"10 بنود"، احتوتها خارطة الطرق التى أعلنت عنها القوات المسلحة فى 3 يوليو من العام الماضى عقب عزل الرئيس محمد مرسي، وبالرغم من حرص بيان الجيش حينها على الاهتمام بتنفيذ كل النقاط التى تمثل أولوية للشارع المصرى، إلا أن نصف تلك الخارطة تم تجاهلها تمامًا ولم يتم تنفيذ أي منها على الإطلاق. وعطلت القوات المسلحة الدستور وعينت رئيسًا مؤقتًا وأعطته صلاحية التشريع، كما تم تعديل الدستور المعطل وإجراء الانتخابات الرئاسية، إلا أن الخارطة تجاهلت بنودًا أخرى، كان على رأسها تشكيل لجنة من الشخصيات العامة، لتحقيق المصالحة بين جماعة الإخوان والجيش، إضافة إلى وضع ميثاق شرف إعلامى، كما تجاهلت تمكين ودمج الشباب فى مؤسسات الدولة، وبدلت الخارطة إتاحة حرية الرأى والتعبير بالقمع السياسى لكل صنوف المعارضة فى الشارع المصرى، فأصدرت قوانين كبلت التحركات الثورية. بعد مرور أكثر من عام على إعلان بنود خارطة الطريق، لم يتحقق من تلك الخارطة سوى تعديل الدستور وانتخاب الرئيس الجديد، ولم يتحقق باقى بنود خارطة الطريق خلال العام. وكانت البداية مع تعطيل الدستور وتشكيل لجنة الخمسين لوضع التعديلات الدستورية المقترحة، وشابت تلك اللجنة خلال عملها أمور عدة، كان على رأسها عدم وجود تمثيل قوى للتيار الإسلامى داخل تلك اللجنة، إضافة إلى نشوب خلافات شديدة بين التيار الناصرى والليبرالى، بسبب رغبة كل منهما فى إصدار ما يحلو له من تعديلات. وعلى الرغم من إتمام لجنة الخمسين عملها، إلا أنها تركت صداعًا كبيرًا حول مواد الشريعة والحقوق والحريات، إضافة إلى تحصين رئيس الجمهورية، الأمر الذى أزال التوافق بين القوى السياسية ونظام 3 يوليو. كما صدر عبر الرئيس المؤقت عدلى منصور خلال الفترة الانتقالية 28 قرارًا، كان أبرز تلك القوانين التى أثارت جدلاً واسعًا، قانون تنظيم بعض إجراءات الطعن على عقود الدولة، وقانون تعديل بعض أحكام قانون المناقصات والمزايدات رقم 89 لسنة 1998 فى 11 سبتمبر 2013، إضافة إلى قانون عدم الطعن على نتيجة الانتخابات الرئاسية وتحصين قرارات اللجنة العليا للانتخابات، والذى أصدره منصور فى يناير 2014 الخاص، وقانون التظاهر والذى صدر بالقانون رقم 107 لسنة 2013. كما شملت قائمة القرارات الصادرة، قانون تنظيم مباشرة الحقوق السياسية، وقانون تنظيم ممارسة الخطابة والدروس الدينية فى المساجد وما فى حكمها من الساحات والميادين العامة. ومع مرور خارطة الطريق، كما رسمتها القوات المسلحة بوضوح شديد، إلا أن بند المصالحة تم تجاهله على الإطلاق، وتم تحميل عناد الإخوان المسؤولية الكبرى فى تعطيل هذا الملف، ما تسبب فى توتر الحالة الأمنية وتزايد العمليات التفجيرية التى طالت مناطق حيوية من بينها مديرية أمن الدقهلية، إضافة إلى مبنى جهاز المخابرات بسيناء، كما ذهب ضحية حالة التوتر الأمنى مئات الضحايا فى صفوف الأمن أو المتظاهرين أو مواطنين مستقلين على السواء. وأما الجانب الاقتصادى، فلم ينجح التشكيل الحكومى الذى أعلن برئاسة دكتور حازم الببلاوى فى التخلص من الأزمات الاقتصادية، وتضاعفت الديون الداخلية على البلاد كما ارتفعت الأسعار، وبات الحديث عن رفع الدعم أمرًا مقلقًا للشارع المصرى طيلة العام الذى حلم بوجود قيادات شبابية تقود الدولة، كما أعلنت خارطة الطريق، إلا أن الأمر لم يتحقق هو الآخر. فى النهاية ومع وصول المشير عبدالفتاح السيسى لرئاسة الدولة عبر انتخابات شابها كثير من القلق بسبب انخفاض نسبة المشاركين فيها، إضافة إلى ندرة المرشحين فيها، إلا أن حمولات السيسى باتت ثقيلة، بسبب تراجع الاقتصاد المصرى، إضافة إلى توتر الحالة الأمنية وغياب مساحات الحرية فى الرأى والتعبير، خاصة مع وجود أعداد كبيرة من المعتقلين من كل القوى السياسية، إضافة إلى أحكام الإعدام التى ظهرت بكثافة خلال الفترة الانتقالية، كلها أزمات يتمنى السيسى أن يتخطاها، لكنها تحتاج لتنازلات كبرى من أجل تحقيق المصالحة والتوافق الوطني. وقال خبراء في تقييمهم ل "خارطة الطريق"، إنه على الرغم من تعديل الدستور واختيار الرئيس، إلا أن الدولة كبلت بقوانين مجحفة، إضافة إلى عدم تحقيق المصالحة السياسية وبناء نظام ديمقراطى ووضع ميثاق شرف للإعلام. وقال الدكتور حسن نافعة أستاذ العلوم السياسية فى جامعة القاهرة، إن الدولة ما زالت مفرغة، موضحًا أن النظام السياسى لم يكتمل ولم يستقر، وهو الأمر الذى يحتاج إلى تصفية جذور النظام القديم وتحقيق دولة القانون، وإلا سنظل فى تلك الدولة المفرغة. وتابع نافعة، أن وصول رجل عسكرى إلى الحكم من خلال انتخابات لا يسيء إلى خارطة الطريق، طالما أنه جاء بالصندوق الانتخابى وبرغبة الشعب، وقد يدير الدولة بطريقة أفضل، ولكن المشكلة أنه لم يتم تأسيس طريق ديمقراطى بشكل جيد حتى الآن. وأضاف نافعة أن النظام الجديد لابد له أن يتخلص من نظامي مبارك والإخوان، حيث يتم تشكيل نظام متوافق، لا تحكّم فيه أغلبية على أخرى، فالفترة السابقة شهدت أغلبية جماعة الإخوان وأتباعهم وأنصارهم، ويأتى الآن مقابل لها أغلبية تابعة للرئيس ضد أقلية التيارات الإسلامية، مؤكدًا أنه لن يستقيم الأمر، إلا بتشكيل نظام ديمقراطى متوافق. فيما أكد يسرى العزباوى باحث سياسى بمركز الأهرام، أن المرحلة الانتقالية، شملت عددًا من التجاوزات، على رأسها إصدار قانون التظاهر، الذى أثير حوله رفض ثورى كبير، كما ظهر على الساحة السياسية حالة "ردح إعلامى"، بسبب غياب ميثاق الشرف الإعلامى، فتحول الإعلام إلى مسرح للردح ما بين مؤيد ومعارض له، ما تسبب فى زيادة حالة الشقاق السياسى، موضحًا أن خارطة الطريق عملية إجرائية بحتة تشتمل على ثلاثة أمور: انتقال البلاد لسلطة تشريعية منتخبة وسن الدستور وانتخاب البرلمان، إلا أنه توجد ثغرات عدة فى تلك الخارطة. وأضاف أن أحد أهم السلبيات أيضًا قانون الانتخابات البرلمانية، لوجود اختلافات حول النظام الانتخابى، وأما الخلاف حول الحكومة الحالية ينبع من استمرار عدد من الوزارات القمعية وغير الجادة، على رأسها وزارة الداخلية التى عادت إلى سابق عهدها، متجاوزة القانون ولا تطبق أحكامه، بحجة أنها تعيد هيبة الدولة. وعن المصالحة، قال العزباوى إن ملف المصالحة يتعامل معه النظام الحالى بنفس غباء النظام السابق، فلا يوجد خطوات لعمل مصالحة، وبشكل مباشر من خلال الإخوان، لعدم توافر أي تنازلات من قبل الطرفين. ومن جهته، أكد الدكتور مختار غباشى نائب رئيس المركز العربى للدراسات السياسية والاستراتيجية، أن خارطة الطريق غاب عنها بناء ديمقراطى قوى عبر تواجد الأيديولوجيات السياسية المتنوعة لكل التيارات والاتجاهات، إضافة إلى وجود خريطة لكيفية تعاملها بالشارع السياسى، وأن تكون هناك معارضة تحترم الطرف الآخر عند وصوله لسدة الحكم. وأوضح أن الانتخابات لابد أن تصل إلى المحافظين والعمد والشيوخ أيضًا، ولا تقتصر على الانتخابات الرئاسية والبرلمانية فقط، كما لفت لضرورة تجنب عدد من التشريعات الصادرة خلال المرحلة الانتقالية، وعلى رأسها قانون التظاهر، مشددًا على أن ملف المصالحة من أهم الملفات للواقع السياسى الداخلى، ويعطى رسالة فى الخارج بأن الإدارة السياسية لديها ملف، ولكن التساؤل هل سيتجاوب التيار الإسلامى أم لا. وأضاف: "هى ما زالت عملية مبهمة من وجهة نظرى، وإن كان لابد منها للانطلاق الاقتصادى حتى لا نظل فى حالة الاعتراك السياسى التى نعيشها حاليًا. وأشار الغباشى إلى أن ميثاق الشرف الإعلامى قضية كبرى لابد من الاهتمام بها، وأنه إذا كان هناك قدرة على التعامل والتحكم فى الإعلام الحكومى، إلا أنه لابد من السيطرة على الإعلام الخاص، فهو إعلام موجه يجب عليه أن يحترم الرأى الآخر، ويحترم حرية الرأى والتعبير لكل الأطراف، لا من يموله فقط.