في الأسبوع الماضي شاركت في لقاء تلفزيوني في قناة " المحور" حول العلمانية مع أحد رموز هذا التيار العلماني وهو الدكتور مراد وهبة أستاذ الفلسفة جامعة عين شمس، وأدار هذا الحوار الصحفي والكاتب اللامع الأستاذ سيد علي الكاتب بالأهرام ، وكان مناسبة تنظيم هذه الحلقة هو عقد مؤتمر لمجموعة العلمانيين المتطرفين تحت عنوان " لا ديمقراطية بلا علمانية " ودارت مواجهة بين كاتب هذه السطور ود. مراد وهبة أحب أن أسجل بعض ما جاء فيها بتصرف ، فلقد كان منهج د. مراد وهبة الذي بدأ الحديث منهج فلسفي معلق في الهواء حيث تحدث عن النسبي والمطلق واعتبر أن الحياة كلها نسبي ولا يوجد فيها مطلقات كما اعتبر أن الغيب ( أو قل الوحي ) مطلق ويجب أن لا يتحكم المطلق في النسبي ، وفي ردي عليه أردت أن أضع الموضوع في شكله المباشر والصريح عن ما هي العلمانية التي تدعو إليها ؟ وما هو تاريخها ؟ وما علاقتنا نحن هنا في الشرق العربي الإسلامي بهذا المفهوم ؟ وما حاجتنا إليه ؟ ولقد أجبت عن هذه الأسئلة بتبسيط يستطيع أن يتابعه المشاهد العادي بعيدا عن الفلسفة التي هي في هذا المقام محاولة هروبية من مواجهة الرأي العام مواجهة صريحة ، فلقد ذكرت أن العلمانية تعتبر وافدا لمفهوم نشأ في الغرب نظرا لظروف تاريخية تتعلق بسيطرة الكنيسة على الدولة وسيطرة رجال الأكليروس أو (رجال الدين بالمفهوم الغربي ) على الدولة وحدثت مظالم فظيعة ومحاربة واضحة للعلم والعلماء ، مما أثار الناس والعلماء والمفكرين على ظلم وسيطرة الكنيسة الغربية الكاثوليكية ونادوا بفصل الكنيسة عن الدولة ، ونجحوا في ذلك ولم تتقدم أوربا فعلا إلا بعد إبعاد رجال الأكليروس أو رجال الدين الكاثوليك عن السلطة وعن إدارة شئون الدولة ، وكلمة علماني تطلق في الكنائس على غير رجال الدين وذلك وفقا للمفهوم الكنسي ، وتطورالمفهوم في الغرب أي مفهوم العلمانية وغالى البعض في تعريفه حتى عرفه أحد الفلاسفة الأمريكيين وهو بيتر جاي على أنه الإلحاد واعتبر علماني بمعنى ملحد ، كل هذا شأنهم أي شأن الغربيين ، لكن المشكلة أن العلمانيين العرب يحملون فكرا مستوردا نبت في أرض غير أرضنا وفي ثقافة غير ثقافتنا وفي تجربة لتسلط الكنيسة الغربية ليس له مثيل في بلادنا ، فلم يعرف الإسلام الكهنوت ولم يعرف التاريخ الإسلامي سيطرة ( رجال الدين ) لأن الإسلام لا يعترف بصفة رجال الدين لكنه يعرف علماء الإسلام وهؤلاء ليس لهم قدسية ولا يملكون صكوكا للمغفرة يوزعونها على الناس ، ولكن تاريخنا عرف حكم أهل الحكم والاختصاص في إدارة شئون البلاد والعباد ولكن بثقافة وعلم فيه ما هو شرعي متعلق بعلوم الإسلام وتخصصاته ومنه ما هو متعلق بشئون الحكم والإدارة والحرب والقتال والثقافة ...الخ ، فلم يكن لدينا حاجه لما حدث في أوربا نظرا لاختلاف طبيعة الدينين فالإسلام دين ودولة تنظم شئون الناس بالإضافة للمسائل الروحية والعبادة في حين أن المسيحية مهتمة فقط بالشئون الروحية والعبادية فليس فيها شريعة كما توجد في الإسلام شريعة من عند الله ،لذلك كان ومازال وسيظل بإذن الله هؤلاء القوم من غلاة العلمانية العرب قلة القلة فلم يكن لهم ولن يكن بإذن الله أي تأثير على القطاعات العريضة المتدينة من العرب والمسلمين ، بالرغم من أن أصواتهم علت متطاولة في وسائل الإعلام المرئية والمقروئة وعلى شبكة المعلومات الدولية (internet) مطالبة بالعلمانية ومطالبة مع بعض الأصوات الطائفية بإلغاء المادة الثانية من الدستور المصري التي تنص على " أن دين الدولة الرسمي هو الإسلام وأن مبادئ الشريعة الإسلامية هي المصدر الرئيسي للتشريع " فهي أصوات لن تؤثر على الأغلبية الساحقة من الشعب المصري المتمسك بعقيدته ودينه وثقافته وهويته ولن ينهزم بفعل هؤلاء العلمانيين المتطرفين اللذين انهزموا أمام الغزو الفكري والثقافي الغربي ويريدون أن ينقلوا هذه الهزيمة من نفوسهم إلى نفوس الشعوب العربية والإسلامية ومنها الشعب المصري ، فلن يحدث هذا بإذن الله ، طالما بقى الوعي والتنبه والتمسك بهويتها هذه لأن لها عقيدتها وقيمها وخصوصيتها ، ولعل مشهد الغضب الواسع النطاق الذي ظهر في الفترة الأخيرة نتيجة الرسوم المسيئة للرسول الأعظم محمد صلى الله عليه وسلم مؤشر ودلالة على أن هذه الشعوب العربية والمسلمة لن تفرط في دينها وعقيدتها وهويتها وثقافتها ولن تسمح بتطاول المتطاولين هناك في أقصى شمال الكرة الأرضية على أي من مقدساتهم فما بالك إذا حدث هذا التطاول هنا في بلادنا لذلك أنا مطمئن جدا أن العلمانية المتطرفة والتي اسماها الدكتور المسيري العلمانية الشاملة لن تجد لها أرضا تنبت فيها ولن تجد لها مناخا يغذيها مهما استقوت بالنظام العالمي الجديد الغشيم والإمبريالي ، فلقد أثبتت التجربة أن الشعوب المستضعفة أقوى بكثير من حكوماتها الضعيفة وأقوى بكثير من بطش القوى العالمية وجبروتها لأنها تستعين بالله القوى الجبار والله غالب على أمره E. mail : [email protected]