فيديو.. أحمد موسى لمحافظ القليوبية: ليه تشيل خبر قطع الكهرباء وقد حدث بالفعل؟    للمرة الثانية.. تعليق جلسة للبرلمان الفرنسي بعد رفع علم فلسطين    وزيرا خارجية السعودية وأمريكا يناقشان مقترح بايدن بشأن الأوضاع في غزة    الخارجية الأمريكية: هناك من يعارض صفقة إطلاق المحتجزين داخل الحكومة الإسرائيلية    «لم نجبره».. باريس سان جيرمان يفتح النار على كيليان مبابي    تشكيل منتخب إيطاليا أمام تركيا استعدادًا لنهائيات يورو 2024    فيديو.. الأرصاد عن الموجة الحارة الحالية: الذروة لم تأتِ بعد    رئيس جامعة الأقصر يفتتح مشروعات تخرج طلاب ترميم الآثار    مهرجان جمعية الفيلم يحتفل بمئوية عبدالمنعم إبراهيم    خارجية أمريكا: هناك من يعارض داخل حكومة إسرائيل صفقة إطلاق المحتجزين    عزة مصطفى عن زيادة ساعات انقطاع الكهرباء: أرجوكي يا حكومة ده مينفعش (فيديو)    اجتماع أيقونات عين الصيرة.. كيف روج تركي آل الشيخ ل«ولاد رزق 3»؟    ديشامب يعلق على انتقال مبابى الى ريال مدريد ويشيد بقدرات نجولو كانتى    إحالة متغيبي مدرسة حاجر جبل هو الابتدائية بقنا للتحقيق    الخارجية الأمريكية: وقف إطلاق النار في غزة مقترح إسرائيلي وليس أمريكيا    «القاهرة الإخبارية»: سلوفينيا تستعد للاعتراف بدولة فلسطين الشهر المقبل    إصابة سيدتين وطفلة في حادث تصادم بالصحراوي الغربي شمال المنيا    موعد صيام العشر الأوائل من ذي الحجة 2024    طريقة عمل قرع العسل، تحلية لذيذة ومن صنع يديك    رئيس«الرقابة الصحية» يتسلم جائزة الإنجاز المؤسسي ب«قمة مصر للأفضل»    الصحة توجه نصائح للحجاج لتجنب الإصابة بالأمراض    شقيق المواطن السعودي المفقود هتان شطا: «رفقاً بنا وبأمه وابنته»    المؤتمر الطبي الأفريقي يناقش التجربة المصرية في زراعة الكبد    حسام حسن: لم أكن أرغب في الأهلي وأرحب بالانتقال للزمالك    إجلاء مئات المواطنين هربا من ثوران بركان جبل كانلاون في الفلبين    القائد العام للقوات المسلحة يفتتح أعمال التطوير لأحد مراكز التدريب بإدارة التعليم والتدريب المهنى للقوات المسلحة    لاستكمال المنظومة الصحية.. جامعة سوهاج تتسلم أرض مستشفى الحروق    رسميًا.. طرح شيري تيجو 7 موديل 2025 المجمعة في مصر (أسعار ومواصفات)    استعدادا للعام الدراسي الجديد.. التعليم تُعلن تدريب معلمي المرحلة الابتدائية ب3 محافظات    وزير الخارجية الإيطالي: لم نأذن باستخدام أسلحتنا خارج الأراضي الأوكرانية    خالد الغندور يرد على اعتذار سيد عبدالحفيظ    المنتج محمد فوزى عن الراحل محمود عبد العزيز: كان صديقا عزيزا وغاليا ولن يعوض    الداخلية تواصل تفويج حجاج القرعة إلى المدينة المنورة وسط إشادات بالتنظيم (فيديو)    ارتفاع جماعي لمؤشرات البورصة مع نهاية تعاملات اليوم الثلاثاء    لحسم الصفقة .. الأهلي يتفاوض مع مدافع الدحيل حول الراتب السنوي    فليك يضع شرط حاسم للموافقة على بيع دي يونج    ونش نقل أثاث.. محافظة الدقهلية تكشف أسباب انهيار عقار من 5 طوابق    فرحات يشهد اجتماع مجلس الجامعات الأهلية بالعاصمة الإدارية الجديدة    عيد الأضحى 2024| ما الحكمة من مشروعية الأضحية؟    حكم صيام ثالث أيام عيد الأضحى.. محرم لهذا السبب    محافظ كفرالشيخ يتفقد أعمال تطوير وتوسعة شارع صلاح سالم    رئيس جامعة حلوان يفتتح معرض الطلاب الوافدين بكلية التربية الفنية    محمد علي يوضح صلاة التوبة وهي سنة مهجورة    مدير صحة شمال سيناء يتفقد مستشفى نخل المركزي بوسط سيناء    «التعليم العالي»: التعاون بين البحث العلمي والقطاع الخاص ركيزة أساسية لتحقيق التقدم    ل أصحاب برج الجوزاء.. تعرف على الجانب المظلم للشخصية وطريقة التعامل معه    فيلم فاصل من اللحظات السعيدة يقترب من تحقيق 60 مليون جنيه بدور العرض    أول رد من الإفتاء على إعلانات ذبح الأضاحي والعقائق في دول إفريقية    «شعبة مواد البناء»: إعلان تشكيل حكومة جديدة أربك الأسواق.. ودفعنا لهذا القرار    تعليمات عاجلة من التعليم لطلاب الثانوية العامة 2024 (مستند)    "تموين الإسكندرية" تعلن عن أسعار اللحوم في المجمعات الاستهلاكية لاستقبال عيد الأضحى    نائب رئيس "هيئة المجتمعات العمرانية" يتابع سير العمل بالشيخ زايد و6 أكتوبر    بملابس الإحرام، تعليم الأطفال مبادئ الحج بمسجد العزيز بالله في بني سويف (صور)    26 مليون جنيه جحم الاتجار فى العملة بالسوق السوداء خلال 24 ساعة    ضبط 48 بندقية خلال حملات أمنية مكبرة ب3 محافظات    إصابة 4 أشخاص في حادث سير بالمنيا    سيف جعفر: أتمنى تعاقد الزمالك مع الشيبي.. وشيكابالا من أفضل 3 أساطير في تاريخ النادي    أمير هشام: كولر يملك عرضين من السعودية وآخر من الإمارات والمدرب مستقر حتى الآن    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



مئة عام في النفق ...؟..قراءة في أسباب الثورات العربية
نشر في المصريون يوم 28 - 06 - 2011

كثرت التساؤلات والتحليلات عن أسباب الثورات العربية , وكأن الشعب العربي لا ينتمي لأعظم حضارة عرفتها البشرية , فهذه الأمة التي شرفها الله بالإسلام مدت نفوذها في وقت قصير على مشارق العالم القديم ومغاربه , وتوالت الرايات التي قادت هذه الأمة ,وتعددت العواصم الإسلامية التي تقود العالم , ولعل المئة سنة الأخيرة تمثلت في دخول هذه الأمة في نفق مظلم , فتعددت الشعارات والتسميات وتاه أبناؤها في معرفة سبل الخروج من هذا الضياع
قبل سقوط الخلافة الإسلامية بمدة زمنية شاع في أوساط موظفيها الفساد والرشوة , فكان هذان العاملان سببا في هدمها من الداخل , ولما وصل حزب الاتحاد والترقي إلى الحكم استهجن ما دون الأتراك من بقية الأعراق التي تشكل الدولة العثمانية ففرض التتريك وزاد الاتاوات وكان أسلوب التعامل مع المواطن على أساس أنه ليس أكثر من مخلوق دوني فزاد الهدم الداخلي , ولم تفلح قبل ذلك سياسة السلطان العادل عبد الحميد الثاني في انتشال الدولة من أزماتها ولكنه وفق في إبقائها مدة حكمه الممتد من 1876 حتى 1909 فقد كان النخر في الدولة قد وصل إلى أعماقها , والمؤامرات الخارجية تحيط بها من كل حدب وصوب .
ومع وصول حزب الاتحاد والترقي إلى السلطة كانت النهاية الفعلية لهذه الدولة , فزجوا بها في حرب خاسرة أدت إلى تقسيم ممتلكاتها , ولكن ما شجع على هزيمتها هو توق الشعوب المنضوية تحتها إلى الانعتاق بأي وسيلة كانت , فأضاع العرب البوصلة ودفعوا الثمن غاليا ..!
ولهذه الأسباب وجدت الدول الغربية في تلك الشعوب تربة خصبة , فلعبت على وتر الظلم والاستبداد وبعث روح القومية , ولم تجد دعوات هنا وهناك للحفاظ على الخلافة , لاسيما أن بلادا إسلامية كانت تتبع لها قد وقعت تحت احتلالات أوربية , وباتت تضيق مساحة الخلافة , ولما اندلعت الحرب العالمية الأولى تشرذمت أمصار الدولة وكادت أن تقع تركيا تحت الاحتلال بعد أن وقعت أجزاء واسعة منها تحت احتلال جيوش مختلفة .
وقد مرت الأمة العربية بثورات عدة سواء ضد الحكم العثماني بالتعاون مع الغرب , أو بثورات ضد الاحتلال الغربي لأقطارها , أو ثورات ضد أنظمة الحكم ولقد اتضح من خلال مسيرة طويلة تصل لمئة عام أن كل الثورات العربية كانت تذهب في اتجاه التغيير الجزئي أو تجديد الابتلاء على الشعوب بصيغ مختلفة شكلا متفقة مضمونا .
فثورة العرب بقيادة الشريف حسين كانت ترتيبا غربيا لإنهاء دولة الخلافة , ولهذا قدم العرب بلدانهم على طبق من ذهب للمحتل الغربي الذي لم يأت بصيغة صليبية بل جاء بالتقسيم والشرذمة وزرع كيان غريب في قلب الأمة ..!
والثورات التي اندلعت ضد المحتل هنا وهناك , كانت جهادا عظيما ضد المحتل ولكنها كانت تصب في خانة تحرير البلد المحتل وفق خرائط المحتلين ولم تتعد ذلك , بل أن بعض البلاد العربية بعد استقلالها وقعت في نزاع حدودي فيما بينها ومن ثم احتكمت إلى خرائط المحتل , وخلاصة القول : لقد أدت الفترة الاستعمارية لظهور دول عربية لا رابط بينها أبدا سوى أحلام الوحدة التي وقفت قوانين كل قطر عربي حاجزا دون ذلك ..!
ثم جاءت مرحلة الانقلابات العسكرية في عدد من البلاد العربية , وكانت في ظاهرها ردا على ضياع جزء كبير من فلسطين وخسارة العرب لحرب 1948 , بينما يرى كثير من المحللين أن السي آي إيه كانت تقف وراء الانقلابات العسكرية , ولم يعمد بداية أصحاب تلك الانقلابات على تسمية ما قاموا به ثورة , حتى أسبغ الضباط الأحرار في مصر 1952 على انقلابهم مفهوم الثورة , فكانت مرحلة مايسمى بالثورات التي هي في الأساس انقلابات عسكرية في عدة أقطار عربية , ولكن الأيدلوجية الغائبة في المرحلة الأولى سببت مشكلة في ذهن القائمين عليها حتى تحولت تلك الثورات إلى شعارات الاشتراكية والتحويل الاشتراكي والتأميم وهي في الواقع جاءت نتيجة لتغيرات عالمية , وقد افتتحت في مصر , بعد أن تم لمصر الحصول على السلاح السوفييتي عبر تشيكوسلوفاكيا ..! من هنا وجد قادة الانقلابات التي ستقع مستقبلا أيدلوجية تقدم للجماهير المغيبة أصلا عن الثورات ..!
لقد أدى غياب الأطر الاجتماعية عن صناعة الدولة الحديثة إلى جعل جل البلاد العربية حقل تجارب للأنظمة التي وصلت إلى سدة الحكم دون شرعية شعبية , فكان القرار الاقتصادي وهو العصب الرئيس لأي نهضة استنساخا لتجارب لم تكتمل أصلا , ولم تؤت ثمارها بعد في دول تختلف عن بلادنا العربية في كل شيء , فكان التخبط الاقتصادي سمة للاقتصادات العربية وهذا ما تسبب في أزمات متعددة , وحين بدأت الثورات المزعومة تأكل نفسها من خلال خطط التطوير لا سيما بعد نهاية المعسكر الشيوعي , فقد انقلبت على مفاهيمها التي بنت عليها أنظمة الحكم , فكان الاقتصاد أولى ضحاياها , فمن التأميم إلى الخصخصة , وهذا ما أدى لخسارة الدول التي اتبعت نظام الخصخصة مرتين , المرة الأولى عندما ادعت أن المصانع والأراضي الزراعية ملك للشعب , فتحملت إنفاقا يفوق طاقاتها وحرمت الطبقة الثرية من إدارة أعمالها , فكان الدخل الفردي يسير نحو الانخفاض , والصناعة تسير نحو الاهتراء وأصبح المنتج الوطني يحمل علامة السوء في داخله لغياب الحافز لدى العامل , وتهيئة فرص الفساد للإدارات , ومع محاولة استيعاب اليد العاملة ظهر مفهوم البطالة المقنعة , وضاق مجال التنمية مع الاعتماد على الصناعة التحويلة وتحويل البلاد العربية إلى شعوب استهلاكية , ومع تراجع الناتج الزراعي بات الأمن الغذائي العربي في خطر شديد .
وكانت الخسارة الأفدح في الخصخصة حين انتقلت ملكية الشعب المزعومة على تلك المصانع والمؤسسات إلى يد أفراد من الأثرياء الجدد وهم غطاء للأنظمة , فكان زواج السلطة والثروة عنوانا رئيسا تحت يافطة الانفتاح ..!
لم يكن المواطن العربي متفرغا للعطاء العملي والفكري في منظومة العطاء الإنساني , بقدر ما كان مشغولا بقوته اليومي , ورغم تفاقم الفقر والبطالة إلا أن الهاجس الأكبر الذي ظل مسيطرا على كيانه , الخوف من السلطة وعدم الاقتراب من الخطوط الحمراء التي ترسمها الأنظمة حول مسار شعوبها , ولم يعد يعرف ما المسموح وما الممنوع , وبين المتاجرة بالشعارات وأخرى بالوطن والمواطن , ضاع عطاء المبدعين وتوقفت حركة التقدم في جميع البلاد العربية , وأمست الهجرة أحدى أهم طموحات الشباب العربي لقضاء زمن يكافئ أو يزيد على عمر المهاجر من أجل تحقيق أساسيات الحياة , ولما كانت منظومة الظلم تحتاج إلى أساليب ممنهجة من القمع والترهيب فقد نشأت أجهزة الأمن العربية على نهج الأجهزة الهتلرية والستالينية , ومن ثم كان التدريب والتطوير في المراكز القمعية السوفيتية , والشيوعية السابقة , وحتى النظم العربية التي لم تقم علاقات مع تلك المنظومة فقد أفادت من أخواتها العربيات ودربت ضباطها داخل تلك الأجهزة , وعملت على تطوير أجهزتها الأمنية لتكون طوقا حول عنق مواطنيها في اللحظة المناسبة .
المعادلة التي لم يستطع المواطن العربي حلها تكمن في ثروات هائلة يتمتع بها العالم العربي , وفقر يزداد اتساعا في الخارطة العربية , وغياب كامل للمشاريع الاقتصادية العملاقة التي تجعل من هذه الأمة بلادا منتجة أو صاحبة مكانة اقتصادية في الخارطة العالمية .
تغير العالم كثيرا بعد الحرب العالمية الثانية , وشهد تحولات كبرى وظهرت دول عدة حول العالم واختفت أخرى , وما أن جاء العقد التاسع من القرن المنصرم حتى بدأ شكل جديد للعالم يظهر مع تداعي القطب الشرقي وانهيار المنظومة الشيوعية , فكانت الثورات في أوربا الشرقية ضد أنظمة شمولية , ومن ثم تفكك الاتحاد السوفييتي الذي غرق في مشاكل اقتصادية ومن ثم سيطرت المافيا على مقدراته , وقد سبق التفكك والانهيار انفراد أمريكا بالقرار العالمي لتقود العالم عشية حرب الخليج الثانية 16\1\1991 تحت مسمى نظام عالمي جديد ..!
لم تكن تسمية نظام عالمي جديد طرحا عبثيا فقد كانت مرحلة جديدة لزوال نظام القطبين وبروز القطب الواحد , كذلك انتصار الرأسمالية كنظام اقتصادي على النظام الاشتراكي , وإذا كانت أمريكا قد بدأت قيادتها للعالم مناصفة مع الاتحاد السوفييتي بعد انتصار الحلفاء على المحور في الحرب العالمية الثانية , فقد وجدت في حربها ضد العراق فرصة لإعلان قيادتها للعالم .
لقد جاء احتلال الكويت من قبل العراق ليغير الكثير من المفاهيم في المنطقة , فغزو بلد عربي لبلد عربي مهما كانت المبررات أصاب الوجدان العربي في الصميم , ثم كان علاج الخطأ بخطأ أفدح بعد أن تداعى الزعماء العرب لقمة استثنائية وانقسم العرب على أنفسهم بين مؤيد لإرسال جيوش إلى جانب القوات الأمريكية ومن معها وبين معارض , ومن منطلق حماية السعودية إلى المشاركة بتحرير الكويت أو تدمير العراق ...!
هذا الحدث الجلل أخر في وصول رياح التغيير القادمة من أوربا الشرقية إلى المنطقة العربية بعد أن برزت تحالفات بين المتناقضين , وبعد دمار العراق ومحاصرته غرق العرب في مفاوضات مع إسرائيل , فانقسمت المسارات ووقعت اتفاقيات كانت بعيدة عما اتفق عليه في مدريد , ثم عاد وتبخر الحلم الفلسطيني الذي دفع إليه ياسر عرفات دفعا بعد أن بات منبوذا من دول الخليج بعد وقوفه إلى جانب صدام حسين .
لقد عانى المواطن العربي منذ أن شهد عهد الاستقلالات القطرية , ورغم الشعارات التي رفعتها الانقلابات العسكرية في وحدة العرب وحريتهم إلا أن وحدة العرب كانت في الوجدان العربي المطعون , فمن الهزائم العسكرية المتوالية إلى غياب الحرية والعدالة ,وضعف التنمية والهجرة التي باتت حلم المواطن العربي .
كان عنوان الألفية الجديدة الحرب على ما يسمى الإرهاب بعد أحداث 11 أيلول سبتمبر 2001, وقد وجدت الكثير من الحكومات العربية فرصتها للانتقام من معارضيها , فتعاونت مع الاستخبارات الأمريكية في تقديم آلاف الوثائق عن معارضيها بغية دمغهم بصفة الإرهاب , وشهد المواطن العربي غزو وتدمير الدولة العراقية , وصناعة حكومات عميلة في بغداد , وإعدام رئيس عربي أمام صمت القادة العرب ..
وإذا كانت نهاية الألفية الثانية قد بدأت مع غياب عدد من الزعامات العربية في الأردن والمغرب والبحرين وسورية , إلا أن شيئا لم يتغير بوصول قيادات شابة إلى سدة الحكم ورثت السلطة عن الآباء وإذا كان انتقال السلطة في النظم الملكية إلى ولي العهد أو الوارث أمرا طبيعيا , فإن ما تم في سورية كان أول توريث جمهوري يتم في المنطقة , ربما أغرى ذلك نظما جمهورية في إعادة السيناريو السوري , فكان صدام حسين قبل احتلال بلاده وذهاب سلطانه يحضر ابنه قصي وهو قائد الحرس الجمهوري , وكذلك علي عبد الله صالح في اليمن لتوريث ابنه أحمد ولعلها من قبيل المصادفة أن يصبح قائدا للحرس الجمهوري , في حين كان التوريث في مصر يجري لصالح جمال مبارك وهو مدني ومن خارج المؤسسة العسكرية , وكذلك الحال في ليبيا في توريث سيف الإسلام القذافي .
لقد أدى غزو أمريكا للعراق إلى شعور باليأس , فمع دمار العراق ظهرت قوى إقليمية باتت تحاول مد نفوذها في الوطن العربي , فإيران لم تعد تلك الدولة التي هزمها الجيش العراقي بل دولة قوية أفادت من غزو العراق وتقاسمت العراق مع أمريكا , وعادت لترهيب دول الخليج وهي تعزف على وتر القدس وتحرير فلسطين , وتصدر أيدلوجيتها المذهبية والثورية إلى أجزاء واسعة من الوطن العربي .
وتركيا الدولة الناهضة اقتصاديا , والنموذج الديمقراطي الذي أوصل حزب العدالة والتنمية ,أو (تلاميذ أربكان )إلى رئاسة الحكومة ومن ثم الجمهورية , وهي تودع عهد الانقلابات وتدخل الجيش في الحياة السياسية , ومع شعورها باليأس من دخول الاتحاد الأوربي اتجهت إلى البوابة العربية , فأصبحت اللاعب رقم واحد في قضايا الشرق الأوسط فهي عضو في الناتو وتقيم علاقات إستراتيجية مع إسرائيل , وهي تساند القضية الفلسطينية , على أساس الدولتين وليس فلسطين التاريخية ..!
مئة عام من التشرذم والتخبط والهزائم العسكرية , أفاق المواطن العربي ليجد أن دولا لم تكن يوما ذات شأن باتت تصدر له التقنية , ودولا أفريقية تسودها الديمقراطية , وبين البحث عن التطور والكرامة وجد ضالته في الثانية فلا تقدم دون كرامة .
ومع نهاية العقد الأول من الألفية الجديدة كان السودان على موعد مع التقسيم , لينفصل الجنوب عبر استفتاء شعبي ...!
كانت حادثة (البوعزيزي في تونس) تعبيرا رمزيا يختصر الواقع العربي , البوعزيزي يمثل الشباب العربي الذين رفضهم سوق العمل بعد نهاية المرحلة الجامعية , وعربة البوعزيزي المنفلتة من الضرائب والرسوم , والمتنقلة هنا وهناك لتحط في مكان تزدحم فيه الأقدام بغية كسب لقمة العيش خير تعبير عن الأزمة التي تعيشها المجتمعات العربية في إهدار الطاقات الشبابية ,وغياب التنمية , وتلك الشرطية المتعجرفة التي تنظر إلى الناس على أنهم دون مستوى البشر , فتقيم قانون النظام وتعمد لتطبيقه بالصفع والإهانة , فأجهزة الأمن غدت أداة من أدوات القمع التي تسلطها الأنظمة على الشعوب واضعة هذه الأدوات فوق القانون ... ليجد البوعزيزي ( المواطن العربي المقهور) نفسه في مواجهة الظلم الاجتماعي والحرمان (السلطة) ويقف وجها لوجه مع أداة من أدوات القمع لدى النظام (رجل الأمن ) فماكان منه إلا أن يرد شيئا لكرامته التي أهدرتها السلطة بظلمها والتضييق على رزقه فأشعل النيران في جسده ...! فكانت شرارة الثورة التونسية التي جعلت بن علي يفر هاربا من تونس , ليسقط الزعيم الأوحد , والحزب الواحد , وتنهار منظومة الفساد زواج السلطة والثروة عبر أسر صنعها النظام ...
لتعم هذه النار الأقطار العربية الواحد تلو الآخر لتشابه الظروف التي يعيشها الشعب العربي وكلها تتوق لسقوط هذه الأنظمة , وتتولى هي صناعة نظم أخرى تتمثل أولا في كرامة الإنسان وثانيا في تحطيم صنم العبودية لشخص يبقى يتحكم في الناس حتى يقبض الله روحه , وأخيرا في إيجاد مبدأ المساواة بين المواطنين وإرساء مبدأ المواطنة عبر دستور يصوغه الشعب لا يفرض عليه , يرسي مبدأ فصل السلطات وتداول السلطة ..
فبعد ستين عاما من ثورات الشعارات الطنانة العابرة للقطرية ,لم تحقق سوى شرعية الدبابة وتكريس القطرية , وظل الشعب منفصلا عن قياداته فالشعب العربي متوحد في همومه , وفرق بين أبنائه الأنظمة المستبدة , فتجاوز المواطن العربي تلك الشعارات مدركا أن هزيمة العدو تكمن في كرامة الشعب ,وهزيمة الخوف الذي صنعته الأنظمة الاستبدادية وباركته النظم الغربية وأسبغت الشرعية عليه , فتخطى النخب السياسية بعد أن أدرك أن المعارضات التقليدية شاخت , وأن من يقف إلى جانب الأنظمة من أحزاب تدعي الائتلاف أو الاختلاف مع الأنظمة ماهي إلا ديكورات وخشب مسندة تطيل في عمر تلك الأنظمة , فكان لابد للشعب أن يستعيد الشرعية التي غيب عنها عقودا وليحقق فقرة تدعيها الدساتير العربية ( الشعب هو مصدر السلطات )........؟؟
كاتب وإعلامي سوري مقيم في القاهرة
[email protected]


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.