الجماعة تستجيب لضغوط الجهاديين وتتراجع عن دعم التحالف الدولي ضد "داعش" تجاوبت جماعة "الإخوان المسلمين" مع الدعوات المتصاعدة لإجراء انتخابات في أعلى هرم الجماعة، للتخفيف من حدة الانتقادات الموجهة للجماعة من جهة سيطرة مجموعة من التيار القطبي على مفاصل القرار بها، وتهميش دور الشباب في هياكلها، على الرغم من التضحيات التي قدموها على مدار أكثر من عام من إطاحة الجيش بالرئيس المعزول محمد مرسي. وجاءت أولى الخطوات من جانب الجماعة بإعلان إبراهيم منير، الأمين العام للتنظيم الدولي عن إجراء الجماعة مراجعات سياسية لمسارها طوال الفترة الأخيرة وانتخابات أسهمت في اختيار 6 أعضاء جدد لعضوية مكتب الإرشاد دون سن الأربعين، وهو ما اعتبر تغييرًا دراماتيكيًا داخل الجماعة التي كانت تشترط تجاوز العضو سن الخمسين لدخول مجلس الشورى والترشح لمكتب الإرشاد. غير إن هذه الخطوة أثارت استياء بين منشقي "الإخوان"، الذين اعتبروا إعلان منير مجرد مسكنات لمواجهة غضب الشعب، واتهموا قيادة الجماعة بالتلاعب بعقول أعضائها واختيار أعضاء لا يستوفي الشروط الخاصة بلوائح الجماعة التي لم تتغير ليتم تصعيد 6 أعضاء دون الأربعين بإجراءات تغيب عنها الشفافية، بحسب سامح عيد، القيادي الإخواني المنشق. وفي الوقت الذي لم يكشف فيه منير عن أسماء هؤلاء الشباب الذين تم تصعيدهم، قال حسين عبدالرحمن القيادي في حركة "إخوان بلا عنف" إنه من المرجح أن يكون من بين هؤلاء الستة هم: علي خفاجي، أمين شباب حزب الحرية والعدالة في محافظة الجيزة الموجود في قطر حاليًا، ومحمد عبدالجواد، أمين شباب الحرية والعدالة المحظور بالموفية، ووائل عبدالقادر أمين شباب الحزب الإخواني في محافظة الإسكندرية، وغيرهم من الشباب الذين ستتكشف هويتهم خلال المرحلة القادمة. وأضاف أن "هذه التغييرات لن تكون الوحيدة التي ستشهدها الجماعة بل ستشهد خلال المرحلة القادمة موجة من التغييرات في أعضاء أمانات الشعب والمكاتب الإدارية في مختلف أنحاء الجمهورية، في إطار سعى الجماعة لتجديد شبابها وقطع الطريق أمام أى محاولات لانشقاق الشباب الرافضين لأي مساعٍ للمصالحة مع الدولة". من جانبه، اعتبر الدكتور كمال حبيب، الخبير في شئون حركات الإسلام السياسي، أن "الإعلان عن ضم 6 من الشباب لعضوية مكتب الإرشاد لا يتجاوز كونه رغبة في تطويق الخلافات والحفاظ على وحدة الجماعة وقطع الطريق على أية انشقاقات". وتابع "مع غياب القيادات داخل السجن والضربات الأمنية أصبح لدى الشباب بحكم الواقع دور كبير فى صناعة القرار، انطلاقًا من انتفاء سيطرة الشيوخ على دوائر صنع القرار وحده داخل الجماعة، ومن ثم جاءت هذه الخطوة إقرارًا بواقع جديد داخل المشهد الإخواني". وحول ما إذا كان انتخاب 6 من الشباب لعضوية الإرشاد يعد إشارة تصعيد وتأكيد على رهان الجماعة على الحراك في الشارع فقط، قال حبيب إنه "لا يمكن لجماعة بحجم الإخوان الارتهان لخيار واحد وهو التصعيد، خصوصًا أنه لم يفلح خلال عام في إحداث اختراق في المشهد، فالأمر لا يتجاوز قطع الطريق على انشقاقات فقط". يأتي هذا في الوقت الذي تسارعت فيه خطى جماعة الإخوان لجس نبض الدولة حيال إمكانية دعمها لمصالحة وطنية مع الجماعة. وتحدثت "حركة إخوان بلا عنف" عن عكوف المهندس خيرت الشاطر، نائب المرشد العام للجماعة على إعداد رسالة من محبسه بسجن "العقرب" يطالب فيها بالإفراج الصحي عنه في ظل تدهور حالته على غرار ما حدث مع القيادي الإخواني حلمي الجزار. وأشارت الحركة إلى أن "رسالة الشاطر ستتضمن مطالبة الحكومة الحالية بقيام وفد من المجلس القومي لحقوق الإنسان يتقدمه رئيس المجلس محمد فايق أو نائبه جورج إسحاق بزيارة للسجن للبحث عن سبل لتهيئة الأجواء لمصالحة بين الدولة والإخوان". ورجحت أن "تتضمن الرسالة عرضًا بالمصالحة بين الدولة والجماعة مكتمل الأركان بشكل ينهي الأزمة بين الطرفين، بعد تعرض الشاطر لضغوط من التنظيم الدولي للجماعة للوصول لتسوية مع الحكومة المصرية، باعتبار أن أزمة الجماعة الأمة في مصر قد أضرت بالتنظيم الدولي بشكل كبير". غير أن مصادر مقربة من جماعة الإخوان شككت بقوة في إعداد هذه الرسالة، قائلة إن "الأمن هو مَن يقف وراء هذه الشائعات لإشعال خلافات داخل الجماعة وفتح الباب أمام انشقاقات الشباب، باعتبار أن أغلب من يشاركون في حراك الشارع يرفضون أي مصالحة من النظام الحالي الذي يصفونه بالانقلابي". ولم تتوقف تحركات الجماعة عند هذا الحد لتخفيف حدة الغضب على مواقفها بعد أن كشف أحد أقطاب الجماعة عن دعم الجماعة لتشكيل تحالف دولي لتوجيه ضربة إلى تنظيم الدولة الإسلامية في العراق وسوريا، وهو الموقف الذي أثار غضبًا داخل للجماعة واتهامات لها بأن تراهن فقط على واشنطن، دون الوضع في الاعتبار خطورة الانضمام لتحالف دولي ضد حركة إسلامية مهما كانت حدة الخلافات معها. وقال محمد أبو سمرة، الأمين العام ل "الحزب الإسلامي"، الذراع السياسية ل "جماعة الجهاد"، إن الضغوط التي مارستها شخصيات تنتمي للجماعة الإسلامية والجهاد ومرجعيات إسلامية على جماعة الإخوان تقف وراء تراجع الجماعة وتنظيمها الدولي عن دعم التحالف الدولي ضد تنظيم "داعش". وأشار إلى أن تلك الشخصيات التي لم يكشف عن هويتها أوضحت خطورة المشاركة في تحالف ضد تنظيم "إسلامي" مهما كان الخلاف معه، بل إن هذا الأمر سيشكل سابقة في دعم إسلاميين لتحالف ضد حركة إسلامية وهو ما دفع تنظيم الإخوان لاعتبار ما أن ما يحدث في العراق هو انتفاضة للسنة وليس إرهاب داعش. ولفت إلى أن هناك إجماعًا بين الحركات الإسلامية على التحفظ بشدة حيال الموقف بين "داعش" والأمريكيين وترك الأمور تسير في مسارها الطبيعي باعتباره أقل الضررين وهو ما يفسر حالة الصمت حيال الحملة على "الدولة الإسلامية" خصوصًا من جانب الإخوان. في السياق ذاته، استبعد سامح عيد، الباحث في شئون الحركات الإسلامية، مشاركة "الإخوان" في التحالف الدولي الجاري تدشينه لمواجهة تنظيم الدولة الإسلامية في العراق والشام، مشيرًا إلى أن تركيبة الجماعة تمنع هذا الأمر بشكل تام. وتابع "الجماعة لا تملك الشجاعة ولا الرجال ولا المقاتلين القادرين على مواجهة داعش بل إنها تتجنب الدخول في مواجهات حاسمة توقع خسائر في صفوفها، معتبرًا أن التصريحات التي صدرت عن بعض الشخصيات المحسوبة على الإخوان لدعم التحالف مجرد مجاملة إعلامية لواشنطن". وأشار إلى أنه "ورغم الدعم الإخواني للجهاد الأفغاني ضد السوفيت إلا أن الإخوان لم تشارك في المعارك مكتفية بأعمال إغاثة وأنشأت مستشفى ميدانيًا في بيشاور وتركت القتال لكوادر الجماعة الإسلامية والجهاد".