تكشف المستندات والوثائق عن مخالفات عدة بشركات البترول العاملة في مصر، تأتي على رأس أسباب الأزمات في هذا المجال الحيوي، نتيجة الفساد مما يؤدي إلى إهدار ملايين الدولارات، في الوقت الذي تنفجر فيه الأزمات وكان آخرها أزمة نقص السولار، ما تسبب في تعطيل عشرات المصانع والأعمال التي تعتمد عليه، وتكرار أزمة أنابيب البوتاجاز والتي وصلت في معظم مناطق مصر إلى 25 جنيها. يأتي ذلك فيما اتهم بلاغ مقدّم للنائب العام المستشار عبد المجيد محمود، المسئولين بشركة مصر للبترول بالنهب المنظم والتدمير المتعمد لمعامل التكرير والمنصات والصهاريج واستيلاء مجموعة اقتصادية - بالتدليس - على أراضي الشركة بالمخالفة للواقع بزعم أنها أراضي فضاء رغم أنها مواقع إنتاج. يتزامن ذلك مع الكشف عن وثائق عن إهدار للمال العام بشركة "خالدة" للبترول، التي تمتلك مصر نسبة 51% من حصتها، بعد أن بلغ نسبة الفائض في مشروع واحد أكثر من 11 مليون دولار، أي أكثر من 60 مليون جنيه، وهذا الفائض يشمل أصناف دون استخدام حقيقي، ما يؤكد الإهمال في الدراسات الهندسية ودراسات الجدوى والتوصيف وتقدير حاجات الاستخدام. كما يكشف تكرار الحرائق في قطاعات وشركات عن الإهمال والفساد في نظام مكافحة الحرائق وهو ما يهدد بحرق منطقة حقل طارق للغاز، وتغيب الشفافية عن العديد من مواقع الشركة ومنها مشروع حقل كلابشة بالصحراء الغربية، وهو ما يتطلب تدخل الأجهزة الرقابية. كما يظهر الفساد في المجال الإداري ومن أبرز صوره الاستعانة بمهندسين من خارج الشركة، تحت مسمى استشاريين ثم يتضح انحدار مستواهم ووجود من هم أكفأ منهم داخل الشركة. وأكد الخبير الاقتصادي الدكتور عبد الخالق فاروق أن هناك مغالطات فيما تذكره الحكومات المتعاقبة في عهد النظام السابق عن دعم المواد البترولية بمليارات الدورات، لأن هذا الدعم المزعوم يأتي نتيجة الفساد في ترسية التعاقدات في المواد البترولية لشركات أجنبية بأسعار اقل من نظيرتها العالمية، وفى الوقت نفسه تجاهل الدراسات الجادة والواقعية لاحتياجات السوق المصري من استهلاك هذه المواد. وضرب مثلاً على ذلك بالتعاقدات مع إسرائيل في صفقة تصدير الغاز الطبيعي، والتي قال إنها كانت أبرز مثال للانحراف وهو ما بدأت الحكومة بعد ثورة يناير إعادة النظر فيه وقد تكشف وجود فساد وعمولات مازالت محل تحقيقات. ولا تتوقف التعاقدات بأسعار بخسة على صفقة الغاز الذي يتم تصديره إلى إسرائيل والأردن وأسبانيا، بل تمتد لبعض الشركات والعملاء الأجانب في مصر، ونتيجة لذلك ومع حدوث أزمات بالسوق المصري تضطر الحكومة مع كل أزمة إلى الاستيراد وبالأدق الشراء من حصة الشركة الأجنبية أو العميل الأجنبي المتعاقد عليها مع مصر، وبالطبع يقوم الأجنبي بالبيع بأسعار بالسوق العالمية الحقيقية. وعندئذ تقوم الحكومة بدفع الفارق بين سعر المنتج البترولي بالسوق المحلى والسعر العالمي الذي يبيعه به العميل الأجنبي للحكومة ويحقق في ضوء ذلك أرباحا طائلة نتيجة التعاقدات الرخيصة والسعر البخس والإهمال والتواطؤ. أما عن شركة خالدة للبترول، فهي إحدى شركات قطاع البترول والتي تمتلك فيها الهيئة المصرية للبترول 51% وشركة أباتشي الأمريكي 49% وقد بدأت إنتاجها في منتصف الثمانينيات من مواقع الإنتاج بالصحراء الغربيةجنوب مدينة مطروح. وزادت أنشطة البحث والاستكشاف والمشروعات والإنتاج لهذه الشركة خلال السنوات السابقة حتى زادت معدلات الإنتاج والاستثمارات والمشروعات المختلفة، مما يجعلها واحدة من أعمدة قطاع البترول المصري حيث يصل إنتاجها الإجمالي من الزيت الخام والمتكثفات والغاز الطبيعي إلى 140 ألف برميل يوميا. وبذلك فهي ثاني أكبر منتج للبترول في مصر وتمتلك أكبر ميزانية للمشروعات في قطاع البترول بأكمله ويوجد بها أكبر عدد من أجهزة الحفر وهى من دعائم الاقتصاد القومي لمصر. وبالرغم من النجاح الذي تحقق على مدار السنوات السابقة لكن عناصر الفساد تأبى الحفاظ على ما تحقق من دعم للاقتصاد المصري في هذا القطاع الحيوي من قطاعات الدولة، ونظرا لضخامة حجم الاستثمارات في هذه الشركة مع عدم وجود الرقابة المطلوبة سواء الأجهزة الرقابية بالدولة وغياب تام للمحاسبة لقيادات الشركة. فقد شهدت الشركة إهدار ملايين الدولارات ما حرم مصر من عائد اقتصادي ه في أمس الحاجة إليه نتيجة مخالفات منها على سبيل المثال لا الحصر ما يلي: • أولا مخالفات مالية بقطاعات المهمات والمشروعات بالشركة، حيث أن مخازنها بالصحراء الغربية ثبت من خلال وثائق رسمية ومخاطبات خاصة بالشركة، أن هناك فائض مهمات مشروعات بقيمة تزيد عن 11 مليون دولار أمريكي في مشروع واحد من عدة مشاريع تم تنفيذها و أخرى يجرى تنفيذها. وهذا واضح بالمستندات حيث تم إرسال خطاب للهيئة المصرية للبترول يؤكد ذلك المضمون وقائمة مفصلة بالكميات والأسعار كما توضح لجنة الجرد وتحتوى على العديد من الأصناف من مواسير بأقطار مختلفة وكابلات مقاسات متعددة ومكونات أخرى مصنوعة من خامات عالية الجودة مثل الصلب الكربوني والدوبلكس (الاستانلس استيل) والتي تتكلف ملايين الدولارات لاستيرادها من الخارج. وهذا الفائض الضخم ناتج عن الإهدار والإهمال في الدراسات الهندسية والتوصيف من خلال الشركات التي تم تكليفها بعمل الدراسات الهندسية و الفنية، وسوء تقدير الكميات المطلوبة من الأصناف المذكورة لتنفيذ المشروعات المختلفة، مما أدى إلى إنفاق ملايين الدولارات في استيراد المهمات التي تم طلبها بطريق الخطأ. وحسب معلومات من المتخصصين فإن هذه المهمات ليس لها استخدام في المشروعات الأخرى، لأنها ذات مواصفات فنية خاصة بتطبيقات معينة، بمعنى أنها مطلوبة لتنفيذ مشروع بعينه وهو مشروع تسهيلات إنتاج الغاز بمنطقة (القصر) وهذه المنطقة من ضمن مناطق عمل شركة خالدة بالصحراء الغربية. ويقوم الشريك الأجنبي بدفع قيمة استيراد هذه المهمات مباشرة من حسابه الخاص، ثم يستردها من خلال اتفاقيات الاسترداد في صورة زيت خام وغاز، ونظرا لأن إنتاج مصر من الزيت الخام لا يكفي الاستهلاك المحلي فيتم شراء جزء من حصة الشريك الأجنبي بالأسعار العالمية، ونظرا لأنه يوجد عجز في موازنة الدولة فتتحول المبالغ إلى ديون على هيئة البترول، الأمر الذي يتيح للشريك الأجنبي استخدامه كوسيلة ضغط لإملاء شروطه على اتفاقيات التنقيب والاستكشاف. وأحد أسباب هذه الأزمة هو استيراد كميات كبيرة من السولار والبنزين، وما سبق الإشارة إليه يساعد بشكل كبير على زيادة نقص العجز في الموازنة العامة للبلاد، لأن هذا الغهمال يؤدى إلى اتساع الفجوة في العجز، علما بأن مشكلة الإفراط في طلب المهمات بكميات زائدة تتكرر في معظم المشروعات التي تنفذها إدارة المشروعات. ويرجع ذلك إلى الإهمال الجسيم وبالرغم من أن هناك مهندسين من الشركة يديرون أو يشرفون على إدارة المشروعات مع الشركات المختصة بالدراسات الفنية والشركات المختصة بالتنفيذ، وبالرغم من المبالغ الطائلة التي يتم إنفاقها على مأموريات العمل المتعددة بالخارج لمدير المشروع ومعاونيه للمتابعة والإشراف والتدريب وخلافه إلا أن هذه الأموال تذهب في مهب الريح. وللعم فإن المشروع استمر في التنفيذ والتوسعات حوالي ستة سنوات، وهذه المدة خارج النطاق الزمني المحدد لإنهاء المشروع، مما يزيد من الأعباء الإضافية على ميزانية المشروع، وقد رشح مدير المشروع أسماء مهندسين واستشاريين تحت مسمى متابعي أعمال الإنشاءات والتنفيذ للمشروع الذي يتولى إدارته، وهؤلاء من خارج الشركة تحت مسمى استشاري، مع أن في حقيقة الأمر خبراتهم في منتهى التواضع وكان يوجد من بينهم مؤهلات متوسطة تحت نفس المسمى دون علم أحد، لأن المدير القائم على تنفيذ المشروع هو الذي يسيطر على طلبات العمالة اللازمة دون مساءلة من أحد، وكان يقوم عن طريق هؤلاء الأشخاص استلام المهمات غير المطابقة للمواصفات ويقوم بالتصديق على الفواتير اللازمة للمقاولين الذين يتعاملون معه مباشرة دون الرجوع إلى لجنة المشتريات ويتقاضى كل من الاستشاريين المنتدبين من القطاع الخاص مبالغ طائلة شهريا دون رقيب أو محاسب، ومنهم من لا يزال يعمل بالشركة دون رقابة. وإذا افترض أن الشركة تطلب نسبة زيادة على سبيل الاحتياط عند استيراد المهمات، فهل يعقل أن تكون بهذا المبلغ (حسب تقييم لجنة الجرد المشكلة من عدة أعضاء من قطاع البترول أكثر من أحد عشر مليون دولار)، علما أن هذا المبلغ يتم حسابها على أنها مهمات درجة ثانية أي أن قيمة التسعير المذكورة هنا لا تمثل قيمتها الفعلية عند استيرادها ولكنها تخسر الكثير من قيمتها، حيث أن تسعير لجنة الجرد يفترض أنها مهمات شبه مستعملة، علما بأنها لم يتم استخدامها ولكن نظرا لتخزينها في العراء في أجواء الصحراء فإنها تفقد الكثير من قيمتها، لأنها لن تحتفظ بنفس الخواص التي كانت عليها عند شرائها منذ ما يزيد على ست سنوات. فضلا عن تكلفة شحنها من دول المنشأ و خصوصا أن كميات كبيرة من الشحنات تأتي عن طريق الجو مما يتكلف مبالغ باهظة، اعتمادا على أن هذه المهمات لابد من استيرادها بشكل عاجل بناء على التوصيات الفنية غير المسئولة من مدير المشروع ومعاونيه والذين يحددون مدى احتياج المشروع إليها. وبعد وصول المهمات المطلوبة "بشكل عاجل" ربما تظل لفترات قد تمتد لشهور وسنوات دون استخدام وربما يكتشف أنها مرفوضة فنيا عند فحصها ولا يتم ردها للمورد ولا يتم محاسبة المسئولين عنها، وأحيانا تظل في العراء لسنوات طويلة كما هو الحال في فائض مهمات مشروع (القصر) وتكون النتيجة أن تضاف إلى أرصدة فائض المهمات الضخمة مما يتطلب توفير مساحات تخزين شاسعة. وهذه المساحات التخزينية تتكلف ملايين الدولارات وقد تتعرض للسرقة وحدث هذا بالفعل في مخازن شركة خالة للبترول بمنطقة (سلام) بالصحراء الغربية و يكون مصير هذه المهمات الفائضة بأنواعها السرقة أو التخريد بعد أن تؤول ملكية رصيد فائض المهمات إلى الهيئة المصرية للبترول. وقد يستخدم جزء منها في أعمال أخرى لنفس الشركة (خالدة) أو بيعه لشركات أخرى وهذا نادرا ما يحدث ويكون التخريد عن طريق هيئة البترول هو المصير المرجح لهذه الأرصدة الضخمة في حجمها وفي قيمتها المالية ومع مرور الوقت قد تطرح في مزاد علني على أنها خردة. ولا تنحصر هذه المخالفات فقط في مشروع (القصر)، لكن هناك مشروعات أخرى بشركة "خالدة" وغيرها تحتاج للتحري وتحديد المسئولين عن المخالفات بها ومحاسبتهم وتشجيع الشرفاء لتحمل مسئوليتهم في الحفاظ على مقدرات و موارد مصر التي هي حق لأبناء مصر حرائق ومخالفات. جانب آخر من إهدار المال العام نتيجة الإهمال بكشف عنه ما حدث في العام الماضي من حريق في غرفة التحكم بمنطقة حقل طارق للغاز، علما بأن المهندسين أفادوا بأن هناك نظام إنذار ومكافحة الحرائق لكنه لا يعمل، حيث إن إدارة المشروعات قامت بتنفيذه من خلال شركة خاصة منذ عدة سنوات وتم تسديد جميع المستحقات المالية لهذه الشركة إلا أنه لم يتم اختبار النظام وتسليمه للدخول في الخدمة، مما تسبب في حدوث حريق قضى على الغرفة وكاد أن يتسبب في كارثة حقيقية. وتم التكتم على الموضوع دون أن يفتح فيه تحقيق داخلي، وما حدث أنه تم تكليف شركة ABB وهي مقاول مسجل بالشركة لعملية إعادة تأهيل المبنى بعد الحريق وتم إسناد عمليات استبدال أجهزة التحكم إلى شركة "تارجت" للأعمال الهندسية بالأمر المباشر، بناء على العرض المقدم من طرفها بقيمة 247 ألف جنيه مصري دون الرجوع إلى لجنة فنية لمراجعة العرض وتقييمه. واشتمل العرض على توريد هذه الأجهزة بما يخالف شروط التعاقد وبعد التنفيذ طالبت شركة "تارجت" بمبلغ يزيد عن العرض، حيث بلغت قيمة المطالبة بأكثر من 255 ألف جنيه مصري مقابل الدراسة الفنية والتنفيذ فقط، وهذا لا يشمل سعر الأجهزة التي تم توريدها، بالمخالفة للعرض الذي كان يشمل عملية التصميم والتوريد والتركيب. لكن قيمة الاستحقاقات الفعلية لهذه الشركة تعدت هذه القيمة بكثير كما ذكر سابقا بخلاف أسعار الأجهزة التي لم يعرف قيمتها، ومن الواضح أنه قد تم صرفها لشركة "تارجت" في صورة بنود أخرى (عمالة) حتى لا يكتشف أمرها. مع العلم أن شركة "تارجت" للأعمال الهندسية هي التي قامت بأعمال الإنشاءات في مجال الكهرباء والتحكم الآلي لمشروع القصر، حيث قامت بشراء المهمات وتركيبها. وكلفت بالإشراف على التركيب أيضا كي يسمح لها بصرف مبالغ إضافية نظير الإشراف على التركيب، الأمر الذي يثير الدهشة. أيضا هناك مشروع تحت الإنشاء بالصحراء الغربية وهو مشروع تسهيلات الإنتاج بمنطقة حقل كلابشة بالصحراء الغربية والذي يوجد به أيضا الكثير من المخالفات التي تحتاج إلى المراجعة والتحقيق لإثباتها. وتتضمن شراء مهمات دون الحاجة وإهدار أموال عامة دون رقابة ولكن بها بعض التفاصيل الفنية التي تحتاج مناقشة المهندسين والفنيين المختصين كما أن الأمور تسير بشيء من السرية والتكتم في هذا المشروع. وما سبق هو جزء بسيط من مخالفات أخرى مالية وإدارية بإدارات أخرى تستدعي التحقيق مع مديري العموم والمساعدين وجميع العاملين ممن شاركوا في هذه المخالفات، وهناك الكثير من المراجعين الماليين والأخصائيين بالعقود والإدارة المالية والمحاسبين بإدارة المشروعات ممن لديهم الكثير لإظهاره لكنهم يخشون من بطش الرؤساء.