حين تسير فى شوارع القاهرة وتدهمك عمائرها العالية ومبانيها الضخمة، وتسير فى ميادينها الرئيسية وتعاين الطرز الإنجليزية الفخمة، متأكدة من أنك ستترحم على أيام الاحتلال الإنجليزى على مصر لا أعاده الله حتى لا يظن أحد أننى أحب الاحتلال. الحكاية كلها أننى اكتشفت أن الناس الإنجليز أحبوا مصر جدًا لدرجة أنهم حين بنوا تلك العمائر والبيوت بنوها بطريقتهم وأسسوها كما يؤسسون مساكنهم، فكانت من أجمل وأقوى الطرز الموجودة وتزين القاهرة منذ وجدت حتى الآن. طبعًا تتساءلون عن السبب الذى دفعنى لهذا الكلام.. والحقيقة أقولها لكم.. لقد صار شكل البيوت فى القاهرة أغبرًا بلا ملامح وبلا هوية، وبلا ذوق أساسًا، بصراحة ينطبق عليها المثل القائل: "على كل لون يا بطسطة!!" حين تكون فى شارع 26 يوليو مثلًا.. تشعر بجو معمارى خاص، وحين تتوجه باتجاه قصر العينى يفاجئك طراز آخر، ثم تقترب من الأوبرا الجديدة وشارع الجلاء.. أو تتجه فى الجانب الآخر نحو جامعة القاهرة وحديقة الحيوان التى يواجهك عندها تمثال العظيم محمود مختار "نهضة مصر" واقفًا فى ميدان لا يخلو من زحام المارة والعربات! هذا كله كوم.. ومناطق العشوائيات التى تغص بها أطراف القاهرة كوم آخر.. فالمبانى فيها أيضًا ليست على كل لون فقط.. بل على كل شكل وطول أيضًا! هذه المناظر تزعجنى كل يوم.. ليست فقط أشكال البيوت فى أطراف القاهرة والعشوائيات.. بل أيضًا فى قلب المدينة لماذا؟ للآتي.. أولًا لا يوجد ثمة اهتمام بتجديد طلاء المبانى التى بالتأكيد صارت الآن ضمن الآثار لعمرها الذى ربما فاق المائة عام.. ثانيًا عدم صيانة معظمها وذلك لرغبة أصحابها العارمة فى هدمها بسبب خسارتهم الفادحة التى لا يجنون سواها، حيث لا تمنحهم عمارة هائلة ذات ستة أدوار مثلًا أكثر من مائة جنيه شهريًا، بينما لو كان المبنى حديثًا لأدخل لهم مئات الآلاف كل شهر.. وهنا يستمرون فى إهمالها، فلا طلاء ولا صيانة ولا غيره. أعلم أن هناك ما يسمى بالتنسيق الحضاري.. وأعرف أن من مهام هذه الهيئة تنسيق وجه مصر كلها وليس القاهرة فقط.. فلم لا تقوم بدورها ليس فقط فى المدن الجديدة فى أثناء تخطيطها بل المدن الراسخة، لا أقول تجميلها من القدم للرأس بل محاولة فك الضغوط التى تعانيها تلك المدن حتى لو تم هدم بعض البيوت المخالفة وتعويض أصحابها بأراض أو شقق مناسبة، كذلك الحزم مع أصحاب العمائر والمنازل الأهلية وفرض عمل صيانة وطلاء لواجهات منازلهم وكل حى يكون بلون موحد.. على سبيل المثال.. قد يقول أحدهم: الناس مش لاقية تاكل هتدهن واجهات المنازل؟ وأنا سأرد عليه، النظر لشيء جميل ولون يسر عينك يعطيك من طيب النفس ما تتحمل به بعض العناء الذى تلاقى فى الحياة.. وعلى جهاز التنسيق الحضارى أن يرينا كراماته.. ويلون وجه مصر بألوان حضارتها وبما لا يثقل كاهل أصحاب البيوت والعمائر، فمن الممكن يتم ذلك بقسمة التكلفة بين صاحب المنزل والجهاز.. أعتقد أنها فكرة قابلة للتنفيذ ليعود طعم البيوت وشكلها الذى كنا نحب.