

ولذا فمركز الحضارة يدعو إلى تأسيس خطاب نهضوي مصري يتفاعل مع القوى البازغة بعد 25 يناير، ويتطور من خلال التفاعل؛ ليدعم مجرى الأمور بروح نهضوية دافعة.

وفيما يلي تصور لهذا الخطاب وأسسه وإشكالاته ومفاتيح المبادرة به.

أ) أسس التجدد الحضاري من مصر الثورة إلى الأمة والعالم:
يقوم النهوض والتجدد الحضاري في مصر اليوم على عدد من الأسس أهمها:

1- حسم الأسئلة الكبرى حول الجماعة الوطنية المصرية؛ وهي المتعلقة بأمرين: الهوية والمرجعية. وهذه قضية ينبغي أن تتبنى الثورة فيها ما تمليه مقومات الشخصية المصرية (القائد الأساس للثورة وعامل نجاح نموذجها الرئيس). وتتركب الهوية المصرية من دوائر انتماء متحاضنة لا يلغي بعضها بعضا، تتركب من تراث متجدد وتاريخ متمدد وجغرافيا لها دلالاتها، وخبرة حديثة أسست لمعنى الوطنية المصرية الحقة. كما ينسجم الإطار المرجعي للجماعة الوطنية المصرية انسجامًا قويًّا مع مكونات الهوية المصرية. فمصر عربية إسلامية أسهم في تكوين شخصيتها عبر التاريخ أقباط ومسلمون، وتشربت من روح الدين –بعامة- إيمانا عميقا بالقيم الإنسانية السامقة، فتجد هويتها –رغم وضوحها وتحيزها إلى الذات الحضارية- خالية من معاني التعصب والشوفينية لصالح سماحية نادرة في التلاقي مع الآخرين.

2- الاعتراف بالسمات الأساسية للتيار الوطني الأساس الذي تتحرك على ضفافه تنويعات غير متنافية ولا متجافية. وهذا التيار ينطلق من التأسيس السابق (الهوية والمرجعية المصرية)، ومن مجموعة القيم التي هي محل إجماع وطني، لكنها ترجّح خيارات الأغلبية فيما يتعلق بالجمع بين الأصالة والمعاصرة وعدم المنافاة بينهما. فالتيار الوطني الرئيس يبدأ من الذات المصرية لكنه لا ينكفئ عليها، وينطلق من المخزون الثقافي المصري لكنه لا ينغلق دونه، يعظم من قيمة تحرر الإرادة السياسية من قيود الخارج والاستقلال عن أية تبعيات دولية لكن لصالح تعامل متوازن وتعاون مع العالم، ونصرة قضايا الأمة العربية والإسلامية. كما يؤكد هذا التيار الرئيس على الوحدة الوطنية بين أعضاء الوطن، والتعددية السياسية التي ينبغي توجيهها للتكامل والتساند تحت مظلة المصالح الوطنية الحيوية.

3- اعادة تأسيس العلاقة بين المجتمع والدولة وفق عقد اجتماعي جديد وجدّيّ؛ عقد اجتماعي يحرر مجتمعنا (ومن وراء نموذجنا مجتمعات عديدة) من سائر القيود والسدود التي كرستها الدولة-القمعية بتغولها وتوغلها. إن من أهم مفاتيح التجدد الحضاري في مصر اليوم إعادة مساحات فاعلية المجتمع إليه، وتجديد الروح في الجماعات الوسيطة والكيانات المنظمة لشتات المجتمع، وتوسيع المجال أمام المبادرات العملية للبناء والإصلاح. فالوقف والمسجد والتعليم الحر والمنتديات الفكرية واللجان الشعبية والروابط العائلية والتجمعات الشبابية (الخدمية والتربوية)، والنقابات المهنية، وطوائف الصنايعية، ودور الرعاية الصحية، وشركات الخدمات في المواصلات والاتصالات والتدريب والتأهيل المهني و..الخ، من الفعاليات المجتمعية، ينبغي أن تأخذ موضعها من التأسيس والنمو الطبيعي خارج قيوك وموانع الدولة البوليسية أو البيروقراطية الجوفاء.

4- توسيع مساحة الخطاب الإنساني بحيث يشتمل الخطاب المصري الوطني على كافة الروافد، ويصبّ في عافية الوطن وأهله وجواره. فالدين الحنيف والعلم الحديث، والفكر العاقل والواقع الماثل، والتراث والعصر، .. كلها مواطن عطاء ينبغي أن تؤول إلى تطوير الشخصية المصرية وتنمية الثقافة وأخلاقيات العيش والعمل، وتدفع باتجاه الإنجاز وتعظيم القوة المصرية ومراكمة ثروات تمكننا من تبوء مكانتنا اللائقة بنا: ثقافيا وسياسيا واقتصاديا واستراتيجيا.

5- صناعة الحلم (النموذج الحضاري المصري ضمن أمة حاضنة): فخطاب النهوض خطاب غائي؛ يهدف إلى بث روح الأمل في نفوس عامة الأمة المصرية، ويجعل من الحلم مغناطيسا يجذب فرسانه ويجمع طاقات الأمة حوله. على الخطاب أن يُغلِّب حلم النهوض على سائر الأحلام الجزئية والفئوية والطائفية والمذهبية والإقليمية، وأن يصله في نفس الوقت بالطموحات المشروعة لفئات المجتمع المختلفة؛ بحيث يكون مجمع غاياتنا وموجها لها في نفس الآن.

ب) كوابح التجدد الحضاري في مصر خاصة وكيفية مواجهتها:

1- استمرار منطق الدولة-القومية، ومعها ثقافة الاستبداد الشمولي التي ترعرعت عبر عهود من ممارسة الاستبداد من أطراف (الدولة ونخب مثقفة ودينية، ورأسماليين..)، والجريان على القابلية للاستبداد من أطراف أخر (القواعد الجماهيرية). لقد كرست هذه الحالة عقلية ونفسية ممهدة لمزيد من الاستبداد والفساد ومن العسير تغييرها في الأجل القريب، ولا شك أن الخطاب النهضوي ينبغي أن يراعي المستوى الذي تقبع عنده هذه العقلية والنفسية العامة في مصر بعد 25 يناير.

2- تضييق مفاهيم الحياة المصرية المتعلقة بالسياسة والاقتصاد والاجتماع والثقافة. فالعقل المصري العام اعتاد على أن السياسة عمل الدولة ونطاقها العاصمة المعصومة من أي تدخل عبر المحافظات، وأن الاقتصاد شغل رجال الأعمال وأرباب التوكيلات الكبرى لا الورش ولا الشوادر، وأن الاجتماع هو الذي يعرضه الإعلام لا سيما المرئي من القاهرة وضواحي المدن الراقية لا القرى ولا النجوع ولا العشش، وأن الثقافة هي ما تنتجه نخبة وزارة الثقافة والمجلس الأعلى للثقافة وليست أنماط التفكير والعيش والسلوك السائدة في المجتمع.

والواجب على الخطاب المصري النهضوي أن يبادر بالهجوم على هذا التحجيم والإقصاء الجائر، وأن يعيد إلى السياسة سعة معناها من كونها تحصيل أو توصيل الخير للغير وتبدأ من البيت والطريق وعلاقات العمل ومناطها الخدمة العامة لا السلطة القاهرة ويعمل فيها كل من له رغبة وقدرة وكل بحسب طاقته بلا حاجة إلى مناصب أو قوالب، وهكذا بالنسبة لسائر القطاعات الحياتية.

3- التبعية الشاملة أو الواسعة للخارج، فليست الدولة أو الحكومة وحدها هي المرتبطة بالخارج بحبل سوي يغذيها بالأهداف والواجبات والموارد، بل إن تكوينات غير رسمية عديدة حركتها مشروطة بتوجهات أو بمعونات أو بتوافقات خارجية؛ مثل نماذج من: غرف الأعمال (الصناعية والزراعية والتجارية والسياحية..)، والشركات القائمة على توكيلات عابرة للقارات، والتجارات المعتمدة على الاستيراد البحت، ومراكز الأبحاث والفكر والثقافة والفنون والنشر الممولة من الخارج، والقنوات الفضائية، وجمعيات العمل الأهلي في مجالات المرأة والطفولة والشباب وتحقيق التراث وتنمية المجتمع المحلي والصناعات الصغيرة والأسر المنتجة... إن الخروج من ربقة هذه الصلات ليس بالأمر الهين ولكن مواجهتها بحزم بحيث تحصن الجبهة الداخلية من مغبّاتها من الأولوية بمكان. يجب على الخطاب النهضوي أو المستضل بمعنى النهوض أن يكون حاسما في هذا الصدد: لا تسامح مع العمالة الحضارية: السياسية أو الاقتصادية أو الفكرية.

4- امتداد خطابات الصراع والتفتيت لتكوينات مصر الداخلية، وانتماءاتها الخارجية بوعي وبغير وعي؛ أثر عن ترسخ هذه الروح في العهود السالفة. فالأسرة تحولت إلى قضية تمكين المرأة والفتاة ووفق تناول نزاعي باسم الحقوق، والسياسة لا تعرف إلا الحكم والمعارضة، والاقتصاد صراع أصحاب المهنة الواحدة أو المجال الواحد، والمجال الفكري صراعات وتفتيتات متتالية:

إسلاميون وعلمانيون، محافظون ومتحررون، وعصريون وأصاليون،.. ومحبون للغرب وحضارته وكارهون للغرب أفكاره وسياساته،.. في ثنائيات وازدواجيات غير منحصرة. فإذا زدنا على هذا محاولات بعض التيارات وفكر الحزب الوطني فصل مصر عن دوائر انتمائها ضمن استراتيجيات تفتيت المنطقة المفتتة. نحن مطالبون بفرض التوافق لصالح مصر الدولة والمجتمع ولصالح الأمة العروبة والإسلام، ولصالح التصالح مع العالم من باب أن مصر تقود أمة تحمل رسالة للعالمين؛ رسالة تحرر من كل سلطان إلا سلطان الله تعالى وعدل يشمل الناس جميع، وسعة لا تقصر العقل والنفس والفكر والحركة على دنيوية مادية لا آخرة بعدها ولا غاية وراءها.

5- اقتصاد مترهل ومتدهور إلى أبعد الدرجات، قطاعاته الإنتاجية ساقطة، ونشاطاته الخدمية تعيش وهم الفاعلية بجدارة، مؤشرات التنمية خلال العقد الأخيرة متدنية ومتراجعة كل حين، معدلات مخيفة من البطالة والتشرد (لا مأوى)، كفاءات مهدرة بالجملة، وقوى عمل ضعيفة الكفاءة، بالإضافة إلى سيطرة الاحتكار على نسبة غير ضئيلة من الأنشطة الاقتصادية: كالاتصالات والأدوية والنشاط العقاري. ضم إلى هذا ثقافة استهلاك عامة تشمل الغني والفقير ولا نزوع نحو الادخار فضلا عن الاستثمار، مع اتساع الفجوة الطبقية بصورة فجة أثارت انتباه النظام السابق نفسه في أكثر من مناسبة.

إن الخطاب النهضوي ينبغي أن يستحضر هذا الواقع والحفز باتجاه القضاء على عوامله بالأمل والعمل معا. فخطاب الواقعية ينبغي ألا يقف عند واقعية سوداء تقول بأنه لا جديد تحت شمسنا بعد 25 يناير ولا فائدة ولا عائدة، وينبغي أيضا ألا نجري واء التفكير بالتمني والحركة بالخيال فنرى أن مصر قد تغيرت بالفعل وكلاًّ بمجرد إزالة الكابح السياسي والأمني المطبق. الخطاب النهضوي يجب أن يكون خطاب الواقعية العملية الجامع بين الوعي بالواقع والسعي لتغييره بيقين راسخ وأمل فسيح.

إن تجاوز هذه العراقيل لا يكون إلا باقتحام العقبة، وتوسيع النظر ليرى الناهضون بمصر نقاط القوة فيها ومداخل الحركة والتغيير.

ج) محركات أولية للنهضة الحضارية المصرية في ظل المد الثوري وإشكالاته:

1- تأكيد حالة التحرر الشعبي وتوجيهها نحو قيم الخير والإحسان والإيجابية والإصلاح: فلا حراك بلا حرية، والحرية بلا إطار قيمي حاكم مشروع فوضى، ومساحة التحرر الراهنة فرصة ينبغي استثمارها وحمايتها من الانقلاب عليها، ووضع قواعد العمل الصحي فيها. إن خطاب حفظ التحرر هو رأس حربة الخطاب النهضوي الراهن، والخطاب القيمي سياجه الدافع لا المانع؛ ومن ثم فينبغي تأكيد قيم الكرامة الإنسانية والإيجابية والعزة الحضارية.

2- إبداع مساحات فاعلية جديدة: من خلال توفير قنوات لإبراز المبادرات التنموية والمشاريع المجددة والمبدعة، وتحويل الجيد منها إلى مجالات تتنادى وتتداعى عليها الخطابات والجهود.

3- تشجيع نمو قوى المجتمع المعبرة عن روحه ومصالحه: ففي المرحلة الراهنة ينبغي لخطاب النهوض أن يعنى بتأسيس قواعده على الأرض من خلال التواصل مع الكيانات السياسية والمجتمعية الصاعدة، وتزويدها بطاقة فكرية ومنهجية ترشد حركتها وتضمها إلى ركب النهضة.

4- تطوير الصلات المجتمعية وتنظيمها: فلا قيام للمجتمع بمجرد تجدد القوى والكيانات المجتمعية الناهضة، بل لابد من التشبيك بينها من خلال ثقافة العمل الجماعي والتنسيق بين النشاطات المتشابهة لتبادل الخبرات وتداول الرؤى والموارد. وفي هذا ينبغي العمل على تطوير صلات أقاليم البر المصري، وأن يكون الفكر النهضوي لامركزيا، وأن تقوم كيانات مهمتها الأساسية التوصيل والتشبيك.

5-تجديد دماء العلاقات مع شعوب دوائرنا الحضارية وكياناتها الفاعلة: فحفظ الفعاليات المجتمعية والسياسية المصرية لا يتم إلى من خلال توسعة مجال النظر والحركة. فالجهود التنموية العربية والإسلامية ينبغي أن تتحرك باتجاه مصر، كما أن روح الانتماء المصرية ينبغي أن تتوجه نحو الأخوة العربية والإسلامية والصداقة الأفريقية واللاتينية والآسيوية،باسم القوى الطامحة إلى النهوض والنمو.

6- تجديد الخطاب الحضاري مع العالم، مدعوما بقوى متخصصة ونشاط منظم؛ يعبر عن شيء واضح: مصر تتجدد وتتحرك في إطار جديد، وعلى العالم أن يحترم طموح النهوض واستقلاليته، وأن يكون التعاون الدولي معنا متوازنا غير جائر، وأبواب مصر مفتوحة لتبادل المنافع، وعيونها كذلك مفتوحة أمام التحديات والمخاطر. إننا بحاجة واضحة إلى تعامل دبلوماسي شعبي ورسمي متدرج ومتوازن مع الغرب، يسبقه هذا الخطاب.

وبالإجمال، فإن انتقال قضية النهوض من المشروع الفكري العام إلى خطاب مظلة مستقرة وخطابات فاعلية جارية تجابه المتغيرات، يستلزم تأسيس جهاز فكري –مثل تحالف الفكر الحر- ومنبر إعلامي، يرعى تأسيس هذا الخطاب، وإنتاج قطع من نسيجه في كل مقام، والقيام بتوصيلها إلى العموم، أو المعنيين.

*هذه الورقة قدمت في المؤتمر المصري الأول للنهوض والتنمية والذي عقد في 16، 17يوليو 2012


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.