رفع الحد الأقصى لسن المتقدم بمسابقة «معلم مساعد» حتى 45 عامًا    حكم قضائي جديد يخص طلاب الثانوية العامة| بماذا حكمت المحكمة؟    وزير الصحة يشارك في افتتاح المؤتمر العلمي الدولي ال13 لجامعة عين شمس    ميناء الإسكندرية يستقبل أول قطار مترو مكيف من صفقة ألستوم الفرنسية    جهاز المشروعات يوقع عقد تمويل مع البنك العربي الأفريقي الدولي ب150 مليون جنيه    الحكومة تبحث وضع آلية محددة لتحصيل الرسوم من المنشآت الفندقية والسياحية    ضبط 45.5 ألف مخالفة مرورية متنوعة خلال 24 ساعة    أولى جلسات محاكمة نجل الفنان محمد رمضان.. بعد قليل    تعرف علي الحالة المرورية بالقاهرة والجيزة    دينزل واشنطن يجتمع مع روبرت باتنسون في فيلم جديد    عائلات الأسرى لنتنياهو: كيف يتم إطلاق سراح أسرى من غزة دون مقابل؟    كما كشف في الجول - ريفيرو: غادرت رفقة المعد البدني فقط.. ورحلت مبكرا بسبب فرصة رائعة    طقس الساعات المقبلة.. الأرصاد: أجواء حارة وأتربة على هذه المناطق    ضبط شخصين بالقاهرة لقيامهما بأعمال الحفر والتنقيب غير المشروع عن الآثار    إصابة 4 أشخاص في حادث تصادم بأسيوط    الناتو: الكرة في الملعب الروسي بشأن مفاوضات وقف النار بأوكرانيا    أزمة مباراة الأهلي والزمالك.. القرار النهائي بعد استماع التظلمات لأقوال رئيس لجنة المسابقات    بعد جولة الخليج.. ترامب: حصلنا على استثمارات تفوق 10 تريليونات دولار في 3 شهور    ترامب: بايدن أسوأ رئيس للولايات المتحدة.. ولدينا أقوى جيش في العالم    وفاة شخص على قضبان قطار في قنا    مشتريات العرب تصعد بالبورصة في مستهل نهاية جلسات الأسبوع    تعرف على مدة إجازة رعاية الطفل وفقا للقانون    منافس الأهلي.. إنتر ميامي يتعادل مع إيرثكويكس بالدوري قبل 30 يومًا من مونديال الأندية    سالي عبد السلام ترد على انتقادات أدائها الصلاة بال "ميك أب" وطلاء الأظافر    الصحة تطلق حملة توعية حول مرض أنيميا البحر المتوسط    الصحة تنظم مؤتمرا طبيا وتوعويا لأهمية الاكتشاف المبكر لمرض الثلاسميا    وزير الخارجية يشارك في اجتماع آلية التعاون الثلاثي مع وزيري خارجية الأردن والعراق    أمين عام الناتو: لدينا تفاؤل حذر بشأن تحقيق تقدم فى مفاوضات السلام بأوكرانيا    30 دقيقة تأخر في حركة القطارات على خط «القاهرة - الإسكندرية».. الخميس 15 مايو 2025    هانئ مباشر يكتب: بعد عسر يسر    كيف تتخلص من ارتفاع ضغط الدم؟ 3 طرق فعالة دون أدوية    لأول مرة، جيتور تستعد لإطلاق X70 Plus المجمعة محليا بالسوق المصري    قناة مفتوحة نتقل مباراة مصر والمغرب في نصف نهائي كأس أمم إفريقيا للشباب اليوم    تباين آراء الملاك والمستأجرين حول تعديل قانون الإيجار القديم    نماذج امتحانات الصف الخامس الابتدائي pdf الترم الثاني جميع المواد التعليمية (صور)    مصر تتصدر منافسات ثالث أيام بطولة إفريقيا للمضمار.. برصيد 30 ميداليات    لطلبة الشهادة الاعدادية 2025.. موعد امتحانات النقل والشهادة بمحافظة الوادى الجديد    أيمن بدرة يكتب: الحرب على المراهنات    احتجاجات وإطلاق رصاص على المحتجون.. ماذا يحدث في طرابلس؟    إعلام فلسطيني: شهداء ومصابون جراء قصف الاحتلال مدينة خان يونس جنوبي قطاع غزة    جدول امتحانات الصف الثالث الابتدائي الترم الثاني 2025 في جميع المحافظات    من بينهما برج مليار% كتوم وغامض وحويط.. اعرف نسبة الكتمان في برجك (فيديو)    ريهام عبد الحكيم تُحيي تراث كوكب الشرق على المسرح الكبير بدار الأوبرا    موعد إجازة وقفة عرفات وعيد الأضحى المبارك 2025 فلكيًا    «5 استراحة».. اعثر على القلب في 5 ثوانٍ    تراجع أسعار الذهب اليوم في السودان وعيار 21 الآن ببداية تعاملات الخميس 15 مايو 2025    الخارجية الأمريكية: ترامب يرى أن السعودية شريكًا له ثقله في تشكيل مستقبل العالم    سالي عبد السلام ترد على منتقديها: «خلينا نشد بعض على الطاعة والناس غاوية جلد الذات»    رابطة الأندية تدعو فرق الدوري الممتاز لعقد اجتماع لهذا السبب    تحركات برلمانية لفك حصار الأزمات عن أسوان ومستشفيات الجامعة    ريال مدريد يعطل تتويج برشلونة ويهزم مايوركا في الوقت القاتل    حكم الأذان والإقامة للمنفرد.. الإفتاء توضح هل هو واجب أم مستحب شرعًا    "أول واحدة آمنت بيا".. محمد رمضان يكشف أهم مكالمة هاتفية في حياته    وفاة الفنان السوري أديب قدورة بطل فيلم "الفهد"    خالد بيبو: حمزة علاء تهرب من تجديد عقده مع الأهلي    الكويت: سرطان القولون يحتل المركز الأول بين الرجال والثاني بين الإناث    الرئيس يتابع تنفيذ المشروع القومي لبناء الإنسان    ب«3 دعامات».. إنقاذ مريض مصاب بجلطة متكاملة بالشريان التاجى في مستشفى شرق المدينة بالإسكندرية (صور)    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



مصري حاصل على وسام الاستحقاق من ملك إسبانيا: الدولة ترفض ترجمة أى كتب عن الدولة المدنية
نشر في المصريون يوم 19 - 10 - 2014

الدكتور على المنوفى أستاذ اللغة الإسبانية بكلية اللغات والترجمة بجامعة الأزهر ل"المصريون":

- "المصالحة الوطنية" بين الفصائل السياسية الطريق الوحيد للاستقرار فى مصر

- التوجهات السياسية تتحكم فى نوعية المادة المترجمة.. والتوجهات الدينية تجعل المترجم يقوم بالرقابة الذاتية
-
- بعض التيارات تقوم بتشويه الفكر المدني والليبرالي وتربطه بالأفكار الإلحادية
- إسبانيا نجحت بعد ثورتها لأنها حققت مفهوم المواطنة بين العرقيات والأيديولوجيات الدينية.. والتنوع الفكري المصري يجعلها دولة قوية
- العالم العربى لن ينهض إلا بترجمة أمهات الكتب الغربية.. والغرب المعاصر وصل إلى تلك القوة بترجمات العقول العربية

أكد الدكتور على المنوفي، أستاذ اللغة الإسبانية بكلية اللغات والترجمة جامعة الأزهر، والحاصل مؤخرًا على وسام الاستحقاق من ملك إسبانيا، أن الاستقرار السياسى والاجتماعى فى مصر لن يتحقق إلا بالمصالحة الوطنية بين جميع الفصائل السياسية والدينية، مبينًا أن التنوع الفكرى والأيديولوجى المصرى يجعلها دولة ذات دعائم قوية، وأن إسبانيا نجحت بعد ثورتها لأنها حققت مفهوم المواطنة بين العرقيات والأيديولوجيات الدينية.
وأوضح المنوفى فى حواره الحصرى مع "المصريون" أن الدولة رفضت ترجمة أى كتب عن الدولة المدنية وتجارب الغرب بعد ثورة ضد الفاشية، مشيرًا إلى أن التوجهات السياسية تتحكم فى نوعية المادة المترجمة، والتوجهات الدينية تجعل المترجم يقوم بالرقابة الذاتية، مؤكدًا فى الوقت نفسه أن بعض التيارات تقوم بتشويه الفكر المدنى والليبرالى وتربطه بالأفكار الإلحادية.
** فى البداية.. الترجمة كأحد أنواع الاحتكاك مع الآخر التى اكتشف أهميتها محمد على باشا أثناء بنائه مصر الحديثة.. إلا أننا نعيش أزمة ترجمة فى الوقت الراهن فإلى أى شيء تعود هذه الأزمة؟
توجد عدة عناصر طاردة لتقدم وازدهار الترجمة ساعدت فى هذه الأزمة، أولها نوعية التيار الفكرى الموجود فى البلد، ففى الستينيات اختيرت عناوين الألف كتاب الأولى التى تصلح للتوجهات الفكرية والثقافية التى كانت سائدة فى ذلك الوقت، وكان الدكتور جابر عصفور، يقبل بكل أنواع الترجمات والتوجهات الفكرية والثقافية وأفرع المعرفة الإنسانية المختلفة، كما قبل بمترجمين عرب ومترجمين مصريين، والحقيقة أن هذا الرجل يمكن اعتباره رفاعة الطهطاوى للقرن العشرين، فقد أسس المشروع القومى للترجمة وأحيا الهيئة العامة للكتاب ونشط الترجمة فى مصر، أما الآن فالبعد الفكرى وتأثيره على المنتج الترجمى أثمر عن أزمة فى الترجمة، أيضًا الكليات الأدبية التى يوجد بها أقسام للغات لا تحتوى على برامج للترجمة إلا ما ندر ككلية البنات، وفى مكتبتنا العربية نفتقر التنظير للترجمة وبالتالى نبتعد عن الكتب التى تقوم بذلك، بالإضافة إلى أن المجلس الأعلى للجامعات نادرًا ما يقبل بمعادلة رسالة دكتوراه فى الترجمة الفورية أو الترجمة التحليلية.
** هل تعتقد أن القطاعات العامة والخاصة للترجمة ساعدت فى تدهور الترجمة فى مصر؟
هذا صحيح.. فالقطاع العام عندما أصدر الكثير من الكتب كان يدفع أجرًا جيدًا للمترجمين، فتكاثر الإقبال على المركز القومى للترجمة، متجاهلين عروض دور النشر الخاصة، التى لا تحاول المنافسة مع المركز فى اقتناص المترجمين الأكفاء، وتشترط وجود نوع من التعاقد وهو 10% من سعر الغلاف، كما أن الكثير منها لا يغامر بنشر الكتب القيمة التى ليس لها جمهور عام وإنما لها جمهور شديد التخصص، وبالتالى فهى غير قابلة للتداول والتسويق ولا تصلح أن تكون تجارة مناسبة لهم.
**ومسابقات الترجمة ألا تساهم فى ازدهار الترجمة مرة أخرى؟
يوجد بالفعل مسابقات للترجمة فى المنطقة العربية، ولكن العملية الأساسية ترتبط بالانتقاء، فالترجمة جزء من مشروع نهضوى يخدم توجهات الثقافة وتوجهات البلد فى لحظة معينة.
** تعرضت لمنع كتابى المجتمع المدنى ونحو نظرية المواطنة فى وقت كنا بأمس الحاجة إليهما.. فهل تعتقد أن النظام السياسى والظروف السياسية لها دور فى اختيار المادة التى يتم ترجمتها وفى أزمة الترجمة؟
هذا يحدث إذا كان الجهاز الثقافى فى البلد يتأثر بالتوجهات العامة لسياسة الدولة، فيؤثر على نوعية العناوين ونوعية توجهات المجتمع، ففى عام 2012 كانت الدعوة المعلنة هى إقامة دولة مدنية، ثم اتضح أنه لم يكن مجتمعًا مدنيًا إنما كانت النية والمقصد اتجاه آخر، ويوجد من يتزلف إلى النظام فيرفض أحد الكتب فى لحظة معينة من مسار الترجمات فى البلد، أيضا التوجهات الدينية تؤثر فهى تجعل المترجم يقوم بالرقابة على ذاته، فعندما يقوم بترجمة أحد الروايات ويجد بعض المشاهد التى يراها لا تليق بالسياق الاجتماعى الثقافى فيحذفها أحيانا، وعن نفسى لا أقوم بأى شيء.
**إذا تحدثنا عن الكتابين تحديدًا.. هل المجلس القومى للترجمة أبدى أسبابًا للرفض؟
المجلس القومى للترجمة واللجان العلمية التى تقبل أو ترفض الكتاب، لا تعلن عن أسباب الرفض، فالرفض لا يتم لأى سبب من الأسباب وإذا ما أمكن تسريب السبب فيكون بشكل ظاهرى فقط، ولا يمكن الاطلاع على صلب القرار فى هذا السياق، وبالتالى رفض لأنه رفض، رغم أنه من المفترض إذا كان يوجد تقرير سرى فمن حقى الاطلاع عليه والدفاع عنه، حتى أثبت لهم عكس ذلك.
** وهل هذان الكتابان كان من الخطورة أن تنقلهما إلى مصر؟
على الإطلاق.. فالكتابان لمفكرة إسبانية عاشت فترة الانتقال السياسى الإسبانية التى بدأت سنة 1975 بعد رحيل الجنرال فرانكو حتى الموافقة على استفتاء الدستور عام 1978، ولقد رأى الأسبان أن من واجبهم تجاه مصر أن يقدموا لنا تجربتهم لعل بعضها يفيد مرحلة الانتقال المصرية، فحضرت هذه المفكرة ومعها مجموعة من الكتب وقدمت محاضرات فى وزارة الثقافة ومشيخة الأزهر و"آناليند" عن التعايش، بالإضافة إلى أنها عايشت مشاكل المرأة الأسبانية فى الأربعينيات والخمسينيات والستينيات، وهى تشبه مشاكل المرأة المصرية فى صراعها مع التيارات المتشددة، فلم يكن يسمح للمرأة الإسبانية حمل جواز سفر أو أن يكون لها حساب فى البنك إلا إذا وافق الزوج.
**إسبانيا دولة متعددة العرقيات والأقاليم فكيف استطاعت أن تقاوم هذا وتصبح دولة مدنية مندمجة؟
لأنها أيقنت ذلك وبدأت فكرة المواطنة، فالمواطن يجب أن يبتعد عن العرقيات والتوجهات الدينية، خاصة أن 78% من الأسبان كاثوليك، وابتعدوا أيضا عن التوجهات السياسية، فللمواطنة أبعاد سياسية واجتماعية وثقافية ولوجيستية بما فى ذلك العائد الاقتصادي، هذه هى نظرية المواطنة، أما الكتاب الثانى فهو كتاب المجتمع المدنى بمفاهيمه الفلسفية والفكرية وتوجهاته المختلفة، والحقيقة أن الكاتبة قبلت أن تكون حقوق الملكية الفكرية مجانية، وقبلت أن تكون الترجمة مجانية وقبل الناشر كرم يوسف نشر الكتابين، وفى بداية السنة الجديدة سوف تحضر الكاتبة وتقوم بالتوقيع على الكتابين.
**إذا حاولنا إجابة سبب رفض الكتاب.. نحن منشغلون منذ الثورة المصرية بمدنية الدولة.. فهل تعتقد أن مفهوم الدولة المدنية تم تلويثه؟ وهل فهمنا مدنية الدولة خطأ ولذلك تخوفنا منه؟ أم أن مدنية الدولة تشمل شيئًا غائبًا عنا؟
خليط من كل ذلك، فتشويه مدنية الدولة كان مقصودًا لحساب تيارات فكرية معينة، فقاموا بربط الفكرة المدنية للمجتمع وبين الإلحاد والكفر، كما ربطوا بين العلمانية والكفر، وليس معنى أن تكون علمانيًا أن تكون كافرًا أو رافضا للأديان، ولكن لك رؤية فيما يتعلق بالتطبيقات أو بالممارسات الدينية، ولكن من الضرورى أن تكون فى المجتمع إنسان عادى له مفاهيمه وقيمه الخاصة ولا يضر بالآخرين، فلابد من الالتقاء على أرضية مشتركة وهى الأرضية المدنية، فإذا فتح باب العرقيات لذهبنا جميعا، فمصر دولة إسلامية بالأغلبية ولكن الديانة الإسلامية ليست الديانة الوحيدة، وليس معنى أنك غير مسلم أن حقوقك فى المواطنة والعيش بأمان أقل من المسلمين، فالمجتمع الأوروبى متعدد الثقافات و7% من سكانه مسلمون ولا يستطيعون تحويلهم إلى هولوكوست كما حدث مع اليهود فى ألمانيا.
**بعد الربيع العربى بدأت المفاهيم عن شكل الدولة تتغير هل تكون إسلامية أم مدنية أم ليبرالية.. والمجتمع الإسبانى والأوروبى عاصر نفس الصراع بين الكنيسة والدولة المدنية.. هل تعتقد أنه يوجد اختلاف أم أننا نعيش دورة من دورات الزمن ولكن على الجانب الإسلامى؟
نحن نعيش دورة جديدة من دورات الزمن، وكان من الطبيعى أن نصب إلى هذه المرحلة بعد بدء ما يسمى بالربيع العربى، لأنه لا يوجد بديل آخر، فعندما تم إقصاء الجهاز العام للدولة لم يكن هناك بديل يحل محله، ولم يقبل أن يحل محله سوى أحد التيارات الدينية، وذلك لأنهم لهم رغبة فى الصراع على السلطة ولديهم مشروع يرغبون فى تحقيقه، وما غاب عنهم أنه يجب على من يجلس على كرسى السلطة أن تتوفر فيه مميزات رجل الدولة، وما نراه الآن بعد الربيع العربى يؤكد أن المجتمعات العربية لم تكن مؤسسة بشكل جيد، حتى تكون قادرة على توليد بديل للحاكم الذى تم إقصاؤه، وهذا لم يحدث فى ليبيا والعراق وسوريا، وكنا مهددين أن يحدث هذا فى مصر، ولكن مجموعة من العناصر الجيوستراتيجية بالإضافة إلى القوات المسلحة التى أنقذت الدولة، وهذا لا يعنى أن تعود الأمور للوراء، بل سيكون هناك تغيير وتقدم للأمام ولكن بإيقاع أبطأ مما نتصوره.
**الأسبان فى ثورتهم على فرانكو فقدوا مليون مواطن وكادوا أن يتفككوا كما يحدث فى العالم العربي.. فما الذى فعلته إسبانيا يمكن أن نستفيد منه خاصة فى التعايش مع الثقافات المختلفة؟ وماذا فعل الأسبان للخروج من أزمتهم؟
استطاع الأسبان فى الفترة الانتقالية أن يتوصلوا إلى اتفاق بين توجهات الأطراف السياسية المختلفة، وكان هذا الاتفاق عبارة عن أنهم جميعا عليهم تحمل ظروف البلد، وأن عليهم جميعا التعاون للوصول إلى الغاية المنشودة، ومن هنا تحولوا إلى النظام الديمقراطى الذى افترض أن يعود الشيوعيون، على أن يعترفوا بالملكية وعودة التوجهات الاشتراكية إلى البلاد، فلم يحدث إقصاء لما نسميهم نحن بالفلول، حتى أن الملك كلف أحد وزراء النظام السابق بتشكيل الحكومة.


** ألم يثير هذا سخط التيارات السياسية المختلفة بإسبانيا؟
لم يصل الأمر إلى سخط، ولكن بالتأكيد كل الطوائف السياسية سخرت من الملك، ولكن هذا الوزير شكل حكومة شباب استطاعت أن تنقل البلاد إلى غاية جيدة، بالإضافة إلى وجود اتفاق سياسى اجتماعى ثقافى لأن نسبة التضخم ارتفعت بعد رحيل فرانكو إلى 50% وأصبح الاقتصاد مهددًا، فأدركوا أنهم يجب أن يتكاتفوا حتى يبنوا أسبانيا حتى يجنوا ثمار ثورتهم، وساعدهم فى ذلك قرب إسبانيا من الاتحاد الأوروبى وتأييد الولايات المتحدة الأمريكية لهذا التوجه الجديد.
**على الجانب الآخر العالم العربى يفتقد كل ما ذكرته فلا يوجد جوانب اقتصادية ولا تأييد أمريكى فكيف نطبق ذلك وفق ما هو متوفر لدينا؟
يجب أن ندرك أولًا أن هذا سيسهم فى تباطؤ التعافى الاقتصادى المصرى، لأن فرانكو عندما رحل ترك بنية اقتصادية مهمة، كما كانت توجد تحالفات مع الولايات المتحدة الأمريكية، وله استثمارات أوروبية كبيرة، كل ذلك غير موجود فى الحالة المصرية، أيضًا علينا أن نضع فى الاعتبار أهمية مصر وكيف ينظر الجميع إليها، هل يرونها كالمريض الذى لا يمكن أن يتعافى، ولكن يجب أن ندرك أن مصر لن تتعافى إلا بتكاتف المصريين، وانخراط كل الطوائف السياسية فى العملية السياسية والاقتصادية فى البلاد، وفكرة الاستبعاد علينا أن نباعدها جانبًا عدا الفاسدين.
** معنى ذلك أنك مع فكرة المصالحة المجتمعية بكل طوائفها وبكل أحزابها؟
هذا ضرورة حتى نخرج للأمان، وننتقل من هذه المرحلة المتوترة إلى مرحلة أخرى، وحتى يحدث ذلك يجب على الجهاز القائم فى البلاد وعلى جميع الطوائف السياسية أن تعى هذا، فلابد من التنازلات قبل المطالب، فيجب أن تتنازل عن بعض مطالبك وتقبل بمطالب الطرف الآخر، فهى مجرد عملية سياسية تفاوضية فى المقام الأول.
** إسبانيا كانت الدولة الثانية بعد هولندا تبدأ فكرة الاستعمار.. فهل مازالت فكرة سيطرة الرجل الأبيض موجودة فى القرن الواحد والعشرين؟ وهل مازالوا يخشون على طريق الحرير الذى كان يسيطر عليه مماليك مصر؟
الفكر يأخذ تحول من مرحلة لمرحلة وتوافق مع السياق التاريخى، فالفكرة الاستعمارية مازالت موجودة ولها تجلياتها المختلفة، فرأس المال أصبح هو المسيطر والمستعمر، حتى أن رؤساء الدول المنتخبون من شعوبهم بما فى ذلك أمريكا يتحولون إلى أدوات فى أيدى الشركات العالمية، سواء كانت شركات قومية مثل شركات السلاح والنفط وإنتاج الأدوية، فهى لها تأثير على التوجهات الاجتماعية والسياسية، بالإضافة إلى أن الدول الأوروبية تسعى لأن تمد نفوذها حتى إذا كان هذا النفوذ ثقافي، فالاتحاد الأوروبى يرى أن الطفرة القصصية تعتبر امتدادًا للثقافة الأوروبية فهم يرون الآخرين فى مرآتهم، فعندما منحوا نجيب محفوظ جائزة نوبل فى الآداب كان ذلك لأنه استطاع أن يستزرع السرد القصصى الأوروبى فى المنطقة العربية، متناسين رواية كليلة ودمنة ورواية ألف ليلة وليلة التى انتقلت عبر إسبانيا فى مدرسة المترجمين بطويطلة، وأسست هذا الصرح السردى الذى بدأ بدونكى شوت.
**اللغة الإسبانية لا تمثل إسبانيا فقط وإنما تمثل دول كثيرة فى العالم اللاتينى والغريبة أن هذه الدول تطبعت بالثقافة الإسبانية اللاتينية رغم أنها دول ثائرة، فالبرازيل استطاعت أن تنهض نتيجة الثقافة الإسبانية.. فهل ترى ترابطًا بين الدول الأربعين مع الثقافة الإسبانية؟ أم أن كل دولة حصلت على الثقافة الإسبانية وطبعتها بطابعها الخاص؟
كانت أسبانيا تنظر إلى هذه الدول على أنها إسبانيات صغيرة حتى القرن التاسع عشر، ولكنهم استقلوا عندما قامت الثورات وعلى رأسها ثورة سيمون بوليفر الذى حرر أمريكا اللاتينية، والتركيب السكانى هناك عبارة عن خليط من السكان الأصليين والوافدين الأوروبيين، فبدأت عملية البحث عن الهوية، فاتصلوا بمراكز الفكر الغربى على مدى القرن ونصف القرن، خاصة بألمانيا وفرنسا وتناسوا إسبانيا تمامًا وبذلك انتصروا عليها، ورغم أن دول أمريكا اللاتينية تلاحمت وتقدمت من خلال التبادل الفكرى الثقافي، إلا أنهم ليسوا متماثلين سوى إنهم يتحدثون لغة واحدة، مثلهم فى ذلك مثل العرب الذين يتحدثون لغة واحدة وكل دولة لها طابعها الخاص، فالفن الإسلامى فى مصر يختلف عنه فى العراق، وإن كان هذا المذاق الخاص ينتج عنه جيل الطفرة وهو جيل الثوريين، مثل الثوريين الكبار الذين تلاحموا مع الثورة الكوبية الذين نقلنا الكثير من إنتاجهم الأدبي.
** فى رأيك ما الخطأ الذى نرتكبه عندما نتواصل مع الثقافة الأجنبية؟
إننا عندما نقترب من هذه الثقافات نأخذ ما يناسب اللحظة السياسية، وبالتالى تكون قراءتنا لهذا الأدب قراءة مقتصرة وليست حقيقية، كما إننا نركز على لحظة بعينها دون الاهتمام بما حدث بعد ذلك، فمثلاً ننظر إلى اللورد الثائر ونيرودة الثائر ولكن ليس لنا قراءات نقدية، بالإضافة إلى إننا لا نواكب التيارات الفكرية الموجودة فى العالم، فمثلاً مصر لا تمتلك سوى مؤلف واحد للأديب الفرنسى الحاصل على نوبل فى الأدب، فى الوقت الذى تمتلك فيه إسبانيا سبعة وعشرين مؤلفًا له.
** هل تعتقد أن الخلل فى التبادل الثقافى أم فى الفهم الخاطئ لفكرة التبادل الثقافى فاليساريين عندما يتحدثون عن جيفارا يتحدثون عن شكله بشكل سطحى وما خلف عقله لا يعلموا عنه شيئًا فهل نحن وصلنا لمرحلة السطحية؟
نحن لا نلوم من يحمل هذا الفكر السطحى إلا إذا صدر عن يسارى مثقف، أما الطلاب فلتتخذ الصورة الظاهرية لجيفارا كما يحلوا لها، خاصة وأنها تحولت إلى صورة تجارية، وهذا لعدم وجود وعى ثقافى قوى فى المجتمع، ولسيطرة المفاهيم الدينية.
** كيف تأثرت الحضارة الإسبانية بالثقافة العربية أو بالترجمات العربية؟ وهل هذا واضح إلى الآن أم أنه اختفى بعد مرور 800 سنة؟
يوجد فى إسبانيا ما يسمى بالإسبانيتين، فيوجد فريق يرفض فكرة أن للثقافة العربية تأثير مستمر بعد ثمانية قرون، ويعتبر الأمر مجرد مرحلة من المراحل اختفى تأثيرها بعد مرور الزمن، وفريق آخر يقول إنه لا يمكن فهم الثقافة الإسبانية المعاصرة بمبعد عن الثقافة العربية الإسلامية التى عاشت فى الفترة الليبيرية، أى يوجد خلاف على هذه الموروثة، إنما الثقافة العربية غير المرئية فى السلوكيات الإسبانية اليومية تؤكد أن التأثير مازال مستمرًا، وهى تعرف بالموروث الثقافي، ولقد طالبت بها رئيس البيت العربى عندما تحدث عن مجلة جديدة ستصدر باللغتين العربية والإسبانية تتعلق بالثقافة العربية الإسلامية، ودول أمريكا اللاتينية التى لها توجهات ثورية تهتم بالثقافات العربية، فأنشأوا مكتبة رقمية بالجزائر تديرها البرازيل، ومعهدًا للدراسات الليبيرية الأمريكية بالمغرب فى الأربع سنوات الأخيرة فى غيبة منا.
** فى غيبة من العالم العربى أم فى غيبة من مصر؟
فى غيبة من مصر تحديدًا، فالإسبان يتمنون أزدهار الترجمة فى مصر حتى تتحول إلى دولة المصدر.
** قد يكون القرب الثقافى والفكرى ما بين أيبيريا والجزائر سببًا فى هذا الاهتمام؟
هذا صحيح.. فإسبانيا تهتم بمنطقة المغرب والجزائر لأسباب جيستراتيجية وجيوسياسية، ولكن ماذا عن اهتمام دول أمريكا اللاتينية بالدول العربية، وبعد مصر عن هذا الاهتمام نتيجة خلل ما فى التوجهات السياسية المصرية أو فى الوزن النوعى المصرى فى تلك المنطقة.
** كيف كرمت هل التقيت بالملك الإسباني؟
التكريم لا يكون بمقابلة الملك، ولكن بتقدير بعض المسئولين فى الدائرة الثقافية والسياسية فى إسبانيا أنه يوجد من دارسى الإسبانية لديهم جدارة فى بث الثقافة الإسبانية ونقل الثقافة العربية إلى اللغة الإسبانية، والتحدث بإيجابية عن الموروث الثقافى الإسبانى العربي، من هنا جاء التكريم.
** هل المترجم مجرد ناقل أم أنه يضع فكره ووجهة نظره؟
المترجم وسيط ثقافى من الطراز الأول، ويعتبر رسول ثقافته للثقافة الأخرى، ورسول الثقافة الأخرى لثقافته، ولكل مترجم توجهاته الخاصة سواء كانت دينية أو سياسية أو ليبرالية، وهذا يؤثر على اختيارات كل مترجم، بالإضافة إلى مجموعة من العناصر المهنية التى تؤثر على اختياراته منها احتياج الجامعات المصرية إلى الدراسة التى تترجم.
** لكنه لا يضيف للنص؟
الإضافة التى يقوم بها المترجم هى اختيار المادة العلمية المترجمة، وطريقة تقديمه للنص والحواشى والهوامش.
** وما إسهاماتك فى الترجمة؟
لقد ترجمت من الأعمال الأدبية بعض الدواوين لمجموعة من الشعراء الشباب إلى اللغة الإسبانية، ومختارات قصصية من القصة القصيرة فى إسبانيا المعاصرة مصحوبة بدراسة، ولفت انتباهى وجود خلل بالنسبة لرواية لعبة الحجلة، فترجمتها وكلفنى عناء كبيرًا، كما ترجمت فى النقد الأدبى ترجمات تتعلق بالشعر، وترجمت آلاف الصفحات للدراسات الإسلامية الإسبانية، منها عمارة القصور والمدن والمساجد والمياه، ومنها الفن التورقى أو الزخرفي، كل ما اطمح إليه أن أتمكن من الولوج إلى التوجهات الفكرية الموجودة فى أمريكا اللاتينية وإسبانيا، فيوجد 500 مليون إنسان فى مرحلة البحث عن الهوية منذ 200 عام، وبالتالى سيكون لهم إنتاج أدبى علينا أن نطلع عليه، حتى يكون خلفية أو سندًا للمنتج الترجمى من الروايات فى أمريكا اللاتينية وإسبانيا.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.