عام 1956 تولى جوسيلينو كوبيتشيك رئاسة البرازيل، وكانت العاصمة «ريودي جانيرو» قد اصبحت مثلا سيئا للمدن المزدحمة التي تعاني من مشكلات جادة في البنية الاساسية والمرور ومعدلات الجريمة المرتفعة، والتلوث، ومشكلات اطفال الشوارع، وعشرات المشاكل الاخرى. هل يذكركم الأمر بشيء؟.. نعم كان حال ريودي جانيرو أسوأ من حال القاهرة اليوم، وتم اتخاذ قرار «ثوري» ببناء عاصمة ادارية جديدة للبرازيل خلال 1000 يوم، وبين 31 يناير 1956 و31 يناير 1961، تم بناء واحدة من أجمل عواصم العالم وأكثرها تطورا وتم افتتاحها في 21 ابريل عام 1961 رسمياً، تحفة معمارية متطورة ابدع المعماري العبقري فلوسيو كوستا في وضع مخططها المعماري على شكل طائرة، فيما قام زميله عملاق الهندسة الحديثة اوسكار نيماير بوضع مخططات البنية التحتية والمباني الحكومية، بلمسات فريدة. طبعاً وُوجه المشروع بحرب شعواء مع جهات عدة وصلت إلى حد تهديد السلطات البرازيلية بتعليمات من رئيس الجمهورية بقطع العلاقات الدبلوماسية مع الدول التي ترفض نقل سفاراتها إلى العاصمة الجديدة. نحن الآن في مصر نفكر في إنشاء عاصمة جديدة بالقرب من القاهرة الحالية وعلى طريق مصر – السويس، بتكلفة عشرات المليارات، لنقل عاصمة مصر الإدارية إليها، والفكرة مطروحة منذ أكثر من 50 عاماً، ولم يجرؤ رئيس سابق على تنفيذها، وعندما حاول السادات – رحمه الله – البدء بإنشاء «مدينة السادات» في منتصف المسافة بين القاهرة والإسكندرية، انتهى الأمر إلى بزوغ مدينة جديدة، دون أن تنتقل إليها إدارة واحدة.. وظلت القاهرة «مكتظة» بأهلها. لست خبيراً في إنشاء المدن، لكن الفكرة أصبحت ملحة، والحاجة لعاصمة جديدة أكثر إلحاحاً، ومسؤولية الحكومة اختيار المكان وتدبير التمويل، ونحن هنا لا نخترع شيئا جديدا فإن ما حدث في البرازيل ليس تجربة فريدة، ففي كندا كانت المنافسة بين «تورونتو» المزدحمة، و«مونتريال» التاريخية، فاتفق على اختيار مكان وسط واصبحت «اوتوا» الأكثر هدوءا.. والاقل سكانا وازدحاما هي العاصمة، وفي استراليا تركوا «سيدني» الجميلة المزدحمة وميناءها الرائع «دارلنج هارير» وابتعدوا عن «ملبورن».. واعتمدوا «كانبرا» عاصمة، وحتى امريكا عاصمتها التجارية وازحم مدنها «نيويورك»، بينما العاصمة النظيفة الهادئة – نسبيا – هي واشنطن. .. بالرغم من التحفظ على التوقيت، والتكلفة، اللذين هما شأن حكومي بحت، فإنني اتمنى ان تكون لمصر عاصمة جديدة تفوق كل المدن التي ذكرت جمالا وبهاء، وتطورا، نباهي بها العالم،.. وأدعو الله ان ننجح في ذلك رحمة بقاهرة المعز التي تحملتنا اكثر من الف عام.. وآن لها ان تستريح. وحفظ الله مصر وشعبها من كل سوء.
عنوان البريد الإلكتروني هذا محمي من روبوتات السبام. يجب عليك تفعيل الجافاسكربت لرؤيته. twitter@hossamfathy66