داخلية غزة: إسرائيل تسعى لنشر الفوضى وزعزعة الاستقرار الداخلي    الكرملين: يجب تذكير الولايات المتحدة بأنها الدولة الوحيدة التي استخدمت السلاح النووي    مصرع أب وإصابة نجله في تصادم سيارة ربع نقل مع دراجة نارية بالفيوم    انطلاق مهرجان ليالي مراسي 1 يوليو.. بهاء سلطان ورامي صبري في الافتتاح ونانسي وحكيم بالختام    إسرائيل اليوم: نتنياهو اتفق مع ترامب على إنهاء الحرب في غزة خلال أسبوعين    الحرس الثوري الإيراني: أمريكا تدخلت في الحرب لإنقاذ الجنود الإسرائيلي «المساكين»    رئيس المصري يضع خارطة الطريق للنهوض والارتقاء المستقبلي    مشاهدة مباراة مصر والبرتغال بث مباشر في كأس العالم للشباب لكرة اليد    «شيمي» يبحث تعزيز العلاقات الاقتصادية مع وزير الاستثمار المغربي (تفاصيل)    أسلاك الكهرباء تتسبب بإشعال النيران في سيارة تحمل كتان بالغربية    إزالة حالتي تعدٍ لمزارع سمكية شمال سهل الحسينية على مساحة 42 فدانا جنوب بورسعيد    محمد رمضان يحيي حفلا بالساحل الشمالي يوليو المقبل    «التأمين الشامل» تستعرض تجربة مصر في تحقيق الاستدامة المالية ضمن «صحة أفريقيا 2025»    وزير الخارجية ونظيره البولندي يعربان عن تطلعهما لترفيع مستوى العلاقات بين البلدين    فيفبرو يطالب فيفا بإعادة النظر فى مواعيد مباريات كأس العالم الأندية    بعد 16 عامًا من الانتظار..توجيهات عاجلة من محافظ الأقصر بتسليم مشروع الإسكان الاجتماعي بالطود    محافظ الجيزة: مشروعات حيوية لرفع كفاءة البنية التحتية وتحسين جودة الخدمات    رونالدو عن تجديد عقده مع النصر: نبدأ فصلا جديدا    انطلاق اختبارات المقاولون العرب الخارجية من نجريج مسقط رأس محمد صلاح    اعتماد الحدود الإدارية النهائية للمنيا مع المحافظات المجاورة    10 فئات محرومة من إجازة رأس السنة الهجرية (تعرف عليها)    الباركود كشفها.. التحقيق مع طالبة ثانوية عامة بالأقصر بعد تسريبها امتحان الفيزياء    ارتفاع شديد في درجات الحرارة.. طقس المنيا ومحافظات شمال الصعيد غدًا الجمعة 27 يونيو    ب4 ملايين جنيه.. «الداخلية» توجه ضربات أمنية ل«مافيا تجارة الدولار» خلال 24 ساعة    رئيس جامعة حلوان يهنئ الرئيس السيسي والشعب المصري بحلول العام الهجري الجديد    «الأعلى للثقافة» يوصي بإنشاء «مجلس قومي للوعي بالقانون»    ب «حلق» ونظارة شمسية.. عمرو دياب يثير الجدل ببوستر «ابتدينا» ولوك جريء    «الحظ يحالفك».. توقعات برج القوس في الأسبوع الأخير من يونيو 2025    «الأعلى للآثار»: تنظيم معرض «مصر القديمة تكشف عن نفسها» بالصين نوفمبر المقبل    تسليم 16 عقد عمل لذوي الهمم بالقاهرة    خلال مؤتمر «صحة أفريقيا».. إطلاق أول تطبيق ذكي إقليميًا ودوليًا لتحديد أولويات التجهيزات الطبية بالمستشفيات    فحص 829 مترددا خلال قافلة طبية مجانية بقرية التحرير في المنيا    السبت المقبل .. المنيا تحتفل باليوم العالمي للتبرع بالدم 2025    شاهد.. أرتفاع إيرادات فيلم "ريستارت" أمس    الخارجية الفلسطينية: عجز المجتمع الدولي عن وقف "حرب الإبادة" في قطاع غزة غير مبرر    ميرتس: الاتحاد الأوروبي يواجه أسابيع وأشهر حاسمة مع اقتراب الموعد النهائي لفرض الرسوم الجمركية    أمانة العمال المركزية ب"مستقبل وطن" تختتم البرنامج التدريبي الأول حول "إدارة الحملات الانتخابية"    محافظ الجيزة يتفقد مستشفى الحوامدية للوقوف على جودة الخدمات الصحية المقدمة للمواطنين    أفضل وصفات العصائر الطبيعية المنعشة لفصل الصيف    نساء الهجرة.. بطولات في الظل دعمت مشروعًا غيّر وجه التاريخ    ألونسو ردًا على لابورتا: نشعر في ريال مدريد بالحرية    محافظ أسوان يشهد الاحتفال بالعام الهجري الجديد بمسجد النصر    وزير الري يتابع إجراءات رقمنة أعمال قطاع المياه الجوفية وتسهيل إجراءات إصدار التراخيص    جهات التحقيق تأمر بتفريغ الكاميرات فى اتهام مها الصغير أحمد السقا بالتعدى عليها    وفاة والدة الدكتور محمد القرش المتحدث الرسمي لوزارة الزراعة وتشييع الجنازة في كفر الشيخ    أندية البرازيل مفاجأة مونديال 2025    عصمت يبحث إنشاء مصنع لبطاريات تخزين الطاقة والأنظمة الكهربائية في مصر    انتصار السيسي تهنئ المصريين والأمة الإسلامية بمناسبة رأس السنة الهجرية    تهنئة السنة الهجرية 1447.. أجمل العبارات للأهل والأصدقاء والزملاء (ارسلها الآن)    زيادة جديدة فى المعاشات بنسبة 15% بدءًا من يوليو 2025.. الفئات المستفيدة    جهات التحقيق تستعلم عن الحالة الصحية لعامل وزوجة عمه فى بولاق    بعد رحيله عن الزمالك.. حمزة المثلوثي يحسم وجهته المقبلة    بنتايج خارج القائمة الأولى للزمالك بسبب العقود الجديدة    نور عمرو دياب لوالدها بعد جدل العرض الخاص ل"فى عز الضهر": بحبك    إخلاء محيط لجان الثانوية العامة بالطالبية من أولياء الأمور قبل بدء امتحاني الفيزياء والتاريخ    هل الزواج العرفي حلال.. أمين الفتوى يوضح    بمناسبة العام الهجري الجديد.. دروس وعبر من الهجرة النبوية    دار الإفتاء تعلن اليوم الخميس هو أول أيام شهر المحرّم وبداية العام الهجري الجديد 1447    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



النّخبة الأليطة
نشر في المصريون يوم 01 - 06 - 2011

للعامة حكمتهم الكامنة فيما وراء الألفاظ والكنايات العامية من إيحاءات ورموز ساخرة ، تعكس نظرة واعية ؛ وإن كانت تكتفي بالسخرية ولا تزيد .
ومن الألفاظ الشعبية اللاذعة ، التي تحمل شحنة لا بأس بها من الوخز كلمة : أليط .. يطلقونها على الشخص المنتفخ كبرا ، المرتفع صدرًا ، المعني بملابسه أكثر من اعتنائه بمضمونه وحقيقته .
فهم يقولون : فلان أليط ، وهم أُلطة – على وزن همزة ولمزة – ومصدرها العامي : ألاطة.. يربطون ذلك كله بجذر شعبي يوصف به الشخص الآدر ...
والنخبة كما وردت بالمعاجم ( وبستر 440/ 1994 – لونجمان 415/1993 ) هي مجموعة أو جزء من مجموعة مختارة تكون أكثر تميزًا – عرقيًّا أو وظيفيًّا أو اجتماعيًّا – قياسًا بحجمها ..
وهي – في الواقع الذي نراه – قد تكون انتسابًا أسريًّا ، كالأتراك وأسرة محمد علي – أيام زمان – وبعض الأسر الحاكمة حاليًّا ، من أولئك الذين يصعب أن يتزوجوا من غيرهم ، أو يخالطوهم بسهولة ؛ إحساسًا بالتميز والنخبوية .
- وقد تكون نخبة اصطناعية ، افتعلتها مجموعة فكرية كاليساريين (بتوع الستينيات) الذي اصطفّوا الآن إلى جهة اليمين ، وصاروا خواجات ربما أكثر من الخواجه توني بلير نفسه .
- وقد تكون مجموعة منسوبة لمصدر ثقافي مشترك كخريجي أوكسفورد أو كمبردج ، أو الجامعة الأمريكية في القاهرة التي أخرجت نخبة تحكمت كثيرًا في المسار الفكري والسياسي العربي في الآونة الأخيرة ، منها : قسطنطين زريق وجورج حبش وليلى شرف ونديم البيطار وأحمد الخطيب ووديع حداد وهاني الهنداوي ناهيك عن الموالين اللصيقين كسعد الدين إبراهيم وسعيد العشماوي ، وغيرهما من الإخوة المتعاونين .
- وقدتكون النخبة من رؤوس المنتسبين لحزب سياسي يضع نفسه فوق الأمة ، وفوق الأحزاب ، وفوق التاريخ والجغرافيا ولافتات الأمم المتحدة والمنطق والعقل والشرع .
- وقد نكون من السالكين في منظومة وظيفية ذات خصوصية كأساتذة الجامعة الذين أتمنى أن يكتب عنهم رجل منهم ، فيه نوع إنصاف من النفس ، وإحقاق للحق ؛ ليكشف لنا عن كثير من التهافت والتفاهة ، والزور المقنع بأقنعة من المنهجية الكذوب.
- وقد تكون جماعة دينية ترى نفسها الأعلم والأسلم والأتقى وتنظر لغيرها من المسلمين العاملين للإسلام ، أو المشغولين بهموم الحياة نظرة استعلاء هي مزاجٌ من الشفقة و"القنعرة" والإحساس بالزعامة ، والرغبة في فرض الذات ، وتدخل الآخرين جهنم من أوسع أبوابها ، أو على الأقل تراهم يستحقون ذلك .
وقد تبلورت في مصر منذ أوائل القرن طائفة وصفت نفسها – أو وصفها الإعلام – بأنها الصفوة أو النخبة Elite- ولعل العامة أخذوا منها لفظ : أليط ، إن لم يكونوا قد اشتقوه من وصفهم للآدر ، الذي تثقله أدرته ، فيقوس ظهره للوراء ، ويرفع رأسه لأعلى !! وهؤلاء الناس (الإيليت ) اشتهروا بأنهم يحملون همّ الثقافة والارستقراطية – وإن خرج كثير منهم من أعماق الريف – فصار أحدهم يتهم أهله بالتخلف ، ويتأفف منهم ، ويحتقرهم ، وبات أعظم طموح هذا المنسلخ أن يجالس أهل الصالونات من ذوي الملابس الرسمية ، وأن يصب نفسه في قوالب الكبار ( الفرنسيين والإنجليز والأسرة الحاكمة آنذاك ) فهو يتشدق بألفاظهم ، ويحاول أن يمشي مشيتهم ، ويلبس لباسهم ليصير كالغراب الذي هجر مشيته كي يقلد مشية القطاة ، فنسي هذه وعجز عن تلك .
وقد سخر العبقري عبد الله النديم – رحمه الله – من أهل الألاطة في العدد الأول من " التنكيت والتبكيت " من خلال شخصية ( مسيو زعيط ) الذي عاد من أوروبا مصابًا بالصَّعر من عوائد أهله ولغتهم ، وأحوالهم ، ونسي اسم البصل الذي تربى على (فحوله) فأخذ يحدث أمه البسيطة عن ذلك البتاع :
- اسمه إيه يا بني ؟ الفلفل ؟
- نو .. نو .. ال .. دي .. البتاع اللي ينزرع .
- الغلة يا بني ؟
- نو .. نو .. دي اللي يبقى له راس في الأرض
- والله يا بني ما فيه أونيون ... دا لحم ببصل
- سي سي .. بصل .. بصل !!
وعبر هذه النخبة ظهر من يؤيد الاحتلال الإنجليزي لمصر بقوة ومن كان يدعو للانتساب للغرب ؛ كفرًا بالشرق ، ومخاصمةً للجغرافيا ، والتاريخ والوطنية ، والواقع ، والدين ،
ومن كان يلعن "سنسفيل" الإسلام والمسلمين .
وعبرها ظهرت بواكير الدعوات المتمردة على الإسلام عقيدةً وشريعة ومنهاج حياة : الدعوة للعامية، والدعوة للفرعونية والدعوة للعلمنة .. إلخ
ثم تبلورت هذه النخبة بعد ذلك في قوم مغسولي الأدمغة والقلوب ، والتوجهات ، استزرعوا فيما وراء البحار ، وتعرضوا لعملية تلقين هائلة ، عادوا بعدها نخبويين صفويين أليطين ، يستنبتون في البلاد الشيوعية والإلحاد ، أو العلمنة والحداثة والاغتراب ، بدلاً من الأصالة والرغبة في الانبعاث ومقاومة السلبيات .
وإنك لواجد الكثير من الحديث عن هذه النخبة (النرجسية) كثيرًا في مظانّه ، وهي ليست محور حديثي ؛ بل إن لي حديثًا عن نخبة أخرى تعيش على الإسلام ، وتظلمه ، وتوهم نفسها والآخرين أنه بدونها لن يكون إسلامٌ صحيح ، ولا فكر قويم ، ولا رؤية صائبة .
ونحن إذا تحدثنا عن الانتخاب المبني على جملة من المزايا الموجبة للتميز ، لقلنا – دون تردد - إن أعلى النخب التي عرفها البشر هي نخبة ( المصطفين الأخيار ) وعلى قمتهم سيد الأولين والآخرين محمد ( المصطفى ) عليه وعليهم صلوات الله وسلامه ، فقد كانوا نخبةً إيمانية وعقلية واجتماعية ، انتخبها واختارها – بعد أن صنعها على عينه - العليم الخبير سبحانه .
وقد تحدث القرآن عن اصطفاء هذه النخبة في عشرة مواضع منها قوله تعالى : [ وإنهم عندنا لمن المصطفين الأخيار] (ص: 47 ) ، وقوله تعالى : [ إن الله اصطفى آدم ونوحًا وآل إبراهيم وآل عمران على العالمين ] (آل عمران : 33) وغير ذلك .
ووردت لفظة : الاختيار – أيضًا - بمعنى الانتخاب للبشر المميزين سبع مرات ، مثل قوله تعالى : [ واختار موسى قومه سبعين رجلاً لميقاتنا] ( البقرة : 155) ، وقوله تعالى : [ وأنا اخترتك ، فاستمع لما يوحى ] (طه : 13) .
كما ورد ما يفيد معنى الانتخاب والاصطفاء في السنة المشرفة كقوله صلى الله عليه وسلم عن نفسه : ( أنا سيد ولد آدم يوم القيامة ، ولا فخر بيدي لواء الحمد ولا فخر . وما من نبي يومئذٍ – آدم فمن سواه – إلا تحت لوائي ، وأنا أول من تنشق عنه الأرض ولا فخر ) ( الترمذي : 3618/ مناقب – بسند حسن ) ،
وقوله عليه الصلاة والسلام : [ أعطيت خمسًا لم يعطهن أحد قبلي .. الحديث ] ( البخاري 1/369، 370- مسلم 521 ، النسائي 1/210 )
وقوله صلى الله عليه وسلم :[ إن الله خلق الخلق فجعلني من خير فرقهم ، وخير الفريقين ، ثم خير القبائل فجعلني في خير قبيلة ، ثم خير البيوت فجعلني في خير بيوتهم ، فأنا خيرهم نفسًا ، وخيرهم نبيًّا ] راجع المزيد في جامع الأصول
8/ 525 وما بعدها .
لذلك فإن الصفوة من الرسل والأنبياء هم سادة البشر الحقيقيون – وإن رغمت أنوف الذين انتقصوا منهم
( في هوجة) الكتابات الأخيرة – أرقهم قلوبًا ، وأصفاهم نفوسًا ، وأكثرهم مزايا ، وأعلمهم برب البرايا سبحانه وتعالى .
ويلي هذه النخبة – التي يستحيل أن تنافس – نخب من الحواريين وأتباع الأنبياء ، الذين عزّروهم ، ونصروهم ، وآثروهم على الأبناء والآباء والناس أجمعين ، ثم الإضاءات التاريخية لمجموعات من العلماء والأئمة ، يلمعون في سماء الأمة عبر تاريخها الماضي والحاضر والمقبل ..
وإذا كان بين هذه النخب من قاسم مشترك ؛ فإنه العلم بالله تعالى ، والرفق بالناس ، وحب الخير والحق ، والانكسار والتواضع مع الخلق ، فلا ترفّع ، ولا استكبار ؛ حتى إن الجارية كانت تأخذ بيد رسول الله صلى الله عليه وسلم تطوف به في المدينة ما يمتنع منها ، وحتى إنه صلى الله عليه وسلم دعا أن يكون مع المساكين ؛ فهم مادّة الإسلام ، وعصبه ، يدخلون الجنة قبل غيرهم بكذا وكذا من السنين .
واقرأ عن مناقب أولئك في أبواب المناقب في كتب السنة كلها ، وفي الاستيعاب ؛ وأسد الغابة ، وجامع الأصول ، وأخلاق العلماء للآجري ، وفي إعلام الموقعين عن رب العالمين وفي جامع ابن عبد البر ، وسير أعلام النبلاء وغيرها تجد العجب العجاب عن تمز نخبنا التي نباهي بها ، من المرسلين والأصحاب ، والتابعين ، والأئمة المرضيين .
ولعل من أعظم ما يميز الرجل كبير الهمة ، راجح العقل ، غزير العلم ، أنه متواضع قريب لين ، تستطيع – بسهولة – أن تحادثه ، وتؤاكله ، وأن تجد منه طلاقة الوجه وحلاوة اللسان .
ولا ينبسط للكريم إلا الكريم ، ولا يتواضع للناس إلا العظيم ولا يبكي من أجل الناس إلا الرحيم ..
أما اللئيم فهو غير ذلك ، أما (النخبوي أونطة) فهو غير ذلك :
جلس النبي صلى الله عليه وسلم مع مستكبر يأكل بشماله ، فلما قال له : كل بيمينك ، ضرب عليه عرق الهيافة ، والإحساس بالذات ، فقال من طرف أنفه : لا أستطيع ، فدعا عليه المصطفى صلى الله عليه وسلم : لا استطعت ، فما رفعها إلى فيه .
وأحمق (نخبويٌّ) ثان يمر بمالك بن دينار ، وحين رآه مالك معجبًا بنفسه قال له : شوية شوية : رويدك أن ينفجر فيك عرق ، أو تطير كالبالون في الهواء ، فاستدار أخونا المنفوخ ، وهو يهز الميدالية الذهبية ، ويثبت النظارة الكارتييه على أنفه ، ( وخَنَف ) في عتوّ ونفورّ:
إنت مش عارف أنا مين ؟!
فقال مالك : بل أعرفك جيدًا ، ولا يخفى عليّ أصلك :
كنت نطفة مهينة مذرة ، وتصير جيفة مدوّدة قذرة ، وأنت فيما بين الكون والصيرورة تحمل بين جنبيك العذرة ،
فبهت الذي انتفخ .
وقد يؤدي هذا الإحساس بالنخبوية (والعنطظة) إلى درجة إبليسية ، تذكرنا بغباء إبليس الذي أبى واستكبر وكان من الكافرين :
مرت امرأة لا تعرف الطريق جيدًا ، فسألت أحد المارة :
يا عبد الله : كيف الطريق إلى مكان كذا ؟
فقال لها في أبلسة نخبوية : أمثلي يكون من عبيد الله ؟ !
ومنفاخ آخر خطب الناس بالبصرة فأحسن وأوجز ، فنودي من نواحي المكان : كثّر الله من أمثالك ،
فقال – وبئس ما قال - : لقد كلفتم الله شططًا !!
وأنا لا أشك في أن هذه النخب – وإن ارتفعت في بعض السنين –لأنها أحسنت التسلق ، فإنها تنكشف ، وتنفضح ، ويخرج الله
– ثم التاريخ – ما كان خبيئًا ..
لكن ما يوجع قلبي ، ولا يسيغه عقلي هو أن روح الاستعلاء نشبت – حتى – في حلوق نخبة من نوع آخر :
أنيقة برغم حديثها عن البساطة ،
مستنيرة رغم أن ذيولها رجعية (!!)
مستكبرة رغم دعواها التواضع ،
تتحدث عن حرية التفكير رغم كونها تصادر الآخرين ، وتغمزهم وتعزو أسباب تفكك الأمة ، وانكسارها الحضاري ، وتخلفها التقني ، والفني ، والزراعي والكروي إلى هؤلاء الآخرين !!
إنها نخبة من المفكرين تعيش على العلم الإسلامي لكنها تترفع عليه ، وتقتات من التراث وتتنقصه !!
وهي تمتاز بجملة ملامح تجعلها فصيلة مستقلة . ومن ملامح أولئكم البعداء أنهم :
يتحلون – كما أشرت آنفًا – في نظرتهم إلى العمل الإسلامي بقدر لا بأس به من الاستعلاء ، والكبر ، وينظرون إلى فرقِهِ كلها تقريبًا بتشامخ ، ويكادون يحكمون عليها بأنها جميعًا هالكة ، وليس فيها خير ، فاسدة يأكلها السوس ، ترواح بين تشدد الخوارج ، والتنطّع السلفي ، والتساهل التبليغي ، والجهل الأزهري ، في حين يملك أحدهم – وحده – مفاتيح النجاة ، وصواب الرؤية ، وحسن الفهم ، وربما كتبوا هذه صراحة في بعض آثارهم .
وكتاباتهم تعكس هذا الاستعلاء ، إذ يميلون إلى الإغراب والرمز والتقعر المفتعل ، ويفتشون عن حوشي الألفاظ ، ووحشي العبارات [ على طريقة النحوي بتاع : أصقعت العتاريف ؟ زقفلم ] يظنون أن هذا يضفي عليهم سيما الثقافة ، فالجمل وعرة متكلفة ، والمصطلحات عديمة الأصل والشرف ، تعكس روح التفيهق ، وتملأ الشدقين جميعًا لضخامتها ، وغرابتها ، والتصاقها بالحلق والأسنان ؟؟
جُسْ خلال كتابة أحدهم ، ولن تعدم سيلاً من الألفاظ من ماركة الإسلام الإسكولاستيكي ، والبطريكية الإسلامية ، والفكر الأرثوذكسي ، والاستلاب والاستبطان ، والفعل والأيض والغثائية والكهنوتية ، والانبطاح والإقلاع ، مما يجعل القارئ المحايد يجزم بأن سيدنا (المسقّف) إنما يكلم نفسه إذ لن يقرأ هذه اللغة المتكبرة إلا هو نفسه وبقية السادة المتورمين أعضاء نادي الألاطة – إن تواضعوا وقرؤوا –
وأدعوك قارئي إلى أن تُمتع نفسك بوليمة حداثية متكبرة على مائدة محمد أركون ، أو حسن أبو خشبة – مجتهد الزمان – ومن يقلدهم من النخب الأليطة ، لتغثى نفسُك ، ولتصل إلى يقين بأن هؤلاء الناس أحد اثنين :
فإما أنهم لم يفهموا شيئًا من الإسلام على الإطلاق ،
وإما أن العالم كله – قبلهم – لم يفهم شيئًا منه .
وأذكر أنني حضرت ندون عن الثقافة في إحدى الجامعات ، شارك فيهاعدد من مدمني هذه العبارات اللزجة ، واستمرت لثلاثة أيام طلعت فيها روحي وكنت خلالها أستغيث الله : ويلكم ماذا تقولون ؟
وفي ختام الندوة قام رجل مباشر ، واضح ، سهل العبارة ، اسمه يوسف القرضاوي ، فتكلم بمفردات شديدة السهولة ، شديدة الوضوح ، شديدة الإقناع للعقل والقلب ، فاندهشت وقلت : سبحان الله ! هذا الرجل يحمل (ألف دال ) وهم يحملون (الألف دال ) وهو مفكر وهم مفكرون ، فهو إما غريب عن الندوة وإما أن يكونوا دخلاء .. لكنني وجدتهم في نهاية الندوة يصفقون له ، رغم أنه مسح كلامهم بأستيكة ، وكان كالشمس تزيل الضباب ، وتوضح الرؤية ، ويهرب منها الأشباح
علاقتهم بشباب العمل الإسلامي محدودة – إن لم تكن معدومة – وأزعم أن منهم من لم يجالس الشباب من سنين ، فهو رجل متبتل في برجه العاجي ، أو شرنقته النخبوية ، دون نزول فعلي للساحة ، فلا مسجد ، ولا محاضرة ، ولا درس ، ولا يحزنون ،
وبضاعتهم الرئيسة هي الكتابة الاستعلائية الأليطة ، في حين تلح حاجة الجفاف الدعوي لعلماء دعاة يرشَّدون جموحهم ؛ حتى لا نعود لنبكي سوء الحال ، ونشتكي من تطرف الشباب الذين
لا يعقلون ، ولا يحترمون ، ولا يقدّرون .
فالتصويب الميداني ، والمناصحة العملية مسألتان ضروريتان
حتى لا نكون كالذي يؤنّب شخصًا في مجاعة ، لأنه لا يأكل في طبق كريستوفل بالشكوكة والسكين ، والفوطة على صدره ، فيما المسكين يتضور حالمًا بحفنة أرز أو كسرة خبز ، لا ببسكويت المحروسة ماري أنطوانيت بنت معرفش مين .
وهذا الترفع والتحليق غير المبرر يجعلهم – في كثير من الأحيان – أقرب لرموز العلمنة والاغتراب واليسارية ، يتحدثون عنهم بمنتهى الرفق والرقة ، والمداراة وهدوء الأعصاب ، في حين يتحدثون بعصبية (وقرف) عن ممارسات الجامدين المتزمتين ممن ينتسبون للعمل الإسلامي المسكين ..
لقد رأيت أستاذًا يرأس كرسي الثقافة الإسلامية في السربون يلعن (أبو خاس ) جارودي في حديث عن الأساطير الصهيونية ، ويرفع – في الوقت نفسه – من سلمان رشدي ، ويعتبره مبدعًا جديرًا بالمساندة !!
وقرأت لمن (يشمأنط ) حين يسمع اسم ابن باز في حين تتهلل أساريره عند ذكر الأسود العنسي والسهروردي وأبي نواس ، وسمعت من يتهم ابن تيمية بالفساد في حين يمدح (أبا عشم ) المجدد الصالح المصلح .. الجريء – كأضرابه – على السلف وأطروحاتهم ، الذين يتهمهم بمنتهىالدبلوماسيةوالمنهجية!! واللذع الأفعواني المهذب .
وهم مولعون جدًا بالمؤتمرات ، والجلسات النخبوية ، مدمنون لهواية التوجيه والتقويم والترشيد والتنظير وال .. للعقل الإسلامي (الطايش)
إنهم لامعون ، منشّون ومطرون ، يتسابقون للحديث من آخرين لا يهمهم كثيرًا التعرف على الإسلام – وهم يعرفونه كما يعرفون أبناءهم – بقدر ما يهمهم الحصول على تنازلات ممن يتحدثون باسم الإسلام .
وهم غالبًا الممثلون للعقل الإسلامي ، اشتروه ، وسجّلوه بأسمائهم وأسماء آبائهم في الشهر العقاري (بتاريخ الاستنارة) فهم في كل مؤتمر ، وكل ندوة ، وكل محل فيه فلاشات ، ومانشيتات وكاميرات دوارة ، وفضائيات ، وبرامج بث مباشر ( كده وكده ) .
ومن ملامحهم التي تعكس تناقضهم : أنهم يطالبون بحوار عقلاني ، وتفاهم علمي ، وأخذ بروح الإسلام وخطوطه الكلية ..
فإذا دار في مجلس حديث ينادي بإلغاء السنة ، فلا بأس ، هذه حرية رأي ،
حديث يشكك في القرآن ، ماشي نعطيه فرصة ،
يطعن في المعلوم من الدين بالضرورة ، وماله ؟ نحن نرحب بالحوار ،
يعبث ويخنق التراث ، هذه مناقشة علمية ، وهذا حديث كبار وأساتذة جامعة ..
فإذا جاء شاب مسكين يبحث عن التزام بسنةٍ في هيئته أو منطقه أو نظام حياته ، وظنوه قد أخطأ أو أساء ، فيا ويله ويا سواد ليله ، وهات يا ألفاظ من ماركة ضيق العطن ، والتسرع ، والتطرف ، وال .. وأخرجوهم من قريتكم .. اقتلوا الجاهل أو اطرحوه أرضًا !!
وهم يملكون مقدارًا جيدًا من المرونة التي تنجي من الشدائد ، فهم دائمًا في (السيف سايد ) تصفهم (النخبة) العلمانية بالاستنارة ، والدعاة الفندقيون بالوعي واليقظة والخصوم المقاربون بالاعتدال ، ووسائل الإعلام (المنصفة) بأنهم المفكرون اللي مفيش بعد كده .
إنهم قوم يحسنون التأتي ، ويملكون أنوفًا ذات حساسية لمعرفة اتجاه الريح ، وهي موهبة لا يملكها – عادة – السذج والمباشرون ، والمحتسبون .
وهم يستطيعون – لا أدري كيف – الكلام في كل شيء ، في هموم الأمة الاقتصادية والخصخصة والبورصات ، وفي ملامح الخلل الاجتماعي ، والسياسة الشرعية ، ودقائق المسائل العلمية والتجريبية ، والديمقراطية الإسلامية والليبرالية المحمدية ، وحقوق المرأة وهيمنة الفكر الذكوري الاستبدادي وسعر الحرنكش وممارسات النظام العالمي الجديد ، وتصميم مركبات الفضاء ، وعيوب التصميم القديم لمحركات الديزل ..
كل شيء يعرفون ، فلا شيء مستحيلاً ، ولا شيء يقال فيه لا أعرف .. تمامًا كاللغوي الخنفشاري الذي كان يستطيع – على البديهة – أن يأتي بشاهد من اللغة على أية كلمة ، فلفق له بعض العيال المشاغبين كلمة ، اختار كل واحد منهم حرفًا من حروفها ، ثم سألوه : يا مولانا النخبوي : أتعرف الخنفشار ، فأجاب دون أن تطرف عينه : إنه مادة ينعقد به الحليب ، قال ابن معرفش مين :
لقد عقدت محبتكم بقلبي كما عقد الحليب الخنفشار
ويله من ( باكس ) صفيق الوجه !!
وحبايبنا النخبويون حريصون جدًا على المواقع المبهرة المدوية ، فتجدهم في المراكز العربية والعالمية قد أخذوا بتلابيب ونواصي كراسي الثقافة الإسلامية والعقيدة والفلسفة والإعلام وما شابه ،
ورغم هذا فإن الكثرة الكاثرة – كما أشرت من قبل – غير مقروئين ، وغير اجتماعيين ولا معايشين للناس ولا للواقع والدعوة .
لقد رأينا كبار رؤوس العمل الإسلامي – المؤثرين – أناسًا
( زيّنا) : أبناء نكتة ، وسماحة وجه ، وحسن معشر ، ومعايشة للواقع .
وجدناهم أليفين مألوفين ، باشين ودودين ،
فهل يتعلم أهل الألاطة ، أم يصرون على أن يبقوا بعيدين عن المجتمع والشباب والدعوة الميدانية الفعلية ، لا يتكلمون إلا من أنوفهم ، ولا يشيرون إلا بأطراف أصابعهم ؛ حفاظًا على (البرستيج) النخبوي المزعوم ؟!!
ورغم أن الثياب والهيئة ليست مقياسًا نهائيًا وفاصلاً في الالتزام وعدمه ، فإنها – على كل حال – تبقى ذات دلالة ، فالثياب في كل المجتمعات وعند دارسي الأنثروبولوجيا هي بطاقة هوية ، تعكس المستوى الاقتصادي والاجتماعي والعقيدي والأخلاقي للابسها .. لا شك في هذا .. وأهل الألاطة – في ظني – غير حريصين كثيرًا على مجرد اللمسة الإسلامية المميزة ، فلا لحية ، ولا شارب ، ولا أية علامة ، مع أن العربي يقول إن شبيه الشيء منجذبٌ إليه ، والطيور على أشكالها تقع ، ومع تصريح سادتنا العلماء بأن المشابهة في الزي تورث المحبة والميل لأهله .
وتدفعني هذه النفثة إلى افتراض – لا قدر الله – أن يتبلور اعتقاد فكري عام في فترات مقبلة بأن النخبة ستعتبر نفسها جماعة الحق الوحيدة التي قال عنها النبي صلى الله عليه وسلم [ لا تزال طائفة من أمتي ظاهرين عن الحق ] وبناء عليه سيطالبون بقمع صور الباطل والجهل والضلال معتزلة المأمون الذين سجنوا العلماء وذبحوهم وأرهبوهم .. رغم إعلاء المعتزلة للعقل والعدل والحرية ..
ولماذا أفترض ؟ إنه فعلاً حاصل ..
يالله للعقل والحري


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.