رغم ان الثورة المصرية بدأت منذ تسعين يوماً فقط، إلا أن انجازاتها الكبيرة تقف شاهدة علي روعتها. فالثورة الشعبية السلمية الأروع بين ثورات كل الشعوب في العصر الحديث قد أثمرت العديد مما كان يسكن عالم الحلم والتمنيات، فقد أطاحت الثورة برئيس جسد معاني الاستبداد والفساد لثلاثين سنة... كما أطاحت الثورة بمشروع النجل جمال مبارك المهين والذي كان يستهدف الوصول لحكم مصر... وحطمت الثورة أسطورتي جهاز مباحث أمن الدولة والحزب الوطني... وجعلت الثورة أي رئيس في المستقبل لمصر موظفاً لفترة لا تتجاوز ثماني سنوات... وأودعت الثورة العديد من رموز العهد البائد بالأماكن المناسبة لهم وهي زنازين السجون، ومن بين هؤلاء من كانوا يشغلون كل المواقع الكبري »بعد الرئيس المخلوع«... وأطاحت الثورة بعدد غير قليل من الكتاب والإعلاميين الذين كانوا محض عملاء للرئيس ونجله المخلوعين.... وأقامت الثورة البينة علي أن الكل سواسية أمام القانون عندما جعلت الرئيس المخلوع ورموز عهده مجرد متهمين أمرت النيابة بحبسهم علي ذمة التحقيق اسوة بكل من تدور حولهم الشبهات... وجعلت الثورة قانون الطوارئ »لأول مرة منذ ثلاثين سنة« علي بعد خطوات من نهايته المرجوة.. والإنجازات المعنوية لهذه الثورة »الأروع بين الثورات« لا تقل أهمية من الأمثلة التي ضربتها علي الإنجازات المادية للثورة. واذا كانت تلك بعض تجليات هذه الثورة العظيمة، فإن دور الجيش المصري »منذ اللحظة الأولي للثورة« كان علي نفس المستوي من العظمة والنبل والشرف والوطنية، ويكفي ان نقارن بين الأداء الأروع للجيش المصري وبين أداء جيوش مثل ليبيا واليمن وسوريا، فبينما أثبت الجيش عندنا انه جيش الوطن والشعب،فقد أثبتت الجيوش الثلاثة الأخري انها جيش النظام الذي يقتل بها الشعب. لقد كانت رؤية الجيش المصريمنذ اللحظة الأولي بالغة الوطنية والعقلانية والنبل، وسيعرف الشعب في المستقبل أن رئيسه المخلوع كان يريد من الجيش تصفية الثورة بغض النظر عن كلفة تحقيق هذا الهدف،وسيعرف الشعب ان الجيش »برؤية وطنية واضحة وصادقة ونبيلة« رفض ان يكون جيش الرئيس وتمسك بكونه جيش الشعب المصري ان تجليات هذه الثورة العظيمة مدينة للشعب والجيش معاً وبنفس الدرجة. ولاشك عندي ان الكثير سوف يكتب في المستقبل عن العلاقة الجدلية بين دور الشعب ودور الجيش في اخراج الثورة بتلك الكيفية الرائعة وبالغة التحضر والوطنية. وكاتب هذه السطور لم يكن في لحظة مع القائلين ببطء الخطوات التي اتخذها الجيش، فالنظرة العقلانية للأحداث تقول ان انجاز ما تم خلال أقل من مائة يوم هو أمر رائع بكل المقاييس ولا يمكن ان يوصف بالبطء، لاسيما عندما نأخذ في الاعتبار حجم التركة التي خلفها نظام قمع علي صدر مصر لأكثر من عشرة آلاف يوم. ولكن نفس النظرة العقلانية للمشهد المصري منذ يوم »25يناير« الماضي لا يمكن ان تغفل حجم المخاوف لدي العديد من أبناء وبنات مصر. فهناك الخوف من بقاء الجيش في السلطة، وهو في اعتقادي تخوف لا أساس له من الصحة،وان كان مصدره تجربة »23 يوليو 1952« وتجارب أخري في العالم جاء فيها الجيش في مهمة محددة، ولكنه لم يرحل وانا علي يقين من ان هذا التخوف في حالتنا المصرية الراهنة لا أساس له من الصحة وانه هو محض وهم. وهناك التخوف من تغول »من حيوان الغول الأسطوري« أعداء الدولة المدنية الحديثة، وهذا تخوف حقيقي ولاشك في انه سكن عقول وصدور معظم ابناء وبنات مصر المتعلمين والمثقفين والذين يفهمون الدين ذلك الفهم المصري المتسم بالواقعية والوسطية والمناقض لفهم آخر ذاع وشاع خلال السنوات الأربعين الأخيرة مع شيوع وذيوع الثقافة الوهابية المدعومة بالبترودولار، وليس هناك من وسيلة لحماية مصر من هذا التخوف الا باستبعاد كل القوي السياسية التي تدعو لدولة مضادة للدولة المدنية الحديثة،وان يستبعد أولئك الذين يتحدثون عن استدعاء الماضي واستحضار القرون الوسطي. وهناك تخوف ثالث كبير فحواه ان تأخر الانتقال من مرحلة الثورة لمرحلة الدولة سوف يتسبب في أضرار اقتصادية واجتماعية هائلة. وهو »في نظري« تخوف في محله. والطريقة المثلي للتعامل مع هذا التخوف انما تكون باتمام عمليات انتخاب الرئيس الجديد والانتهاء من وضع دستور يحل محل دستور 1971 المهلهل، وانتخاب اعضاء برلمان جديد علي أسس جديدة. وهناك تخوف رابع بحدوث فوضي بسبب المطالب الفئوية. وعقلنة التفكير تلزمنا ان نري الانجازات والمخاوف معاً، كما تلزمنا بالتعامل العقلاني مع المخاوف دون مبالغات تضر ولا تنفع وفي النهاية تبقي ثورة »25 يناير« بجادلية الشعب والجيش« أهم محطات تاريخ مصر المعاصر، وهي محطة »يمكن« ان تنطلق مصر منها لمستقبل أفضل بكل المعايير.