مازالت آثار ثورة مصر العظيمة (25 يناير) التى استلهمت روح ثورة تونس الخضراء تتوالى، فها هو قبل فجر يوم 5/6/2011م يرحل طاغية آخر الرئيس على عبدالله صالح (1978 – 2011م) مثخنا بجراحه ليتلقى علاجا، قد يبرئ منه لينتظر المحاكمة العادلة، أو يلقى حتفه فيقف وحيدا أمام الملك الحق يوم الدين لينظر ما قدمت يداه، وهو يوم آت لا ريب فيه. انتظرنا 4 شهور لنرى ذلك اليوم فى اليمن السعيد بأبنائه وبناته، بقبائله وجيشه، بزيدييه وشافعييه، بالشباب والفتيات فى ميادين التغيير، بأحزاب اللقاء المشترك التى تآلفت فيما بينها واتحدت التجمع اليمنى للإصلاح الحزب الاشتراكى وغيرهم، بقبائل حاشد وبكيل وغيرها، بالشعب الذى اتحد فى صنعاء وتعز والحديدة وعدم وإب ومأرب، يجمعه هتاف واحد "الشعب يريد إسقاط النظام" "إرحل" وينشد تحت شعار واحد «سلمية .. مدنية» ويصبر على استفزازات رجل ظل فى السلطة 33 سنة، لعب فيها على كل الحبال، ورقص فيها مع الثعابين، وغيّر فيها تحالفاته من أقصى اليمين لأقصى اليسار، واستلم المعونات تلو المعونات من أمريكا بذريعة حرب القاعدة والإرهاب فكانت سببا فى الإفساد والفساد، فكان فى نهاية أيامه أكبر الإرهابيين يستخدم القوات الموالية له لاقتحام بيوت شيوخ قبيلته التى ينتمى إليها، ويستخدم الطائرات والمدفعية لجر البلاد إلى حرب أهلية . جاء على عبدالله صالح إلى الحكم بانقلاب عسكرى فى بلد عرف عدة انقلابات منذ السلاّل واستقر به المقام فى بلد يعوم على ملايين قطع السلاح ومنازعات القبائل والانفصال بين الجنوب والشمال . وظفّ كل التناقضات اليمنية لصالح بقائه فى الحكم، وكرسّ الفساد والتخلف، وظن أن الدنيا دانت له فعمل على توريث الحكم لابنه أيضا، إنه السيناريو المرسوم «أتواصوا به» أم أن المخرج والمؤلف من وراء الستار واحد فى كل البلاد العربية . اليوم نبارك لشعب اليمن الصابر الصامد رحيل على عبدالله صالح غير مأسوف عليه، ونرجوهم أن يبقوا متحدين لإنجاز بقية المهام فى المرحلة الانتقالية لإخراج اليمن من الاستبداد والفساد والتخلف إلى الحرية والعدالة والتنمية . ما زال نائب الرئيس فى مهام الحكم، وعليه أن يسلّم السلطة إلى برلمان منتخب انتخابا حرا وحكومة وحدة وطنية يشارك فيها كل الكفاءات اليمنية لتتولى إدارة البلاد والتجهيز لانتخاب رئيس جديد ووضع دستور جديد بجمعية تأسيسية منتخبة انتخابا حرا تشمل كافة ألوان الطيف اليمنى المجتمعى والسياسى والقبلى والاقتصادى والجهوى . التوافق الوطنى الآن هو واجب الوقت، ليس هناك ما يمكن التنازع عليه، وليست هناك مكاسب أو غنائم يمكن تقسيمها، بل هى أعباء ثقيلة، وواجبات عظيمة لا يتحملها إلا ذوو العزم من الرجال الأشداد القادرين على الوصول باليمن إلى بر الأمان . نستطيع أن نطمئن اليوم على مسار الثورات العربية بعد هذا الانتصار الجديد، وسيثور التساؤل الآن : على من الدور ؟ التغيير فى اليمن سيكون له آثار كبيرة على منطقتين استراتيجيتين : الأولى : القرن الأفريقى : الصومال، وجيبوتى، وكينيا، والسودان وإريتريا . الثانية : الخليج العربى والمملكة العربية السعودية حتى بحر العرب . والتغيير فى اليمن سيؤثر على مستقبل ما يسمى «تنظيم القاعدة» ليس فى شبه الجزيرة العربية فقط، بل فى العالم كله، فبعد عملية «أبو آباد» فى باكستان وبدء التمهيد للتفاوض مع حركة «طالبان» فى أفغانستان بتصريحات وزير الدفاع الأمريكى «جيتس» . كان أقوى الامتدادات الفكرية والعملية للقاعدة ثلاث مناطق : شبه الجزيرة العربية ومركز الانطلاق فى جنوب اليمن، العراق، والمغرب العربى، وسنرى فى الأيام المقبلة تطورات تعنى فى النهاية انتهاء عصر «الحرب على الإرهاب» وظهور أسرار تلك الحرب . لقد فشلت الحرب على الإرهاب، فشلت فى تحجيم ظاهرة العنف وفشلت فى تشويه صورة الإسلام، وفشلت فى خلط الأوراق بين العنف الثورى وبين المقاومة المشروعة، وفشلت فى وقف امتداد الحركات الإسلامية فى الميدان السياسى بمشروعها الوسطى المعتدل وفشلت فى إخراج أو تحجيم الوجود الإسلامى فى أمريكا وأوربا، وفشلت فى إعطاء الذرائع للعدو الصهيونى للقضاء على المقاومة المشروعة فى لبنان وفى غزة وفى الضفة الغربية وفى العراق و أفغانستان . الآن العالم كله يقبل على تغييرات خطيرة، الثورات العربية تنتقل من بلد إلى آخر وصربيا تسلم رادوميلادتيش المريض الذى ينتظر الموت إلى محكمة لاهاى، وها هى المظاهرات تبدأ فى فلسطينالمحتلة ضد حكومة «نتنياهو»، ومحمود عباس يتجه إلى «الجمعية العامة للأمم المتحدة» للحصول على دعم وتأييد للدولة الفلسطينية الافتراضية رغم معارضة أمريكا وانقسام الاتحاد الأوربى . المشهد العالمى يتأثر بالثورات العربية، والخطط الأمريكية يتم تغييرها وتطويرها وتحويرها لتواكب التغييرات الزلزالية التى أحدثتها ثورة مصر بالذات وفشلت فى إجهاضها حتى الآن، وتحاول احتواء آثارها الإقليمية والدولية . التاريخ لا يعيد نفسه كما يقول البعض، ولكن دروس التاريخ متاحة أيام الجميع وذاكرة الأمم حية . كما أحدثت ثورة 1919م فى مصر حراكا عربيا فى أعقاب الحرب العالية الأولى التى أنهت الإميراطورية العثمانية «دولة الخلاقة ثم السلطنة» وكان من نتيجتها اتفاقية «سايكس بيكو» لتقسيم التركة بين الدول الأوربية، وخرجت ألمانيا وإيطاليا وروسيا صفر اليدين . وكما أحدثت الانقلابات العسكرية التى بدأت ب «حسنى الزعيم) فى سوريا عام 1949م وتحولت مع حركة الجيش المباركة فى مصر 1952م إلى ثورة تحرر وطنى وتنمية اقتصادية واجتماعية فى أعقاب الحرب العالمية الثانية وكان من نتائجها امتداد حركات التحرر الوطنى إلى الدول غير الملكية فى العالم العربى والإسلامى فأثمرت نظم حكم للعسكرياتاريا تحولت إلى نظم فاشية واستبدادية أفسدت كل الحياة الاجتماعية والاقتصادية والثقافية وشوهت المواطن العربى . أحدثت الحرب العالمية الثالثة على الإرهاب هذه التحولات الخطيرة فى العالم العربى ولكنها جاءت اليوم على عكس إرادة الدول الكبرى التى خططت وعمت التحولات الكبرى خلال القرن الماضى . اليوم وفى لقاءاتى المتعددة مع كثيرين يحجون إلى ميدان التحرير بمصر بعد أن يزوروا تونس ثم يلتقون بشخصيات مصرية، أجد دهشة كبيرة مما حدث ويتواصل، ورغبة فى الفهم، وأمل فى أن تظل السياسات الغربية فى المنطقة كما هى دون تغيير كبير للحفاظ على المصالح الاستراتيجية الغربية التى تتمثل فى أمور أهمها : 1- أمن الكيان الصهيونى وعدم المساس به . 2- تدفق النفط باستمرار وبأسعار رخيصة . 3- الحفاظ على النظم الحليفة خاصة تلك الملكية . 4- رعاية النخب المتغربة والمتفرنجة فى الفكر والثقافة والإعلام . 5- رعاية رجال الأعمال الشركاء فى أعمال خطيرة . تطرح أسئلة جوهرية متكررة عن : - النموذج الذى تتجه إليه مصر : تركيا أم إيران ؟ - الشريعة وتطبيقاتها المتنوعة . - المرأة ودورها . - معاهدة «كامب ديفيد» وبقاؤها. نحن أمام تحوّل تاريخى، أثبت فيه العرب بقيادة تونس ومصر ولحقت بهم ليبيا واليمن وسوريا والبحرين أنهم شركاء فى الإنسانية، فى القيم العامة للحرية والديمقراطية، وأسقطوا مقولة : الاستثناء العربى، وأزالوا التشويه المتعمد ضد الإسلام الذى ثبت أنه متوافق مع القيم والثقافة والآليات الديمقراطية . اليوم نستطيع أن نتعامل مع التحديات التاريخية من موقع المسئولية مع العالم كله نقول بكل فخر . - نحن شركاء لرسم مستقبل لعالم أفضل لكل البشر . - نحن نتقاسم القيم الإنسانية الأساسية فى الحرية والعدل والكرامة الإنسانية والعدالة الاجتماعية . - نحن على قدم المساواة، لا فضل لأحد على أحد . - نحن مستقلون تماما فى إرادتنا وقرارنا وحضارتنا وثقافتنا . - نحن نمتلك مصالح مشتركة فى المستقبل المنظور : الأمن للجميع بمساهمة الجميع . العدالة للجميع . التنمية المستقلة المتعاونة مع الجميع . المساواة بين جميع البشر . وهنا نقول نستطيع أن نكمل مسيرة الثورة المصرية والعربية لنحقق أهدافا مشتركة : 1. حريات عامة ونظام ديمقراطى يمنع أو يحجم ظاهرة العنف 2. تنمية حقيقية وإنهاء للفساد تمنع الهجرة السرية والعلنية . 3. رفاهية ورخاء اقتصادى يوجد سوقا واسعة فى العالم العربى للتبادل التجارى والاستثمار المشترك . فقط : راقبوا عن بعد، لا تتدخلوا فى شؤوننا الداخلية، دعموا الحكومات والدول، لا تفسدوا النخب بأموالكم التى أفسدت المئات والآلاف، احترموا إرادة الشعوب العربية وثقافتها واختياراتها الحرة .