كتب د. ناجح إبراهيم مقالة في جريدة الشروق يوم 13 سبتمبر بعنوان (يا ويلك من الملازم أول)، ومن ضمن ما جاء فيها ما يلي: ( فى أحد الأيام ذهبت أنا وبعض الإخوة إلى مدير المباحث وكان برتبة عميد لنشكو له تصرفات طائشة لملازم أول فإذا به يتنهد قائلا: «يا ويلك من الملازم أول وشموخه ومتاعبه».. فقلت له: «وهل يعقل أن هذه الرتبة تضايقكم أنتم؟!».. فقال فى حسرة: «إنهم يسببون لنا مشاكل كثيرة ويظنون أنهم ملكوا زمام الكون بالعصفورتين على كتفه». كان هذا الحوار منذ قرابة عشرين عاما كاملة أدركت بعدها أن هذه الشريحة العمرية تمثل أزمة فى كل مكان كما أنها فى الوقت نفسه تحمل طاقات إيجابية هائلة لو تم توجيهها التوجيه الصحيح.. فهى عماد العمل فى كل القطاعات ومنها الشرطة وكذلك الدعوة فى الحركة الإسلامية.. ولكنها السبب أيضا فى كل السلبيات والخروقات فى كليهما معا. تذكرت ذلك كله وأنا أتابع قصة الملازم أول الذى ضرب الجندى فى معسكر العريش حتى مات لأنه لم يقتنع بمرض الجندى وعدم قدرته على حضور الطابور التدريبى الشاق. وتذكرت الملازم أول الذى فى سجن دمنهور فى التسعينات وكان فى غاية التهور والنزق وكان يعلق المعتقلين على الأبواب ويضربهم بالكرابيج ويتبع سياسة العقاب الجماعى للعنبر كله دون أن يأمره أحد بذلك أو ينهاه عنه.. وتسبب فى خلع عين أكثر من معتقل.. ثم دارت عليه الدوائر بعد إبعاده عن السجن بفترة وفصل من الخدمة نهائيا . وتذكرت أيضا ذلك الملازم أول الذى انضم وقتها إلى مباحث السجون فإذا بى لا أذهب ناحية الإدارة إلا ورأيته حاملا للكرباج يضرب به المساجين الجنائيين وهم يزحفون على بطونهم وهم يصيحون من الألم.. فقلت يوما لضابط كبير: أليس هناك عقل لدى هذا الملازم.. أيظن أنه ملك الكون كله.. فقال: إنه مجنون وقد تعلم هذه العادة السيئة من النقيب فلان الذى كان يضرب كل مسجون جديد على قفاه.. ولكنه صار الآن أسوأ منه.. ولولا أننى أمنعه عن المساجين السياسيين تماما لكنتم رأيتم منه أياما سوداء !! ).
لو تأملنا في هذه المقالة المعبرة عن النفسية التي يكتب بها الأستاذ ناجح إبراهيم الكثير من مقالاته، وهي ذات النفسية التي يكتب بها الكثير من مشايخ التيار الإسلامي في مصر ممن كانوا سابقًا في الجماعة الإسلامية والجهاد وغيرهم، وتأذوا كثيرًا في السجون من التعذيب والقمع فنحت ذلك من نفوسهم وأجسادهم – وهذا طبيعي تمامًا إنسانيًا - فأصبح كثير منهم غاية مرادهم تحسين شروط القمع وليس القضاء عليه !!، وطلب تخفيفه والفرح بذلك وليس مواجهة الطغيان، لذلك يفخر الدكتور ناجح إبراهيم بمبادرة وقف العنف التي كانت في التسعينات ويرى أنها كانت ناجحة لأنها حسنت ظروف الإسلاميين في السجون كثيرًا !، ونحن طبعًا ندين العنف إبتداءً وبالتالي فإننا مع أي مبادرة لوقف العنف في أي زمان ومكان، لكن عهد مبارك حسن ظروف الإسلاميين في السجون لكنه زاد في فساده وإجرامه ودكتاتوريه وتزويره للإنتخابات خارج السجون، لكن الكاتب لم يهتم إلا بأمر السجون لأن القمع الواقع عليه وعلى إخوانه كان هو الأمر الملح عليه، وهذا مفهموم إنسانيًا، لكن يجب أن يتحرر منه القارئ إذا لم يستطع أن يتحرر منه الكاتب !.
لو عدنا مثلًا إلى المقالة نجد العجب العجاب، يصب الكاتب عتابه على (الملازم أول) وينسى أنه ما كان أبدًا ليفعل ذلك لولا وجود (عميد) إما آمر بنفسه بهذا ويتم التنفيذ بالأيادي الصغيرة، أو في أقل الفروض راض عنه أو غير معترض !!، يتجاهل الكاتب تمامًا أنه لو تم عقاب خمسة أو عشرة من الملازمين أول مباشرة بعد أي تجاوز بعقاب شديد أو بالفصل وعلم ذلك الجميع فإن جميع التجاوزات كانت ستتوقف فورًا مهما كان شطط الشباب وسنه !!، والكاتب نفسه يقيم الحجة على نفسه بهذا، تخيل عندما يقول .. (وتسبب (الملازم أول) فى خلع عين أكثر من معتقل) !!، السؤال، أين كان العميد عندما خلعت أول عين ؟!، وما هو العقاب الذي وقع على الملازم عندما خلع العين الأولى، ببساطة ما خلعت عين أكثر من معتقل إلا لأن العميد إما آمر بها أو غير معترض فلم يعاقب الملازم عقابا رادعًا على خلع العين الأولى فخلعت الثانية والثالثة !!.
وعندما يقول الكاتب على لسان (العميد) (لقد تعلم (الملازم) هذه العادة السيئة من (النقيب) فلان الذى كان يضرب كل مسجون جديد على قفاه.. ولكنه صار الآن أسوأ منه.. ولولا أننى أمنعه عن المساجين السياسيين تماما لكنتم رأيتم منه أياما سوداء !!)، فالعميد يمن على الكاتب أنه يمنع الملازم عنهم !!، فإذا كنت تملك منع الملازم عن السياسيين، وطبعًا يملك المنع وما هو أكثر بكثير من المنع، فلم لم تمنعه أيضًا عن تعذيب الجنائيين ؟!!!، وماذا فعلت مع هذا الملازم من العقوبات، ومع النقيب الذي تعلم منه الملازم ولم يتعلم من رئيسهما العميد، إلا أن يكون المنطق أن كلا من (النقيب) و(الملازم) قد تعلما من العميد !!.
بل وصل الأمر بالكاتب ان يمتدح أحد الضباط بأنه من أشرف وأكرم من عرف من الضباط..إلخ، ثم يسأل هذا الضابط عن أحوال التعذيب وقتها فقال له: قل كثيرًا، زمان كان التعذيب لجل التعذيب، الآن التعذيب فقط لجل المعلومة !!!. فهذا أمثلهم طريقة !، وأشرف وأكرم من عرف !، يستحل التعذيب لإنتزاع المعلومة، ففي أي شرع أو في أي قانون هذا ؟!، وكم من أبرياء عذبوا دون أن يكون عندهم معلومة ؟!، وكم من أبرياء ضاعوا بسبب معلومات لا أصل لها إضطر أصحابها للتفوه بها حتى يرفع عنهم التعذيب ؟!، لكن الكاتب يعتبر هذا تقدمًا ويمتدح صاحبه، هذه هي النفسية التي تحكم كتابات كثيرة حاليًا، فلا يجب أن نقسو على أصحابها وهم في كبر السن وطول فترات المحن، لكن في الوقت ذاته يجب أن نحصن أنفسنا نفسيًا من أن ننزلق لإعتبار أن تحسين شروط العبودية وليس الخلاص منها هو المطلوب !!، يجب أن نحذر من أن نصب عتابنا على (الملازم) ونمتدح (العميد) الذي اصلًا لولا ما جرؤ (الملازم) على التجاوز، قالوا للملازم إيش فرعنك، قال ما لقيتش (عميد) يردني.
عنوان البريد الإلكتروني هذا محمي من روبوتات السبام. يجب عليك تفعيل الجافاسكربت لرؤيته.