إلى حد الآن وفي انتظار النتائج الرسمية للانتخابات التشريعية التونسية التي ستعلن عنها الهيئة العليا المستقلة للانتخابات، يسجل تقدم لحركة نداء تونس على حساب حركة النهضة بفارق أكثر من عشرة مقاعد. نداء تونس تأسيس من أجل "مواجهة" هيمنة النهضة كان واضحا منذ تأسيسه في يونيو 2012، أن حزب نداء تونس هو بمثابة ائتلاف غير معلن بين محسوبين على حزب التجمع الدستوري الديمقراطي المنحل ، حزب الرئيس السابق زين العابدين بن علي، ومنهم رجل الأعمال فوزي اللومي عضو برلمان بن علي لعدة دورات ونقابيين مثل الطيب البكوش أمين الاتحاد العام التونسي للشغل خلال بداية الثماينيات وعبد المجيد الصحراوي عضو المكتب التنفيذي للاتحاد المنبثق عن مؤتمر سوسة 1989 ويساريين من مختلف مشارب اليسار ومنهم مدير الحملة الانتخابية الرئاسية للباجي قايد السبسي محسن مرزوق الذي كان قياديا في تنظيم الوطنيين الديمقراطيين بالجامعة (ماركسي لينين ماوي) وبعض المستقلين. فيما التحقت مجموعة من حزب المسار الديمقراطي الاجتماعي (الحزب الشيوعي سابقا) منها طارق الشعبوني وعادل الشاوش وليلى الحمروني التحاقا منظما بحسب البعض تحسبا لاحتمال أن يصبح نداء تونس الحزب أكبر قوة معارضة للنهضة وبحسب خطابه المعلن منذ التأسيس، كان نداء تونس يطرح نفسه بديلا في الحكم عن حركة النهضة وحلفائها في "حكومة الترويكا" التكتل الديمقراطي من أجل العمل والحريات، والمؤتمر من أجل الجمهورية. ومنذ 26 يناير 2012 حيث لم يمضي على حكم الترويكا سوى شهر أصدر الباجي قايد السبسي بيانا ينتقد مسار تركيز سلطة الترويكا مما إلى "ضياع نصيب من الوقت" وينادي بضرورة انجاز انتخابات في اقرب وقت. وكان الباجي قايد السبسي لا يفوت فرصة للتذكير بأن "جماعة" التروكيا وحركة النهضة بالذات لا يعرفون أساليب الحكم وإدارة الدولة. فشل النهضة في مواجهة "الحملة "الإعلامية وفي ضوء ذلك، استنفر الحزب في الحملة الدعائية للانتخابات التشريعية في الفترة بين 4 و24 أكتوبر/تشرين اول كل قواه من أجل حشد أنصاره معتمدا أحيانا على تكتيك "التفزيع" من خصمه وما قد يفعله من "تقييد للحريات" الشخصية للتونسيين في حال وصل للحكم، بل وصرح أمام أنصاره في اجتماع انتخابي بضاحية حمام الأنف جنوب العاصمة في الأسبوع الأخير من حملة الانتخابات التشريعية أن "من لم ينتخب نداء تونس فقد انتخب النهضة" وهو ما أتى بثماره لدى قطاع من التونسيين رغم تطمينات النهضة المتكررة. ولم تستطع النهضة على ما يبدو إدارة "الحوار" مع جهاز إعلامي نافذ قوي وقادر على التأثير الكبير في غياب سياسة إعلامية واضحة لديها، ولم تتمكن بالتالي من توجيه رسائل مقنعة لهذا القطاع من التونسيين في وجه هذه "الفزاعة". وكان الإعلام العمومي والخاص قد قام بحملة تشويه كبيرة للنهضة خلال المواجهة مع الرئيس زين العابدين بن علي، في بداية التسعينات وصلت حد المس من أعراض بعض أعضائها. وكان حمادي الجبالي، القيادي بالنهضة، لما تولى رئاسة الحكومة في يناير 2012 قد قام بتعيينات في المؤسسات الإعلامية العمومية مثل التلفزة الوطنية التونسية والإذاعة العمومية وجريدة الصحافة الناطقة بالفرنسية المملوكة للدولة من صفوف الموالين للنظام السابق مما ألب عليه الموالين للنظام السابق ممن لم يعينوا والصحفيين ذوي التوجه اليساري فنفذوا وقفة احتجاجية يوم 09 يناير 2012 على ما اعتبروه "تدخلا فظيع في قطاع الإعلام". فيما تهجم قياديون في حركة النهضة على ما أسموه "بإعلام العار" نسبة إلى صحفيي بن علي ونظم موالون للحركة اعتصاما أمام التلفزة الوطنية للاحتجاج على ما أسموه "بلا حيادية الإعلام" مما ألب جل الصحفيين على منتسبي حركة النهضة واتهموهم بمحاولة "تدجين الإعلام وتركيعه" التحالف السري لمواجهة "حشد" النهضة ولئن أبرزت الاجتماعات الانتخابية لحركة النهضة قدرة على الحشد الأكبر خلال الحملات الدعائية مقارنة بباقي القوى بما فيها نداء تونس، فإن منافسي النهضة يبدو أنهم خافوا من هذا "الاستعراض للقوة" وتحسبوا له من خلال تحالفات انتخابية سرية محتملة لحسن إدارة المعركة وإلحاق هزيمة "بعدو" لا ينفع معه التشتت. وكانت النهضة قد نظمت عديد الاجتماعات الحاشدة في كامل أنحاء البلاد حضرها آلاف الأنصار والمتعاطفين معها ومنها اجتماعات كبيرة في مدينتي سوسة (شرق) وبنزرت (شمال) التي خسرت فيهما الانتخابات أمام قائمات حركة نداء تونس ولعل ما يثبت توجه تكتيك الوحدة غير المعلن لدى ما يطلق ممثلي النظام القديم من "الدستوريين" الذين ترشحوا على قوائم حزبية متعددة، هو ما أكدته بعض المصادر المطلعة أن أحد زعامات حزب "دستوري" (منتسبي النظام السابق) صوت في مركز انتخابي لم يحصل فيه حزبه الذي يدعمه على أي صوت تقريبا، ما يعني ضمنا أنة قد يكون صوت وأنصاره لنداء تونس. وبالتالي يبدو ان هناك احتمال بأن التكتل الدستوري اليساري المناهض للنهضة قد استقر بشكل أو بآخر على "تكثيف التصويت لدى حزب واحد (نداء تونس) بهدف تفادي هزيمة أمام حركة النهضة قد تكون مكلفة. ويكون نداء تونس تونس والقوى المساندة له بصفة علنية أو سرية قد استنتجوا الدرس من انتخابات المجلس الوطني التأسيسي أكتوبر 2011 بضرورة الوحدة لمواجهة حركة النهضة إذ يعتبر كثير من ناشطي حركة نداء تونس أن تشتت قوى المعارضة قد ساعد النهضة على البروز كأكبر قوة سياسية ويذهب البعض إلى أن بعض اليساريين في بعض الدوائر قد صوتوا تصويتا "مفيدا" لفائدة "تغيير موازين القوى" لنداء تونس ما جعل هذا الحزب يحصل على أعلى نسبة من المقاعد في "مجلس نواب الشعب" القادم. وكثيرا ما ردد متظاهرون يساريون في أنحاء عديدة من البلاد شعارات تتهم حتى رئيس الحركة راشد الغنوشي "بدم شكري بلعيد" المعارض اليساري الذي اغتاله منتسبون لتيار أنصار الشريعة في 2013 مثلما ذهبت إلى ذلك تحقيقات وزارة الداخلية. مصاعب " الانتقال" وبض التصدعات الداخلية وبحسب بعض المتابعين فإن الفشل في إدارة الملفات الاقتصادية والمطالب الاجتماعية الملحة من جانب النهضة في عهد حكومة "الترويكا" يبقى غير مؤثر بنفس درجة فشل إدارة معركة "تشويه الصورة" عبر فضائيات وإذاعات ساهم أعضاء من النهضة في توسيع دائرة تأثيرها عبر حضور غير مدروس في برامج هذه الفضائيات. أخيرا، قد يكفي القول بأن نداء تونس قد وجد أكثر من حليف يناصره حتى من خارج طيفه السياسي، في الوقت الذي لم يكن هناك متاح حليف قوي مؤثر أمام حركة النهضة في هذه الانتخابات فواجهت منفردة أكثر من قوى سياسية، دون أن تشفع لها قاعدتها الجماهيرية لوحدها. وزيادة على صعوبة بناء تحالفات مفيدة ما قبل الانتخابات واجهت حركة النهضة مشاكل داخلية لم تبرز إلى العيان ولكنها ربما تكون قد ساهمت في تشتيت نسبي لأصوات قاعدتها الانتخابية حيث ترشح رئيس قائمتها في محافظة المنستير نجيب مراد في قائم مستقلة وشكل عبد الوهاب الكافي أحد مؤسسي الحركة قائمة مستقلة في محافظة القيروان فيما انشق كاتبها العام في محافظة الكاف (غرب) وترأس قائمة حزب البناء الوطني في نفس المحافظة