أخذنا على عاتقنا منذ سبع سنوات تقريبا متابعة المشهد الاعلامي التونسي عبر ماينشر على شبكة الواب.رحلة السنوات السبع أتاحت لنا فرصة ذهبية تعرفنا خلالها على ماتطرحه المعارضة التونسية من مواقف واراء في سنوات التراجع السياسي مقارنة بما عرفته البلاد من طفرة اعلامية وسياسية في حقبة الثمانينات,سنوات أمل وألم قضيناها وراء شاشات الحاسوب متأملين ودارسين لمفاصل المجتمع الأهلي المعارض تجربة بقدر ماحملت لنا الثراء في حياتنا اليومية والعملية ,فانها اقترنت بكثير من المشقة والاكراه والمعاناة وكانت محصلتها التفرغ للدراسة الأكاديمية لعلوم الاتصال والاعلام وذلك رغبة منا في ممارسة راقية لأدوات مهنة المتاعب بين جولاتنا تلك وعمليات الغوص والبحث في بحار العمل الدعائي والاعلامي التونسي الحكومي والمعارض ,لم تخطئنا الطريق عندما عثرنا على كنوز ثقافية ومعرفية وفكرية وسياسية ونحن نبحر بين مفاصل أشهر المواقع العراقية والليبية والمصرية والخليجية عوالم أخرى اكتشفناها وبحار بلا حدود سبحنا فيها حتى أيقنا أن الانفجار الحاصل في عوالم المعلومات والتطور الهائل في وسائل الاتصال هو أكبر من أن تغطيه قدرات بشرية فردية أو حتى جماعية غير أن اللافت للنظر من خلال هذه التجربة في الابحار هو أن ماروج له طيلة سنوات طويلة من خلال الدغمائية السياسية والتوتر المفتعل في العلاقات بين دول الجوار كان مجرد أوهام تتناقلها ألسنة الناس,فما روجت له الاشاعة السياسية المقصودة والمدبرة في الشارع التونسي عن الشعب الليبي كان مجرد ترهات وتفاهات وسذاجات ,اذ أنني أيقنت اليوم بأن العمل السياسي والوطني والاعلامي في ليبيا لايقل شأنا عن شقيقه في تونس ,بل انني أسمح لنفسي وبكل أمانة بالقول بأن مابلغته النخبة الليبية من نضج سياسي وفكري واعلامي يكون حسب تقدير رصدي على مدار أشهر صارمة أكثر تطورا وحبكا وانسجاما مما هو عليه واقع النخبة والمعارضة في تونس اليوم ولعلني بالتجول بين ثروة من المعلومات قدمتها مؤسسة المنار للاعلام ومنتدى ليبيا للتنمية البشرية والسياسية ومواقع أخبار ليبيا وليبيون من أجل العدالة بالاضافة الى مواقع قريبة من الجهات الرسمية فوجئت بالتخلف الحاصل لدينا معشر التونسيين في مواكبة هذه النهضة الليبية الحديثة في مجالات الفكر السياسي والتقنية الاعلامية المعاصرة شهادة أخرى أقدمها بين يدي القارئ الحصيف والموضوعي حول ماحققه الاخوان العراقيون في مهاجرهم ومنافيهم من تطور ابداعي وفني وثقافي وفكري وسياسي من خلال مايعكسونه من هموم وقضايا في مواقع الواب,فاللافت في هذا المجال أن تحدي المنفى تحول الى حركة ابداعية احتضنت من منافيها تجارب ميخائيل نعيمة يوم أن حول منفاه الى شموع مضيئة بدل لعنة الظلام,فكانت بذلك ثورتهم على الظلم والقهر والغربة والتشرد والنفي ضمن حركة اعلامية ابداعية في مختلف المجالات تجوالي وترحالي بين مواقع فكرية وثقافية يشرف عليها بعض الأصدقاء العراقيين من منافيهم أشعرني بدفئ الاحتضان وبساطة الانتماء الى وطن عريق أهله أكبر من القهر والاحتلال,ولعل قلوب مواطنيه احتضنت كتاباتي ورحبت بها كما لو كنت عراقي المولد والأصل والمنبت,حتى أنني تأملت فيما أصابنا معشر التونسيين من تمزق وكراهية أحيانا وتذكرت في خجل بعضا من ممارسات العمل الدعائي الذي تمارسه بعض أحزابنا أحيانا باسم الاعلام وبلا شك فانها فرصة للوقوف على ماأصابنا معشر التونسيين أو ربما أقصد المتحزبين منا والرسمميين من خلل في فهم الفرق الواسع والشاسع بين مهمة الدعاية ومهام الاعلام ,ولعله من الواجب هنا الوقوف على أقوال الأكاديمين والمتخصصين من أجل بيان هذه الفوارق واستخلاص العبر والدروس من اجل تخليص وسائل الاتصال لدينا من سقطات تنسب باطلا للعمل الاعلامي,وقبل كل ذلكم أتوجه بالشكر الى كل الذين فتحوا منابرهم ومواقعهم وصحفهم خارج تونس أو داخلها للحقيقة والموضوعية واليقظة والتنوير والتفاهم والمشاركة من أجل الحصول على ثقة الجماهير الدعاية سلوك منبوذ أوردت الدكتورة منال طلعت محمود في كتابها مدخل الى علوم الاتصال تعريفين للدعاية بأنها أولا" تعبئة القوى العاطفية والمصالح الفردية بقصد حالة من التشتت الذهني أو الغموض الفكري التي تسمح بتسيير عملية الاقناع لفكرة معينة أو مبدأ ما وربما كان من العسير أن يتوصل اليه الفرد لو ترك لمنطقه الذاتي ودون أي ضغط معنوي أو توجيه فكري ,وأما التعريف الثاني فقد جاء فيه بأن " الدعاية تلك العملية النفسية والتي يقوم على أساسها الشخص الى تغيير الرأي أو السلوك أو تعديل أي منهما أو كليهما استنادا الى الكذب أو الى خلق نوع من الاثارة النفسية بحيث انه ما كان يمكن أن يميل الفرد الى ذلك الرأي لو لم يخضع لعملية تشويه للوقائع أو لمنطق الحقيقة - انتهى التعريف وحينئذ فان الدعاية عملية سلبية و غير أخلاقية بحكم أنها لاتقتصر على مجرد نقل الخبر بل انها تحاول اقناع الناس باراء وأفكار اعتمادا على أساليب غير نظيفة كما انها قطعا تفترض التضليل والتشويه والتلاعب بمنطق الحقائق ,أما عن غاياتها فهي تغيير سلوك ما وليس مجرد نقل الحقائق بطرق متجردة وموضوعية وقد تتراوح الدعايات بين الدعاية الهجومية التي تحاول عرقلة نشاط اجتماعي لايرغبه الداعي بحكم تنافيه مع مصالحه,وبين دعاية دفاعية للحفاظ على ماهو موجود وقائم وهو ماتعمده دعايات الأنظمة أو ربما بعض الأحزاب النافذة بالاضافة الى ألوان أخرى من الدعايات التي تتعزز في زمن الحرب مع الخصوم وهو شأن الدعايات المضادة والمعززة والمجزئة وبالتأكيد فان هذه الدعايات لاتشكل مشهدا احتكاريا في التعاطي معها من قبل السلطة ولكنها للأسف تشمل في أحيان كثيرة أداء الوسط الاعلامي المعارض,ولعل المقصد من هذا المبحث هو تلافيها وتجنبها من أجل مشهد اعلامي تونسي وعربي حقيقي يفقه المعنى العلمي والسليم للفظ الاعلام من أجل مشهد اعلامي حقيقي يمكن الانطلاق في هذا الموضع من التعريف الأكاديمي السليم للفظ الاعلام ,فهو على حد ذكر المتخصصين فن استقصاء الحقائق والمعلومات والأخبار ومعالجتها ونشرها على أوسع نطاق جماهيري وفي الوقت الملائم من خلال وسائل الاعلام الحديثة والمتنوعة ومن المفيد في هذا الموضع تبيان المادة الأولية للاعلام ,حيث أنها بتحديد من أهل الخبرة والتخصص متغيرات الخبر والرسالة فيما يعد جذبا لاهتمام الباحثين والجمهور على حد سواء أما عن الأثر المرتجى من وراء المادة الاعلامية فهو اليقظة والنمو والتكيف الحضاري وبالعودة سريعا الى الفرق بين الاعلام والدعاية فان الهدف من هذه الأخيرة وأقصد الدعاية هو تحقيق غايات لاتعنى بيقظة الجماهير بل على العكس من ذلك تخديرهم لفائدة نظام الحكم أو لفائدة حزب ما أو هيئة جمعوية ما ,والمنتصر بلا شك في كل هذا ليس قوة التفكير لديهم بل ايقاظ الغرائز وتنمية عقلية القطيع والاتباع دون اعمال عقل أو بصيرة اننا اليوم في تونس ودول الجوار وفي كل أنحاء بلاد العروبة والاسلام بحاجة ماسة الى وسائل اعلام وليس وسائل دعاية تمرر الخديعة والأكاذيب والافتراءات في غفلة من الجماهير والرأي العام المستنير ,وأظن أن مسافة الحكومات وربما حتى البعض من المعارضات عن مشهد اعلامي ثري وتنموي وعقلاني ومتوازن مازالت كبيرة ,ولكن الأمل في الأجيال المتعلمة والواعية والتي تأخذ بجماع تلابيب التجربة العلمية والانسانية المتطورة في هذا المضمار تجعلنا على أمل كبير في ترشيد مسار اعلامنا الوطني والعربي سواء كان حكوميا أو معارضا أو ربما اختار لنفسه الاستقلالية بين هذا وذاك مرسل الكسيبي كاتب واعلامي تونسي[email protected]