وكالة الأنباء الفرنسية صدّرت خبرا بثته من مصر يوم الثلاثاء 10 يونيو الجاري بهذا المدخل : " أعلن المتحدث باسم رئاسة الجمهورية في مصر أن الرئيس عبد الفتاح السيسي أمر وزير الداخلية بالتصدي لظاهرة التحرش الجنسي". توقفت أمام فعل الأمر "أَمَرْ". إذن، الرئيس يأمر. إذن، الرئيس يريد أن تكون له هيبة، والحفاظ على هيبته هو الحفاظ على هيبة المنصب الرئاسي، وهو الحفاظ على هيبة الدولة، فهو اليوم رأس الدولة ورمزها. نختلف، أو نتفق مع السيسي، لكن الدولة صارت بلا هيبة خلال السنوات الثلاث الماضية، ومنصب الرئيس صار الأقل هيبة على الإطلاق طوال تاريخ الجمهورية في مصر. يبدأ السيسي عهده بالحزم والحسم والأمر. هكذا يسعى، أو يرغب. لكن من المأمور؟. هو وزير الداخلية ، واحد من الوزراء الأربعة الكبار الذين يجلسون على كراسي الوزارات السيادية. هو أهمهم لأن الأمن الداخلي مسؤوليته وفي قبضته. وزير الداخلية هو الوزير الأقوى دوما في أي منظومة حكم مغلقة، أو فردية، ونموذج وزير الداخلية المسيطر في مصر هو حبيب العادلي الذي كان متقدما في المكانة عند مبارك الأب ، وكان ذا حظوة كبيرة عند مبارك الابن باعتباره سيكون محورا مهما في إنجاز التوريث. من هو وزير الداخلية الذي أمره السيسي؟. هو اللواء محمد إبراهيم الذي زامل السيسي في حكومة هشام قنديل، وجلسا على طاولة اجتماع واحدة، وإن كان قد دخل وزارة الداخلية بعده بخمسة أشهر. لكن عندما أصبح السيسي رئيسا، والوزير كما هو وزير، فإن الرئيس يمارس صلاحياته، ويفرض أوامره بغض النظر عن زمالة سابقة، أو علاقة وطيدة في التنسيق المشترك في ملف الأمن ومواجهة العنف. السيسي قبل الرئاسة كان مسؤولا عن حماية الحدود ضد الاعتداءات الخارجية، وإبراهيم مسؤول عما وراء الحدود ضد الاعتداءات الداخلية، لكن للإنصاف كان دور السيسي أكبر، ليس لكونه السيسي، إنما لكون المؤسسة العسكرية وقائدها العام صارا مركز الأحداث وصانعا القرار بعد ثورة 25 يناير، ورغم إحالة مرسي لرأسي المجلس العسكري الكبيرين طنطاوي وعنان للتقاعد، وتعيين السيسي وصدقي صبحي مكانهما إلا أن دور المؤسسة والوزير لم يتراجعا، بل تزايدا لدرجة أن الرئيس المنتخب كان أضعف من وزير الدفاع المعين، بل بات هو صاحب القرار في مستقبل الرئيس، يبقى، أم يُعزل، وبعد العزل صار السيسي الرقم الصعب في منظومة الحكم الجديدة. السيسي يسعى لاستعادة الهيبة خشية أن تتحلل أقدم دولة في التاريخ، وخشية أن تعم الفوضى على نمط الصومال، والعراق، وسوريا، وليبيا، والجزائر سابقا، وأفغانستان أيضا. بالطبع مصر لاتصل لهذه الحالة من الاقتتال الأهلي، فهناك موانع عددية أبرزها أن الدولة في أضعف حالاتها تكون قادرة على درء ذلك الخطر ودحره. لا أحد ضد هيبة وقوة ومنعة الدولة، لكن وفق القانون دون تفسيره على الهوى، أو تطبيقه بانحراف، أو القبض على مظاليم، أو انتهاك حقوق الإنسان، ودون دماء، أو خلط مواجهة العنف بالعصف بالحريات. هنا نتذكر محمد مرسي عندما كان رئيسا لما وزير الداخلية السابق أحمد جمال الدين لم يرد على اتصالاته طوال أربع ساعات حيث ظل مختفيا خلال أحداث الاتحادية. ولما ظهر طلب منه مرسي التصدي للمقتحمين فرفض إلا بعد أن يقدم له شيئا مكتوبا، وحتى لو كان أمره فإن رد الوزير سيكون كما هو. نتذكر مرسي عندما قال وزير الداخلية الحالي أنه ابتعد بالوزارة وبضباطها عن الرئاسة منذ بداية شهر إبريل 2013، أي قبل عزله بشهرين، وصار ينسق مع جهات أخرى، والوزير قال الكثير في هذا الإطار بعد 3 يوليو ، ومنه أنه أعاد النشاط للأمن الوطني دون علم مرسي، وأنه رفض طلبات رئاسية عديدة تتعلق بشؤون الأمن ووزارة الداخلية. لم يكن لمرسي ولاية على الداخلية، وقبلها الدفاع جناحا الأمن وفرض النظام. لم يكن له تقدير في الإعلام الذي أهانه كثيرا، عكس ما هو حاصل مع السيسي منذ برز على الساحة. كان الوضع بينه وبين القضاء متأزما بشدة على خلفية قضية النائب العام، ومشروع قانون السلطة القضائية. لم يكن على وفاق مع المعارضة، وشركاء الثورة، واتسعت شقة الخلاف بينه وبينهم إلى حد اللاعودة. قطاعات شعبية انفصلت عنه بعد عدم تحسن أوضاعها. هناك من سيقول إنه تعرض لمؤامرة كبيرة لإفشاله، وهناك من سيتهمه بالفشل. الخلاصة أن هيبة الرئيس والرئاسة في عهده هزلت وتراجعت بشدة. الرئاسة هيبة، وتوجيهاتها أوامر، الرئاسة قوة الشخصية للحاكم بالعدل والقانون. ليس بالضرورة أن يمسك الحاكم كرباجا ليكون قويا. فالحكام الأقوياء الناجحون لم يكونوا مستبدين، ولا جلادين، إنما سياسيين مهرة، وأصحاب إنجازات تاريخية. مع ذلك لم يُختبر السيسي بعد في استعادة الهيبة بالعدل، وليس بالسوط، ولم يُختبر بعد في أوامره ونواهيه. وإذا كان سيُفهم من هذا المقال أننا نشيد به فإن ما كتبناه مجرد إشارة أولى، والحكم عليه مرهون بطبيعة أدائه خلال الفترة المقبلة دون تعجل، أو تزلف. عنوان البريد الإلكتروني هذا محمي من روبوتات السبام. يجب عليك تفعيل الجافاسكربت لرؤيته.