فوز أردوغان المتوقع برئاسة تركيا من الجولة الأولى جعلني أزداد تفكيرا في أمور جالت بخاطري كثيرا عن تركيا و شعوب غيرها نهضت من كبوتها و استعادت عافيتها. فالشعب التركي و قد عاشرت بعضه خلال فترة عملي إذا قورن بنا نحن المصريون من حيث التدين و أقصد به العبادات الظاهرة فلا مقارنة فالمصريون المسلمون الذين عاملتهم لا تجد فيهم أحدا تاركا للصلاة بالمطلق و لا تجد فيهم من يفطر في رمضان فضلا عن أن يجاهر بذلك و لا تجد فيهم أحدا صاحب كبائر و لو كان فيتخفى بها ، أما الأتراك فأغلب من عرفت منهم لا يصلون و لا يصومون فضلا عن غير ذلك مما لا يعلمه إلا الله ، و مع ذلك فما الذي يجعل ذلك الشعب الذي أكثره بهذا الوصف يسارع في انتخاب رجل يقال عنه اسلامي و يجهر بعباداته و حجاب زوجته و يقف موقفا يحمد له في كثير من قضايا الاسلام و المسلمين و لا أدل على ذلك من موقفه الأخير من غزة و غيرها. أجد أمرا يجمع بين هؤلاء القادة الكبار على اختلاف معتقداتهم أمثال أردوغان في تركيا و مهاتير محمد في ماليزيا ، بل و "لي كوان يو" في سنغافورة و لولا دا سيلفافي البرازيل و غيرهم ، إنه حب وطنهم بصدق و إخلاصهم و التفاني في العمل له. لم أر في حياتي شعبا يتشدق بحب بلده و يتغنى بها و يهيم في عشقها كالمصريين ، و ما أراه إلا حبا أجوفا لا يصاحبه عمل و لا يترتب عليه إنجاز. لنرى بعض أقوال هؤلاءو بعضهم قد لا يؤمن بالديمقراطية و لا يراها سبيلا لنهضة بلده غير أنهم ساسوا شعوبهم بالعدل و الكرامة الانسانية و النظام ، تلك المعاني السامية التي يأمر بها ديننا و يحضنا عليها و لا تعرف شعوبنا إليها سبيلا. يقول "لي كوان يو" : لا اعتقد أن طريق الديموقراطية تؤدي إلى التنمية، بل أرى أن البلد يحتاج إلى النظام أكثر من حاجته إلى الديموقراطية ، و يقول عن تأثير العلم في اقتصاد الدول: التعليم هو أحد الدعائم الرئيسية لاقتصاد أي دولة. و يقول مارون بدران بجريدة القبس الكويتية: إن الأسس التى اعتمدت عليها سنغافورة – في عهد لي كوان يو - في تحقيق معجزتها اعتمدت أصلا على بناء الانسان وقبله الاعتماد على القيم الحضارية والتاريخ والتقاليد ومن ثم الانطلاق الى الاخذ بمقومات بناء دولة حديثة لا تعرف حدودا للتطور. كتب لي كوان يو مذكراته بعنوان "قصة سنغافورة" في جزئين ذكر في الجزء الثاني تحت اسم "من العالم الثالث إلى الأول" تجربتة في الحكم وأسلوب عمله لتحويل سنغافورة من بلد فقير الى دولة متقدمة. و هذا الرئيس البرازيلى "لولا دا سيلفا" الذي قاد البرازيل الى آفاق بعيدةوسدد كل ديونها وجعل منها دولة تنافس دولا كبرى يبكي عند مغادرته قصر الرئاسة بعد انتهاء فترة ولايتة الثانية والاخيرةيبكي لأنّ الشعب كله خرج يطلب منه أن يبقى فى الحكم ويعدل الدستور لكنه رفض وقال جملته الشهيرة"أنا أغادر الرئاسة لكن لا تعتقدوا أنكم ستتخلصون مني ، لأنني سأكون في شوارع هذا البلد للمساعدة في حل مشكلات البرازيل. و من أقوال مهاتير محمد : لقد شيدت لشعبي منظومة تعليمية عملاقة لا تتأثر بنوائب الدهر وبتقلبات الزمن ، و أنا أجني ثمارها اليوم ..علّمت شعبي معنى الإسلام و التسامح و نبذ العصبية و حب العمل و الإتقان و عشق الوطن ... فلما كانت الكارثة الإقتصادية تسقط النمور الأسيوية واحدا تلو الآخر كان نساء ماليزيا يمشون بل يهرولون الى بنوك ماليزيا واضعين ذهبهم و مصوغاتهم فيها لانقاذ البلاد ،إنه حب الوطن الذي تعلموه في مدارس ماليزيا و يقول عن سر نهضتهم "السر يكمن في أننا حافظنا على التمسك بالقرآن الكريم، وحديث الرسول – صلى الله علية وسلم – وعملنا بما فيهما من توجهات إسلامية، والإسلام علمنا المحافظة على تماسك الأسرة خاصة المرأة، والاهتمام بها، ومنع من يعتدي عليها بإقامة الحد الشرعي الإسلامي، فبقيت تحتفظ بمكانتها وكرامتها على مدى هذه النهضة والتقدم، كذلك تقدمنا اقتصادياً مع احتفاظنا الكامل بالأسس الإسلامية، وعلى الدول الإسلامية التقدم، ولكن يجب المحافظة على الثوابت الإسلامية". و عن كيفية توحيد قومه المختلفة دياناتهم بين أكثرية مسلمة و أقليات بوذية و مسيحية و غيرهما لتحقيق تلك النهضة المبهرة يقول " من خلال تطبيق سورة "الكافرون" من القرآن الكريم: "لكم دينكم ولي دين".. فلا نمارس الضغط على أحد أيا كان، بوذياً أو مسيحياً أو غيرهما، نحفظ خصوصيتهم، ولا نجبرهم على دين الإسلام، فكل له خصوصيته في الدين بما يحفظ له كرامته. و يقول رجب طيب أردوغان " لا اتذكر انني نمت ليلة واحدة وعلى مكتبي ورقة تحتاج توقيع لانني أدرك أن التوقيع لا يستغرق مني سوى ثانية وقد يعطل مصالح الناس ان تاخر لعدة ايام". و عندما سئل كيف حولتميزانيةتركيا من عجز الى فائض قال ببساطة لا أسرق. إنهم يا سادة قادة أخلصوا لأوطانهم أحبوا شعوبهم و كانت لهم رؤية وطنية صادقة عملوا و أخلصوا من أجل تحقيقها ، وضعوا أيديهم على دائهم و داء من قبلهم فشخصوا المرض و رسموا العلاج و تابعوه و سهروا على تحقيقه ، فلما لمست شعوبهم صدقهم و حسن سريرتهم و سيرتهم و عزيمتهم على نهضة بلادهم طاوعوهم و اقتدوا بهم و اقتفوا آثارهم حتى نهضوا من عثرتهم التي عاشوا في دياجيرها دهرا طويلا ، فاستعادوا عافيتهم و كانت تلك الطفرة الاقتصادية الهائلة والتطور المذهل في كل مناحي الحياة و هذه الكرامة الانسانية في بلادهم و هذا العقد الاجتماعي الفريد الذي جمعهم على اختلاف أعراق أقوامهم و دياناتهم و عاداتهم و تقاليدهم . إن نهضة تلك البلاد تحتاج أن تدرس بعناية ، لأننا نملك من مقومات النهضة ما لايملك هؤلاء معشارها ، أرض و بحار و سماء و ثروات طبيعية حبانا الله إياها و شعوب ذات دين واحد إلا قليلا و تقاليد واحدة و عادات واحدة و عرق واحد فما الذي أبعد البون بيننا و بينهم؟!. عنوان البريد الإلكتروني هذا محمي من روبوتات السبام. يجب عليك تفعيل الجافاسكربت لرؤيته.