تحت عنوان " هل نحارب طواحين الهواء " واصل طبيب الأسنان علاء الأسواني شن غاراته الحربية علي التيار الإسلامي التي هي أشبه بغارات حلف الناتو علي النظام في العراق وأفغانستان وليبيا لإجبار الشعوب علي قبول الرأي الأمريكي بعد أن عجزوا عن تحقيقها بالحوار. وسبق هذا المقال حديث له عن جماعة الإخوان المسلمين وعلاقتها بالسلطة السياسية منذ نشأتها حتى الآن . وحتى لا يسارع أحد بالرد عليه بأنه لم يقرأ التاريخ جيدا بل هي قراءة انتقائية وفق خياله الروائي ذكر أنه درس الحضارة الإسلامية في إحدى معاهد مدريد فدعم ثقافته من هذه القبلة. ومع أن التاريخ فضفاض يفتح بابه لمن يريد أن يدلي بدلوه فيه إلا أن الموثوق منه يتم من خلال الدراسات الأكاديمية التي تختلف عن نظرة السياسيين وكتاب السيناريو والدراما والكتابات الروائية ، ولهذا نقطع بأن كاتبنا لم يقرأ التاريخ جيدا بل نظر إليه من باب كتاب الرواية وباب الانتقاء المشوه لحقائق التاريخ . وبداية أطرح تساؤلا علي كاتبنا ومن يساير نهجه في معاداة الإخوان المسلمين هل هناك جماعة أو حزب سياسي أو فصيل في مصر في القرن العشرين بطوله تعرض للتضييق والتعذيب والسجن والسحل قدر ما نالت جماعة الإخوان المسلمين ؟ وإذا كانت الجماعة في بعض فترات تاريخها قد اقتربت من السلطة السياسية ممثلة في القصر الحاكم أو الملك فذلك لأنه كان يمثل السلطة الشرعية الضعيفة لتستعين به في مقاومة السلطة الفعلية المهيمنة الممثلة في الاحتلال ومن يسايرها ويتبادل معها المصالح من الأحزاب الليبرالية والتي اقتصر وجود أغلبها علي زركشة الحياة السياسية أو استكمال الشكل المسرحي لها ، وما فعله الإخوان هنا كان شبيها بما فعله من قبل مصطفي كامل الذي استعان بالخديوي عباس حلمي ليعينه علي مقاومة الإنجليز فأصبح بهذا أبو الوطنية المصرية . أما عن مخاطبة الاحتلال لود الجماعة في فترات محدودة إبان الحرب العالمية الثانية فهو لغرض مشترك يصب في مصلحة الجماعة أولا وهو التضييق علي التيار الشيوعي ، في حين ساندت تيارات أخري علي القيام بدور وطني كالضباط العسكريين الذين سموا بعد ذلك بالأحرار ، فكانوا أول من ربطوا بينهم وبين عزيز باشا المصري وأول من دعوهم للمشاركة الوطنية . وكان اقتراب الإخوان المسلمين من الملك فاروق بعد الحرب العالمية الثانية لهدفين بخلاف ما سبق توضيحه وهما أنه كان من الكارهين للإنجليز المحبين للألمان من جهة ولأنهم كانوا يريدون منه السماح لهم بإرسال متطوعيهم إلي فلسطين للوقوف أمام مؤامرة الغرب الديمقراطي الحر لدعم قيام الكيان الغاصب. ولم يذق رجال الإخوان طعم الانتصار الذي صنعوه في حرب الفدائيين في قناة السويس بل سرعان ما كوفئ قادة الفدائيين بالشنق مثل الشيخ فرغلي وعبد القادر عودة ، وسجن الآلاف كالشيخ سيد سابق والبكباشي عبد المنعم عبد الرءوف وغيرهم . وظلوا في غياهب السجن ومحظور عليهم المشاركة في الحياة العامة حتى كان دورهم الرائد في ثورة يناير 2011 . أما عن المغالطة الأخرى والتي أكدت الانتقائية الكارهة والمعادية للتاريخ الإسلامي فبدت في انضمامه لبعض المنكرين للجانب السياسي لدي المسلمين ، والتقاطه لما يفيد أن بعض الحكام المسلمين كانوا يحكمون كخلفاء لله في الأرض مثل عبد الملك بن مروان وأبو جعفر المنصور محاولا استنباط حكمه علي تاريخ المسلمين بأكمله وهو تعميم ينم عن سوء قصد أو ربما سوء فهم . فالنبي عليه الصلاة والسلام لم يصبح زعيما سياسيا لأمة بمفهومها السياسي المعاصر إلا بعد بيعتين شارك فيها سكان المدينة ممن أسلموا وممن لم يسلموا ، ومن الرجال والنساء ، وحتى من حضر من جانب النبي صلوات الله عليه كان بينهم من لم يدخل الإسلام بعد . ثم كانت الصحيفة أول دستور ينظم العلاقة بين الحاكم والمحكوم للدولة الناشئة قبل استكمال نزول القرآن، وبالتالي استمد سلطته من الأمة التي بايعته . أما عن الإشارة لأبي بكر رضي الله عنه بأن يصلي بالناس فهذا دعم لمفهوم الحرية للأمة في اختيار حاكمها أ فكانت السقيفة ثم كانت البيعتين ، ولعل التاريخ يشهد بمنهج الإسلام الذي التزم به أبو بكر في الربط بين طاعته وقدرته علي تطبيق كليات المنهج من عدل ومساواة وحرية وإخاء . ثم كان الاختيار للحاكم المسلم بعد ذلك من خلال نماذج مختلفة حتى يفتح الباب لكل المتغيرات الزمانية والمكانية ، فلا قيد علي الوسائل وإنما القيد علي مدي الالتزام بكليات المنهج المرسخة لمجموعة القيم الأخلاقية . وإذا كان بعض حكام المسلمين قد حادوا عن الجادة وابتعدوا عن الالتزام بالمنهج فليس ذلك حجة علي نقاء المنهج بل حجة عليهم . كما أن هناك حقيقة أخرى ينبغي توضيحها وهي أن الحضارة ، أي حضارة ، تقوم علي العديد من المقومات أو الأعمدة ولا يعني اختلال أحد أعمدتها أنها تهاوت ، فالمسلمون في ظل السلطة السياسية المهيمنة التي يعتبرها كاتبنا الروائي مأخذا لم يغب عنهم إرساء العدل الاجتماعي والسعي للعلم ودعم أهله وتشجيعهم ، فشهدت هذه الفترة أعظم علماء التاريخ قاطبة كالكندي والفارابي والرازي وابن باجة وابن طفيل وابن رشد وابن النفيس وغيرهم ممن اهتدت البشرية بعلمهم حتى الآن . إن تاريخ المسلمين يحتاج إلي فهم ووعي بقلب مفتوح لا من خلال حرب طواحين الهواء، وإدراك دور المسلمين في صنع الحضارة يحتاج إلي تمعن وبصيرة . وأختم برد أحد العظماء علي سائل له عن قيمة المسرح والسينما في زماننا فقال له : يوم كنا قادرين علي صنع التاريخ لم نكن في حاجة لتمثيله وأن اجتراره وتمثيله هو دليل عجزنا عن صنعه . فندعو الله أن يهدينا إلي طريق نصنع به تاريخنا بأيدينا وأن يجنبنا العجز الذي يضطرنا لتمثيله . مؤرخ مصري