كشف ملابسات واقعة اعتداء أحد الأشخاص على طالبة وإصابتها بالقاهرة    الأوقاف: خطبة العيد لا تتعدى 10 دقائق وتوجيه بالتخفيف على المصلين    جيش الاحتلال: اعتراض هدف جوي مشبوه كان في طريقه للأراضي الإسرائيلية شرقا    أسامة رسلان بقناة الناس: عرفة يوم المباهاة الإلهية والمناجاة العلية    «الزراعة»: متبقيات المبيدات يستقبل ويصدر 1500 عينة منتجات غذائية اليوم    بعثة المجموعة الإنمائية «SADC» تطلع على التجربة المصرية في التعليم الرقمي    «من كل فجٍّ عميق».. السعودية تكشف عدد الحجاج هذا العام    85 ساحة لأداء صلاة عيد الأضحى المبارك بمراكز الشباب والأندية ب كفر الشيخ    إيرادات فيلم اللعب مع العيال في 3 أيام عرض    تحذير مهم من «الإفتاء» بشأن تلويث البدن والثياب والممتلكات بدماء الأضاحي    مصدر ليلا كورة: سيراميكا كليوباترا يقترب من تجديد عقد محمد إبراهيم    بشرى سارة لجماهير الزمالك قبل مباراة القمة أمام الأهلي في الدوري (خاص)    البحيرة: اتخاذ كل إجراءات الحفاظ على سلامة المواطنين في عيد الأضحى    ما أسباب تثبيت الفيدرالي الأمريكي أسعار الفائدة؟.. خبير اقتصادي يجيب    موعد صلاة العيد 2024 في الأردن.. اعرف الأماكن    أسقف جنوب سيناء ووفد كتدرائية السمائيين يهنئون المحافظ بعيد الأضحى    الهلال الأحمر الفلسطيني: الاستهدافات الإسرائيلية للمنشآت والمرافق تستهدف إبادة مقومات الحياة في غزة    جيش الاحتلال يؤكد مقتل 8 من ضباطه وجنوده في المعارك بجنوب قطاع غزة    عودة البريق لألبومات الصيف بموسم غنائى ساخن    مساجد الإسكندرية انتهت استعداداتها لاداء صلاة عيد الأضحى    لكل مشتاق لزيارة بيت الله الحرام.. شاهد| دعاء مؤثر لأزهري من جبل عرفات    د. أيمن أبو عمر: يوم عرفة فرصة للطاعة والتوبة    "الخضيري" يوضح وقت مغيب الشمس يوم عرفة والقمر ليلة مزدلفة    بعد تريند «تتحبي».. تامر حسين يكشف تفاصيل تعاونه مع عمرو دياب للأغنية 69    محمد رمضان يشوق محبيه بطرح «مفيش كده» خلال ساعات | صور    حزب المؤتمر يهنئ الرئيس السيسى والشعب المصرى بعيد الأضحى    قبل احتفالات عيد الأضحى.. احذر من عقوبات التنمر والتحرش والتعدي على الغير    عيد ميلاد صلاح.. عودة أوروبية وحلم إفريقي في عامه الجديد    هل يجوز للحاج أن يغادر المزدلفة بعد منتصف الليل؟.. الإفتاء تُجيب    «الغذاء والدواء السعودية»: شرب الماء بانتظام وحمل المظلة يقي الحاج الإجهاد الحراري    إحالة مديري وحدتي الرعاية الأساسية بالميدان والريسة ب العريش للتحقيق بسبب الغياب    لا تتناول الفتة والرقاق معًا في أول يوم العيد.. ماذا يحدث للجسم؟    مركز الأزهر العالمي للفتوى الإلكترونية يحذر الحجاج من الوقوف في منطقة تقع على حدود جبل عرفات في السعودية ويشير إلى أنها "يفسد الحج".    كم تكبدت الولايات المتحدة جراء هجمات الحوثيين في البحر الأحمر؟    ميسي يتصدر قائمة الأرجنتين النهائية لبطولة كوبا أمريكا 2024    عروض الأضحى 2024.. «يوم عاصم جدا» يعود من جديد على مسرح السلام    وفاة حاج عراقي علي جبل عرفات بأزمة قلبية    أردوغان: النصر سيكون للشعب الفلسطيني رغم همجية إسرائيل ومؤيديها    استقرار سعر الدولار مقابل الجنيه المصري يوم السبت 15 يونيو 2024    مستشفيات جامعة عين شمس تستعد لافتتاح وحدة علاج جلطات ونزيف المخ والسكتة الدماغية    الكشف على 900 حالة خلال قافلة نفذتها الصحة بمركز الفشن ببنى سويف    تنسيق الجامعات 2024.. شروط القبول ببرنامج الترجمة التخصصية باللغة اليابانية بآداب القاهرة    أخبار الأهلي : هل فشلت صفقة تعاقد الأهلي مع زين الدين بلعيد؟ ..كواليس جديدة تعرف عليها    مؤتمر نصف الكرة الجنوبي يختتم فعالياته بإعلان أعضاء المجلس التنفيذي الجُدد    بقرار من المحافظ.. دخول ذوي الهمم شواطئ الإسكندرية بالمجان خلال العيد (صور)    عن عمر يناهز 26 عاما.. ناد إنجليزي يعلن وفاة حارس مرماه    نزلا للاستحمام فغرقا سويًا.. مأساة طالبين في "نيل الصف"    تدعم إسرائيل والمثلية الجنسية.. تفاصيل حفل بلونديش بعد المطالبة بإلغائه    سعر الدولار في البنوك المصرية اليوم السبت 15 يونيو 2024    «تايمز 2024»: الجامعة المصرية اليابانية ال19 عالميًا في الطاقة النظيفة وال38 بتغير المناخ    بقايا الجيل الذهبي تدافع عن هيبة تشيلي في كوبا أمريكا    وفد "العمل" يشارك في الجلسة الختامية للمؤتمر الدولي بجنيف    مصادر أمنية إسرائيلية: إنهاء عملية رفح خلال أسبوعين.. والاحتفاظ بمحور فيلادلفيا    محطة الدلتا الجديدة لمعالجة المياه تدخل موسوعة "جينيس" بأربعة أرقام قياسية (فيديو)    يسع نصف مليون مصلٍ.. مسجد نمرة يكتسى باللون الأبيض فى المشهد الأعظم يوم عرفة    وزير النقل السعودي: 46 ألف موظف مهمتهم خدمة حجاج بيت الله الحرام    مقرر المحور الاقتصادي بالحوار الوطني: ميزانية الصحة والتعليم اختيار وليس قلة موارد    دي لا فوينتي: الأمر يبدو أن من لا يفوز فهو فاشل.. وهذا هدفنا في يورو 2024    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



رؤية مرجعية للنهوض
نشر في محيط يوم 19 - 07 - 2012


مركز "محيط" للدراسات السياسية والإستراتيجية
إعداد مدحت ماهر

في دراسة معمقة، عرضت أ.د.نادية مصطفى ل"مشاريع النهوض الحضاري عبر القرن العشرين"، أوضحت أطروحات هذه المشروعات بإجمال والتي اتسم الكثير منها بالشمول مثل (الجامعة الإسلامية)، وكيف جاء تركيز أغلبها على: أسباب ضعف الأمة (الاستعمار والاستبداد والتخلف)، ومحاولة تجاوز النظر إلى الواقع وتطوراته إلى مستقبل أرحب لكن دون استيعاب للواقع نفسه.

كما اتسم كثير من المشروعات بالتعميم المفرط، والاجتزاء في مداخل الإصلاح: سياسي، أو اقتصادي، أو تربوي، دون ربط بينها، وكذلك العناية بعالم الأفكار دون عوالم المؤسسات والأشخاص والأحداث، وأخيرًا اتسمت أغلب هذه المشروعات بالفصل بين الداخل والخارج بصورة عامة. والخلاصة أنها تعبر عن جهود فكرية عميقة لكن بلا جهد حقيقي للتقريب من التنفيذ والتطبيق.

وأما سؤال (لماذا لم تثمر كثير من المشاريع الفكرية والنهضوية نتيجة حقيقية؟) طرحت تفسيرات عدة: الفصل الذي أقامه بعض الرواد بين الديني-المجتمعي-التربوي وبين الشأن السياسي -الاستراتيجي، وضعف اتصال الفكر النهضوي بالواقع، كذلك انطلقت مشروعات من قطيعة إما مع المرجعية والأصل، أو مع جديد العصر.

وفي النهاية فنحن أمام فرصة تاريخية لإنجاز مشروع نهضوي عملي يبدأ من مصر ويمتد إلى سائر الأمة فالعالم، وينبغي أن نستفيد من مثالب التجارب السالفة سواء في المشاريع الفكرية أو الخبرات العملية (كثورات مصر 1919، 1952..)، ولقد أصبح المشروع النهضوي اليوم في حاجة ماسة إلى الجمع بين الفكر والعمل.

والفكر يشمل: الرؤية التأسيسية، والهوية والانتماء الحضاري، ومداخل التغيير، وأولويات المرحلة.

والعمل يشمل: التوعية والاتصال بقطاعات المجتمع المختلفة، وآليات عدة: لإنشاء أو تبني كيانات تقوم على تفعيل فكر النهوض، وآليات للتحريك والتحويل من الفكر إلى الحركة، ضمن فقه تدبير عملي، وآليات للتنسيق والتجميع، وآليات ترشيد وحفز.

ولذا فمركز الحضارة يدعو إلى تأسيس خطاب نهضوي مصري يتفاعل مع القوى البازغة بعد 25 يناير، ويتطور من خلال التفاعل؛ ليدعم مجرى الأمور بروح نهضوية دافعة.

وفيما يلي تصور لهذا الخطاب وأسسه وإشكالاته ومفاتيح المبادرة به.

أ) أسس التجدد الحضاري من مصر الثورة إلى الأمة والعالم:
يقوم النهوض والتجدد الحضاري في مصر اليوم على عدد من الأسس أهمها:

1- حسم الأسئلة الكبرى حول الجماعة الوطنية المصرية؛ وهي المتعلقة بأمرين: الهوية والمرجعية. وهذه قضية ينبغي أن تتبنى الثورة فيها ما تمليه مقومات الشخصية المصرية (القائد الأساس للثورة وعامل نجاح نموذجها الرئيس). وتتركب الهوية المصرية من دوائر انتماء متحاضنة لا يلغي بعضها بعضا، تتركب من تراث متجدد وتاريخ متمدد وجغرافيا لها دلالاتها، وخبرة حديثة أسست لمعنى الوطنية المصرية الحقة. كما ينسجم الإطار المرجعي للجماعة الوطنية المصرية انسجامًا قويًّا مع مكونات الهوية المصرية. فمصر عربية إسلامية أسهم في تكوين شخصيتها عبر التاريخ أقباط ومسلمون، وتشربت من روح الدين –بعامة- إيمانا عميقا بالقيم الإنسانية السامقة، فتجد هويتها –رغم وضوحها وتحيزها إلى الذات الحضارية- خالية من معاني التعصب والشوفينية لصالح سماحية نادرة في التلاقي مع الآخرين.

2- الاعتراف بالسمات الأساسية للتيار الوطني الأساس الذي تتحرك على ضفافه تنويعات غير متنافية ولا متجافية. وهذا التيار ينطلق من التأسيس السابق (الهوية والمرجعية المصرية)، ومن مجموعة القيم التي هي محل إجماع وطني، لكنها ترجّح خيارات الأغلبية فيما يتعلق بالجمع بين الأصالة والمعاصرة وعدم المنافاة بينهما. فالتيار الوطني الرئيس يبدأ من الذات المصرية لكنه لا ينكفئ عليها، وينطلق من المخزون الثقافي المصري لكنه لا ينغلق دونه، يعظم من قيمة تحرر الإرادة السياسية من قيود الخارج والاستقلال عن أية تبعيات دولية لكن لصالح تعامل متوازن وتعاون مع العالم، ونصرة قضايا الأمة العربية والإسلامية. كما يؤكد هذا التيار الرئيس على الوحدة الوطنية بين أعضاء الوطن، والتعددية السياسية التي ينبغي توجيهها للتكامل والتساند تحت مظلة المصالح الوطنية الحيوية.

3- اعادة تأسيس العلاقة بين المجتمع والدولة وفق عقد اجتماعي جديد وجدّيّ؛ عقد اجتماعي يحرر مجتمعنا (ومن وراء نموذجنا مجتمعات عديدة) من سائر القيود والسدود التي كرستها الدولة-القمعية بتغولها وتوغلها. إن من أهم مفاتيح التجدد الحضاري في مصر اليوم إعادة مساحات فاعلية المجتمع إليه، وتجديد الروح في الجماعات الوسيطة والكيانات المنظمة لشتات المجتمع، وتوسيع المجال أمام المبادرات العملية للبناء والإصلاح. فالوقف والمسجد والتعليم الحر والمنتديات الفكرية واللجان الشعبية والروابط العائلية والتجمعات الشبابية (الخدمية والتربوية)، والنقابات المهنية، وطوائف الصنايعية، ودور الرعاية الصحية، وشركات الخدمات في المواصلات والاتصالات والتدريب والتأهيل المهني و..الخ، من الفعاليات المجتمعية، ينبغي أن تأخذ موضعها من التأسيس والنمو الطبيعي خارج قيوك وموانع الدولة البوليسية أو البيروقراطية الجوفاء.

4- توسيع مساحة الخطاب الإنساني بحيث يشتمل الخطاب المصري الوطني على كافة الروافد، ويصبّ في عافية الوطن وأهله وجواره. فالدين الحنيف والعلم الحديث، والفكر العاقل والواقع الماثل، والتراث والعصر، .. كلها مواطن عطاء ينبغي أن تؤول إلى تطوير الشخصية المصرية وتنمية الثقافة وأخلاقيات العيش والعمل، وتدفع باتجاه الإنجاز وتعظيم القوة المصرية ومراكمة ثروات تمكننا من تبوء مكانتنا اللائقة بنا: ثقافيا وسياسيا واقتصاديا واستراتيجيا.

5- صناعة الحلم (النموذج الحضاري المصري ضمن أمة حاضنة): فخطاب النهوض خطاب غائي؛ يهدف إلى بث روح الأمل في نفوس عامة الأمة المصرية، ويجعل من الحلم مغناطيسا يجذب فرسانه ويجمع طاقات الأمة حوله. على الخطاب أن يُغلِّب حلم النهوض على سائر الأحلام الجزئية والفئوية والطائفية والمذهبية والإقليمية، وأن يصله في نفس الوقت بالطموحات المشروعة لفئات المجتمع المختلفة؛ بحيث يكون مجمع غاياتنا وموجها لها في نفس الآن.

ب) كوابح التجدد الحضاري في مصر خاصة وكيفية مواجهتها:

1- استمرار منطق الدولة-القومية، ومعها ثقافة الاستبداد الشمولي التي ترعرعت عبر عهود من ممارسة الاستبداد من أطراف (الدولة ونخب مثقفة ودينية، ورأسماليين..)، والجريان على القابلية للاستبداد من أطراف أخر (القواعد الجماهيرية). لقد كرست هذه الحالة عقلية ونفسية ممهدة لمزيد من الاستبداد والفساد ومن العسير تغييرها في الأجل القريب، ولا شك أن الخطاب النهضوي ينبغي أن يراعي المستوى الذي تقبع عنده هذه العقلية والنفسية العامة في مصر بعد 25 يناير.

2- تضييق مفاهيم الحياة المصرية المتعلقة بالسياسة والاقتصاد والاجتماع والثقافة. فالعقل المصري العام اعتاد على أن السياسة عمل الدولة ونطاقها العاصمة المعصومة من أي تدخل عبر المحافظات، وأن الاقتصاد شغل رجال الأعمال وأرباب التوكيلات الكبرى لا الورش ولا الشوادر، وأن الاجتماع هو الذي يعرضه الإعلام لا سيما المرئي من القاهرة وضواحي المدن الراقية لا القرى ولا النجوع ولا العشش، وأن الثقافة هي ما تنتجه نخبة وزارة الثقافة والمجلس الأعلى للثقافة وليست أنماط التفكير والعيش والسلوك السائدة في المجتمع.

والواجب على الخطاب المصري النهضوي أن يبادر بالهجوم على هذا التحجيم والإقصاء الجائر، وأن يعيد إلى السياسة سعة معناها من كونها تحصيل أو توصيل الخير للغير وتبدأ من البيت والطريق وعلاقات العمل ومناطها الخدمة العامة لا السلطة القاهرة ويعمل فيها كل من له رغبة وقدرة وكل بحسب طاقته بلا حاجة إلى مناصب أو قوالب، وهكذا بالنسبة لسائر القطاعات الحياتية.

3- التبعية الشاملة أو الواسعة للخارج، فليست الدولة أو الحكومة وحدها هي المرتبطة بالخارج بحبل سوي يغذيها بالأهداف والواجبات والموارد، بل إن تكوينات غير رسمية عديدة حركتها مشروطة بتوجهات أو بمعونات أو بتوافقات خارجية؛ مثل نماذج من: غرف الأعمال (الصناعية والزراعية والتجارية والسياحية..)، والشركات القائمة على توكيلات عابرة للقارات، والتجارات المعتمدة على الاستيراد البحت، ومراكز الأبحاث والفكر والثقافة والفنون والنشر الممولة من الخارج، والقنوات الفضائية، وجمعيات العمل الأهلي في مجالات المرأة والطفولة والشباب وتحقيق التراث وتنمية المجتمع المحلي والصناعات الصغيرة والأسر المنتجة... إن الخروج من ربقة هذه الصلات ليس بالأمر الهين ولكن مواجهتها بحزم بحيث تحصن الجبهة الداخلية من مغبّاتها من الأولوية بمكان. يجب على الخطاب النهضوي أو المستضل بمعنى النهوض أن يكون حاسما في هذا الصدد: لا تسامح مع العمالة الحضارية: السياسية أو الاقتصادية أو الفكرية.

4- امتداد خطابات الصراع والتفتيت لتكوينات مصر الداخلية، وانتماءاتها الخارجية بوعي وبغير وعي؛ أثر عن ترسخ هذه الروح في العهود السالفة. فالأسرة تحولت إلى قضية تمكين المرأة والفتاة ووفق تناول نزاعي باسم الحقوق، والسياسة لا تعرف إلا الحكم والمعارضة، والاقتصاد صراع أصحاب المهنة الواحدة أو المجال الواحد، والمجال الفكري صراعات وتفتيتات متتالية:

إسلاميون وعلمانيون، محافظون ومتحررون، وعصريون وأصاليون،.. ومحبون للغرب وحضارته وكارهون للغرب أفكاره وسياساته،.. في ثنائيات وازدواجيات غير منحصرة. فإذا زدنا على هذا محاولات بعض التيارات وفكر الحزب الوطني فصل مصر عن دوائر انتمائها ضمن استراتيجيات تفتيت المنطقة المفتتة. نحن مطالبون بفرض التوافق لصالح مصر الدولة والمجتمع ولصالح الأمة العروبة والإسلام، ولصالح التصالح مع العالم من باب أن مصر تقود أمة تحمل رسالة للعالمين؛ رسالة تحرر من كل سلطان إلا سلطان الله تعالى وعدل يشمل الناس جميع، وسعة لا تقصر العقل والنفس والفكر والحركة على دنيوية مادية لا آخرة بعدها ولا غاية وراءها.

5- اقتصاد مترهل ومتدهور إلى أبعد الدرجات، قطاعاته الإنتاجية ساقطة، ونشاطاته الخدمية تعيش وهم الفاعلية بجدارة، مؤشرات التنمية خلال العقد الأخيرة متدنية ومتراجعة كل حين، معدلات مخيفة من البطالة والتشرد (لا مأوى)، كفاءات مهدرة بالجملة، وقوى عمل ضعيفة الكفاءة، بالإضافة إلى سيطرة الاحتكار على نسبة غير ضئيلة من الأنشطة الاقتصادية: كالاتصالات والأدوية والنشاط العقاري. ضم إلى هذا ثقافة استهلاك عامة تشمل الغني والفقير ولا نزوع نحو الادخار فضلا عن الاستثمار، مع اتساع الفجوة الطبقية بصورة فجة أثارت انتباه النظام السابق نفسه في أكثر من مناسبة.

إن الخطاب النهضوي ينبغي أن يستحضر هذا الواقع والحفز باتجاه القضاء على عوامله بالأمل والعمل معا. فخطاب الواقعية ينبغي ألا يقف عند واقعية سوداء تقول بأنه لا جديد تحت شمسنا بعد 25 يناير ولا فائدة ولا عائدة، وينبغي أيضا ألا نجري واء التفكير بالتمني والحركة بالخيال فنرى أن مصر قد تغيرت بالفعل وكلاًّ بمجرد إزالة الكابح السياسي والأمني المطبق. الخطاب النهضوي يجب أن يكون خطاب الواقعية العملية الجامع بين الوعي بالواقع والسعي لتغييره بيقين راسخ وأمل فسيح.

إن تجاوز هذه العراقيل لا يكون إلا باقتحام العقبة، وتوسيع النظر ليرى الناهضون بمصر نقاط القوة فيها ومداخل الحركة والتغيير.

ج) محركات أولية للنهضة الحضارية المصرية في ظل المد الثوري وإشكالاته:

1- تأكيد حالة التحرر الشعبي وتوجيهها نحو قيم الخير والإحسان والإيجابية والإصلاح: فلا حراك بلا حرية، والحرية بلا إطار قيمي حاكم مشروع فوضى، ومساحة التحرر الراهنة فرصة ينبغي استثمارها وحمايتها من الانقلاب عليها، ووضع قواعد العمل الصحي فيها. إن خطاب حفظ التحرر هو رأس حربة الخطاب النهضوي الراهن، والخطاب القيمي سياجه الدافع لا المانع؛ ومن ثم فينبغي تأكيد قيم الكرامة الإنسانية والإيجابية والعزة الحضارية.

2- إبداع مساحات فاعلية جديدة: من خلال توفير قنوات لإبراز المبادرات التنموية والمشاريع المجددة والمبدعة، وتحويل الجيد منها إلى مجالات تتنادى وتتداعى عليها الخطابات والجهود.

3- تشجيع نمو قوى المجتمع المعبرة عن روحه ومصالحه: ففي المرحلة الراهنة ينبغي لخطاب النهوض أن يعنى بتأسيس قواعده على الأرض من خلال التواصل مع الكيانات السياسية والمجتمعية الصاعدة، وتزويدها بطاقة فكرية ومنهجية ترشد حركتها وتضمها إلى ركب النهضة.

4- تطوير الصلات المجتمعية وتنظيمها: فلا قيام للمجتمع بمجرد تجدد القوى والكيانات المجتمعية الناهضة، بل لابد من التشبيك بينها من خلال ثقافة العمل الجماعي والتنسيق بين النشاطات المتشابهة لتبادل الخبرات وتداول الرؤى والموارد. وفي هذا ينبغي العمل على تطوير صلات أقاليم البر المصري، وأن يكون الفكر النهضوي لامركزيا، وأن تقوم كيانات مهمتها الأساسية التوصيل والتشبيك.

5-تجديد دماء العلاقات مع شعوب دوائرنا الحضارية وكياناتها الفاعلة: فحفظ الفعاليات المجتمعية والسياسية المصرية لا يتم إلى من خلال توسعة مجال النظر والحركة. فالجهود التنموية العربية والإسلامية ينبغي أن تتحرك باتجاه مصر، كما أن روح الانتماء المصرية ينبغي أن تتوجه نحو الأخوة العربية والإسلامية والصداقة الأفريقية واللاتينية والآسيوية،باسم القوى الطامحة إلى النهوض والنمو.

6- تجديد الخطاب الحضاري مع العالم، مدعوما بقوى متخصصة ونشاط منظم؛ يعبر عن شيء واضح: مصر تتجدد وتتحرك في إطار جديد، وعلى العالم أن يحترم طموح النهوض واستقلاليته، وأن يكون التعاون الدولي معنا متوازنا غير جائر، وأبواب مصر مفتوحة لتبادل المنافع، وعيونها كذلك مفتوحة أمام التحديات والمخاطر. إننا بحاجة واضحة إلى تعامل دبلوماسي شعبي ورسمي متدرج ومتوازن مع الغرب، يسبقه هذا الخطاب.

وبالإجمال، فإن انتقال قضية النهوض من المشروع الفكري العام إلى خطاب مظلة مستقرة وخطابات فاعلية جارية تجابه المتغيرات، يستلزم تأسيس جهاز فكري –مثل تحالف الفكر الحر- ومنبر إعلامي، يرعى تأسيس هذا الخطاب، وإنتاج قطع من نسيجه في كل مقام، والقيام بتوصيلها إلى العموم، أو المعنيين.

*هذه الورقة قدمت في المؤتمر المصري الأول للنهوض والتنمية والذي عقد في 16، 17يوليو 2012


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.