ليس من شك في أن أعلام فلسطين التي كانت في أيدي الثوار المصريين في مليونية الوحدة الوطنية يوم الجمعة الماضي, قد أصابت إسرائيل باهتزاز, خصوصا أنها تضع أيديها علي قلبها منذ يناير الماضي, وتحديدا منذ ثورة52 يناير. فهي تخشي علي أمرين, الأول معاهدة السلام, والأمر الثاني اتفاقية تصدير الغاز, وسريعا أقول: لابد أن نثق في المجلس العسكري الأعلي الذي بعث برسالة طمأنة إلي الدول في المحيط الإقليمي عندما أكد في وقت مبكر أنه يحترم كل المعاهدات والاتفاقيات السابقة, وكان يعني اتفاقية كامب ديفيد الموقعة مع إسرائيل, الأمر الثاني هو أننا يجب أن نثق في أحكام القضاء المصري, فالتحقيقات التي يقوم بها مع فلول النظام السابق تؤكد بما لا يدع مجالا للشك أن صفقة تصدير الغاز للعدو الإسرائيلي إلي زوال, وكلنا يعلم أن التحقيقات قد أثبتت أن نجلي الرئيس السابق كانا متورطين في هذه الصفقة, بل إن أحد أصدقاء النظام السابق كان أحد أركان هذه الصفقة! الشيء المؤكد أن إسرائيل تصطك أسنانها احتكاكا, وترتعد أجهزتها مع كل صوت يتردد في ميدان التحرير, بل في الميادين العربية الأخري, لأنها تعلم أن زمن الأنظمة العربية التي روضتها علي مقاسها قد ولي وانتهي ليبدأ عصر الشعوب, فالنظام المصري السابق كان يهش ويبش في وجه قادة إسرائيل ولم يكن يعبأ بغضب الشعوب, وكلنا يذكر أن إسرائيل هي التي كانت حريصة علي بقاء سفارتها في مصر كاملة العدد, برغم أن مصر كانت قد سحبت سفيرها الذي ظل غائبا عن مكانه لفترات طويلة, وكانت التقاليد الدبلوماسية تقضي بأن تسحب إسرائيل سفيرها, لكنها لم تفعل.. أريد أن أقول إن إسرائيل كانت تحلم بموطيء قدم في المنطقة العربية, وقد وفر لها النظام السابق في مصر هذه الأمنية الغالية. لكن عصر الثورات العربية الذي بدأ في تونس وأخذ عمقا عندما ترك الرئيس المصري السابق مكانه, واليوم يترنح النظام الليبي, ويهتز أيضا النظامان السوري واليمني, كل ذلك جعل إسرائيل تشعر أنها في خطر وأن النظم العربية التي كانت تخشاها وتفعل لها زورا وكذبا ألف حساب قد انتهي زمانها, ونحن مقبلون شئنا أم أبينا علي عصر الشعوب, وهو ما ترتعد له إسرائيل ارتعادا.. لماذا؟ لأنها لم تنس بعد المعارضة المصرية الشعبية لمشاركة إسرائيل( العدو الصهيوني) في معرض الكتاب المصري, وأذكر أني التقيت رئيس الاتحادات اليهودية في أوروبا الذي قال في حديث معه رفض الأهرام أن ينشره في حينه: إن إسرائيل تريد تطبيعا شاملا مع الشعب المصري وليس مع النظام المصري! لكننا نعرف أن العدو الإسرائيلي لن يقف مكتوف الأيدي, وإنما سيحاول مرارا وتكرارا مع قادة مصر الشعبيين والرسميين علي السواء, فهي مشغولة بكل ما يحدث في مصر اليوم وغدا وتسأل نفسها ألف سؤال عن رئيس مصر القادم, لكنها وبانتظار حدوث ذلك تسعي إلي ضرب الوحدة الوطنية, لا أريد أن يتهمني أحد بالميل إلي نظرية المؤامرة, لكن المؤكد أن إسرائيل هي المستفيد الأول من الفتنة الطائفية, وقديما وضع يهودي آخر هو جاك اتالي كتابا بعنوان اليهود والعالم والفلوس أكد فيه أن إسرائيل تحرص علي وجود يهود في أضيق دائرة لصنع القرار العربي في المغرب الأقصي وفي الخليج, ناهيك عن المشرق العربي والشرق الأوسط, فهي كما يعلم الجميع تسعي إلي ترويج السلام تارة تحت مسمي السلام أو العملية السلمية, وتارة أخري تحت مسمي عملية السلام, لكن ما لا يستطيع أن ينكره أحد أن إسرائيل تتحدث فقط عن السلام, لكنها أبدا لم تمارسه! فهي كما يقول مراقبون لم تحقق السلام الموعود وخطواتها كلها لا تحقق سوي سيناريوهات الحرب, هذا ما فعلته يوما بضرب المفاعل العراقي عام1891, واجتياحها لبنان في عام2891, وعبر قمعها المتوحش للانتفاضة الفلسطينية الأولي في أواخر الثمانينيات, وفي اغتيالها للقيادات الفلسطينية في تونس في العام نفسه, وقمها للانتفاضة الثانية سنة0002 فصاعدا, ثم قصفها المفاعل النووي السوري عام7002, واجتياح غزة عام8002, إلي اغتيال القيادي الحماسي المدبوح في دبي في العام الماضي, هذا عدا حالات عديدة سرية ومخابراتية ربما لا تحصي استباحت فيها إسرائيل سيادة معظم الدول العربية. إسرائيل في هذا الوقت الذي تتحدث فيه أمريكا عن مقتل أسامة بن لادن الذي صنعته في البداية ودربته علي أسلحتها الفتاكة من أسلحة وصواريخ تحاول الوقيعة, ليس بين أبناء الوطن الواحد كما هو الحال في مصر, لكن أيضا بين شيعة وسنة, ومثلما كانت تتحدث في الزمن الماضي عن حماستان وفتح للوقيعة بين الشعب الواحد, تفعل الشيء نفسه بين إيران كزعيمة للعالم الشيعي, والمملكة العربية السعودية كزعيمة للعالم السني!! إن إسرائيل تدرك جيدا أن قوتها في ضعفنا, لذلك دأبت علي إحداث الفرقة بين أبناء الوطن الواحد من المحيط إلي الخليج! الشيء نفسه يجب أن نفعله, فلا إرهاب مثلا إلا في عقل إسرائيل, وأمريكا والمحيطين بهما في أوروبا, يجب ألا نصغي إلي حديثهم عن الإسلام المتطرف, نتذكر جيدا أن إسرائيل في مأمن حتي اليوم من هذا التطرف, بل ما تفعله في الشعب العربي الفلسطيني الذي يدافع عن أرضه وسمائه ليس إلا أبشع ألوان الإرهاب, كما يجب ألا ننسي أننا لو طبقنا معايير الإرهاب التي وضعها الأمريكان لكانت أمريكا نفسها أكبر دولة إرهابية في العالم. فقط علينا أن نعمل.. فالعمل هو الطريق الوحيد لرقي ونهضة الأمم, وكل ما يأتي من إسرائيل من أفكار لابد من مراجعته, فإيران صديق للعرب, والجزر التي تحتلها قابلة للنقاش والحوار, وفتح وحماس هما شعب واحد, ويجب ألا ننسي كلمات نيتانياهو التي قال فيه إما أن يكون هناك صلح بين فتح وحماس, أو بين فتح وإسرائيل, ويجب أن نتذكر دائما أن هناك نوعين من الأمن يهمان أمريكا: الأمن النفطي, وأمن إسرائيل, وأن هذه الأخيرة هي الصديق الاستراتيجي الوحيد, بهذا قالت كونداليزا رايس وزيرة الخارجية الأمريكية السابقة, وبهذا تقول السيدة كلينتون وزيرة الخارجية الأمريكية الحالية. باختصار إن إسرائيل ليست بريئة مما يحدث في مصر, ومن الوقوف وراء الثورة المضادة, لا لشيء إلا لأنها لا تريد لنا غير الضعف والمسكنة, لكن هيهات.. فكلنا قد فتح عينيه ليجد إسرائيل ترتعد لصحوة الشعوب العربية. نقلا عن الاهرام: