وزير الدفاع يلتقي نظيره بدولة مدغشقر    براتب 87 ألف جنيه.. تعرف على آخر موعد لوظائف للمقاولات بالسعودية    المتحف المصري الكبير يستضيف النسخة ال12 من «Rise Up 2025»    عاجل - الحكومة تزف بشرى سارة بشأن الاقتصاد المصري    يعمل قريبًا على الدائري.. شاهد محطات الأتوبيس الترددي BRT «من الداخل»    طائرة ب400 مليون دولار تفتح نار الانتقادات.. نيويورك تايمز: "قصر ترامب الطائر" تجاوز للحدود الأخلاقية    السفير حسام زكي: مستوى التمثيل في القمة العربية ببغداد سيكون مُرضي للجميع    القاهرة الإخبارية: غزة تواجه كارثة إنسانية بانهيار المنظومة الصحية    ضياء السيد: ماشيين بطريقة مشي حالك عشان نادي معين ميهبطش.. والأهلي يقدم مستويات جيدة مع النحاس    كوكتيل مخدرات.. حبس 2 من أباطرة الكيف في القاهرة    13 ملعقة بماء الذهب.. مذيعة تتهم خادمتها بالسرقة والنيابة تحقق    عاجل - رئيس الوزراء يتابع مراحل إدارة وتشغيل "حدائق تلال الفسطاط"    مهرجان كان يضع حدا للعري والملابس المثيرة.. ما القصة؟    هاني رمزي ينشر صورة مع أحمد سعد من الطائرة: "ادعولنا ربنا يوفقنا"    التصريح بدفن جثة سائق توك توك لقى مصرعه على يد عاطل فى شبرا الخيمة    محافظ القاهرة: نسعى لتحسين جودة حياة المواطنين بالعاصمة والقضاء على المظاهر العشوائية    «5 أيام متصلة».. تفاصيل جدول امتحانات الصف الثالث الإعدادي الترم الثاني 2025 بمحافظة دمياط    المبعوثان الأمريكيان للشرق الأوسط يؤكدان التزام ترامب بالإفراج عن جميع الرهائن    وزير الثقافة يزور الكاتب صنع الله إبراهيم ويطمئن محبيه على حالته الصحية    4 أئمة بأوقاف المنيا يشاركون في التصفيات النهائية لمسابقة الصوت الندي بالقاهرة    "عبدالغفار" يترأس أول اجتماع للجنة العليا لوضع استراتيجية وطنية شاملة لسلامة المرضى    الأعلى للآثار: عازمون على استعادة أى قطع خرجت بطريقة غير مشروعة    المشدد سنة ل3 أشخاص بتهمة حيازة المخدرات في المنيا    لصوص يسرقون مليون جنيه من شركة سجائر بأسوان والأهالي يعيدون المبلغ    الأكاديمية الطبية العسكرية تفتح باب التسجيل ببرامج الدراسات العليا    تحديد موعد مشاركة الجفالي في تدريبات الزمالك    "ليسو الوحيدون".. ريجيكامب يكشف حقيقة مفاوضات الزمالك معه    جامعة قناة السويس تُعلن الفائزين بجائزة "أحمد عسكر" لأفضل بحث تطبيقي للدراسات العلمية    «الداخلية» تستقبل الشباب المشاركين في برنامج القيادات الشبابية الإعلامية    صبحي خليل: إصابة بنتي بالسرطان كانت أصعب لحظة في حياتي    د.أحمد ماهر أبورحيل يكتب: تكافل وكرامة انتقل بالحكومة من الأقوال إلى الأفعال    ضبط المتهمين بالتعدى على طفلة بالشرقية.. فيديو    غلق 138 محلًا لعدم الالتزام بقرار ترشيد استهلاك الكهرباء    "الصحة": إنقاذ سائحين من روسيا والسعودية بتدخلات قلبية دقيقة في مستشفى العجوزة    وزير الصحة يؤكد على التنسيق الشامل لوضع ضوابط إعداد الكوادر الطبية    توريد 444520 طن من الأقماح المحلية لشون وصوامع محافظة الشرقية    طلب إحاطة في البرلمان حول إغلاق قصور الثقافة: تهديد للوعي والإبداع في مصر    رئيس «اقتصادية قناة السويس»: توطين الصناعة ونقل التكنولوجيا هدف رئيسي باستراتيجية الهيئة    إصابة 5 أشخاص فى حادث انقلاب سيارة سوزوكى بالشرقية    وزير الصحة يبحث مع وفد البنك الدولي تعزيز التعاون في ملف التنمية البشرية    الاتحاد الأوروبي: لن نستأنف واردات الطاقة من روسيا حتى لو تحقق السلام في أوكرانيا    الخارجية الإسرائيلية: لا نزال نعمل على الوصول لاتفاق آخر مع حماس    التموين: إطلاق شوادر عيد الأضحى 20 مايو الجارى لتوفير احتياجات المواطنين    على كل الأصعدة.. اعرف حظ برج الميزان في النصف الثاني من مايو 2025    صحة المنوفية تتابع سير العمل بمستشفى بركة السبع المركزي    هل يحق للزوجة طلب زوجها "الناشز" في بيت الطاعة؟.. محامية توضح الحالات والشروط    وزير الخارجية الباكستاني: "المفاوضات مع الهند طويلة الأمد وضرباتنا كانت دفاعًا عن النفس"    مدير عمل بني سويف يسلم عقود توظيف لشباب في مجال الزراعة بالأردن    التاريخ يبشر الأهلي قبل مواجهة الزمالك وبيراميدز في الدوري    موعد مباراة الأهلي والترجي التونسي في نهائي كأس السوبر الافريقي لكرة اليد    داعية إسلامي: احموا أولادكم من التحرش بالأخذ بالأسباب والطمأنينة في التوكل على الله    حكم تسوية الصف في الصلاة للجالس على الكرسي.. دار الإفتاء توضح    الأهلي يحصل على توقيع موهبة جديدة 5 سنوات.. إعلامي يكشف التفاصيل    تعرف على مواقيت الصلاة اليوم الثلاثاء 13-5-2025 في محافظة قنا    اليوم| محاكمة 73 متهمًا في قضية خلية اللجان النوعية بالتجمع    منتخب مصر للباراسيكل يكتسح بطولة إفريقيا لمضمار الدراجات ويحصد 29 ميدالية.    جدول أعمال زيارة ترامب الخليجية فى ظل ديناميكيات إقليمية معقدة    الدوري السعودي يقترب.. موعد تتويج الاتحاد المحتمل وأمل الهلال الوحيد    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



بعد رحيل النابغة "محمد يحيى" لم يبق إلا الضجيج !!
نشر في المصريون يوم 15 - 10 - 2014

[ لابد من قاعدة فكرية تقوم عليها الأعمال الأدبية والفكرية وكل النشاطات وإلا يكون المجتمع فاقداً للخصوصية التي تميزه عن غيره من المجتمعات ]
عبد الوهاب المسيري

في صمت بليغ رحل الصابر المحتسب الأستاذ الدكتور "محمد يحيى" وترك الدنيا بما فيها ومن فيها بعد رحلة شاقة ليهنأ إن شاء الله بجنة عرضها السموات والأرض أعدت للمتقين وهو منهم بإذن الله تعالى ولا نزكيه على الله أبداً ولا نستطيع.
رحل الصابر المحتسب "محمد يحيى"
رحل وترك المتاع الزائل الزائف الذي اسمه الدنيا. رحل بعد أن قطع كل عمرة تقريباً في ألم بالغ واختبار إلهي عظيم فصبر عليه وتعامل مع قدره بإيمان نادر حتى أتاه اليقين.
المهرجون فقط في بلادنا الإسلامية كلها هم أصحاب الحقوق، ليس في مصر وحدها، بل في كل بلادنا الإسلامية ! لا مكان لنابغة، وانظر حولك الأماكن محجوزة لأهل المغنى كما يقول صديقي الكاتب الكبير الدكتور حلمي القاعود حفظه الله.
رحل أيضاً في صمت الأستاذ الدكتور عبد العزيز حمودة أستاذ الأدب الإنجليزي بجامعة القاهرة - سبحان الله - أستاذان عظيمان. رحل عبد العزيز حمودة كما رحل محمد يحيى. رحلا في صمت. العلماء يرحلون في صمت المهرجون فقط والأغبياء والحمقى هم أصحاب الحق في الرعاية والاهتمام. بلاء عظيم ابتليت به الأمة الإسلامية الكبيرة. أمة تمجد (بمبة كشر) وتمجد (زوبة العالمة) وقد اعتبر لويس عوض وتلميذه غالي شكري أن ما أحضره بونابرت إلى مصر من (……) كن في طليعة الدعوة إلى تحرير المرأة !! ويمكن الرجوع إلى (كتاب رسالة في الطريق إلى ثقافتنا) وكذا (كتاب أباطيل وأسمار) للعلامة محمود محمد شاكر.
وبالمناسبة لا أدري لماذا اهتم الأستاذ نجيب محفوظ بالنماذج المنحرفة بل أضاف لها بعض سمات الوطنية !! وقد هلل له الكثير من نقادنا الأماجد في الوقت الذي ردموا على كتاب اعلنوا عن هويتهم وتمسكوا بالمنهج العقيدي كأساس في كل كتاباتهم فقد تم الردم عليهم بشكل كامل فماتوا همساً … (مقالنا الذين ماتوا همساً - المصريون الإلكترونية في 26/9/2014)
مات الصابر المحتسب (محمد يحيى 1949-2014) وقد عاش عمره قعيداً لا يتحرك من جسده إلا كفه ليكتب ويبدع ويصبح نابغة عصره في فنون كثيرة.
أذكر أنني قرأت له (ورقة ثقافية في الرد على العلمانيين) فابرقت للناشر الأستاذ أحمد رائف رحمه الله فقام بالرد على كتابي ودعاني للمقابلة. قرأت الورقة فعدت أناقش نفسي في هدوء عن مضمونها وانتصر العالم الكبير محمد يحيى ومن يومها حوالي 1985 على ما أذكر أتابع ما يكتبه بقدر الإمكان. علمتنا (الاعتصام) وأخذتنا إلى عالم من البهجة الحقيقية لا المزورة وإلى دنيا الحقائق لا إلى عالم الانطباعات المضللة تعرفنا على (أنور الجندي) و(عبد الله السمان) وكانت قبلها صداقتي بحلمي القاعود الذي تكرم بمخاطبتي عام 1970 عقب رحيل عمي الأستاذ محمد عبد الحليم عبد الله فكانت علاقتي به حتى الآن وهو يمثل لي مدرسة أدبية أفادتني كثيراً جداً. إن الدكتور حلمي القاعود ظاهرة أدبية، موهبة أدبية عاتية غطت على الكثير من أبناء جيله مما أثار بعضهم عليه لتفوقه بالإضافة إلى اعتباره امتداداً لمدرسة مصطفى صادق الرافعي (المدرسة القرآنية). وهي المدرسة التي يحاربها اليسار بكل فصائله ويراها سبب تخلفنا الحضاري !!
قرأت (الورقة الثقافية) ثم قرأت كتابه عن (مريم جميلة) رحمها الله وكتابه عن (ماذا يريد الأنبا شنودة) وتابعت ما يكتبه هنا وهناك وبعض من أخباره.
أنا لا أكتب الآن عن أعمال الأستاذ الدكتور محمد يحيى ولكن أكتب عن مأساة القلم في مصر وأقصد الكاتب المنتمي إلى عقيدته وهويته وإرثه الثقافي لا الكاتب الذي يدور على مختلف الموائد لتناول بقاياها.
تعرض الكثير من كتاب (المدرسة القرآنية) للهجوم وأشهرهم مصطفى صادق الرافعي وكذا تلميذه محمود شاكر ثم استمر الهجوم فنال ضمن ما نال الأستاذ علي احمد باكثير وعبد الحميد جودة السحار وقد نال أيضاً الأستاذ محمد عبد الحليم عبد الله الذي حافظ على منظومات القيم واستمر الهجوم فنال كل من انتمى إلى (المدرسة القرآنية) ومنهم حلمي القاعود، زينب عبد العزيز، صابر عبد الدايم، صلاح عدس، وكل كاتب اعتمد المفاهيم القرآنية والتصور الإسلامي الذي يرفضه التيار العلماني أو اليسار بأجنحته المختلفة، جو ثقافي فاسد عاش فيه المثقف، عاش ليتنفس الهواء الفاسد لا غير. جو سام عاشه كل الكتاب الذين تخرجوا في المدرسة القرآنية أو انتموا إليها أو الذين حافظوا على منظومات القيم وانطلقوا في كتاباتهم من التصور الإسلامي عن (الله - الكون - الحياة) وهو تصور يخالف نظرة رواد بقايا (الحضارات) التالفة الفاسدة ومحاولات فرضها على واقع أمة تحيا على منهج الله.
فقد أفسد كتاب (هؤلاء علموني) للأستاذ سلامة موسى العقل بوضعه ملاحدة أوربة موضع القدوة وتقديمهم للقارئ على أنهم مصابيح الهدى من أمثال نيتشة، ودارون، ورينان، فرويد، سارتر، لقد قام سلامة موسى بإصدار هذا الكتيب ضمن سلسلة إقرار رقم 349 وقامت دار المعارف المصرية بنشره في طبعتين ! وانظر إلى ما يقوله مؤلف الكتاب: "ولا استطيع أن أقول أن الكتب العربية ترتفع إلى مقام يتيح تخريج الرجل الناضج الذي يتساءل ويستطلع وإن كان هناك قليل من الكتب المترجمة قد يؤدي هذه الخدمة. وقد كان في مقدورنا أن نترجم نحو مائة كتاب عالمي من تلك الكتب التي تميزت المجتمع ووجهته" ص 19.
إنه الأستاذ (سلامة موسى) الشعوبي الكاره للعربية.
لقد قدم للأمة كل ما يسيء إلى عقيدتها وترك من خلفه من استطاع أن يكمل إفساده وأن يعلي من القيم الانشطارية التي تفصل بين السلوك والاعتقاد حتى أصبحنا على ما نحن عليه.
جو ثقافي سام. عاشه محمد يحيى وغيره من كبار كتاب مصر فلا شاعر إلا من يمتدحه لويس عوض ولا روائي إلا من يقدمه غالي شكري ولا رواية إلا لأدوارد الخراط أو نجيب محفوظ ولا أحد يفهم في بر مصر إلا إذا كان ناسجاً على منوالهم !! فالرواية تعني نجيب محفوظ، إدوارد الخراط، والقصة القصيرة تعني يوسف إدريس، يوسف الشاروني وكتاب الرواية من جيل ما بعد نجيب محفوظ هو من ينسج على منوال محفوظ أو ينسج على منوال إدريس !! جو ثقافي سام.
لقد ردم النقاد على أدب السحار وباكثير وإحسان وغراب والصاوي وعبد الحليم عبد الله وغيرهم ولم يظهر إلى الوجود الثقافي إلا من أراد كهان الثقافة في مصر أن يظهروه !!
ولما كان الأساتذة الكبار من طبقة عبد العزيز حمودة ومحمد يحيى، قد تمسكوا بهويتهم الإسلامية ولم ينتصروا إلا لها فقد أعلنت عليهم الحرب كما أعلنت على أسلافهم من قبل رواد المدرسة القرآنية التي أسسها النابغة مصطفى صادق الرافعي الذي حطم الكثير من الأصنام الثقافية.
إن الحديث عن الهوية ومكانتها عند أصحاب الرؤية الإسلامية عن (الله - الكون - الحياة) إنما هو الحديث عن العقيدة ذاتها، العقيدة تدور على قاعدتها حياة المسلم حتى لحظة مماته وتمتد أيضاً إلى لحظة الحساب وبماذا سينطق الميت ؟!
العقيدة التي يحاربها كل ملحد منذ أن ابتعث الله رسله بدين الإسلام قبل سنين لا يعلم عددها إلا الله وحده.
لقد عاش المثقف الحقيقي في جو سام منذ غزوة (نابليون بونابرت) والمحاولات الواضحة لتغيير المفاهيم العقدية وإحلال (القيم البديلة) وطرد منظومات قيمنا المستمدة من عقيدتنا من أن تحكم حياتنا.
قضية خطيرة ومهمة يقوم بها رجال أعدوا من أجل تنفيذها على مدى بعيد.
إن تحقير الثقافة العربية والأدب العربي ظاهرة إجرامية في حق أمة العقيدة وقد استطاع جنود التبشير أن يسددوا للثقافة العربية ضربات قاصمة ولتقرأ معي ما يقوله (ميخائيل نعيمة): "أسمع اصواتا تنادي وأرى أيادي تمتد نحوي والسنة تصب على النقم والكل يقولون وهل نسيت - وانت جاهل - أسماء أمرئ القيس والنابغة الذبياني ولبيد وعلقمة وعنترة والمهلهل والمتنبي والهمذاني والأخطل وابن رشد وابن سينا … الخ من الأقدمين وشوقي وحافظ والمطران وكثيرين سواهم من المحدثين ؟ كلا يا سادتي أنا لم أنسى هؤلاء كلهم بل لا أتجاسر أن أزعج سكينة قبور الراقدين منهم ولا أن أرفع عيني الخاطئتين إلى أكاليل الغار وأهله النور فوق رؤس الباقيين في قيد الحياة. إنما أهمس لكم همساً كي لا أثير غضبهم، إن غثهم أكثر من ثمينهم وعلى كل لا أظنكم ظالمين إلى حد أن ترفعوا أحداً منهم إلى تصاف هوميروس وفرجيل دانتي وشكسبير وملتون وبيرن وهيكو وزولا وغوتة وهينه وتولستوي … خلقوا وماتوا (يقصد الشعراء العرب) ليتعزلوا بظباء الفلاة ولمعان المشرفيات ووقع سنابك الخيل وسفك الدماء ومشي الأبل وأطلال المنازل ونار القرى … الخ) من كتاب (المرايا المقعرة) للدكتور عبد العزيز حمودة ص 33.
هذا نموذج لكاتب من نصارى الشام في شأن الثقافة العربية التي هي حضارته التي ينتسب إليها ويكتب بلغتها !!
مأساة كاملة. لقد أسقط الدكتور عماد الدين خليل الأعمال الأدبية الغربية كلها من ذاكرة الأدب لأنها تفقد الرسالة المجتمعية فقط أعمال كتبت للمتعة الفنية وأنظر كتابه (فوضى العالم في المسرح الغربي) كما استطاع الناقد الكبير الدكتور حلمي القاعود أن يطبق منهجه الفريد من النقد الأدبي وهو (المنهج التكاملي) على أدب الأستاذ نجيب محفوظ وأكد أنه كتب الرواية من منظور غربي فأصبح أدب محفوظ خالياً من الرسالة رغم ما فيه من المتعة الفنية العالية ولكنها - في نظري - متعة رخيصة تزول بوقتها.
عاش كل من الدكتور (عبد العزيز حمودة) و(الدكتور محمد يحيى) محنة عظيمة استطاع الدكتور حمودة أن يقضم ظهر الفكر الشعوبي بإصدار كتابيه الفريدين وهما (المرآة المحدبة) و(المرآة المقعرة) في أكثر من (900 صفحة) ورد فيهما على رواد الانبهار ورد الاعتبار للبلاغة العربية ولكن الظروف الصحية البالغة التعقيد لم تمكن النابغة محمد يحيى من استكمال مشروعه فيما أتصور وفي حدود المتوفر لدي من معلومات ولكني اعتبر (الورقة الثقافية في الرد على العلمانيين) هي المسودة الرئيسية لأفكار النابغة الدكتور محمد يحيى.
إن جيل (المدرسة القرآنية) الذي أسسه شيخ العربية الأستاذ مصطفى صادق الرافعي قادر على الاستمرار في الدفاع عن خصائص الأمة الحضارية.
نعم، إن الأستاذ الدكتور محمد يحيى من (المدرسة القرآنية) وهو من الذين أسهموا بشكل واضح في الدفاع عن خصائص الأمة من خلال التوجيه الثقافي العام لطلابه بقسم اللغة الإنجليزي بجامعة القاهرة وأيضاً من خلال كتاباته بمجلة (المختار الإسلامي) الذي كان يحررها وحدة تقريباً لمدة ربع قرن ! كما بين الأستاذ الباحث (أبو الحسن الجمال) ذلك بالعدد رقم 384 من مجلة المختار الإسلامي وكذا صديق الراحل الكريم (السيد أبو داود) في ذات العدد من المجلة المذكورة.
كان صاحب جهد عظيم رغم الإعاقة الكبيرة التي ألمت به كان جهده خالصاً لله تعالى.
إن (المدرسة القرآنية) التي أسسها مصطفى صادق الرافعي أثمرت وآتت أكلها فرأينا منها الكثير من الأقلام الكبيرة في جميع مجالات الحياة فتعرفنا على تلميذه العظيم العلامة محمود محمد شاكر الذي قال عنه يوم وفاته: "قد صار ميراثاً نتوارثه وأدباً نتدارسه وحناناً نأوي إليه) وتعرفنا على محمد سعيد العريان ومحمود الطناحي ثم كان للمدرسة القرآنية أبناء مخلصين أمثال الدكتور حامد عبد الله ربيع في الأدب السياسي، وكذا اللواء أ/ح دكتور فوزي محمد طايل أستاذ الإستراتيجية الشاملة ونذكر أيضاً اللواء مهندس محمد الحسيني إسماعيل، وكذا اللواء مهندس محمد عبد الوهاب أسماء من المدرسة القرآنية لا ينساها التاريخ بل ذكرها كل ذاكر منصف وأن قل المنصفون !!
يقول الأستاذ (أبو الحسن الجمال) في الأستاذ الدكتور محمد يحيى: "كان مهموماً بقضايا أمته وهمومها في الوقت الراهن الذي تكالب عليها الأعداء في الشرق والغرب ينهشون فيها كالكلاب المسعورة والمسلمون كالأيتام على مأدبة اللئام وجند هؤلاء الأعداء جنود لهم من بني جلدتنا يريدون سلخ الأمة من ماضيها التليد لقاء الفتات الذي يتلقونه من هؤلاء في صورة جوائز ورحلات فقط قيض الله جنودا يدافعون عن شرف الأمة ضد خصومها في الداخل والخارج ومنهم الدكتور يحيى" ص 18 من مجلة المختار الإسلامي العدد 384 شوال 1435ه‍ الموافق أغسطس 2014م.
لقد نبهنا الباحث الكريم إلى النقطة الجوهرية في فكر الأستاذ الدكتور محمد يحيى وهي التي كانت خافية علينا لقلة المصادر وهي اهتمام الدكتور محمد يحيى بقضايا أمته وهو بهذا يعد من العاملين بعلمهم كما قال سيدنا الشيخ (عبد العظيم المطعني) رحمه الله رحمة واسعة عن أستاذي العظيم محمد السيد الجليند وعندما سمعها مني الرجل نقلتها له كما قالها الشيخ وقف في الطريق ونظر إلى الأرض ثم قال بصوت باك استغفر الله العظيم ثم مضى بنا الطريق إلى حيث ودعته عند بوابة بيته القريب من بيتي.
والآن يتحتم علينا أن نضع الأستاذ الدكتور محمد يحيى في مقامه الذي يجب أن يكون وهو المقام الرفيع الذي يتمناه كل فرد ناهيك أن يكون ذلكم الفرد صاحب قلم إنه مقام الاهتمام (بقضايا أمته) قال صلى الله عليه وسلم (من لم يهم بأمر المسلمين ليس منهم) صدق رسول الله صلى الله عليه وسلم واعتقد أن بابا بمجلة المختار الإسلامي كان يحرر تحت هذا العنوان ربما كان يحرره (محمد يحيى) في أول حياته المبهرة … رحمه الله رحمة واسعة وأسكنه فسيح جناته.
أعود إلى مسألة الاهتمام بقضايا الأمة الكبيرة وأقول أنها أخطر ما يمكن أن يتعاطاه الفرد المسئول أمام خالقه أنها قصة الوجود ذاته، لذا نراها تستحوذ على عقول العباقرة من الكتاب من أمثال المجاهد على عزت بيجوفيتش رئيس جمهورية البوسنة والهرسك لمدتين متتاليتين. رحمه الله رحمة واسعة.
وعلى العكس من البعض الذي يروج حالياً للآتي:
1. الحجاب تخلف ورجعية وناتج عن خلل ديني !!
2. لا مانع من مشاهدة أولادنا للصور العارية !!
3. لا شيء في الرقص لأنه من الفنون !!
4. شعيرة الذبح (الأضحية) إجرام !!
5. رؤيا الذبح رؤية رجل صالح !!
6. مصادرة الكتب التي تذكر عذاب القبر !!
7. أبو بكر (هكذا بدون سيدنا) جمع القرآن ثم جمال عبد الناصر !!
مفاهيم جديدة تطرح على الدماغ المسلم لتصيبه بالدوار ثم الانفجار المخي السريع ثم الوفاة !!
حال لا وصف له سوى أنه لا يوصف.
والسؤال الآن، هل فقد مجتمعنا خصوصيته المستمدة من حضارته المستمدة من عقيدته ؟ هل انقطع فعلا ما بين الأمة وماضيها وإرثها العقيدي ؟ هل استطاع الغزو العلماني أن يحجم دور الدين أو يغلق عليه باب المسجد فلا يخرج ليقود الأمة؟ فقط داخل المسجد وفي حدود إقامة الشعائر دون تناول الشرائع وهي الأحكام الذي يسير على أساسها المسلم ويتعامل بها مع غير المسلم ؟
نعم أن الحاصل في بلاد العالم الإسلامي كله هو هذا النمط من التفكير لمحاصرة الفكر الإسلامي الحركي. إن المنهج القرآني أنزله الله ليحكم الحياة لا أن تحكمه الحياة.
وأني لا أعجب من ظاهرة التعدي الواضح على منهج الله خاصة من الأقوال المنسوبة لوزير الثقافة الحالي والتي جاءت على صفحات التواصل الاجتماعي من خلال حوار تليفزيوني بثته فضائية مصرية أضف إلى ما تقدم تصريحات أخرى في شعيرة الذبح.
والسؤال ما هذا الذي يجري ؟
هل هانت علينا عقيدتنا ؟
للبيت رب يحميه. لقد أخرستنا الأحداث.
ولا نقول إلا ما يرضي ربنا سبحانه وتعالى، إنا لله وإنا إليه راجعون.
ونعود إلى موضوعنا الأساسي.
إن الحديث عن رحيل الأستاذ الدكتور "محمد يحيى" أستاذ الأدب الإنجليزي بجامعة القاهرة حديث يطول لأنه في الحقيقة حديث عن عالم كبير اختار (الدعوة الصامتة) أسلوباً لحياته بصرف النظر عن مكانته الجامعية المرموقة. الدعوة الصامتة كتب فأبدع، وترجم فأحسن، وانشغل بما ينشغل به كبار العلماء وهو حمل الأمانة فكان ممن انشغلوا بهموم أمته رغم همومه الجسدية الصعبة التي لا يقدر عليها إلا أصحاب العزائم القوية، إنها مدرسة اليقين أو المدرسة القرآنية التي أسسها شيخ العربية مصطفى صادق الرافعي. رحمه الله رحمة واسعة.
إن مهمة الاهتمام بأمر المسلمين أمر نبوي كريم قال صلى الله عليه وسلم (من لم يهتم بأمر المسلمين ليس منهم) وهذه وظيفة شاقة للغاية ولكنها من العقيدة حتى نكون على قلب رجل واحد.
إن الأستاذ الدكتور محمد يحيى رجل شكلته العقيدة فقد عرفناه في منتصف سبعينيات القرن الماضي قلماً كبيراً تخرج من المدرسة القرآنية أو مدرسة اليقين، كنا نتابع ما يكتبه ولا نعرف عن أزمته الصحية شيئاً إلا من ابنتي والتي كانت تراه محمولاً على كرسيه ليحاضر طلبته في قسم اللغة الإنجليزية بجامعة القاهرة. لقد جمعوا له محاضراته في يوم واحد لتخفيف العبء عليه في المجيء والعودة من وإلى الجامعة، اللهم أرحمه وسامحه كان عبداً صامتاً راضياً، لا نزكيه عليك يا رب، أنت أعلم به منا وأنت أرحم الراحمين (يؤذن للعصر حالياً) رحمك الله يا أبا يحيى، رحمك الله يا أبا آية.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.