تلعب الجيوش عموما دورا مهما أثناء ثورات الشعوب سلبا وإيجابا. ولقد شاهد أبناء هذا الجيل على وجه الخصوص كيف أن نجاح الثورات التي عاصروها أو فشلها مرهون بمدي ما تقدمه الجيوش من دعم وتأييد لها أو بمدي مواجهتها لهذه الثورات. ففي ثورة مصر وتونس على سبيل المثال لعب الجيش دوراً كبيراً وهاماً في النزول على رغبة الجماهير التي هبت تنشد الحرية والعدل ومن ثم حمى الثورة, وفي بعض الدول الأخرى كسوريا وليبيا واليمن أحبط الجيش الثورة وقمع الشعب بشتى الوسائل والإجراءات التي جعلت الولدان منا شيبا!! ليس الحديث عن جيوش عربية وحسب حتى لا نتصور أن الجيوش العربية باتت حالة شاذة ، بل إنها ثقافة جبلت عليها العديد من المؤسسات التي ادخرت وظيفتها في بقاء الأنظمة الاستبدادية الحاكمة واستمرارها, وليس المحافظة على الأمن القومي وحماية المصالح العليا للبلاد من خطر قد يداهمها يوما يوما ومن ثم صارت سوطا سلطه الحاكم على شعبه. ففي عام 1989م هم الجيش الصيني على مذبحة بشعة لآلاف العمال والطلاب المعتصمين خلف المتاريس في أهم ميادين العاصمة بكين، ميدان (السلام السماوي) إثر محاولات الثائرين تقليد بعض الثورات التي شهدتها أوربا الشرقية في هذه الأثناء، واللافت أن الزعيم الصيني زياوبينغ خرج على الناس يحذرهم من الفئة المندسة المدعومة من الغرب والتي تسعى لقلب نظام الحكم.. وكأننا أمام مشهد يتكرر في كل الثورات .. وعند الحديث عن حالة الجيش المصري فلا يمكن لمنصف ألا يتذكر مواقفه التي ضربت أروع الأمثلة في الانتماء للوطن والشعب وليس للنظام الاستبدادي الحاكم ،ففي حرب أكتوبر عام 1973 تمكن الجيش المصري من استعادة مكانته وهيبته لاسيما بعد هزيمته في حرب عام 1967. كما لعب دورا في الحفاظ على الاستقرار الداخلي لمصر في بعض المواقف كأعمال الشغب العنيفة التي اندلعت احتجاجا على ارتفاع أسعار الغذاء عام 1977 وانتفاضة قوات الأمن المركزي في القاهرة ومدن أخرى عام 1986. وكان أخر هذه المواقف انتصاره لثورة الشعب في ثورة 25 يناير وتأيده لمطالب جموع الشعب المصري نحو التحول الديمقراطي.وساعتها ظهرت الهتافات المؤيدة للجيش وأقر الجميع بدوره الرائد وجرأته المشهودة في التصدي للطاغية عبر التعامل الحازم والذي تجلت صوره في أكثر من مشهد يصطدم مع الصورة التي انطبعت في أذهان المصريين عند الحديث عن العلاقة التي كانت تجمع مبارك بقيادات الجيش ورموزه، ومن هذه الصور ما نقلته بعض وكالات الأنباء من القيام بقطع الاتصال بالكامل عن القصر الجمهوري ويخير مبارك بين ترك الحكم أو الاعتقال الفوري فأختار التنحي وخرجت عائلته في دقائق من القصر الجمهوري وقام الجيش بجمعهم في بهو القصر ثم خرجوا بالملابس التي يرتادونها. هذا الجيش الذي نتحدث عنه يجد نفسه الآن أمام مهمة جسيمة تتمثل في: • إعادة الاستقرار لبلد يقطن به ما يقارب (40) مليون أدمى يعيشون في العشوائيات في حالة خروجهم من جحورهم فقل على مصر السلام. • التعامل مع وضع بيئي محاط بما يقارب (650) ألف بلطجي حسب بعض مراكز الدراسات كانوا ولا زالوا يمثلون أدوات فعاله لجهاز الشرطة. • التعامل مع وضع اقتصادي منهك بفعل السياسات التي انتهجتها حكومات مبارك المتعاقبة زاد من حدتها 18 يوم هم عمر الثورة المصرية. • التعامل مع ملفات الفساد ذات الكم الهائل التي لم يكن يتخيلها أحد، ومطالبة البعض بضرورة فتحها كلها وفى آن واحد. • التعاطي مع حالة الشلل التي أصابت العديد من قطاعات البلاد لاسيما قطاع السياحة والبورصة والاستثمارات الأجنبية. • الاستجابة الفورية لتطلعات ثورة 25 يناير الشعبية وأولها تقديم رموز النظام الفاسد للمحاكمات. • التعامل مع الضغوط الغربية التي حشرهم فيها مبارك طيلة العقود الثلاثة الماضية، حيث تسربت معلومات من وكيليكس تبين الضغط الكبير الذي تقاومه مصر من أمريكا، لتحافظ على استقلال الجيش المصري. و أن الجيش المصري قاوم ضغوطا أمريكية لتعديل إستراتيجيته بهدف مواجهة تهديدات إقليمية جديدة. • التعامل مع المحاولات المتكررة من قبل رجال الشرطة لإثارة القلائل بهدف إحراج المؤسسة العسكرية ولإظهار بصورة تبدو فيها ضعيفة وغير قادرة على السيطرة.ومن هذه المحاولات ما حدث على مسرح البالون والأضرار التي لحقت به أثناء الاحتفال الذي أقامته إحدى الجمعيات الأهلية لتكريم شهداء الثورة إثر فصل عشرة من لواءات الشرطة في وزارة العادلي. تأتي تلك الضغوطات وغيرها مع مؤسسة غير مؤهلة للتعامل معها فضلا عن كونها المؤسسة الوحيدة القائمة في مصر بعد انهيار كافة المؤسسات الأخرى. إنني عندما أتحدث عن المؤسسة العسكرية المصرية لا أعنى بالضرورة أن أبرز ملاكا طاهرا أرسله الله رحمة للمصريين لينتشلهم من حالة البؤس التي وقعوا فيها بل إن لدى شك يتاخم اليقين أن أداء المجلس يثير العديد من علامات الاستفهام!! وأن من بين رجال تلك المؤسسة العريقة من تعددت ملفات فساده وتنوعت جرائمه في حق هذا الشعب الصابر بيد أن وقت الحساب لم يأت بعد. إن أي محاولات تهدف لاستفزاز المؤسسة العسكرية قد يؤدي لحدوث مواجهة بينها وبين الشعب لا تحمد عقباها، وبانهيارها لاقدر الله ستعوم مصر في بحور من الدم ولن يكون لهذه الحالة حين وقوعها شبيه في التاريخ. فلو افترضنا جدلا أن هناك غريق في بئر وليس عليه ما يستر عورته هل أنقذه ولا يهم أيراه الناس عريانا أم أدعه يموت؟؟ إننا في أمس الحاجة لمراقبة أداء القائمين على تحقيق مطالب الثورة وإن تطلب الأمر ضغطا بصورة أو بأخرى فإننا نريد الضغط المنضبط الذي يقودنا لتحقيق الأهداف المنشودة بأقل الأضرار فالأضرار واقعة واقعة لامحالة!! * محرر صحفي