مازالت مصر الحبيبة تعج بصراخ العلمانيين ومهاتراتهم ، حتى وجدنا من يسعى لجمع 15 مليون توقيعا ليكون الدستور أولا وإسقاط نتائج الاستفتاء،بآلية لا تختلف عن آلية وزراء الداخلية السابقين. بل من العجب العجاب أنهم يستخدمون -كما صرحوا- المساجد والكنائس لتسويق بضاعتهم البائرة ، وهم الذين اتهموا - من قبل- الإسلامين ظلما وافتراء وعدوانا باستخدام المساجد للتصويت في الاستفتاء ، وخرصت ألسنتهم عما كان يدور في الكنائس. بل الموضة التي تزيدك تعجبا هى موضة المسؤولين الذي يبدي كل منهم رأيا يخالف رأي الأغلبية التي أولى أن يحترم رأيها في دواليب الحكم مدعيا كل منهم أن هذا رأيا شخصيا له ، وهذه الموضة نشأت على يد كبيرهم يحيى الجمل وانتقلت منه إلى عصام شرف بفعل انتهازية محمود سعد ولا حول ولا قوة إلا بالله. كما وجدنا من يدعو لجمعة المصير ليلحس استفتاء شعبي حر ونزيه .. وما هي إلا أسماء سموها لا ترتبط بالواقع ولا بأسس النظام الديمقراطي سبيلا. فأي مصير لمصر يريدون؟ ..إنهم يرفعون شعار الدستور أولا والإعلان الدستوري قائما ، وخارطة طريق تسليم الحكم للمدنيين واضحة المعالم مرسومة الحدود .. كما أنهم يرفعون شعار الدولة المدنية ولكنهم يزيفون هدفهم الخبيث وهو سعيهم لدولة علمانية تحتقر الدين كما فعلت الرأسمالية الغربية أو تهدمه كما فعلت الشيوعية الشرقية. وإذا كانت الدولة العلمانية جاءت كرد فعل لانحرافات الكنيسة في أوربا التي حكمت بالحق الإلهي وكرست الدولة الدينية فإن هذا الوضع لا وجود له في الإسلام ، فالإسلام لا يعرف الدولة الدينية وليس به ما يسمى رجل دين ، وينكر الوساطة بين الإنسان وربه ، كما أنه وضع القواعد العامة للحكم من شوري وعدل وترك للعباد المرونة والسعة في اختيار النظام السياسي الذي يحقق تلك القواعد العامة وفق الزمان والمكان والمصالح المتجددة، وقد صدق الإمام الشهيد حسن البنا حينما قال : "إن الباحث حين ينظر إلى مبادئ الحكم الدستوري التي تتلخص في المحافظة على الحرية الشخصية بكل أنواعها، وعلى الشورى واستمداد السلطة من الأمة، وعلى مسؤولية الحكام أمام الشعب، ومحاسبتهم على ما يعملون من أعمال، وبيان كل سلطة من السلطات. هذه الأصول كلها يتجلى للباحث أنها تنطبق كل الانطباق على تعاليم الإسلام ونظمه وقواعده في شكل الحكم". إن الإسلام ينظر للحاكم على أنه أجير عند الأمة ، ومن ثم لا يوجد لديه السلطة المطلقة أو الحكم بالحق الإلهى ، فهو يستمد شرعيته من شعبه الذي له حق حسابه وعزله : وقد كان أبو بكر الصديق –رضى الله عنه- واضحا حينما قال : "إن أحسنت فأعينوني وإن أسأت فقوموني" ، كما سار على نفس النهج عمر بن الخطاب –رضى الله عنه- الذي قال : "أطيعوني ما أطعت الله ورسوله فيكم فإن وجدتم فيّ اعوجاجا فقوموني، فقام رجل فقال: والله يا عمر لو وجدنا فيك اعوجاجا لقومناك بسيوفنا، فقال رضي الله عنه: الحمد لله الذي أوجد في أمة محمد من يقوم اعوجاج عمر بحد السيف، والحمد لله أن في الأمة ثباتاً". إن الحضارة الإسلامية تفخر بأنها تولدت فيها الدولة المدنية الحقيقية -لا المزيفة التي يتستر خلف شعارها العلمانيون الجدد- تلك الدولة التي تستمد مدنيتها من دستور الإسلام الخالد ، وبين أسسها بصورة واضحة جلية الصحابي الجليل ربعي ابن عامر-رضى الله عنه- حينما سأله رستم قائد الفرس : ما الذي جاء بكم إلى هنا؟ فقال رضى الله عنه : لقد ابتعثنا الله لنخرج من شاء من عبادة العباد إلى عبادة رب العباد، ومن ضيق الدنيا إلي سعة الدنيا والآخرة، ومن جور الأديان إلى عدالة الإسلام"".وتلك المبادئ بحق هى التي سعى إليها ثوار مصر الحقيقيين -لا النفعيين- من حرية وكرامة وتنمية وعدالة. والدولة المدنية في ظل الحضارة الإسلامية هى التي انصفت بالعدالة وسيادة القانون مسيحي على مسلم بعد أن كان الأقباط في مصر يذوقون ويل العذاب من الرومان إخوانهم في الدين، فأمير المؤمنين عمر بن الخطاب هو أول من انتصر لقبطي ليس على شخص عادي بل على حاكم مصر وصحابي رسول الله –صلى الله عليه وسلم- عمرو ابن العاص ، فإذا كان القبطي قطع المسافات الطوال ليشكو من ضرب ابن عمرو لابنه فإن أمير المؤمنين أصر أن يأتي عمرو وابنه للمدينة المنورة ايفاء للحقوق وتحقيقا للعدالة قائلا للقبطي : اضرب ابن الأكرمين مقررا قاعدة قررها الإسلام قبل أن تعرفها أوربا بقرون بقوله : "متى استعبدتم الناس وقد ولدتهم أمهاتهم أحرار". فأي مدنية تفوق هذه المدنية؟! . وإذا كان الليبراليون يدعون الحرية ، فإن الحرية من أسس الإسلام ومنهجه ولكنها حرية منضبطة بضوابط الشريعة التي تحترم حقوق الآخرين وتحمى المجتمع من المفاسد ، وتحترم العقل باعتباره مصدر من مصادر المعرفة -وليس مصدرا وحيد لها كما يدعي العلمانيون-، فالله تعالي الذي خلق العقل أنزل إليه الوحي لإرشاده. وإذا كان الاشتركيون يرفعون شعار العدالة الاجتماعية فأي عدالة اجتماعية بعد الإسلام الذي يوجب على الحاكم المسلم المسئولية العامة في توفير حد الكفاية لا الكفاف لرعيته ، ويأبي للمسلم أن يبيت شبعان وجاره جنبه جائع وهو يعلم. ويكفي أن عمر بن الخطاب –رضى الله عنه- وضع قاعدة اقتصادية قوامها "الرجل وحاجته" وكان أو من فرض عطاء من بيت المال لكل طفل يولد. إن الإعلام العلماني المشبوه والمال الطائفي الملوث لن ينال من الإسلام وأهله ، فبصيرتهم مطموسة، ومكايدهم مكشوفة، وألاعبيهم مفضوحة ، وأجندتهم مصادرها معلومة ، ووجوهم الخبيثة الكالحة معروفة.. فأي دستور لمصر المسلمة يريدون في ظل دعوة بعضهم لمباركة زواج المسلمة بغير المسلم، ودعوة البعض الآخر لإباحة الشذوذ الجنسي وفتح بيوت للدعارة على مصراعيها، واعتبار الحجاب فرز طائفي دون حمرة للخجل أو الحياء. وفي الوقت نفسه كلما سمعوا كلمة إسلام أو إسلاميين ارتعدت فرائصهم واسودت وجوهم ونفثت سموم غلهم وحقدهم. تعست الحرية التي لا تقف عند هوية المجتمع وحقوقه ، وتعست المدنية إذا كانت ترسخ للشذوذ وإهمال تعاليم الدين وحجب العقل عن الوحي، وتعست الديقراطية إذا أريد الالتفاف بنتائجها من أقلية لفرض الوصاية على الأغلبية!. www.drdawaba.com