كتب فضيلة الشيخ محمد متولي الشعراوي مقدمة لكتاب الأستاذ محمود السعدني (ألحان السماء)، قال فيها: "ما أحسن ما سمعت، و ما أروع ما دعيت إليه ، و ما أروع استجابتي له . فالكاتب القدير الاستاذ محمود السعدني الذي طوف بأدبه و فكره ما طوف و أثري المكتبة الأدبية والسياسية بما خلف،أهل لأن يجعل اللهُ لدينه نصيبا من أدبه و حظا من قلمه . فهنيئا له حين يتوج رحلته الأدبية بهذا الشرف العالي الذي عاش فيه مع كتاب الله، وبدأه بأول مرحلة فيه، وهي الصوت الذي نطق بعد الآذن التي استمعت، وأشاعت أنغام الجلال في آذان الخلق جميعا . ولقد كان الناس يحسبونه في أقل منازل الدين واليقين، لأنهم يرون في غيرهم أعلام علماء، ولقد ارتضي هؤلاء الكبار أن يكون حظهم من المجتمع في هذه المكانة، وارتضوا أن تكون مكانتهم عند الله، لأنهم الصدي الحلو من كلام الله، وحسبهم أنهم كانوا جنودا لكلمة الله {إنا نحن نزلنا الذكر و إنا له لحافظون{. فهؤلاء من جنود الحفظ و قادة التحفيظ ، و منهم استقبل العلماء ما فسروا، وأخذ العلماء عنهم ما اجتهدوا، وأخذ الأدباء منهم ما دبجوا به عيون المقال و فصل الخطاب. فهنيئا لهم أولا، وهنيئا للكاتب الذي رفع اعتبارهم فوق كل اعتبار، وجعل كل متكلم في الدين لا يتكلم إلا بحجة ما أخذ عنهم، وبانضباط ما تلقي منهم، فهم الذين صححوا كل لسان كيف يتكلم بالقرآن . إن هذه الكتيبة من القراء الذين شدوا بألحان السماء وبتأليف الله لهم، لم يكونوا مكررين، لا أداء و لا أصواتا و لا لحنا، بل لكل واحد منهم نغم يخدم النص".انتهى كلام إمام الدعاة. هذا الكلام الماتع الذي عرضته بعد أن فقدت الأمة الإسلامية يوم الخميس 23/6/2011 علما من قرائها الأكابر هو الشيخ أبو العنينن شعيشع، وسط تجاهل غريب من الأزهر والمجلس العسكري ورئاسة الوزراء والإخوان والسلفيين والأحزاب والمفكرين، ولم يحضر العزاء إلا ممثل عن السعودية، مما أغضب الكثيرين فضلا عن أسرة الشيخ رحمة الله، وهذا يؤذن بتغير في المزاج المصري تجاه سماعهم للقراء الكبار، هذا المزاج الذي كان يوما ما يتحرك طربا مع القراء المصريين العظام، الذين أدخلوا بتلاوتهم القرآن إلى القلوب، فحركوها لكتاب الله العزيز. وللتاريخ فإن الشيخ شعيشع من مواليد بيلا بكفر الشيخ فى 1922، وذاع صيته فى حفل بمدينة المنصورة سنة 1936، ثم عين قارئاً لمسجد عمر مكرم سنة 1969، ثم لمسجد السيدة زينب منذ 1992، وناضل الشيخ فى السبعينيات لإنشاء نقابة القراء مع كبار القراء كالبنا، وعبد الباسط، ثم انتخب نقيباً لها سنة 1988م، وهو عضو بالمجلس الأعلى للشئون الإسلامية، هذا المجلس الذي غاب تماما عن العزاء!!. وإذا كانت الأصوات كما يقولون كالمعادن.. بعضها كالصفيح، وبعضها كالفضة، وبعضها كالذهب، فإن صوت الشيخ كان من النوع الأخير، كان صوتا ينبعث من آمال الناس وآلآمهم وأسواقهم وحواريهم وأفراحهم وأحزانهم. فقد أعاد الشيخ التذكير بالشيخ محمد رفعت، صوتا وأداء ونبرة، ولم يستطع أحد التفرقة بين صوته وصوت رفعت إلا الموسيقار محمد عبد الوهاب، وشبيه هذه الطرفة صوت الشيخ أسامة أبو النور، فإن من يدخل على اليوتيوب ويسمعه لا يستطيع أن يفرق بينه وبين الشيخ الطبلاوي، حتى إنني سمعت مرة الدكتور مصطفى الفقي في احتفال يسأل وزير الأوقاف دكتور زقزوق قائلا: انتو مش قلتم إن الشيخ الطبلاوي مريض ولم يحضر اليوم، فقال له زقزوق: فعلا الطبلاوي لم يحضر، واللي بتسمعة دلوقتي يادكتور مصطفى اسمه أسامة أبو النور، وكان الفقي يجلس في زاوية تتيح له سماع صوت القارئ دون رؤيته. وأما العلاقة بين شعيشع وأستاذه رفعت فبدأت عندما كان الشيخ أحمد شعيشع أخوه الأكبر متعباً , فحل أبو العينين محله, وسمعه الشيخ محمد رفعت فأعجب به، واستدعاه ليقرأ في الإذاعة، ومنذ ذلك الحين والشيخ أبوالعينين لايفارق الشيخ رفعت، وها هو الشيخ شعيشع يلحق بأستاذه رفعت في جنة الخلد إن شاء الله . وفاة الشيخ شعيشع ستكون علامة فارقة في تاريخ القراء، فكما أننا اليوم فقدنا المرجعيات الكبرى في الثقافة والشعر والغناء والفكر، فإن الأمر يسير على هذا النحو في القراء. إن الاستماع إلى الكتاب العزيز من القامات الكبرى من أمثال العظماء: كمحمد رفعت، ومصطفى إسماعيل، والحصري، والبنا، وصديق المنشاوي، وابنه محمد، وسلامة، وعبد الباسط، وعلى محمود، وندا، والصيفي، وبدار، والبهتيمي، وعلى محمود، والسنديوني، وزاهر، ليس فقط يحرك القلوب ويلمس أوتارها، ولكن أيضا فيه إحساس بالانتماء المصري، والمزاج المصري الخاص، وهويته في الاستماع، تلك الهوية التي تعد من مكونات النفسية المصرية وعلاماتها، يوم أن كان آباؤنا يجتمعون يوم السبت الساعة الثامنة أمام إذاعة البرنامج العام للاستماع لتلاوة الشيخ عبد الباسط. رحمهم الله جميعا. [email protected]