تأملت في نصوص الشريعة الاسلامية الغراء و في واقع الأحداث الحالية في جميع أنحاء العالم ، و إرهاصات المخاض العسير الذي يضرب أرحام بعض أنحاء الوطن العربي و الذي هو مرشح لاتساع رقعته ليشمل جميع الوطن العربي شاء حكامه أم أبوا ، فوجدت أن الأمة الاسلامية قد أوشك وليدها أن يخرج للحياة بعد حمل في رحم أمٍ لا تريد أن تلد و تخاف من لحظة ولادتها غير أن وليدها شاءت أم أبت سوف يفجؤها و لا يدع لها مجالا لاختيار . هذا الوليد الذي يُراد له أن لا يولد ، يتعرض الآن لشتى أنواع الأذى حتى ينزل سقطا لا روح فيه ، أو على الأقل يولد مشوها لا نفع فيه و يكون وبالا على أهله . و مع ذلك فالوليد كالسيل الجارف الذي لا يمكن أن يقف أمامه أحد ، و كالحجر المنحدر من أصل جبل لا يستطيع احد أن يصده ، أو كالقطار الذي تتحداه عجوز بكلتا يديها في محاولة فرملة تقدمه ، فالسيل سائر في جرفه لكل ما يعيق مجراه ، و الحجر منصب حتى يفجأ من تحت الجبل لا يستطيعون منع سقوطه إلا توقيه ، و القطار في تقدمه و دهسه لهذه العجوز واقع حال لا يمكن الفكاك منه . إنه الاسلام .. الذي مهما حاول الحاقدون و المشمئزون ، و التافهون أن يوقفوا زحفه ، فلن يقدروا و لن يستطيعوا مهما أوتوا من وسائل الدجل و التدليس و التآمر ، لأنه ببساطة دين الله الذي ارتضاه لنا و لا عزة و لا نهضة و لا قيام لنا إلا تحت ظلاله الوارفه. كناطح صخرة يوما ليوهنها ... فما ضرها و أوهى قرنه الوعل . إن المتأمل في أحوال العالم اليوم و كم الذين يدخلون الاسلام من عقلاء العالم و شبابه رجالا و نساء ، يجزم أن لا قدرة لأحد كائنا من كان وقف زحف هذا المارد العملاق الذي لا يصد و لا يرد ، حتى تحير الأوربيون ماذا يفعلون لثني و حرف هذا القطار الهادر الذي يكاد يسحق من يقف أمامه ، فبدأوا بحرب ضروس لوقف هذا المد الجارف ، و ها هو الاتحاد الأوربي يجتمع لبحث ما يسمى بأسلمة أوربا ، و تقدم البحوث العلمية و الاحصائيات و الدراسات و الاقتراحات التي من شأنها وقف أو التقليل من حجم الداخلين الجدد في الاسلام أو عودة كثير من مهاجري أوربا المسلمين إلى دينهم و الاهتمام بتعلمه و تطبيق شعائره . و قد سبب تزايد اعداد المسلمين في اوروبا قلقا شديدا للفاتيكان، فقد حذر بابا الفاتيكان "بنديكت السادس عشر" في خطاب له الاوربيين من انحسار الهوية المسيحية لاوروبا في ظل انخفاض معدل المواليد، وزيادة عدد المهاجرين المسلمين . وقال البابا مخاطبا الاوروبيين :" إن مستقبل اوروبا المسيحية كئيب وينذر بالخطر خاصة إذا لم تنجبوا الاولاد وتقيموا شريعة الرب"، مضيفا أن هذا هو سبيل أوروبا اذا ارادت ان تكون حضارتها في مستوى تحديات الالفية الثالثة . و قد حذر مراقبون و باحثون أوربيون من أن أوروبا تواجه قنبلة زمنية ديموغرافية تتمثل في تزايد مطرد للجاليات المسلمة المهاجرة ، مما يهدد تلك القارة بتغيرات جذرية لا يمكن تدارك أبعادها خلال العقدين المقبلين. وأشاروا إلى أن انخفاض معدل المواليد الأوروبيين ، مقابل سرعة "تكاثر" المهاجرين المسلمين ، أمر يؤثر على الثقافة والمجتمع الأوروبي ، كما يلقي بتداعيات خطيرة على السياسة الخارجية للقارة. كشفت دراسة أجريت في ألمانيا مؤخرًا عن أنّ عدد المسلمين المقيمين في أوروبا يصل حاليًا إلى حوالي 53 مليون نسمة. وحسبما نشره موقع المجلس الأعلى للمسلمين بألمانيا؛ قام مركز الأرشيف الإسلامي بعمل إحصائية حول عدد المسلمين في أوروبا جاء فيها أن عددهم يبلغ 53.713.953 من بينهم 15.890.428 مسلم يسكنون في دول الاتحاد الأوروبي. ومن أهم ما اشتملتت عليه الدراسة مايلي: 12.387.927 مسلم يعيشون في غرب أوروبا منهم أكثر من خمسة ملايين و نصف في فرنسا بنسبة تقترب من 10% من عدد السكان ، و أكثر من ثلاثة ملايين في ألمانيا ، و مليون و نصف في بريطانيا . بينما يبلغ عدد المسلمين في شمال أوروبا نحو 462.321 . كما يبلغ عدد المسلمين في جنوب أوروبا نحو 1.716.500 . أما روسيا فكانت أكثر الدول الأوروبية كثافةً في عدد المسلمين، حيث يبلغ عددهم 25 إذا كان هذا هو حال المسلمين في أوربا و تزايدهم و عودتهم للتمسك بدينهم ، فهل يُعاب على بلاد المسلمين تزايد عدد الملتزمين دينيا و العودة إلى أصول دينهم التي و إن غابت عن بعضهم زمنا فإن كمونها في نفوسهم لم يلبث أن تحرك فعاد عملاقا لا يقف أمامه أحد ، و هذا هو وعد الله الذي وعدنا إياه ((هُوَ الَّذِي أَرْسَلَ رَسُولَهُ بِالْهُدَىٰ وَدِينِ الْحَقِّ لِيُظْهِرَهُ عَلَى الدِّينِ كُلِّهِ ۚ وَكَفَىٰ بِاللَّهِ شَهِيدًا )) سورة الفتح/ 28 و قد بين النبي هذا الأمر بسنته في أحاديث كثيرة فقال ((ليبلغن هذا الأمر ما بلغ الليل والنهار ، ولا يترك الله بيت مدر ولا وبر إلا أدخله الله هذا الدين ، بعز عزيز ، أو بذل ذليل ، عزا يعز الله به الإسلام ، وذلا يذل الله به الكفر ) و في الحديث أيضا ((تكون النبوة فيكم ما شاء الله أن تكون ، ثم يرفعها الله - تعالى - ، ثم تكون خلافة على منهاج النبوة ما شاء الله أن تكون ، ثم يرفعها الله - تعالى - ، ثم تكون ملكا عاضا ، فتكون ما شاء الله أن تكون ، ثم يرفعها الله - تعالى - ، ثم تكون ملكا جبرية فيكون ما شاء الله أن يكون ، ثم يرفعها الله - تعالى - ، ثم تكون خلافة على منهاج نبوة . ثم سكت )) و لا شك كما بين أهل العلم أننا في زمن الملك الجبري الذي تكثر فيه الديكتاتوريات و حكم الفرد و الغلبة و القهر ، و لم يبق إلا الخلافة على منهاج النبوة ، و لا يُشترط أن ترجع الخلافة دفعة واحد ، و لكن قد يكون لها مقدمات و ارهاصات و منها عودة المسلمين إلى دينهم بعد أن غُيبوا عنه قسرا ، و لكنه دين الله الكامن المتجدد الذي ما يلبث أن ينفض ما علق به من شوائب و يعود عملاقا قويا فتيا كأن لم يغب . و في الحديث عن عبد الله بن عمرو بن العاص قال : سئل رسول الله صلى الله عليه و سلم أي المدينتين تفتح أولا, أقسطنطينية أو رومية ؟فقال رسول الله صلى الله عليه و سلم "مدينة هرقل تفتح أولا", يعني قسطنطينية. قال الألباني: و(رومية): هي روما, كما في "معجم البلدان", وهي عاصمة إيطاليا اليوم, وقد تحقق الفتح الأول على يد محمد الفاتح العثماني كما هو معروف، و ذلك بعد أكثر من ثمانمائة سنة من إخبار النبي صلى الله عليه و سلم بالفتح، وسيتحقق الفتح الثاني بإذن الله تعالى و لابد، ( وَلَتَعْلَمُنَّ نَبَأَهُ بَعْدَ حِينٍ ) ولا شك أيضا أن تحقيق الفتح الثاني يستدعي أن تعود الخلافة الراشدة إلى الأمة المسلمة، وهذا مما بشرنا به صلى الله عليه و سلم كما ورد في الحديث آنفا . فإذا أضفنا إلى ذلك قوله صلى الله عليه وسلم: (لا تزال طائفة من أمتي ظاهرين على الحق لا يضرهم من خذلهم حتى يأتي أمر الله وهم كذلك)، و قوله (مثل أمتي مثل المطر لا يدرى أوله خير أم آخره)، و قوله عليه الصلاة والسلام: (بشر هذه الأمة بالسناء والنصر والتمكين، ومن عمل منهم عمل الآخرة للدنيا لم يكن له في الآخرة نصيب)، أدركنا أن الأمر جد خطير ، و أننا على أعتاب فجر جديد يعود بهذه الأمة إلى سالف عهدها و فخر عزها . إن أعين العالم علينا الآن ، و هم يدركون خطورة المرحلة و يتحسبون لذلك تحسبا شديدا و لذا نراهم إما داعمين للقوى الليبرالية و العالمانية ، أو محاولين احتواء المشروع الاسلامي في العالم العربي و الاسلامي بدءأ بمصر بعد دراسته و التعرف عليه عن كثب. إننا نرى تغيرا كبيرا في نظرة العالم إلينا على اختلاف مشاربهم و مآربهم ، و العالم أجمع يشعر أن فجرا جديدا في العالم الاسلام يوشك أن ينشق ضوؤه ، و هاهم بدأوا يستبقون الأحداث و يريدون أن يتعرفوا على هذا المشروع الجديد في العالم الاسلامي قال مسؤول أمريكي رفيع إن الولاياتالمتحدة قررت استئناف الاتصالات الرسمية مع جماعة الاخوان المسلمين في مصر في خطوة تعكس الثقل السياسي المتنامي للاسلاميين وان كان من شبه المؤكد ان يغضب ذلك إسرائيل ومؤيديها الأمريكيين وقال المسؤول الرفيع الذي طلب عدم نشر اسمه "المشهد السياسي في مصر تغير ومستمر في التغير." وأضاف "من مصلحتنا التعامل مع كل الاطراف التي تتنافس على البرلمان والرئاسة وجهت السفارة اليابانية في القاهرة دعوة رسمية إلى رئيس حزب "النور" السلفي الدكتور عماد عبدالغفور لزيارتها، وأفاد المتحدث الرسمي باسم الحزب الدكتور يسري حماد بأن عبدالغفور لبى الدعوة والتقى المستشار السياسي للسفارة. وقال أن اللقاء بدأ بتهنئة السفارة للحزب على التأسيس وحصوله على الشرعية كأول حزب إسلامي بتوجه سلفي في مصر. أكد مارك فرانكو رئيس وفد مفوضية الاتحاد الأوروبى بالقاهرة، أنه تحدث مع عدد من رجال المجتمع المدنى فى مصر عن جماعة الإخوان المسلمين، وأكد لهم أن "اللعبة الحقيقية الآن فى البرلمان، الميدان كان مهما عندما كان البرلمان عبارة عن سيرك أو مزحة، الآن هناك إمكانية لخلق برلمان يعكس آراء ناس اقتنصوا هذه الفرصة. لا شك أن هؤلاء و أولئك إنما يريدون التعرف لدراسة الأحوال و من ثم إيجاد طريقة للتعامل أو قل للتآمر ، أو لتطويع الأمر الواقع الذي لا يستطيعون منه فكاكا لخدمة مصالحهم في حال سيطرة هؤلاء الاسلاميين على حكم مصر ، و هم يدركون جيدا خطورة مصر على ما حولها ، فمصر هي قطب رحى العرب و المسلمين بتاريخها التليد و اسهاماتها الحضارية المتنوعة في العالم العربي و الاسلامي ، و كثرة عدد سكانها الذي يمثل قوة لا يستهان بها ، و عقيدتها العسكرية التي و إن قد أصابها غبش بالسياسات الخاطئة المتعاقبة إلا أن مؤسستها العسكرية مازالت تمثل خطرا على اسرائيل ، و تحمل مشروعا قتاليا مايزال مطروحا خاصة بين شبابها . كل ما ذكرنا يحمل بين جنباته مبشرات كبرى بأن يغير الله حالنا إلى الأحسن ، و أن يعي حاملوا المشاريع المصادمة لعواطف الأمة و آمالها و عقيدتها و دينها أنهم إنما يناطحون السحاب ، و إن كان العالم الغربي قد بدأ يشعر أنه لابد له من مسك العصا من المنتصف ، و مع كونهم يدعمون القوى الليبرالية و العالمانية و ينظرون لها بعين ، فإن عينهم الأخرى على القوى الاسلامية التي يشعرون أنها قد تحوذ قصب السبق في أي مرحلة ديمقراطية قادمة ،و لذا فخطاباتهم تحمل نوعا من المرونة التي تنتظر الحدث لتستثمره لصالحها . فهلا شعر ليبراليونا و عالمانيونا و تنويريونا و حداثيونا و إعلاميونا و مدعوا الثقافة و النخبوية ذلك فتعلموا ممن يجعلونهم قبلتهم في كيفية مسك العصا من المنتصف ، و إن كان هؤلاء يمسكون منتصف العصا لتشككهم هل يصل الاسلاميون للحكم أم لا ، مع محاولاتهم المستميتة أن لا يصلوا ، فنحن واثقون من وصول الاسلام للحكم لا أقول لحكم العرب و المسلمين بل و لحكم العالم ، و أن ذلك مسألة وقت ليس إلا طال هذا الزمن أم قصر إلا أنه آت لامحالة في ذلك ، و إن كنا نتمنى أن نرى ذلك في حياتنا – و ليس ذلك على الله بعزيز - ، فلتلحقوا بالركب .