تأتي القمة العربية المقرر ان تبدأ أعمالها غدا في مدينة سرت الليبية، في ظل أحداث ووقائع جسام، وتطورات متسارعة، وتحديات كبيرة تعرضت وتتعرض لها المنطقة العربية بصفة عامة، والأراضي الفلسطينيةالمحتلة بصفة خاصة، والقدس العربية علي وجه الخصوص، والمسجد الأقصي بالذات. وتأتي القمة، وحال العالم العربي، وأمة العرب، لا يسر صديقا ولا حبيبا علي الاطلاق، ولكنه بالقطع يسعد كل من هم دون ذلك، سواء كانوا من الأعداء المتربصين، أو من دول الجوار الطامعة في فرض هيمنتها، وتغلغل نفوذها، داخل الوطن العربي المشغول بخلافاته، والمنقسم علي ذاته، والغارق في سراديب الماضي، والغائب عن الوعي بالحاضر، أو استشراف آفاق المستقبل. وفي اطار المصارحة الواجبة، والشفافية اللازمة، يصعب علي أي مراقب أو متابع لما يجري علي الساحة العربية، ان يدعي بوجود مساحة كبيرة للتفاؤل تدفعه للتوقع بأن ما ستنتهي إليه قمة الرؤساء والقادة العرب، وما سيصدر عنها من قرارات مساء الأحد القادم، سيضع حدا لحالة التردي السائدة علي الساحة العربية الآن، أو انه سيضع نهاية لحالة الضعف والقصور والعجز الطافحة علي السطح العربي حاليا. وقد يكون من الضروري ونحن نقول بذلك أن يكون واضحا في الأذهان ان أولي القضايا المطروحة أمام القمة،..، أو التي يجب أن تكون كذلك، من وجهة نظر عامة الناس وخاصتهم في وطننا العربي علي اتساع رقعته، هي بالتأكيد قضية القدس وما تتعرض له الآن من عمليات اغتيال مادي ومعنوي، علي يد رئيس الوزراء الاسرائيلي بنيامين نتنياهو، وحكومته المتطرفة، التي تعلن ليل نهار، بكل الصلف والغرور انه لا وجود لقدس عربية، ولا أمل، ولا رجاء في وقف تهويدها، أو الابقاء علي هويتها العربية، في ظل الصمت الدولي، والتراجع الأمريكي، والسكون العربي، والانقسام الفلسطيني. ومن الطبيعي أن يكون التحدي المطروح علي القمة العربية، الآن وفي ظل الأحداث الدامية والمأساوية التي تمر بها القدس حاليا، هو الاجابة علي السؤال المطروح بطول وعرض الشارع العربي والاسلامي حول ماذا سيفعل زعماء الأمة وقادتها لانقاذ القدس؟،...، بل وماذا سيفعلون لتحقيق الحلم العربي في إقامة الدولة الفلسطينية المستقلة وذات السيادة علي الأراضي المحتلة عام 7691؟!،...، وهو الحلم الذي أصبح صعب التحقيق في ظل ما نراه اليوم من وقائع وأحداث لا تبشر بخير، ولا تدعو للتفاؤل. ليس هذا فقط، بل ان هناك العديد من الأسئلة، والكثير من التساؤلات، أصبح مطلوبا من قمة الزعماء والقادة البحث عن إجابات واضحة ومقنعة لها، تدور حول غيبة وحدة الصف العربي، وغياب الاتفاق علي كلمة سواء، وموقف موحد، تجاه جميع القضايا والأزمات التي تواجه الأمة حاليا،...، بالاضافة إلي الفشل المؤكد حتي الآن في إقامة السوق العربية المشتركة، أو أي كيان سياسي أو اقتصادي عربي آخر، موحد، ومؤثر، وفاعل، يستطيع التعامل بندية وقوة مع الكيانات الدولية المتواجدة علي الساحة الدولية.
وقد يكون من المؤسف والمحزن في نفس الوقت، ونحن نتحدث عن القمة العربية التي دخلت وقائعها حيز التنفيذ في مدينة سرت الليبية، استعدادا لاجتماع الزعماء المقرر له ان يعقد غدا السبت، أن نجد أنفسنا مضطرين للقول بأن حظوظها في توقع الإنجاز، والنجاح في تحقيق الآمال المعلقة عليها من جانب الشعوب العربية ليست علي القدر الذي كنا نتمناه لها. ولعل في القول بذلك، اشارة لازمة وواضحة إلي واقع الحال في عالمنا العربي، والذي لا يبعث علي الارتياح،، ولا يدعو للتفاؤل، بل هو في حقيقته ومحتواه مزيج لمجموعة الأمراض والعلل التي أصابت هذا العالم طوال الحقبة الماضية، وأدت في النهاية إلي ما هو عليه الآن من ضعف ووهن وهزال. وأحسب انه من الواضح للقاصي والداني الآن، ومنذ فترة ليست بالوجيزة، ان آلية القمة العربية كانت طوال العامين الماضيين، عاجزة عن أداء دورها، بل وكادت تكون غائبة عن الفعل والتأثير بالايجاب علي الساحة العربية، وفشلت في التعامل مع جميع القضايا والمشاكل الملحة والمتفجرة، علي هذه الساحة، بل لقد كان لها في بعض الأحيان فعل سلبي وتأثير غير إيجابي،...، ولقد كان ذلك واضحا ومؤكدا، للأسف، في قضية المصالحة الفلسطينية، وقضية تنقية الأجواء العربية، حيث كان التأثير بالسلب واضحا ومؤكدا لكل من يتابع أو يهتم.
وفي هذا الاطار، لعلنا لا نبالغ إذا ما قلنا ان القمة العربية التي تعقد في سرت غدا، تأتي في ظل ظروف دولية بالغة التعقيد، وتطورات علي الساحتين العربية والاقليمية بالغة الدقة والأهمية، بل والخطورة، من حيث التأثير الفعلي والمتوقع علي شكل ومجريات الأمور، وتوازنات القوي بالمنطقة، وما يمكن أن يحدثه ذلك من متغيرات بالسلب، وليس بالإيجاب في المستقبل القريب والبعيد علي عالمنا العربي،...، وهو ما يمكن أن يفرض واقعا جديدا، ومتغيرا، لا يتوقف عند المتغيرات في قواعد وأصول اللعبة السياسية فقط، بل وقد يمتد بالمتغيرات إلي الحدود الجغرافية للدول ذاتها،...، وهو ما يجب التنبه له، ووضعه موضع النظر والدراسة والاعتبار،...، وهو ما يتطلب كامل الحذر وكل اليقظة. وإذا ما نظرنا إلي الأخطار المحدقة بالعالم العربي الآن، والمتربصة بدوله وكياناته قبل انعقاد القمة بساعات قليلة، نجدها متعددة وكثيرة،...، وأحسب أننا لا نبتعد كثيرا عن جادة الصواب، إذا ما قلنا، ان جميع الدلائل، تشير إلي ان المنطقة العربية، والشرق أوسطية قد دخلت بالفعل في حالة مخاض لمتغيرات جسيمة، بدأت ارهاصاتها تلوح في الأفق، وخطواتها تقترب من الأبواب. وإذا ما أردنا اشارة واضحة لبعض المناطق العربية التي تتعرض الآن، ومنذ فترة ليست بالقليلة لأخطار فادحة، وأخري متربصة، يكفينا أن نذكر ما هو قائم الآن في فلسطينالمحتلة، والقدس السليبة، والعراق غير المستقر، والسودان الذي يواجه محاولات التقسيم والانفصال، والصومال الغائب عن الوجود، واليمن الباحث عن الاستقرار والساعي للنجاة، من مخاطر فلول القاعدة التي تريد الاستيطان فيه، وتسعي لتحويله إلي أفغانستان أخري، والذي يواجه في نفس الوقت مخططات التقسيم وأخطار التفتت،...، وذلك علي سبيل المثال وليس الحصر.
وفي ظلال ذلك كله، وفي إطاره، لعلي لا أبالغ كثيرا إذا ما قلت ان هناك احساسا عاما، بأن قمة سرت تأتي وسط مشاعر فياضة من الألم والمرارة تمسك بتلابيب جميع المواطنين من أبناء الأمة العربية الممتدة من الخليج، وحتي المحيط، وهم ينظرون بحسرة شديدة إلي حال العالم العربي في الفترة الراهنة، ويرون ما هو عليه الآن من ضعف ليس بالقليل، ووهن يصعب تجاهله. ولعلنا نتفق جميعا، علي ان هناك مظاهر سلبية عديدة، طفت علي سطح الحياة في عالمنا العربي خلال السنوات الأخيرة، وان تلك المظاهر أصبحت تثير الأسي، وتبعث علي الغضب، خاصة ما يتعلق منها بالتخلف العلمي والثقافي في العالم العربي، مما يولد احساسا متناميا بالتخلف، وعدم القدرة علي مواكبة التطور، واستيعاب مفاهيم العصر، واللحاق بركب الحداثة، القائم علي العمل الجاد، والكفاءة العالية، وهو ما أدي في النهاية إلي انتشار العشوائيات في الفكر والسلوك العربي،...، وهذا شيء خطير يستوجب سرعة المواجهة وجدية الحسم. ليس هذا فقط، بل أزيد عليه بالقول، بأن هناك تصاعدا خطيرا في الاحساس بالمرارة والغضب لدي الجميع، وهم يتابعون ويلمسون عن قرب تزايد الأخطار المحدقة بالأمة العربية، وتصاعد تهديداتها، وتعاظم تأثيرها يوما بعد يوم، في ظل واقع دولي وإقليمي يتغير في غير صالح العرب لحظة بعد أخري، ويفتح الباب للتدخلات الخارجية، في جميع الشئون العربية، ويسمح بممارسة الضغوط عليهم، تحت دعاوي باطلة، وشعارات مغلوطة تتواري في رداء الشرعية، وتتخفي تحت مظلة المجتمع الدولي، وهي في واقعها وحقيقتها تتحدث لغة القوة، وتستغل ضعف العرب، وغفلتهم لتحقيق أغراضها، ونيل مآربها.
وأحسب ان ذلك من المفروض أن يدفعنا جميعا، شعوبا وقادة لإدراك حجم المأساة القائمة الآن علي ساحة عالمنا العربي، والمتمثلة في بؤر الصراع الخطرة والمتفجرة المنتشرة علي الساحة العربية، والتي أصبحت تشكل تهديدا جسيما وحقيقيا للمنطقة بكل دولها وشعوبها دونما استثناء لأحد علي الاطلاق،...، ولعلنا ندرك أو نقتنع جميعا، بأنه لا طريق للنجاة لأحد منا بمفرده، وان وسيلة النجاة الوحيدة المتاحة أمام العرب هي التضامن في مواجهة الخطر، والأخذ بأسباب القوة،...، وذلك لن يكون دون رأب الصدع وتوحيد الكلمة.