من المهم للغاية أن تحرص قرارات الحكومة المصرية الحالية على الالتزام بالجدية والوفاء بوعودها حتى تحظى باحترام الناس وثقتهم في قدرتها على إدارة شؤون البلاد والعباد بشكل أمين وعادل ، ولكن المؤسف أن بعض القرارات التي صدرت من وزراء في حكومة تسيير الأعمال تم التراجع عنها الأمر الذي أعطى مؤشرا شديد السلبية ، وجعل كثيرين ينظرون بريبة وشك في نوايا حكومة شرف ودورها . المثال الواضح أمامي الآن هو ما يتعلق بمسألة الإفراج عن المسجونين السياسيين الذين حوكموا في محاكم استثنائية في عصر مبارك ، وجميعهم من الإسلاميين ، وكان وزير الداخلية منصور العيسوي قد أصدر قرارا في 8 مارس بالإفراج عمن قضوا نصف المدة منهم ، وبالفعل تم الإفراج عن أكثر من نصفهم يوم 11 مارس الماضي ، بما يصل عدده إلى ستين مسجونا ، على أن يتم الإفراج عن الدفعة الثانية وهم قرابة أربعين مسجونا بعد ذلك بيومين ، وتحديدا في 13 مارس ، حسب القرار الوزاري ، ولكن الذي حدث أن تم الإعلان عن تفعيل نشاط المؤسسة الأمنية الغامضة الجديدة "الأمن الوطني" ، وكان أول قرار لها هو إلغاء قرار الإفراج عمن قضوا نصف المدة من المسجونين السياسيين ، وبالتالي توقفت عملية الإفراج رغم قرار الوزير المعلن في كل وسائل الإعلام ، ورغم تنفيذ القرار فعليا بالنسبة لأكثر من نصف المسجونين . هناك بالتوازي قرار صدر بإعادة محاكمة المسجونين الذين حوكموا عسكريا أو بمحاكم استثنائية في عصر مبارك وتعرضوا لأحكام مفرطة في القسوة ، مثل الإعدام والسجن المؤبد ، وبعض المسجونين محكوم عليه بالإعدام ثلاث مرات !! ، حيث كانت الأحكام تؤخذ في أجواء من الصراع السياسي والأمني الحاد ، بما لم يكفل للمتهمين مناخات حقيقية من العدل ، وكم ذهبت أعمار من البشر هدرا وظلما في غيابات السجون بمثل هذا التسرع في الأحكام ، بل كم ذهبت أرواح حكمت بالإعدام ونفذت فيها الأحكام بسرعة ويعلم الجميع أنها لم ترتكب شيئا تستحق عليه حتى مجرد السجن . إعادة محاكمة هؤلاء من المؤكد أنها ستعيد لهم حقوقهم أو جزءا منها ، لأنها ستتم في أجواء أكثر بعدا عن ضغوط النظام السابق وحساباته وملفات أجهزته الأمنية ، والحقيقة أن هذا الملف الكئيب آن الأوان أن يطوى نهائيا في مصر ، لأنه من الواضح أن هوس "الإرهاب" كان صناعة النظام السابق ومؤسسته الأمنية ، ويكفي أن مصر لم تشهد منذ ثورتها المباركة أي حادث يمكن أن يستشف منه بواعث الإرهاب أو أجوائه ، بل المؤكد أن تلك الثورة والروح الجديدة التي بثتها في الشباب المصري سوف تنهي هذا الخاطر بشكل تام ، لأن الأفق السياسي المفتوح ، والأمل المتجدد في القدرة على المشاركة في صناعة المستقبل ، والقواعد الجديدة لنظام حكم ديمقراطي وعادل وشفاف ويحترم مواثيق حقوق الإنسان ، كل ذلك هو أعظم علاج وأنجعه لظاهرة الإرهاب والتشدد . أتمنى من وزير الداخلية اللواء منصور العيسوي أن يجدد التزامه بقراراته التي سبق وأعلنها ، وأن يأمر بإطلاق سراح بقية المسجونين السياسيين الذين أمضوا نصف المدة ، أسوة بباقي المسجونين الذين سرى عليهم القرار نفسه وتم إطلاق سراحهم بالفعل ، لأن هذا الالتزام المتجدد هو الذي يعيد الثقة بالجهاز الأمني الجديد ، بدلا من أن تتزايد قناعة المواطنين بأن الأمن الوطني الجديد هو النسخة المطورة من مباحث أمن الدولة . [email protected]