إذا أردت أن تعرف إنسانا على حقيقته دون مكياج أو رتوش أو أقنعة، فلا يمكن أن تعرفه إلا إذا أخذ حريته كاملة، وتصرف على طبيعته دون خوف من قيود أو حدود ، لأن جو الحرية يجعل الإنسان يبدو على طبيعته دون تزويق أو تَصَنُّع ، وفي هذا الجو أيضا تتجلى درجة التحضر الإنسانى الحقيقية إن كان متحضرا ، كما تتجلى حيوانيته ووحشيته أيضا إن كان وحشيا . • في جو الحرية تحترق الأقنعة المزيفة التى تخفى حقيقة الطبع، وتختفي وتتوارى من النفس البشرية كل أشكال الخداع الاجتماعي في السلام والكلام والمجاملات . • والتحضر لم يكن ولن يكون يوما أزياء يرتديها ويتزين بها الإنسان ، البدلة على آخر مودة ورابطة العنق أصلية أو مزيفة، لا دخل لها في تحضر الإنسان مهما ارتدى المرء من ملابس بسيطة أو فخمة. • هذه الحقيقة أدركها ابن الوردي منذ زمن بعيد فقال بيته المشهور: ثوب الرياء يَشِفُ عما تحته..... فإذا اكْتَسَيْتَ به فإنك عاري • والمشهد في مصر الثورة بعد الانتخابات أضحى عجيبا وغريبا، فالإسلاميون عموما أجارك الله والإخوان بشكل خاص يرحمك الله والسلفيون بشكل أخص أعاذك الله ، رغم وجودهم وحضورهم المكثف لم يكن يلتفت إليهم أحد من الإعلاميين قبل الثورة ، فلم يكونوا في العير ولا في النفير، اللهم إلا إذا قررت بعض الصحف أو بعض البرامج الفضائية أن توجد مادة للهجوم والسخرية وإثارة الجدل، وكان لدى النظام كتائب لتصفية الإسلاميين ثقافيا واغتيالهم معنويا ومحو كل ما يتصل بهم في ذاكرة الأمة. • الأخبار وما أدراك ما الأخبار وما آفة الأخبار إلا رواتها كانت تَنْقُلُ عنهم غيابيا وتنتقى منهم مَنْ يدلى بحديث جاف وغليظ ، ومليئ بالفجوات والثغرات وإثارة الجدل عن الديموقراطية والحرية والمرأة والأقباط وحقوق المواطنة. • والقوم "مساكين" ليس لهم إلا وجه واحد ، ولا يحسنون تزويق الحديث، ولا تحلية المر، ولا لعب الثلاث ورقات غَشَمْ بعيد عنك وعن السامعين ومن ثم فالكل شاك ويتشكَّك ومتشكك فيهم ، وهات ماشئت من مشتقات الفعل البغيض" شك يشك فهو مشكوك فيه"، مهما أقسم ولو كان بارا في قسمه وقسمته، فالكل يتشكك فيه ، بينما السادة الليبراليون والماركسيون والعلمانيون قبل الثورة وبعدها كان حديثهم عن الحرية هو الأحلى مذاقا، والأكثر إغراء، والأبهى ثوبا، والأجمل تنميقا، وبالطبع هو الأعلى صوتا والأكثر ضجيجا وحضورا في الصحافة والقنوات الفضائية . • ويبدو أن الثورة أحدثت انقلابا في الأفكار وأعادت الطباع إلى حقيقتها ، وأن جو الحرية الجديد أتاح للناس أن يظهروا على طبيعتهم دون تكلف أو مصانعة ، وأن يتجلى في أخلاقهم وسلوكهم نصيب كل امرئ من تجليات التحضر الإنسانى، ولذلك يفاجؤنا المشهد اليوم في مصر بكثير من المفاجآت المذهلة. • فأصحاب خشونة الطبع وغلظة القول تغيرت لهجتهم وأضحت أكثر اعتدالا وواقعية واتساقا مع مبادئهم في رعاية حال الزمان والمكان والناس، وبرهنوا على أنهم بشر طبيعيون لهم طباع البشر ويفكرون مثل كل الناس، وتتجلى فيهم رغم طول لحاهم وغرابة أثوابهم أعلى درجات التحضر في السلوك والقول ، ويمكنك أيضا أن تجد فيهم الأنس والأدب والذوق الرفيع ، وتستشعر في حديثهم منطق، وفي رؤيتهم عمق وواقعية. • بينما الإخوة الليبراليون أصحاب الياقات المنشاة وأربطة العنق الأنيقة، والبدلة آخر مودة ومعهم العلمانيون والماركسيون وبعض رجال المال الطائفي وغير الطائفي الذين كانوا يتباهون بأنهم دعاة الدولة المدنية والديموقراطية وحقوق الإنسان تخلوْا تماما عن كل هذه المبادئ، وتنكروا لها وانقلبوا عليها في أول اختبار حقيقي للممارسة الديموقراطية ، وأصبحوا يدعون إلى إلغاء أول انتخابات حرة في تاريخ مصر الحديث، ويطالبون باستمرار الحكم العسكرى وإبقاء البلاد تحت وصاية الجيش، لأن صناديق الانتخابات جاءت على غير هواهم. • الدعوة إلى وضع الدستور وانتخاب الرئيس أولا التى يتولاها الوتد والمسمار والحبل وكل أركان خيمة دستور يا سيادى، اتضح أنها ليست لله ولا حتى للوطن ، وليست لحماية الحريات التى جاءت بها الثورة، ولا دعما لديموقراطية مرتقبة، وإنما هى محاولة لصناعة دكتاتور جديد يحمى مصالح رجال المال والأعمال، ويغطى مخالفات كثيرة لو كشفت في ظل حكومة حرة ومنتخبة من الشعب فلربما كان أغلبهم موضع مساءلة قانونية. ، وهذا هو السر وراء تمسكهم بإلغاء الاستفتاء الأخير وتأجيل الانتخابات. • الفزاعة القديمة "فزاعة الخوف من الإسلاميين" أعيد تشغيلها بموظفين جدد لهم طولة لسان، ولكن ليست لهم كفاءة المحترفين في التخويف والتزوير وتزويق القول ، ولعل وعي الثورة ساعد على كشف بدائية الأدوات وعدة النصب المستعملة. • وصل الجنون بأحد رجال المال الطائفي أن وضع على صفحته في الفيس بوك صورا ساخرة من اللحية والنقاب شعر المسلمون فيها بالإهانة، وسببت غضبا كبيرا في أوساطهم وبخاصة أنها لم تكن المرة الأولى، فقد تكررت السخرية من هذا الشخص نفسه أكثر من مرة، وصدرت على لسانه في بعض الحوارات ألفاظ سوقية مثل ( حتطلع دينه ) • شخص آخر ديموقراطى جدا من جماعة خيمة دستور يا سيادى أعلن في نقابة الصحفييين أنه سيحمل السلاح إذا جاءت صناديق الانتخابات بالإسلاميين ؟ ؟؟؟ • نتذكر جميعا بأن النظام السابق كان قد فرغ وخصص بعض كتبته في فلسفة تشويه الجماعة وإشاعة الغبار حول إفكارها وربطها حينا بإيران وحزب الله، وحينا آخر بجماعة طالبان في أفغانستان ، وطبيعى أن تنال منظمة حماس نصيبها من الشتم والتشويه باعتبارها الإمارة الإسلامية لتلك الجماعة في الأرض المحتلة، كما كان يحلو دائما للسادة الهوارى والدقاق وعبد الرحيم على أن يصفوها . • كتبة الأهرام وروز اليوسف أيضا ساهموا بزخم كبير في الافتراء على الجماعة وإلحاق كل شريف يريدون اغتياله بنسبته إليهم. • في فترة من الفترات كانت وطنيتك لا تثبت إلا باعتراضك على الجماعة المحظورة والتخويف منها ، وكان البعض من البهلوانات ممن يجيدون لعبة القفز على الحبال ينصب من نفسه مفكرا في نقد الجماعة ومظهرا لعيوبها الفاحشة في رفض الآخر وموقفها من المرأة والأقباط ونظام الحكم في نيكاراجوا وبوركينا فاسو . • تستمع إليهم فيخيل إليك أنك أمام نوع غريب من "العته" السكافي يجعل صاحبه يهذى ويهرف بما لا يعلم ويتفلسف على طريقة سمك لبن تمر هندى . • بعض العقلاء قال لى مرة ونحن نتحدث عن تلك الجماعة إن النظام يهين نفسه حين يستأجر هؤلاء ويقدمهم على أنهم لسان حاله في تشويه الجماعة ومهاجمتهم وبالمناسبة والكلام لا يزال لصديقي هؤلاء الناس بطريقتهم الممجوجة يشكلون دعاية بغير أجر لتلك الجماعة . • المواقف المتناقضة لجماعة خيمة دستور يا سيادى تكرر نفس النغمة القديمة، وبقدر ما تشكل ردة عن المبادئ بقدر أيضا ما تشكل فضيحة أخلاقية وثقافية تتجلى فيها أخلاق النخبة المثقفة ودركات سقوطها ، وهى النخبة التى صدعت رؤسنا وخدعتنا لسنوات طويلة. • الردة والفضيحة الأخلاقية أفقدتهم أية مصداقية وحولتهم في نظر الآخرين إلى مجرد تجار انتهازيين في سوق المساومات السياسية من أجل مصالهحم ، وكشفت أيضا بأن كل حديث لاكته ألسنتهم عن الديموقراطية إنما كان مجرد سبوبة لتلقى المعونات من الاتحاد الأوروبي وبقية دوائر الغرب ومعاهده . • النغمة القديمة التى كانت سائدة في الإعلام أيام عهد الرئيس المخلوع عن الإسلاميين عادت كما كانت، وعادت ريمة لعادتها القديمة، لا بإعادة انتاج فكرة التشويه والتدليس وتزييف الوعي، وإنما بإعادة إنتاج المتحدثين، لكنهم هذه المرة أقل قدرة وأهبط كفاءة وأرخص ثمنا وأخس خلقا وأحقر ضميرا، حتى وإن أطلق عليهم البعض لقب "أتباع دستور يا سيادى" • الشلل التى قبضت وتبوأت مواقع كبرى في الصحف والقنوات الفضائية من أجل تلك المهمة في عهد الرئيس المخلوع باشرت الهجوم مرة أخرى دون أن تضع في اعتبارها أن هناك ثورة قامت، وأن للناس عقولا تُمَِّيُز وتفرز . • أجهزة إعلام خيمة فقهاء دستور يا سيادي عادت لتمارس المهمة القديمة، ولتتفنن في سب وشتم الإسلاميين وبخاصة الإخوان والسلفيين وإلصاق أبشع التهم بهم . • نفس هذه الشلل الآن تعير مواهبها لطائفي يريد أن يفرض رؤيته على شعب بكامله ويرفض نتائج الاستفتاء ويطالب بتشكيل مجلس رئاسى وتأجيل الانتخابات، ويلوح دائما بدفتر الشيكات قبل أن يدلى بأي اقتراح سخيف . • إصرار خيمة دستور يا سيادى على إشغال المجتمع المصري حاليا بالدستور أولا أم الانتخابات أولا أتاح الفرصة لأنجال الرئيس المخلوع "علاء وجمال" ليبعثا برسالة من داخل السجن إلى الزواوى مستشار السلطان قابوس يتهمون الثورة والشعب بالغوغائية ويطالبون بتدخل خارجى ، الرسالة نشرتها كبريات الصحف الأجنبية وتحدثت عنها. • كيف خرجت تلك الرسالة ؟ ومَنْ تولى توصيلها ؟ وهل هنالك صلة بين جماعات دستور ياسيادى التى تشغل الشعب والثورة بالفرخة أولا أم البيضة أولا ليتحرك نزلاء سجن طرة على راحتهم ويفاجؤن الشعب المصري بانقلاب مروع ؟ ألم أقل لك عزيزى القارئ أن: جو الحرية كشف لنا عن شخصيات فقدت شراعها ...ثم ضاعت مراسيها ...؟ أكاديمى مغترب رئيس المؤسسة الأسترالية للثقافة الإسلامية رئيس إذاعة القرآن الكريم في أستراليا