حث الإسلام على النظر والاعتبار قال الله تعالى ( فاعتبروا ياأولي الأبصار) كما دعا إلى النظر في أحوال الأمم السابقة ومعرفة تاريخهم وسلوكهم وما آلت إليه أحوالهم قال تعالى ( أفلم يسيروا في الأرض فينظروا كيف كان عاقبة الذين من قبلهم دمر الله عليهم وللكافرين أمثالها) ولقد رأينا سلفنا الصالح رضي الله عنهم يقوّمون أعمالهم ويعيدون النظر من جديد في بعض الأمور برؤية جديدة ,فهذا أبو بكر الصديق يقول ( لو استقبلت من أمري ما استدبرت لاستعملت أبو عبيدة بن الجراح وعمر بن الخطاب على الجيوش حتى إذا سألنى ربي قلت استعملت أمين الأمة وفاروقها ) وذلك في مراجعة لتوليته بعض القادة في حروب سابقة . وهذا الفاروق عمر بن الخطاب رضى الله عنه في تقويمه لتصرف اقتصادي في عام المجاعة فقال ( لو عادت بي السنة لأدخلت على أهل كل بيت مثلهم فإن الناس لا يهلكون على أنصاف بطونهم ) وكان رضي الله عنه يجمع الطعام ويوزعه ثم رأى أن التكافل باشتراك الناس في الطعام أفضل . ولقد أشار الإمام علي رضي الله عنه إلى أهمية التجارب والاستفادة منها فقال ( وفي التجارب علم مستأنف ) أي علم جديد يضاف إلى حصيلة العلوم . ولقد رأيت أن أقدّم بعض الإرشادات لمن أراد أن يقوّم تجربته من المؤسسات والأحزاب والجماعات لتحقيق الاستفادة والتطوير وحسن الأداء , والتقويم أشبه بالقضاء , فلا يصح الحكم على أفعال أو أقوال الناس قبل استيضاح جوانب الأمر والتأكد من أن الفعل أو القول صادر منهم , والتقويم يمكن أن يمارسه المسئول على الفور فإذا رأى في سلوك بعض العاملين أخطاء ظاهرة عليه أن يوجه إلى الصواب , ولكن هناك من التقويمات مالا يمكن قيام القيادة به بعد انتهاء الحدث لكونهم قد يبرّرون لأنفسهم , ولذلك نجد أنه بعد نكسة 67 أرادت القوات المسلحة أن تجري تقويماً شاملاً لمعرفة أسباب النكسة وتلافيها مستقبلاً فلم تسند مهمة التقويم لنفس القادة الذين شاركوا في الحرب ولكن تم انتداب قيادات كبرى كانت تعمل في مؤسسات الجيش مثل أكاديمية ناصر العليا والإدارات العامة , وهؤلاء قاموا بالتقويم وعرض النتائج على القيادة العامة للقوات المسلحة حيث تم الاستفادة منها في إعادة بناء الجيش والترتيبات والخطط حتى نصر أكتوبر . وإذا أردنا أن نقوّم تجربة لكيان او حزب او جماعة علينا أن نبدأ بالمنهج المعتمد لديهم , وهو يمثل الرؤية التطبيقية لمجموعة الأفكار التي تعتنقها الجماعة في الواقع القائم , وهو ما ينبغي أن يكون معيار تقويمه هو الكتاب والسنة , فالمنهج له أهداف واسس ووسائل مشروعة فمتى حدث التوافق بين هذه العناصر والكتاب والسنة تأكدنا من صحة المنهج , أما إن وقع خلل في عنصر من عناصر المنهج السالف ذكرها لزم التنويه والتصويب كأن تكون هناك مثلاً وسيلة من الوسائل المستخدمة غير مشروعة . ثم يبدأ الباحث بعد ذلك في تقويم الخطة العامة فيتساءل هل هناك خطة أم لا ؟ فإن كانت موجودة نظر إلى أهداف الخطة ومراحلها ومسئوليات التنفيذ والتوقيتات , فمتى رأى ذلك متحققاً ومطابقاً للمنهج فهو حسن , ثم ينظر بعد ذلك إلى الأحداث التي يريد تقويمها ويتساءل هل هي داخل إطار الخطة العامة أم خارجها ؟ وهل كان الخروج عن الخطة لضرورة شرعية أم أن فريقاً من العاملين تجاوز وخرج عن إطارها ؟! , ثم ينتقل مسئول التقويم إلى القرارات فينظر في الحدث هل من أخذ القرار هو الجهة المسئولة أو الشخص المختص أم لا ؟ وهل روعيت جوانب القرار الثلاثة وهي ( الحكم الفقهي الأصلي – الواقع السياسي القائم – القدرة على التنفيذ ) فمتى تحققت الجوانب الثلاث فهو قرار مشروع , اما إذا لم يتحقق جانب من الجوانب فإن هذا القرار يكون غير مشروع , ومثال ذلك ما فعله النبي صلى الله عليه وسلم مع زعيم المنافقين حيث كان حكمه الفقهي القتل والقدرة التنفيذية متحققة في الصحابي عبد الله بن زعيم المنافقين ولكن النبي رفض ذلك سياسة وقال لئلا يقال أن محمداً يقتل أصحابه وهو من فقه الواقع لصالح الدعوة إلى الله وهو العنصر الثاني من جوانب القرار المشار إليه آنفاً , ثم ينتقل مسئول التقويم إلى أداء المنفذين فربما يكون القرار خاطئاً , ولكن المنفذين لهم حقوق ينبغي أن تثبت لهم فإن أدوا بكفاءة أشرنا إلى ذلك وإن أخطأوا أوضحنا ذلك في التقرير النهائي , ثم ينتقل المسئول إلى تقويم الآثار المترتبة على الحدث , فينظر على المستوى المحلى والدولى ويرصد السلبيات والإيجابيات , وهكذا نكون قد أشرنا إلى ميزان التقويم الخماسي ( المنهج – الخطة العامة – القرار – أداء المنفذين – الآثار المترتبة ) فإذا انتهت لجنة التقويم من عملها يتم عرض النتائج الختامية على القيادة التى بطبيعة الحال تستفيد من هذا التقويم في رسم الخطة المستقبلية مع تلافي السلبيات التي وقع فيها الكيان أو المؤسسة , وتعميم النتائج على العامة والخاصة كل بحسب موقفه , فالخاصة لهم تفصيلات يتعلمون منها لإدارة مؤسساتهم بشكل أفضل , أما العامة فيكفيهم بعض القواعد المنهجية التي ترتقي بالفهم والوعي . هذا وأسأل الله تعالى التوفيق إلى العمل بكتاب الله وسنة نبيه , وإعلاء كلمة الله , وإحقاق الحق والعدل . وصلى الله وسلم على سيدنا محمد