سيطرة الحوثيين في اليمن على العاصمة صنعاء خلال أربع وعشرين ساعة تقريبا فقط لم يكن له تفسير آخر سوى أنه انقلاب ناعم من داخل الجيش اليمني قاده باقتدار الرئيس المعزول علي عبد الله صالح وأنجاله أصحاب النفوذ الواسع في المؤسسة العسكرية ، فلو أن هناك عملية تسليم وتسلم عادية من قوة في الحكومة ذاتها لقوة أخرى في الحكومة في العاصمة لاستغرقت وقتا أطول من الوقت الذي اجتاح فيه الحوثيون صنعاء ، كما أن العديد من القادة الأمنيين والعسكريين بمن فيهم رئيس الوزراء ووزير الداخلية والموقع الرسمي للجيش اليمني كانوا يدعون قواتهم منذ وقت مبكر للزحف إلى التعاون مع "ثوار أنصار الله" في شوارع صنعاء ، ولذلك كان الرئيس عبد رب النبي منصور يشرح في المشروح عندما قال أمس أن ما حدث مؤامرة أبعد من حدود اليمن ، فكل من تابع الحدث المثير لحظة بلحظة كانت هذه قناعته التامة لتفسير ما جرى . عملية السيطرة على العاصمة اليمنية كانت تحت سمع وبصر ممثل الأممالمتحدة ومجلس الأمن الدولي لليمن الجزائري جمال بن عمر الذي اكتفى بالقول أن انهيار الجيش اليمني بتلك السهولة هو أمر يدعو للدهشة ، والحقيقة أننا لم نكن ننتظر الحكمة والفلسفة من ممثل مجلس الأمن ولكن ننتظر موقف عملي للرد على إهدار قرارات مجلس الأمن والتلاعب بممثله ، الذي كان يوقع اتفاق مصالحة بينما ميليشيات الحوثي تبسط سيطرتها على العاصمة وتعيث فيها فسادا وتنكيلا بكل خصومها السياسيين وتفجير المنشآت والممتلكات من بيوت ومكاتب ومقرات صحف وقنوات فضائية وغيرها ، وتقوم بعملية نهب شاملة لمعسكرات الجيش ونقل العتاد العسكري والذخيرة إلى معاقلها في صعدة ، لكن رد الفعل "الحكيم" والبارد لممثل مجلس الأمن أعطى الانطباع بأن تحرك الحوثي كان بغطاء دولي واضح . أيضا كان رد فعل المنطقة العربية ، وخاصة منطقة الخليج ، مثيرا للدهشة جدا ، لأن الأمر بدا وكأن هذا الطوفان يجري في سريلانكا مثلا أو جزر الفوكلاند ، وليس في جزيرة العرب ، بل زاد الأمر غرابة أن يصدر تصريحات خليجية متوالية ترحب بالاتفاق الجديد للمصالحة الوطنية في اليمن ، شيء مذهل ، وهو ما أعطى انطباعا آخر بأن هناك راحة إقليمية مما حدث وربما مشاركة في الترتيب له ، وثمة اتهامات متواترة لأبو ظبي بدعم الحوثيين والتخطيط للانقلاب في إطار حربها المتواصلة على عواصم الربيع العربي المهمة من خلال نجل الرئيس المخلوع علي عبد الله صالح الذي احتضنته الإمارات ونسقت معه الكثير من خطط الإطاحة بالحكم الانتقالي في اليمن نكاية في تيارات إسلامية تكن لها أبو ظبي العداء وتلاحقها في أي عاصمة عربية مهما بعدت ، حيث تحتضن أبو ظبي رموزا كثيرا للثورة المضادة في دول الربيع العربي من مصر وليبيا واليمن وسوريا . اليمن بلد معقد اجتماعيا ، وهناك مسافة غير قليلة تفصله عن البنية الحديثة للدولة ، ومن ثم فهو مجتمع صعب السيطرة عليه من قبل سلطة مركزية خاصة إذا كانت طائفية مثل الحوثي بدون إجماع قبلي أو شبه إجماع ، والحوثيون حتى الآن تائهون في العاصمة لا يعرفون ماذا يفعلون بالضبط ، فلا يوجد أمامهم دولة ، وهم مترددون في إدارة الدولة ، لأن حجم التبعات مخيف ، وخاصة التبعات الأمنية والعسكرية والقبلية والاقتصادية ، ولذلك هم يتمددون ويسيطرون على مفاصل العاصمة في الوقت الذي لا يعلنون رسميا قيادتهم للسلطة ، وتركوا الرئيس الشبح يتحدث عن المؤامرات وعن صموده وعدم تخليه عن اليمن وأن صنعاء لن تسقط . أخطر ما يمكن أن تخلفه أحداث اليمن أمران ، الأول هو اتساع الحاضنة الاجتماعية لتنظيم القاعدة في البلاد بما يمكنها من التمدد والسيطرة على مساحات واسعة من اليمن وحتى العاصمة على طريقة داعش في العراق وسوريا ، لأن الإحساس بالخيانة والإحباط وعدم القدرة على رد صولة الحوثيين من الطبيعي أن يدفع قطاعات متزايدة من الشعب اليمني للبحث عن قوة عنيفة ومتطرفة مقابلة تواجه تطرف الحوثيين وعنفهم ، وهذا ما يجعل البلاد على حافة فوضى شاملة أسوأ من التي يشهدها العراق وسوريا ، والثاني أن حالة الاختناق والغضب الشديدة التي يلاحظ انتشارها في دول الخليج العربي على نطاق واسع حاليا وتظهر بوضوح من خلال رصد ومتابعة ردود الأفعال الشعبية عبر شبكات التواصل الاجتماعي والانترنت تعطي إحساسا بالقلق الشديد من أن المنطقة قد تكون مقبلة على انفجارات اجتماعية وسياسية بالغة العنف قد تغير الكثير من أوضاع الخليج بكامله .