تنسيق الثانوية العامة.. «التعليم العالي» تعلن الحد الأدنى للقبول بالكليات والمعاهد للشعبة الأدبية    وزير الري يستقبل سفراء مصر الجدد لدى دول جنوب السودان وكينيا ورواندا    اليوم.. إعلان نتيجة انتخابات مجلس الشيوخ 2025    تأهيل 170 من قيادات الجهاز الإداري للدولة على برامج إدارة الأزمات والتفاوض    «العمل» تجري اختبارات للمرشحين لوظائف الأردن بمطاحن الدقيق    رئيس «قومي المرأة» تبحث سبل التعاون مع نائب رئيس جامعة الأزهر    وزير الطيران يتابع انتظام حركة التشغيل واستقبال الوفود السياحية بمطار العلمين الدولي    سعر الدولار في البنوك المصرية اليوم الثلاثاء 12 أغسطس 2025    مصر والأردن توقعان 10 وثائق لتعزيز التعاون المشترك    الأقصر: تطوير شامل بمحطتي المياه الشرقية والغربية لرفع كفاءة الخدمة    لليوم ال12.. التموين تستكمل صرف مقررات أغسطس    اتفاقيات صحية جديدة على طاولة المباحثات بين مصر والسويد    إسرائيل تهدم منزلا فلسطينيا وسط الضفة بدعوى البناء دون ترخيص    وزير المالية ناعيًا د. على المصيلحى: رمز للإخلاص والعطاء الوطني    تقدم روسي في منطقة مهمة على خط الجبهة في أوكرانيا    المكتب الإعلامي الحكومي في غزة يفند أكاذيب الاحتلال حول سياسة التجويع في القطاع    مادونا تناشد البابا لزيارة غزة وإنقاذ الأطفال من الجوع وسط الحرب    زيزو ينتظر عقوبات جماهير الزمالك من رابطة الأندية    كاف يدين أحداث مباراة كينيا والمغرب في أمم أفريقيا للمحليين    حمادة صدقي: أحمد حسن زعل من انضمام حسام حسن لفراعنة 2006 بسبب شارة الكابتن    تعرف على مواجهات اليوم الثالث بالبطولة العربية للناشئين والناشئات لكرة السلة    جهاز الزمالك يرفض سياسة الدور بين حراس المرمى    ضبط 115.4 ألف مخالفة مرورية متنوعة خلال 24 ساعة    إيقاف عمل عمال النظافة وقت الذروة في نجع حمادي بسبب الموجة الحارة    انتشار أمني قبل استئناف المتهم بقتل نجل مالك مقهى أسوان على حكم إعدامه    اليوم.. آخر موعد لاستقبال طلبات الطعون لطلاب الشهادة الثانوية الأزهرية    وزير الأوقاف: القضية الفلسطينية ستظل قضيتنا الكبرى وسنبقى رافضين لمحاولات التهجير    الجمعة.. فرقة واما تحيي حفلا غنائيا في رأس الحكمة بالساحل الشمالي    «النيل عنده كتير».. فعاليات ثقافية وفنية بمحافظات جنوب الصعيد احتفاء بوفاء النيل    شاهد.."روكي الغلابه" يتصدر الإيرادات اليومية ويتخطي ال "30 مليون" جنيه أجمالي إيرادات بعد 13 يوم عرض    وزير الإسكان يعقد اجتماعا مع الشركات المنفذة لمشروع حدائق تلال الفسطاط    «محمد رمضان»: أي حد لو زعلته بقصد أو من غير قصد يتفلق    وزير الصحة يبحث تعزيز التعاون مع سفيرة المجر بالقاهرة    تحرير 131 مخالفة للمحلات التى لم تلتزم بقرار مجلس الوزراء بالغلق    انتشال جثمان طفل غرق في بحر شبين الكوم بالمنوفية    الداخلية غيرت الصورة مع الناس    هل يجب قضاء الصلوات الفائتة خلال الحيض؟.. عضو بمركز الأزهر تجيب    النزول بسن القبول بمرحلة رياض الأطفال في كفر الشيخ    قرار من محافظ الإسماعيلية بوقف ورديات عمال النظافة أوقات ذروة الموجة الحارة    إنقاذ رضيعة من قيلة سحائية وعيوب قلبية بمستشفى حورس بالأقصر    "زاد العزة" تواصل إدخال المساعدات المصرية إلى القطاع رغم العراقيل    إعلام فلسطيني: اتفاق وشيك لوقف إطلاق النار في غزة وانسحاب الجيش الإسرائيلي    غرق سيدة وصغير في نهر النيل بسوهاج    أمين الفتوى: "المعاشرة بالمعروف" قيمة إسلامية جامعة تشمل كل العلاقات الإنسانية    "لوفيجارو": الصين في مواجهة ترامب "العين بالعين والسن بالسن"    أول هبوط في سعر الفراخ البيضاء.. أسعار الدواجن اليوم الثلاثاء 12-8-2025 صباحًا    تنطلق الخميس.. مواعيد مباريات الجولة الثانية من بطولة الدوري المصري    وزير الصحة يناقش فرص تدريب الكوادر الطبية المصرية في السويد وإمكانية تصدير الأدوية إلى لاتفيا    مؤشرات تنسيق المرحلة الثانية، الحدود الدنيا للشعبة الأدبية نظام قديم    العظمي 38.. طقس شديد الحرارة ورطوبة مرتفعة في شمال سيناء    4 أبراج «في الحب زي المغناطيس».. يجذبون المعجبين بسهولة وأحلامهم تتحول لواقع    مواقيت الصلاة في أسوان اليوم الثلاثاء 12أغسطس 2025    وليد صلاح الدين: أرحب بعودة وسام أبوعلي للأهلي.. ومصلحة النادي فوق الجميع    قرار هام بشأن البلوجر لوشا لنشره محتوى منافي للآداب    موعد مباراة سيراميكا كيلوباترا وزد بالدوري والقنوات الناقلة    «مشروب المقاهي الأكثر طلبًا».. حضري «الزبادي خلاط» في المنزل وتمتعي بمذاق منعش    أجمل عبارات تهنئة بالمولد النبوي الشريف للأهل والأصدقاء    أنا مريضة ينفع آخد فلوس من وراء أهلي؟.. عضو بمركز الأزهر تجيب    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



النهضة والتقليد /الطيب بوعزة
نشر في محيط يوم 12 - 07 - 2009

من الملحوظ أن التفكير النهضوي العربي حكمه منطق التقليد، حيث لم يفكر في إبداع مشروع نهوض يبنى ويشيد، بل اتجه إلى التفتيش عن مشروع نهوض جاهز للنقل والاستيراد. حيث تنزع التيارات الفكرية السائدة في واقعنا الثقافي إلى اتخاذ مرجعياتها المذهبية الجاهزة أفقا وسقفا لمطلب النهوض، فالرؤى النهضوية المنتظمة في تيار التحديث كالتيار الليبرالي مثلا تجده يقول بوثوقية مذهبية إن النهضة لا تتحقق إلا بتطبيق الليبرالية.
والتيار اليساري الاشتراكي الذي شاع خلال القرن العشرين يرى أن لا نهضة إلا بالاشتراكية، والرؤى المنتظمة في تيار التأصيل سادها هي أيضا هذا الوعي المذهبي الوثوقي، فالنموذج السلفي مثلا يرى أن لا نهضة إلا بإعادة إنتاج نفس مواصفات الاجتماع الإسلامي الذي تجسد في لحظة تاريخية ماضية.
إن التفكير في النهضة من مدخل مذهبي جاهز نراه عائقا أمام حركة النهوض، وليس حافزا لها. ومن ثم فالخلل الأكبر في فهم ماهية النهضة يكمن في هذه النظرة المذهبية إلى السؤال الذي سقط في فخه مختلف مشاريع النهوض، سلفية كانت أو متغربة، فأنتجت رؤى وثوقية تكبل فعل النهضة ولا تحفزه. بينما سؤال النهوض ليس بالسؤال الذي يستلزم جوابا مذهبيا، بل هو سؤال تاريخي متحرك.
وأقصد بالسؤال المتحرك أنه في كل لحظة تاريخية يحتاج إلى جواب خاص ينسجم مع حاجات تلك اللحظة وشروطها الآنية، واستشرافاتها المستقبلية.
بمعنى أن سؤال النهضة هو سؤال متحرك مع صيرورة التاريخ، ومرتبط بتحديد دقيق لحاجيات اللحظة، والترتيب لها وفق منظور الأولويات. ومن هذا يأتي رفضنا لكل تمذهب جاهز، يقولب فعل النهوض في استنساخ مرحلة ماضية، أو تقليد لنموذج مستورد.
لكن رغم نقدنا لمختلف هذه النماذج والمشاريع النهضوية، فإننا نعتقد أن التعدد في الرؤى له وجه إيجابي، لأنه قد يوفر إضاءات من زوايا متغايرة قد تفيد إذا سادتها صيغة تعاقد اجتماعي سلمي على إدارة الاختلاف، لأنه لا سبيل إلى إنجاز المشروع النهضوي بتفكير أحادي، فالأحادية والنمطية، حتى لو كانت صادرة عن فكرة «صحيحة»، فإن مصيرها إفقار الحياة لا إغناؤها.
لكن هذا التعدد نراه يفتقر إلى الامتحان النقدي الفعلي, فرغم أن كثيرا من نتاجات هذه التيارات كانت نقدا صاخبا لبعضها البعض، فإننا نعتقد أن الفكر النهضوي العربي لم ينتقد بعد! وسبب ذلك هو غياب المختبر المجتمعي الذي يسمح بامتحان الرؤى والمشاريع المجتمعية.
فماذا نقصد بغياب المختبر؟
إن النهوض بالإنسان والمجتمع ليس بأمر يكفي فيه التخييل والإيغال في التأمل، بل لا بد إضافة إلى فعل التنظير من اختبار محصول النظر وتطويره في جدل مثمر مع الواقع.
ولست بهذا القول من دعاة الواقعية الساذجة التي تستهجن النظر والتخييل، بل أعتقد أن حتى النزعة اليوتوبية بما هي ارتحال إلى أفق الخيال كان لها خلال التاريخ البشري قيمة في تحريك الوعي النقدي الرافض للواقع. فكثيرة هي الثورات التي صدرت عن اليوتوبيا الحالمة. لكن في المقابل أيضا، لا بد من الانتباه إلى قيمة الحس الواقعي، وأكبر داع إلى ذلك هو أن اليوتوبي نفسه سرعان ما تتبدى له اشتراطات الواقع وإكراهاته عندما يبدأ في ممارسة فعل التغيير، فتراه يعود إلى نظريته بالتعديل والتبديل.
إذن إن مشكلة النهضة لا يمكن أن تعالج معالجة فعلية على أرض الورق، إنما لا بد من جدل الفكر مع أرض الواقع. حيث لا تكفي الرؤية المنطقية بصوريتها وامتثالها للأقيسة والترميز لمعايرة نظرية من النظريات النهضوية. إذ يحق لحامل هذه النظرية حتى لو انتقدتها من جهة النظر، أن يطالب بامتحانها في الواقع، بل أن يحاجج هذا اليوتوبي النهضوي بأنها لو طبقت لتبدلت الأرض غير الأرض، ولقلب الوضع من هذا السائد المتأزم إلى وضع ناهض متقدم.
لكن قد يعترض على ما سبق بالقول: إن ثمة معايرة واقعية لمشاريع النهوض، وذلك بالقياس على وقائع مجتمعية غربية مثلا، أو تاريخية ماضية، حيث طبقت هذه النظرية المجتمعية أو تلك.
لكن هل يصح اعتبار ذلك وجودا لمختبر الفكر؟
إن الذي يذهل عنه هذا الاعتراض هو ما قلناه سابقا، من أن النظرية النهضوية هي نظرية في بناء الفكر والمجتمع، إنها صناعة الإنسان، وإعادة صياغة لنسيج علاقاته. ومثل هذه الصناعة لا يمكن أن تكون إلا مشدودة إلى سياق الصيرورة، ومن ثم فالنظرية النهضوية التي لا تنصت إلى صيرورة التاريخ ولا تتفاعل معه بتغيير بنيتها النظرية، ستؤول إلى الجمود والموت. لذا فالقياس على التاريخ لا ينبغي أن يكون إلا بحس الاعتبار. كما أن القياس على نظم مجتمعية أخرى لا يجب أن يسقطنا في إرادة استنساخها. فأنساق الثقافات ونظم الاجتماع لا ترتحل بكامل مركبها الحضاري.
ومن هنا تبدو ضرورة إنجاز نقلة من مستوى التنظير إلى اختبار الماصدق الواقعي لنظرية النهضة, لكننا إذ نقول ما سبق، نضيف أيضا أن الواقع العربي ينقصه شرط هذه النقلة.
أما الذي يمنع تحقق هذا الشرط فهو بعبارة وجيزة «عائق الاستبداد السياسي». لذا فإنجاز النقلة الديمقراطية في السياسة نراه مدخلا لاستنزال الفكر النهضوي من عليائه، وامتحانا فعليا لمقولاته.
وهنا نحسب أن فكر النهضة عند مختلف الرواد الأوائل أدرك خطر الاستبداد على النهضة. ولا نعتقد أن هذا الإدراك كان خاصا بعبدالرحمن الكواكبي (1854-1902) الذي أرجع في كتابه «طبائع الاستبداد ومصارع الاستعباد» أصل التخلف إلى «الاستبداد السياسي» الذي ينعته بكونه «أصل الداء».
بل حتى الإمام محمد عبده الذي غالبا ما يقارب بوصفه حدد النهضة في المستوى التربوي نجده في أكثر من نص يؤكد على المسألة السياسية وخطر الاستبداد. بل نجده يرجع سبب التخلف والانحطاط إلى انفراد الحاكم بالرأي والقرار، حيث يقول: «إذا دققنا النظر في أدوار الحكومات الإسلامية من عهد الرسالة إلى الآن نجد ترقيها وانحطاطها تابعين لقوة أو ضعف احتساب أهل الحل والعقد وإشراكهم في تدبير الأمة».
بل نلاحظه يرادف الفساد بالاستبداد، والصلاح بسنة الاستشارة، فيقول: «عند التدقيق في كل فرع من الدول الماضية والحاضرة بل في ترجمة كل فرد من الملوك والأمراء بل في حال كل ذي عائلة أو كل إنسان فرد نجد الصلاح والفساد دائرين مع سنة الاستشارة أو الاستقلال في الرأي».
إن إنشاء الواقع السياسي الديمقراطي مطلب آني اليوم، به يرتهن تأسيس مختبر أفكار النهضة.
** منشور بصحيفة "العرب" القطرية 12 يوليو 2009


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.