وكانت الإذاعة الإسرائيلية كشفت في 13 سبتمبر أن 43 من ضباط وضباط الصف في الاحتياط من وحدة "التنصّت 8200 ", وجهوا رسالة إلى عدد من المسئولين الإسرائيليين, أبرزهم رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو ووزير الدفاع موشيه يعالون ورئيس الأركان بيني غانتس ورئيس هيئة الاستخبارات العسكرية أفيف كوخافي, أكدوا فيها رفضهم "أداء الخدمة في وظائف من شأنها تكريس الاحتلال الإسرائيلي للأراضي الفلسطينية". وجاء في الرسالة أن المواد, التي يتم جمعها بفضل عمل الوحدة 8200 تُسلَّم إلى جهات أخرى لاستخدامها لغرض الضغط على المدنيين الفلسطينيين وتجنيدهم كعملاء لدى جهاز الأمن العام الإسرائيلي "الشاباك". وبحسب الرسالة, فإن الوحدة 8200 هي الوحدة الرئيسة, التي تقوم بجمع المعلومات الاستخبارية لصالح الجيش الإسرائيلي. وبدورها, ذكرت صحيفة "يديعوت أحرونوت" الإسرائيلية في 14 سبتمبر أن 43 ضابطا وجنديا من خريجي الوحدة الاستخبارية 8200 قرروا عدم أداء الخدمة الاحتياطية, إذا كانت تتعلق بالميدان الفلسطيني ,وذلك "لأسباب ضميرية وأخلاقية". ووفق الصحيفة, فإن هذه المرة الأولى, التي يوقع فيها خريجو الوحدة رسالة يقررون فيها رفض الخدمة, ونقلت عن أحد الرافضين قوله :"الطريقة التي طورناها هي أن نتهرب في كل مرة بحجة مختلفة كامتحان أو رحلة إلى الخارج، وهكذا امتنعت في واقع الأمر عن المجيء لأداء الخدمة الاحتياطية, دون أن أعلن أنني أرفضها". وتابعت "يديعوت أحرونوت" أن سياسة التصفيات والاغتيالات تتبوأ مكانا مركزيا في عذابات ضمائر الموقعين على الرسالة بسبب كثرة الأخطاء التي أودت بحياة أبرياء فلسطينيين، بل أولاد صغار أحيانا. وأضافت الصحيفة أن الموقعين على الرسالة يريدون أن يُبينوا حقيقة أن جزءا كبيرا من الأهداف, التي يتم تعقبها تتعلق بأشخاص أبرياء، ليست لهم صلة البتة بنشاط عسكري ضد إسرائيل، وتهتم الجهات الاستخبارية بهم, لأسباب أخرى. وكشف هؤلاء الضباط أيضا - حسب الصحيفة - عن محاولات إسرائيل تجنيد الفلسطينيين تحت الضغط والابتزاز في العلاج مثلا, مقابل معلومات عن أقاربهم. ووصفت "يديعوت أحرونوت" الرسالة بأنها "خط فصل" في مظاهر الرفض في إسرائيل في العقود الأخيرة، موضحة أن الحديث هذه المرة ليس عن جنود وضباط من سلاحي المشاة والمدرعات يرفضون ضغط الزناد، ولا عن طيارين يرفضون إطلاق قذائف من الجو، بل عن رفض تعقب ملايين الفلسطينيين الواقعين تحت احتلال إسرائيلي منذ 1967. وأشارت الصحيفة إلى أن الحديث هذه المرة عن رفض التسليم بالمعتاد في سياسات إسرائيل بالمناطق الواقعة تحت الاحتلال, واصفة هذه السياسات بأنها "كارثية" لمستقبل إسرائيل. ويبدو أن الصدمة, التي أحدثتها الرسالة, كانت كبيرة جدا, حيث هاجم نتنياهو بشدة رافضي الخدمة في الجيش الإسرائيلي, متهما إياهم باتخاذ هذا الموقف لأغراض سياسية، واعتبر أن رفض الخدمة العسكرية في إسرائيل مرفوض على جميع أشكاله ويستحق الإدانة الكاملة. وأعلن نتنياهو في كلمة له مساء الأحد الموافق 14 سبتمبر, في مؤتمر الفضاء الإلكتروني الرابع الذي عقد في جامعة تل أبيب, رفضه لما سماه "استخدام هذا الأمر (رفض الخدمة) للأغراض السياسية". ودافع نتنياهو عن جيش الاحتلال, قائلا :"الجيش الإسرائيلي، على جميع وحداته، هو أكثر جيوش العالم أخلاقا، وهو يؤدي على أكمل وجه المهام التي نكلفه بها من أجل حماية أمن المواطنين الإسرائيليين". وأضاف "بناء على معرفتي الطويلة بجنود الوحدة 8200، أعلم أن التشهيرات العديمة الأساس التي أطلقت مؤخرا لن تضر بالعمل الهام للغاية الذي يقومون به من أجل أمن إسرائيل، وأقول لهم من هذا المكان: استمروا". ومن جهته, قال المتحدث باسم جيش الاحتلال أفيخاي أدرعي إنه أحد خريجي الوحدة 8200، متهما المجموعة التي وقعت رسالة رفض الخدمة, بأنها "شهّرت بالغالبية العظمى من أفرادها الذين يشكل أداؤهم سداً منيعاً حقيقياً لحماية إسرائيل". وفي تغريدات على موقع التواصل الاجتماعي "تويتر", أضاف أدرعي أن "الرسالة التي بعثتها هذه المجموعة من جنود وضباط تشكل استغلالاً للخدمة العسكرية لإبداء موقف ذي طابع سياسي، , وهو أمر مرفوض تماماً في الجيش الإسرائيلي". وبجانب التصريحات السابقة, ظهرت ردود فعل إعلامية إسرائيلية مرتبكة ومتباينة تجاه الرسالة, حيث دعت صحيفة "هآرتس" إلى الاستماع للرافضين، مضيفة أن الرد على رفض من هذا النوع لا ينبغي أن يكون العقاب القاسي، وأنه "لا مكان لردود فعل ساحقة وعدوانية من هذا القبيل في مجتمع ديمقراطي". ورأت الصحيفة في تقرير لها في 15 سبتمبر أن من حق خريجي الوحدات العسكرية الإعراب عن احتجاجهم في ضوء ما يعتبر في نظرهم عملا عسكريا غير أخلاقي أو غير قانوني، وأنه من الأفضل أن يستمع قادة جهاز الأمن وقادة الدولة جيدا للاحتجاجات التي تصدر من قلب وحدة نخبة مثل الوحدة 8200. كما نشرت "هآرتس" مقالا للكاتب جدعون ليفي امتدح فيها الرسالة, التي وقعها 43 من ضباط "وحدة التنصت 8200", بعد أن ربطوا موقفهم برفضهم استمرار الاحتلال الإسرائيلي للأراضي الفلسطينية. وتوقع ليفي الهجوم الإعلامي والسياسي على رافضي الخدمة بالجيش الإسرائيلي، مع أنهم خدموا المجتمع في إسرائيل خدمة مضاعفة، حسب تعبيره. وتابع أنه لم ير لهم مثيلا في إسرائيل، لأنهم رفضوا لبواعث متعلقة بالضمير, وأضاف أنهم "كشفوا عن ندب آخر في وجه الاحتلال الإسرائيلي القبيح أعمق مما سبقه، وهو يتناول الجوانب الأكثر ظلمة وسفالة للاحتلال"، معتبرا أن خطوتهم لو كانت في مجتمع أفضل لأفضت إلى صرخة ضمير حقيقية. وفي المقابل, انتقدت صحيفة "إسرائيل اليوم" بشدة رسالة رفض الخدمة, وأضافت في تقرير لها في 14 سبتمبر"رسالة الرفض ثمرة تربية لا يوجد فيها تأكيد للجانب الصهيوني، وجهاز تعليم لم ينشئ شبابا, يفرقون بين واجبهم الديمقراطي بأن يخدموا في الجيش الإسرائيلي، وبين وجهة نظرهم الشرعية التي ترفض الاحتلال". وأكدت الصحيفة أن "الرفض الجماعي للقيام بواجب أمني, يعتبر تمردا في دولة قانون", وطالبت بمعاقبتهم بخفض الرتب العسكرية وإعطاء شهادة إعفاء طول الحياة, ثم الوداع للموقعين على الرسالة بلا لقاء. ويخشى كثيرون في إسرائيل أن يكون هذا "التمرد", الذي يعتبر سابقة من نوعه, البداية على طريق تفكك جيش الاحتلال, خاصة بعد الهزيمة المريرة, التي تعرض لها في غزة, رغم ارتكابه مجازر وحشية أودت بحياة آلاف الفلسطينيين, معظمهم أطفال ونساء