لم أكن أدرك عمق المأساة، وأنا أحذر من أن مصر دخلت في مجال زلزال دستوري يتحكم الرئيس وحده في شدته، وفي درجته على مقياس ريختر للتعديلات الدستورية المكتومة، قلت إن الرئيس ينفرد بتعديل الدستور وثالثهما شيطان التوريث، ولم أكن أعرف أن ما قلته ليس مجرد رأي، بل هو في الحقيقة الخبر العيان الذي قدمت الزميلة الصحفية اللامعة سوسن الجيار الدليل الدامغ على صدقه في مجلة روزاليوسف في عددها الأخير. كنت توصلت من خلال الشواهد والمشاهد التي تترى أمام أعيننا إلى أن أحدا لا يشارك الرئيس الرأي في تعديل الدستور الذي ظلت القوى السياسية والأحزاب والنخب الثقافية تطالب به منذ أكثر من عقد من الزمان، فإذا بالتعديل المطلوب يدخل المطبخ الرئاسي ليجري إعداده على المقاس المطلوب عائليا من الأسرة الحاكمة. وإذا جاز في لحظة من الزمن أن يتدخل الرئيس في إجراء تعديل على مادة وطرحه على الاستفتاء الشعبي، فلا يجوز ولا هو طبيعي أن يختص الرئيس بإجراء تعديلات على الدستور في غياب كامل لكل القوى المطالبة بالتعديلات، وبانفراد يكاد يلحق بالتعديل عوارا لا يمكن أن يفلت منه! ومع ما هو معروف ومشهور عن الاستفتاءات التي يجريها الرئيس فلن يكون دستوريا أن ننام ونصحو على تعديلات أدخلت على الدستور بمعرفة الرئيس، وباستفتاء أجراه له وزير داخليته، وبالنسب المحددة سلفا، وقد ذكر لي السيد شعراوي جمعه وزير الداخلية الأسبق أن الرئيس الراحل أنور السادات قال له في ليلة إجراء الاستفتاء على رئاسته للجمهورية عقب وفاة عبد الناصر أنه يكفيه 95 في المائة قائلا: ليس من الضروري أن أحصل على النسبة نفسها التي كان يحصل عليها المعلم ( يقصد عبد الناصر)! وقد كشف التحقيق المميز للزميلة سوسن في روزاليوسف أن الرئيس لا ينفرد بالتعديلات مع حزبه كما قد يتصور السذج الذين ما زالوا يعولون على إصلاح سياسي يخرج من الرئيس وحزبه، ولكن نكتشف من هذا التحقيق أن الرئيس ينفرد بالتعديل بعيدا عن حزبه الذي لم يبد أي اهتمام بالورقة المسماة استطلاع رأي النواب حول التعديلات، فالنواب من الحزب الوطني تركوا المهمة كلها للرئيس المستطلع رأيهم ولسان حالهم يقول: (هو أحنا ها نعرف اكتر منك يا ريس)! وهكذا استفرد الرئيس بالدستور يفعل به ما يشاء، والآن فقط أستطيع أن أقول ما جال في خاطري من قبل حول المدى منقطع النظير من الغباء الذي يجري التعامل به مع ملفات مثل الوعد الرئاسي بإلغاء الحبس في قضايا النشر ومع ملف له حساسية ملف القضاة والقضاء، وهو الخاطر الذي يقول أن ما يفعلونه لم يكن مجرد غباء مستحكم ركب الحكومة وتحكم في أهل الحكم بقدر ما كان تخطيطا مدبرا لكي نصل إلى موعد التعديلات وقد انشغل كل فريق بقضية تراكمت مفاعيلها وانتفخت ملفاتها بالكثير من الجراحات والاستنزافات التي تجعل تمرير التعديلات التي تطبخ على نار هادئة منذ فترة طويلة بدون مقاومة فعالة! ما يحدث في موضوع التعديلات الدستورية هو نوع من خطف المطلب الشعبي وإدخاله عنصرا من عناصر تجهيز المسرح لسيناريو ما بعد مبارك! تماما كما جرى خطف المطلب الشعبي بإلغاء حالة الطوارئ لتكريس استمرارها تحت عنوان آخر اسمه قانون الإرهاب، وطريق خطف المطالب الشعبية الذي أدمنته العائلة الحاكمة ليس له إلا اتجاه واحد هو:خطف مصر! Mohammadhammad!maktoob.com