باتت تهمة "معاداة السامية" في النمسا، سيفا مسلطا على رقاب كل من يوجه انتقادا للحرب الإسرائيلية على قطاع غزة، التي بدأت في السابع من يوليو/تموز الماضي. فقبل أسبوع، تصدرت الصحافة النمساوية، عناوين تتهم نشطاء أتراك وجزائريين ب"معاداة السامية"، بعد قيامهم بمهاجمة فريق "مكابي حيفا" الإسرائيلي، خلال مباراة ودية الخميس قبل الماضي، جمعته بفريق "ليل" الفرنسي، بمدينة سالزبورج النمساوية. كما اعتبرت صحف نمساوية انتقادات عدد من مستخدمي مواقع التواصل الاجتماعي في النمسا، تصريحات وزراء نمساويين بشأن الحرب الإسرائيلية على غزة، "معاداة للسامية"، ونقلت عن وزير العدل النمساوي فولفجانج براند شتيتر عزمه "تشديد التشريعات القانونية المعنية بمكافحة جرائم التحريض في النمسا" على خلفية ذلك. ولفتت الصحف في تقاريرها إلى أن الواقعتين تخضعان لتحقيقات قضائية في النمسا لم تنته بعد. وفي السياق، نشر التليفزيون النمساوي الرسمي، على موقعه تقريرا، تناول دراسة لأستاذة علم النفس اللغوي بالمعهد الألماني، "ليندا جيسل"، انتقدت فيه وسائل الإعلام الألمانية لتناولها دولة إسرائيل بشكل غير مناسب بسبب الحرب على غزة. وأشارت إلى أن "المجلس اليهودي والسفارة الإسرائيلية في برلين، تلقيا في الفترة الأخيرة 14 ألف رسالة تتضمن معظمها عبارات معادية للسامية"، مشيرة إلى أن الصراعات غالباً ما تكون محفزاً لمعاداة السامية. ولفتت الدراسة حسب تقرير التليفزيون النمساوي، إلى أن "المشاعر والعاطفة، تلعبان دوراً كبيرا في معاداة السامية التي لم تعد هامشية ولم تقتصر على اليمين المتطرف فقط، بل أيضاً اليسار وكذلك الأوساط السياسية". وتناولت صاحبة الدراسة مظاهرات، قالت إن يمنيين ويساريين مناهضين للإمبريالية، وأصوليين إسلاميين، وحركات السلام، ينظمونها لانتقاد إسرائيل معاديين خلالها السامية بشكل أو غير مباشر. بدوره، قال طرفه بغجاتي، المستشار بالشبكة الأوروبية لمراقبة العنصرية (مستقلة)، ورئيس مبادرة مسلمي النمسا التابعة للهيئة الإسلامية الرسمية (مستقلة)، إن "المسلمين في الغرب عامة، هم أكبر المتضررين من العداء للسامية وليس اليهود". وأوضح في حديث لوكالة الأناضول، أن "النازيين الجدد، ممثلين في اليمين المتطرف، حولوا عداءهم تجاه اليهود إلى عداء ضد الإسلام و المسلمين بشكل جلي لا ينكره أحد". ومضى قائلا، " لا نرى كمسلمين في النمسا، أي حرج في مكافحة جميع أنواع العنصرية، ومنها عداء اليهود وعداء المسلمين، أي مناهضة عداء السامية والإسلام فوبيا، ولا نستشعر أي حرج في التعامل مع الجالية اليهودية". إلا أن بغجاتي، لم ير في ذلك تعارضا، مع "توصيف ما يحدث في غزة خاصة، وفلسطين عامة كجرائم حرب"، مضيفا "لا يوجد حرج في ذلك، بل من الواجب الإنساني قبل الديني والقومي الإعلان عن التضامن المطلق مع الضحايا المدنيين من أطفال ونساء وشيوخ ورجال". وأبدى أسفه من استخدام "عداء السامية" كفزاعة ضد أي انتقاد للسياسة الإسرائيلية، معتبراً ذلك "ظلم كبير وتجني". وطالب مسؤول الشبكة الأوروبية لمراقبة العنصرية، الخطاب الإسلامي في أوروبا وفي العالم، ب "التفريق بين اليهودية كديانة سماوية معترف بها عالمياً يحظى أتباعها بالاحترام، وبين المخطط الاستعماري الصهيوني الإسرائيلي". "باولا حوراني" الناشطة اليهودية في حقوق الإنسان، ورئيس منظمة السيدات المتشحات بالسواد (مستقلة)، رفضت اعتبار "العداء للسامية" تهمة لمن ينتقدون إسرائيل، مشيرة إلى أن الهدف من ذلك "تكميم الأفواه المنتقدة لإسرائيل". وتابعت في تصريحات لوكالة الأناضول، "في أوروبا وخاصة في النمسا وألمانيا، الكثير من المواطنين اليهود الذين يرفضون النزعة القومية والعرقية الإسرائيلية، لأن كل الناس في نظرهم متساوون بغض النظر عن عرقياتهم". وطالبت أوروبا ب "وقف دعمها لإسرائيل، وإجبارها على وقف مجازرها ضد الشعب الفلسطيني، وإنهاء حصاره لقطاع غزة حتى يتحرك الناس بحرية تامة". أما الباحث سيد الشاهد، مدير مركز الأبحاث الثقافية والإسلامية بفيينا (مستقل)، فقال إن "السامية مصطلح ينطبق على العرب واليهود ذوي الأصول الشرقية وبعض الأفارقة، فليس من المفهوم اتهام العرب بمعاداة عرقهم السامي، فكيف يعادي الإنسان عرقه". واعتبر في تصريحات لوكالة الأناضول، أن "اتهام غير العرب بهذا الاتهام، مبني على أسباب سياسية لا علاقة لها بالعداء للعرق السامي أو حتى الدين اليهودي".