فليهنأ الشهداء الأبرار الذين ارتقت أرواحهم إلى السماوات العلا طوال أكثر من 50 يوما من العدوان المجنون على غزة الصامدة . وليمن الله على الجرحى بالشفاء العاجل. وليعد المشردون والمهجرون إلى بيوتهم ، وليعودوا من مخيماتهم إلى قراهم ومدنهم في غزة والضفة، وليرجعوا من الشتات إلى وطنهم الأكبر والأوسع والتاريخي فلسطين التي لامكان فيه لهؤلاء الصهاينة النازيين مهما بنوا من قلاع وحصون وأسوار وأسيجة، ومهما أنتجوا من أسلحة للفتك والقتل والدمار الشامل، مصيرهم إلى زوال وعودة للشتات الذي قدموا منه. لا عداء مع اليهود المسالمين الذين لا يعتدون ولا يقاتلون ولا يقتلون ولا يستوطنون، العداء مع الصهيونية العنصرية الاستيطانية، اليهود المسالمون يقيمون طوال تاريخهم في أحضان الدولة الإسلامية وفي البلدان والولايات والأمصار، وأقاموا في الدولة الوطنية العربية والإسلامية بعد التحرر وكان لهم الحقوق وعليهم الواجبات، لكن الخلاف والشقاق والنزاع مع من احتل واغتصب الأرض والشرف ومارس كل صنوف الإجرام الوحشي. الشعب الفلسطيني صاحب الأرض والبيت لم يعتد عليهم يوما، ولم يكن موزعا مفرقا بين بلدان وأمم العالم ثم جاء ليقول زورا وبهتانا هذه أرضي والرب منحها لي وسأحولها إلى دولة دينية عنصرية، الصهاينة هم الذين فعلوا ذلك، وهم الذين يخلقون صراعات وحروبا دينية. تحية للمقاومة التي واجهت أعتى قوة نازية في القرن الواحد والعشرين، وأجبرتها على الرضوخ ووقف العدوان. المقاومة الوطنية الشريفة بغض النظر عن أيدلوجيتها إسلامية ، يسارية ، قومية ، يمينية، هي شرف هذه الأمة في مواجهة الصهاينة، والمتصهينين العرب، والمقاومة في فلسطين هي خليط من كل تلك التيارات والتوجهات والأيدولوجيات والعقائد السياسية، وهذا ما يجعلها صامدة وموحدة ويصعب اختراقها أو تفتيتيها. لقد انتصر الدم على السيف في غزة. هي حكمة بالغة، فمن يفهم ويتعلم ويتعظ ممن يسفكون الدماء في غزة والضفة، وممن يفعلون ذلك في بلدانهم عربية وإسلامية وفي كل بلد يسود فيه الظلم ويختل ميزان العدل وترتفع كفة التجبر والتكبر والاستبداد والطغيان. لا انتصار للقوة على الدم أبدا. صاحب الحق مهما كان ضعيفا فإنه بتمسكه بحقه يمثل أزمة لمغتصب الحق حتى لو كان يمتلك قوة خرافية ولدينا الشعب الفلسطيني الأعزل ومقاومته التي لا تُقارن بأي حال من الأحوال بما لدى الكيان الصهيوني من ترسانة عسكرية وبما يحصل عليه من مخازن الغرب المفتوحة له، ومع ذلك لا يستطيع هذا الكيان إسكات صوت الحق والشرعية ويقلق من مجرد هتاف صبي في الضفة فيفتح عليه النار أو يكسر عظام يديه حتى لا يقوى على إطلاق حجر في مواجهة الدبابة كما أنه يتعنت في الالتزام باستحقاقات السلام التي وقع عليها ولم يمنح الفلسطينيين شيئا من حقوقهم المشروعة، ويخشى قيام دولة فلسطينية مستقلة منزوعة السلاح بلا صلاحيات ولها سيادة شكلية ، هو كيان سيظل مذعورا ومفزوعا على الدوام ولا قيمة لكثافة نيرانه. ستبقى إسرائيل تعيش في رعب من هؤلاء الفلسطينيين الذين نذروا دماءهم لتحرير وطنهم مقدمين أغلى التضحيات وسط صمت وتخاذل وتواطؤ مشين إلا استثناءات محدودة. رغم تلك الآلة العسكرية الجبارة، والقصف الجوي والبري والبحري الهستيري فشل الصهاينة في تركيع المقاومة وفشلهم الأكبر في جعل شعب غزة يثور على مقاومته، بل إن الغزيين ازدادوا التفافا حولها وتوحدا معها في صدها للعدوان ، ولم أرصد موقفا لمواطن أو مواطنة غزية تتململ من المقاومة ومن الدماء الذي تسيل من أقاربها أو أهلها أو من بيتها شخصيا، المرأة هناك بألوف من غيرهن، والرجل والشاب من طينة بشرية خاصة، والطفل يولد وهو يحلم بالنضال من أجل تحرير وطنه. المقاومة لا تريد إزهاق الأرواح ولا تدمير البيوت ولا تشريد شعبها لكن ما هو العمل أمام عدو محتل مغتصب لا يحتاج أسبابا ليعتدي في أي وقت وهو كان يجهز لهذا العدوان مبكرا للقضاء على قوة المقاومة المتنامية وسلاحها النوعي الجديد، ذلك الكيان يريد الفلسطينيين أمامه عرايا حتى من دون حجر، ويريد العرب بلا جيوش حتى وإن لم تحاربه. المقاومة انتصرت سياسيا ومعنويا، وانتصارها الأهم في كسر أسطورة الردع الإسرائيلية، وأسطورة القوة التي يستحيل قهرها، وأسطورة الدولة العسكرية العظمى التي تستأسد على بضعة ألوف من المقاتلين ببنادق وصواريخ محلية تم تصنيعها بقدرات ذاتية محدودة، هذا هو الحاسم في الأمر، المقاومة هزمت أوهام حماية إسرائيل لنفسها ولمواطنيها بالقبة الحديدية ، وكسرت سياج الحماية الداخلية فهي لا تحارب إلا خارج حدودها دوما ولا تطال مواطنيها النيران لكن هذه المرة وصلت الصواريخ إلى كل مدنها وعلى رأسها محميتها تل أبيب. انتهى نتنياهو ومستقبله السياسي ومع ذلك فإن إسرائيل تتجه أكثر نحو التطرف، لكن بات عليها أن تدقق في حساباتها قبل أي مغامرة جديدة، وهذا يتطلب التوحد الفلسطيني الكامل والقوي شعبا ومنظمات وفصائل سياسية ومقاومة وسلطة في رام الله وأخرى في غزة ليعود الصف موحدا كالبنيان المرصوص لخوض حرب السياسية وفضح هذا الكيان الدموي عالميا وإثبات أنه ضد السلام والتعايش لجعله يقر بكامل الحقوق ويلتزم بالسلام العادل والرأس الفلسطينية مرفوعة. لو فعل الفلسطينيون ذلك فإنهم سيقطعون الطريق كذلك على المتصهينين العرب أنظمة ونخبا وإعلاما ولن يجد هؤلاء منفذا لهم للعبث والتواطؤ والبيع. الدم هو المنتصر دوما سياسيا وأخلاقيا وأدبيا وقيميا وإنسانيا ودينيا. عنوان البريد الإلكتروني هذا محمي من روبوتات السبام. يجب عليك تفعيل الجافاسكربت لرؤيته.