على الرغم من وحشية وضراواة العدوان الصهيوني المستمر منذ أيام على قطاع غزة ومشاركة وتواطؤ أطراف عربية وصمت دولي مطبق على جرائم الاحتلال تمكنت المقاومة الفلسطينية من تحقيق نصر عزيز على العدو الصهيوني في المجال العسكري والاستخباراتي والإلكتروني والإعلامي والأخلاقي، وتحقيق نصر مبين على المتصهينين من الحكام والإعلاميين العرب.
وفشل عملية الجرف الصامد (المنهار) ضد المقاومة دفع القادة الصهاينة إلى ارتكاب مجازر بشعة بحق المدنيين الأبرياء والهدف من ذلك هو تقويض شعبية المقاومة ومع ذلك ازداد دعم المواطنين الغزيين للمقاومة وطالبوها برد العدوان ومواصلة القتال ضد الصهاينة، وأهالي شهداء مجزرة الشجاعية احتفلوا أمام المشرحة بأسر الجندي شاؤول أرون.
والمقاومة الباسلة في القطاع تقاتل عن إيمان ثابت وعن عقيدة راسخة وتقاتل دفاعًا عن حقوق مسلوبة وعن المستضعفين في القطاع المحاصر منذ سنوات، والفلسطينيون في القطاع يقاومون ويقاتلون العدو الصهيوني وظهورهم للحائط بعد سنوات من الحصار الظالم والخذلان العربي والصمت الدولي.
والنصر صبر ساعة، وقد صبر المقاومون في مواجهة العدوان الغاشم وتمنكوا بفضل الله عز وجل من تحقيق انتصارات عظيمة يُنكرها المتخاذلون والمثبطون والموالون لأعداء الأمة، والدلائل على انتصار المقاومة في مواجهة جيش الاحتلال كثيرة ومنها إهلاك عدوهم وإذلاله فقد كبدت المقاومة الصهاينة خسائر مؤلمة تمثلت في قتل عدد كبير من القادة الميدانيين ومن الضباط والجنود الصهاينة، والمقاومة نجحت في أسر جندي صهيوني خلال عمليات نوعية خلف خطوط العدو وتخطط لأسر آخرين، ودفعت الصهاينة إلى طلب الهدنة وإعلانها من جانب واحد.
والمقاومة الباسلة نجحت في تحقيق نوع من توازن الرعب مع جيش الاحتلال ولقنت القادة الصهاينة درسًا لن ينسوه وهو أنهم سيدفعون في كل مرة ثمن الحماقات والاعتداءات التي يقومون بها ضد الفلسطينيين، وقد اعترف محللون عسكريون يهود بتطور قدرات المقاومة العسكرية، وتمثل ذلك في امتلاك زمام المبادرة وفي كثافة الصواريخ وطول مداها، وفي البنية التحتية التي منعت القادة الصهاينة من شن حرب برية واسعة النطاق على القطاع.
وآثار الرعب من صواريخ المقاومة ظهرت على رئيس الوزراء النتن ياهو وعلى الضباط والجنود وعلى اليهود الذين هُرعوا إلى المخابئ بعد سماع صوت صفارات الإنذار في تل أبيب وفي غيرها، ونقلت الصحف أخبارًا عن قيام جنود من جيش الاحتلال بإطلاق النار على أنفسهم خوفًا من المشاركة في القتال ضد المقاومة، وقام جيش الاحتلال باستدعاء 16 ألف جندي لاستبدال جنوده المشاركين في العدوان على غزة.
وصواريخ المقاومة كبدت الكيان الصهيوني خسائر اقتصادية فادحة تُقدر بالمليارات بسبب انهيار السياحة وتعليق عدد كبير من الشركات العالمية لرحلات الطيران إلى مطار بن جوريون.
والمقاومة وضعت الكيان الصهيوني في مواجهة المجتمع الدولي نتيجة الجرائم الوحشية والبشعة التي ارتكبها الصهاينة والتي تمثلت في قتل الأبرياء من الأطفال والنساء والشيوخ، وفي هدم البيوت على رؤوس ساكنيها وقتل عائلات بأكملها، وقتل أطفال أبرياء يلعبون على الشاطئ وأطفال يلهون فرحًا بالعيد، وفي استهداف المستشفيات والمساجد والمدارس التابعة للأمم المتحدة.
والكيان الصهيوني أصيب بخيبة أمل عميقة من قرار حكومات كل من السلفادور وتشيلي والبيرو استدعاء سفرائها للتشاور والرئيس البوليفي إيفو موراليس وصف الكيان الصهيوني ب "الدول الإرهابية" بسبب العمليات العسكرية التي تقوم بها في قطاع غزة.
ومن الدلائل على انتصار المقاومة ما أصاب المتآمرين عليها من مذلة وصغار، فالمقاومة انتصرت على القادة والإعلاميين وعلماء السوء من الصهاينة العرب المشاركين والمحرضين على قتلهم، والمتباكون على الدم الفلسطيني من هؤلاء هم شركاء في القتل والحصار.
وما حققته المقاومة في مواجهة العدو الصهيوني وآلته الحربية يعتبر انتصارًا بكل المقاييس، وهذا الانتصار يمثل لحظة فارقة في تاريخ الصراع مع الكيان الصهيوني الغاصب، والأمة بحاجة إلى استثمار هذا الانتصار وهو ما تسعى لتحقيقه قطر وتركيا اللتان تدعمان وبقوة مطالب الفلسطينيين العادلة في الوقت الذي تشارك فيه أطراف عربية ودولية في القتل والحصار وتنحاز للصهاينة وتتمنى تركيع المقاومة والقضاء عليها وهو حلم بعيد المنال لأنها منصورة بوعد الله لها يقول الله عز وجل:{وَلَيَنْصُرَنَّ اللَّهُ مَنْ يَنْصُرُهُ إِنَّ اللَّهَ لَقَوِيٌّ عَزِيزٌ * الَّذِينَ إِنْ مَكَّنَّاهُمْ فِي الْأَرْضِ أَقَامُوا الصَّلَاةَ وَآتَوُا الزَّكَاةَ وَأَمَرُوا بِالْمَعْرُوفِ وَنَهَوْا عَنِ الْمُنْكَرِ وَلِلَّهِ عَاقِبَةُ الْأُمُورِ} سورة الحج: 40-41.
* كيميائي وكاتب عضو الرابطة العربية للإعلاميين العلميين