وصف عبود الزمر، القيادي الإسلامي البارز، والضابط السابق بالمخابرات الحربية، وأحد المشاركين في حرب أكتوبر 1973، انتصار مصر في تلك الحرب بأنه "ملحمة فريدة اجتمع فيها الشعب خلف الجيش وتوحدت القلوب على هدف واحد ألا وهو النصر وقد تحقق". واستعرض الزمر في مقاله المنشور ب "المصريون" اليوم، تحت عنوان "صفحة مضيئة بين نكسة يونيو ونصر أكتوبر"، الإعداد لحرب أكتوبر على مدى خمس سنوات في أعقاب هزيمة حرب يونيو 1967، سواء بإعداد بناء حائط الصواريخ الذي تم إنجازه بأعجوبة وسط تضحيات كبيرة من عمال البناء وجنود الدفاع الجوي، وبالتدريب على اقتحام خط "بارليف"، وبالتزود بأسلحة ومعدات حديثة آنذاك. وقال: "إنني آمل اليوم أن نعيد أمجاد أكتوبر التي كنا فيها يدًا واحدة وذلك بالمصالحة الوطنية الشاملة ورد الحقوق إلى أصحابها والبدء فورًا في بناء وطننا على النحو الذي نتفق عليه فيما بيننا كي تتبوأ مصر مكانتها بين الأمم". وفيما يلي نص المقال: صفحة مضيئة بين نكسة يونيو ونصر أكتوبر لما اندلعت حرب الخامس من يونيو عام 67 كنت طالباً في القسم النهائي بالكلية الحربية , صدرت تعليمات لنا بالانتشار خارج المباني وأخذت موقعي مع زملائي للدفاع عن النطاق الخارجي لمدينة القاهرة , وتوالت الأخبار تباعاً فعلمنا بهزيمة الجيش المصري دون أن يأخذ فرصة حقيقية للقتال , فأصابنا الحزن الشديد وعانينا من انتقادات المواطنين لنا , ولكننا صبرنا واجتهدنا في أن نبني جيشنا مرة آخرى كي نسترد أرضنا السليبة. ولقد تخرجت في الكلية الحربية خلال شهر ديسمبر من نفس العام والتحقت بصفوف الجيش قائداً لإحدى فصائل الاستطلاع حيث تواجدت على الجبهة منذ عام 68 وحتى عام 74 . إن الحديث عن انتصارات حرب أكتوبر كثيرة تناولها الكثيرون من المحللين العسكريين والقادة المشاركين في الحرب بما يكفي , ولكني آثرت اليوم في هذه الذكرى أن أتحدث عن فترة عصيبة ومهمة هي فترة الإعداد للمعركة من بعد هزيمة ثقيلة وحتى انطلاق الطائرات المصرية تعبر القناة يوم السادس من أكتوبر. إن المقولة العسكرية بأن نتيجة المعركة تحسم مع أول طلقة هي مقولة صحيحة إذ تشير إلى أهمية الإعداد حتى إذا بدأت المعركة كان هذا الإعداد هو العنصر الحاسم , فمن سبق وأعد نفسه بشكل جيد هو في النهاية الأقرب إلى النصر . ولقد عشنا خمس سنوات على الجبهة وسط الجنود نحرس حدود الوطن تارة بعناصر الاستطلاع , ونتدرب تارة آخرى في المنطقة الخلفية وكنا نتعرض للغارات الجوية , ونيران المدفعية الثقيلة ولقد استشهد العديد من زملائنا في هذه الاشتباكات فبكيناهم كثيرا ولازلنا نذكرهم بالخير حتى الآن , ولقد تمكنت قواتنا أيضاً في هذه الفترة من بناء حائط الصواريخ الذي تم إنجازة بإعجوبة وسط تضحيات كبيرة من عمال البناء وجنود الدفاع الجوي البواسل , وشاهدنا كيف أسقطت الطائرات الميج الطائرات الفانتوم بعد معارك جوية فوق الأراضي المصرية حيث تفوق الطيار المصري على الطيار الإسرائيلي بالرغم من الفارق التكنوليجي بين الطائرتين , ولقد شاهدت بنفسي النقطة القوية في منطقة الفردان تتساقط القذائف من فوقها والطائرات تغير عليها بالقنابل أثناء تدمير خط بارليف ولم تستطع القوات الإسرائيلية الرد طوال هذا اليوم حتى غروب الشمس , ولقد شاهدنا تدريبات سلاح المهندسين على إنشاء الكباري فوق ترعة الإسماعيلية إستعداداً لنصبها فوق قناة السويس عندما تأتي ساعة الصفر , وكذلك شاركنا في تدريبات اقتحام المانع المائي في مناطق مشابهة للقناة ( الخطاطبة – القصاصين ) , ولقد قامت قواتنا المسلحة بتنفيذ نحو مئتي عملية خاصة على طول قناة السويس شرفت بالمشاركة في أربعة منها ( رص ألغام – كمين – إستطلاع خلف الخطوط – إغارة ) ولقد أزعجت هذه العمليات القيادة الإسرائيلية طوال فترة حرب الاستنزاف , والجدير بالذكر أن القيادة العامة للقوات المسلحة قد بذلت جهوداً كبيرة في التخطيط والإدارة والمتابعة حيث وضعت خططاً دفاعية ثم هجومية , ولاشك أن خطة الخداع الاستراتيجي كان لها أثر كبير في تحقيق المفاجأة والإمساك بزمام المبادرة لفترة طويلة , ثم إنني لا أنسى توجيهات رئيس الأركان الفريق/ سعد الشاذلي التي كانت تصل إلينا بشكل دوري فتعلمنا منها الكثير وأسهمت في تنمية قدرات الضباط العاملين في الميدان , ولا يفوتني أن أذكر تقارير إدارة المخابرات الحربية والاستطلاع التي كانت تحيطنا علماً بتطورات وأنشطة العدو على طول الجبهة وعرضها كما أفادتنا بمعلومات مهمة عن الطبيعة الشخصية للقادة الإسرائيلين على الجبهة بما يفيد في التعامل التكتيكي أثناء القتال . ولقد شعرت بسعادة المقاتل المصري حين وصلت إلينا الدبابات الحديثة وتم التدريب عليها سريعاً واحتفل بعض القادة بذبح الخراف إبتهاجاً بوصول سلاح مكافئ للدبابة الأمريكية م60 التي تتسلح بها إسرائيل . وفي الختام أذكر مدى الروح المعنوية التي كانت تبثها إدارة الشئون المعنوية , والكلمات التي كان يلقيها قادة الميدان أمام جنودهم حيث اتسمت بالمعاني الإيمانية العميقة , والعزيمة على استرداد أرضنا السليبة , لقد كانت كل حبة عرق تتساقط من على جبين المقاتل المصري أيام التدريب تضيف رصيداً جديداً على طريق النصر الذي كنا نحلم به , ولقد كان انتصار أكتوبر بحق ملحمة فريدة اجتمع فيها الشعب خلف الجيش وتوحدت القلوب على هدف واحد ألا وهو النصر وقد تحقق , إنني آمل اليوم أن نعيد أمجاد أكتوبر التي كنا فيها يداً واحدة وذلك بالمصالحة الوطنية الشاملة ورد الحقوق إلى أصحابها والبدء فوراً في بناء وطننا على النحو الذي نتفق عليه فيما بيننا كي تتبوأ مصر مكانتها بين الأمم . والله المستعان