تسرى فى هذه الأيام شائعات كثيرة أغلبها مغرض ومحرض وبعضها متخوف مما قد يحدث فى مصر فى الأيام القادمة وقليل منها متفائل بغد أفضل والسؤال الذى يطرح نفسه وبشده هو كيف ننقذ وطننا الغالى من شبح الانهيار الذى قد يكون حقيقيا فى جزء منه أو تخويفى فى الجزء الغالب، حيث بدت بوادر الانقسام واضحة بين من ينظر بأن الانهيار الاقتصادى والأمنى تحديدا واقع لا محالة وهؤلاء هم مؤيدوا النظام السابق وفلول الحزب الوطنى بكل طوائفه ممن استفادوا كثيرا من الأوضاع المتردية من جهة، وبين من يؤكد أن الانهيار المزعوم هذا موجود فقط فى رأس الكارهين للثورة من الجهة الأخرى وكل له مبرراته، والمشكلة الكبرى التى تواجه الجميع هى الانفلات الاعلامى الذى أصبح كثير من المتداول فيه انتقائى ولا يعبر عن الواقع وبعضه للاستهلاك المحلى والآخر للاثارة، المشكلة الأخرى تتمثل فى انعدام الشفافية من قبل بعض المسئولين فى طرح الأمور التى تخص بالدرجة الأولى أصحابها وليس بالقائمين على حلها الذين يقدمون أحيانا حلولا افتراضية أو وهمية هم أول من يعرف أنها غير قابلة للتحقيق، الأمر الأخر هو دخول بعض المنتفعين السابقين من الحزب الوطنى على الخط منهم من لبس ثوب الثوار ومنهم من لبس ثياب الواعظين ويحاول كل منهم ان يكون بشكل أو بآخر جزء من الثورة، وظهر ذلك بشدة فى الحوار الوطنى الأخير البعض فرض نفسه سواء بايعاذ من أطراف نافذة فى الحكومة تبدو فيها أصابع نائب رئيس الوزراء وفريقه بوضوح حيث أنه هو من وجه الدعوات كما قيل، البعض الأخر وكما ذكرت فى مقال سابق تضررت مصالحه بصورة كبيرة جدا وبعضهم أغلقت المنافذ المالية والمنافع التى كانوا يحصلون عليها جراء عملهم فى خدمة النظام السابق، وبعضهم ينتظر فقدان هذا المنافع هذا بالاضافة الى تخوفهم جميعا أن تطالهم يد العدالة جزاء وفاقا مقابل الادوار القذرة التى كانوا يؤدونها خدمة للنظام البائد، وهؤلاء هم الخطر الحقيقى ليس على الثورة فقط ولكن على البلد كله فهؤلاء لا يهمهم الأن الا عودة الحال كما كان ولو بشخوص آخرين أو الخراب للكل وهؤلاء هم فلول الحزب الوطنى والبلطجية وضباط أمن الدوله والمتقاعسين من ضباط الشرطة والذين يأخذون رواتبهم كاملة والتى تضاعفت بعد الثورة وهم ما ذالوا يرفضون العودة للعمل ولا أدرى كيف يسكت الوزير المحترم اللواء منصور العيسوى على هذا التقاعس ولماذا لم يعاقب المتغيبين منهم عن العمل لأنه طبقا للقانون أن أى موظف فى الدولة ينقطع عن العمل دون مبرر لمدة 15 يوم يعرض للفصل أم أن هذا القانون لا ينطبق على ضباط الشرطة، وان أصدر الرجل قرارا يصحح بعض من هذا الفساد بالتغييرات التى أجراها، وحتى لا أكون منحازا ضد الشرطة فالكثير منهم شرفاء جدا ونزلوا للشارع وبعضهم لم يترك مكان عمله أصلا رغم تعرض البعض منهم لمشاكل من الخارجين عن القانون وقد آلمنا كثيرا أن يتعرض بعض ضباط الشرطة الشرفاء الى القتل أو الاصابة وهم يؤدون عملهم فى ظل ظروف صعبة نمر بها جميعا وان كان أحد أهم أسباب ذلك هو تقاعس زملاؤهم من الضباط عن النزول الى الشارع وتأمين الشارع والمواطنين وأنفسهم. من كل ذلك نستخلص أن الأمن هو أحد الركائز الأساسية لاستقرار الأحوال فى الوطن لأنه بدون أمن لا يوجد استقرار ولا أمان. وهنا أود ان أضيف أن بعض ضباط الشرطة غير قادرين على التكيف مع الواقع الجديد وغير مدركين بأن الناس تحررت من الخوف والقهر وبالتالى فهم غير قادرين عن التخلص من أسلوب تعودوا وتربوا عليه منذ دخولهم أكاديمية مبارك للأمن )الى اليوم لم يرجع اسمها الأصلى وهو كلية الشرطة( حتى اليوم وهؤلاء أنا أجزم انهم لا يصلحون للعمل فى المرحلة القادمة التى تتطلب من الكل التشارك والتعاون لا التغالب والتصارع حتى نعبر هذه المرحلة جميعا بسلام لأن سلامة الوطن هى طوق النجاة للجميع وليس لفئة على حساب أخرى. الأمر الأخر هو الاقتصاد والاقتصاد هو عصب التنمية والاستقرار فى البلاد، ومن وجهة نظرى أن الاقتصاد المصرى لم ولن ينهار كما يروج البعض فنحن المصرييين معروفين بالصبر والتحمل وقادرون باذن الله على عبور هذه الأزمة التى تواجهنا وكم من أزمات مررنا بها سابقا وتجاوزناها ومعروف عنا أننا لا نبدع الا تحت الظروف القاسية وكما يقول المثل العامى أن الحاجة أم الأختراع، ومؤكد أننا جميعا قادرون على تجاوز هذا الأمر. والثورة ليست أزمة كما يروج البعض بل كانت فوق قدرة استيعاب أى بشر ليس فى مصر فقط بل فى العالم كله، أن ثورة مثل هذه قد تحدث فى مصر وتجبر أعتى أنظمة العالم فسادا وقسوة على الرحيل بل وتحاكم كل رموزه محاكمات عادلة أمام القضاء الطبيعى الذى لم يتعود هذا النظام على تطبيقه مع خصومه، ويكفى أن نذكر أن من عظمة هذه الثورة أنها أوقفت حنفية النهب المنظم للمال العام منذ نهاية يناير 2011 حتى الأن ولك أن تتخيل كم الثروات التى كان من الممكن نهبها فى الخمسة شهور الماضية التى مرت على عمر الثورة، صحيح أن هناك أخطاء مقصودة حدثت من رئيس الحكومة السابق بسماحه بهروب من أراد أن يهرب من رموز النظام السابق من أمثال حسين سالم، رشيد، وبطرس غالى، وغيرهم ممن لا نعرفهم والمفروض أن يسأل عن ذلك، وترك المصرف العربى ورئيسه عاطف عبيد وما تردد عن دوره فى تهريب كثير من الأموال الى الخارج خلال الفترة التى سبقت توقيفه وما نشر فى الأهرام نقلا عن مصادر خارجية بأن ما تم تهريبه من مصر خلال الشهور التى تلت الثورة يقدر بثلاثين مليار دولار بعضها خرج فى حقائب ضخمة مغلقة، هذا نص جريدة الأهرام. الأمر الأخر الذى أثار قلق الكثير من الناس وبعض الاقتصاديين يشاركوننا نفس القلق هو لجوء الحكومة الحالية الى الاقتراض من البنك الدولى وصندوق النقد الدولى، وكلنا يعرف أن سبب مآساتنا الاقتصادية كان الصنوق والبنك الدولى أطراف فاعلين فيها سواء عن طريق قروض وجهت طبقا لشروطهما وخدمة أهدافهما أو قروض نهب معظمها قبل أن تصل الى الحكومات السابقة وهذا ثابت بدراسات موثقة حيث اثبت بعض الباحثين أن حوالى 65% من تلك القروض يذهب فى صورة عمولات ومكافأت للمستفيدين من الطرفين المصرى والمقرضين، وخيرا فعل المشير طنطاوى والحكومة بالغاء هذا الأمر. ثم لماذا لا نقتدى بتجربة البرازيل وتركيا وكلاهما أشرفت على اعلان افلاسها ولكن لأن الحكومات الرشيدة التى تولت البلاد فى هاتين الدولتين اعتمدت على الذات لذلك نهضت بسرعة ووضعت بلديهما فى مصاف الدول الكبرى خلال فترة بسيطة، وللخروج من هذه الأزمة علي رئيس الحكومة والمجلس الأعلى للقوات المسلحة أن يتخلصا من الطريقة السابقة فى ادارة البلاد وعليهم التخلى عن الأسلوب القديم فى ادارة الدولة، عليهم انجاذ بعض المهام العاجلة ومن أهمها فرض الأمن بالقوة وعدم السماح لأى أحد مهما كان أن يتجاوز فى حق هذا البلد والشعب الذى تحمل الكثير، فلابد أن تكون الحكومة قوية ومتجانسة وان لزم الأمر تغيير بعض الوزراء حتى تكون حكومة لا يعمل بعضها ضد البعض الآخر لمصلحة مصر ومصر أولا، حكومة تولى الأمن والاقتصاد أولوية أولى وقصوى للنهوض بالبلاد والعباد فالأمن تحدثنا عنه، والاقتصاد أود ان أضيف أنه يجب أن يؤكد على ركائز أساسية لا تتزعزع بأى هزة تحدث فى العالم الخارجى أو فى بلادنا مستقبلا وهذا ما لا يتنبه له اقتصاديوا ومنظروا النظام السابق ونرجوا من الادارة الحالية واللاحقة أن يضعوا نصب أعينهم أن الاقتصاد القوى لا يقوم على الاقتصاد الغيبى أو الافتراضى ولكن يقوم على اقتصاد نملكه نحن ونتحكم فيه وليس اقتصاد يملكه غيرنا ويتحكموا فينا وسنأتى على تفصيل ذلك، وأوضح هنا أن الاقتصاد الافتراضى أو الغيبى الذى أقصده هو الاقتصاد المبنى على السياحة والاقتصاد الذى يعتمد على تحويلات المصريين بالخارج وكذلك الاقتصاد القائم على الاستثمار الأجنبى رغم أهميتهما الكبيرة ودورهما المؤثر فى الاقتصاد المصرى. فالسياحة فى بلادنا تتهاوى تأثرا بأى حادث ارهابى حتى وان كان بسيطا وقد حدث ذلك فى ابان غزو الكويت وما تبعه من احتلال العراق فى 1991، وأحداث الأقصر 1997 وما تلاها، وحدث فى شرم الشيخ وطابا، وأخيرا ثورة 25 يناير 2011، اذا الاقتصاد السياحى واقع تحت رحمة الظروف والأيدى الخارجية التى يضرها الازدهار السياحى فى مصر، أما عن تحويلات المصريين فى الخارج فهى تتهاوى بمجرد حدوث أى خلل فى علاقات الدول التى يشكل المصريين فيها النسبة الغالبة من العمال بمختلف الفئات، وقد حدث ذلك فى العراق فى 1991 ثم 2003، وحدث فى الكويت عقب أزمة 1991، ثم حدث فى ليبيا أكثر من مرة، وحدث فى بعض دول الخليج، ولم يتنبه لذلك قادة النظام السابق وما ذال المصريين يطالبون بحقوقهم فى العراق حتى اليوم. النوع الثالث من الاقتصاد هو الاستثمارات الأجنبية وهذا النوع من الاقتصاد فى تخيلى لم نستفد منه بقدر ما خسرنا حيث تمثل هذا النوع من الاستثمار اما فى البورصة أو فى شراء الأراضى الزراعية أو السياحية والشركات والمصانع القائمة والتى كانت تشكل العمود الفقرى للاقتصاد المصرى وبدلا من تطويرها تم التأمر عليها وبيعها بأبخس الأثمان الى الأجانب أو وكلاء لأجانب وتحويل معظمها الى عقارات سكنية ومنتجعات سياحية ولا أدرى هل كان صعب على الدولة بناء جزء من تلك الأراضى الفضاء الملحقة بالمصانع والشركات وبيعها للمواطنين المصريين والعاملين فى تلك الشركات بسعر السوق أم أنه كان لابد من وسيط أجنبى فى الواجهة كمشترى وعميل محلى جاهز للنهب والتربح وكل ذلك على حساب الاقتصاد المصرى والصناعة المصرية والذى أدى الى ارتفاع أسعار كثير من السلع الاستراتيجية مثل الحديد والأسمنت والمواد الخام وكثير من السلع الأخرى. لم نسمع طوال الفترة السابقة ان مستثمرا أجنبيا أقام فى مصر صناعة قائمة على التكنولوجيات الحديثة أو تكنولوجيا الفضاء أو السيارات أو الالكترونيات أو الطائرات أو عمل على نقل وتوطين التكنولوجيا فى مصر من ذلك نجد أن الاقتصاد المصرى لا يعتمد اعتمادا كليا على الاقتصاد الذاتى أو الوطنى وانما مرهون فى جزء كبير منه بأيدى أخرين اذ أن الواجب على الحكومة الحالية أن تعيد النظر فى الركائز الاقتصادية للدولة المصرية من بناء اقتصاد قوى قائم على التنمية المستدامة المتمثلة فى الصناعة والزراعة والتجارة والتكامل الاقتصادى الكامل بين مصر ودول الجوار العربي والأفريقى، ثم التركيز على السياحة وتطويرها ووضع خطط لمضاعفة أعداد الوفود السياحية فما نمتلكه من المقومات السياحية يفوق الخيال. ولا ننسى ان أى من ذلك لن يتحقق الا بنشر الأمن والتركيز على التعليم الجيد والبحث العلمى وفى ذلك سيكون لنا مجال آخر للتفصيل حول التعليم والبحث العلمى. حفظ الله ثورتنا المباركة وجيشنا القوى وشعبنا العظيم وعاشت مصر حرة عزيزة [email protected]