لاول مرة في تاريخ الجامعة العربية تبرز اهمية منصب الامين العام للجامعة , والفضل لدولة قطر التي حركت المياه الراكدة عندما قدمت مرشحا لها فدفعت هذا المنصب الى الواجهة وجعلت تعيين المرشح يحظى باهتمام شعبي عربي مواز للاهتمام الرسمي. الجزائر ودول اخرى دابت قبل تعيين الامين العام في السنوات العشر الاخيرة ان تطالب بضرورة تدوير المنصب باعتبار ان ميثاق الجامعة لاينص على ان يكون هذا المنصب مصريا انما جرى العرف منذ تاسيس الجامعة عام 1945 ان يكون مصريا بتوافق ورضا عربي وحتى عندما انتقلت الجامعة الى تونس بعد توقيع مصر لمعاهدة السلام مع اسرائيل فقد تم تعيين امين عام تونسيا هو الشاذلي القليبي مما كرس هذا العرف بان يكون ارفع موظف بالجامعة من بلد المقر. نحن المصريون يجب ان نتخلص من عقدة ان يظل الامين العام مصريا , وتصورت ان اللحظة المناسبة جاءت مع التغييروثورة 25 يناير لتتخلى مصر عن المنصب وتتركه لمرشح قطر او اي مرشح اخر خصوصا وان دور الامين العام في الجامعة مرهون ومربوط بالمواقف الرسمية للانظمة العربية وبالتالي فان حرية الحركة لديه تكون محدودة او مقيدة , كنت اتصور ان تقول الحكومة المصرية اننا في مرحلة انتقالية مفصلية في تاريخ البلد وانها تنتقل من عهد الديكتاتورية الى عهد الحرية والديمقراطية وبالتالي نحن متفرغون للبناء الداخلي وغير مشغولين بحيازة مناصب عربية او دولية لكن يبدو ان الحكومة لاتريد ان يسجل عليها انها فرطت في منصب ظل النظام السابق او بالادق ظلت مصر تحتكره منذ الملكية وفي الجمهورية من عبد الناصر الى السادات وصولا لمبارك باستثناء السنوات العشر التي استضافت فيها تونس مقر الجامعة. يبدو ايضا ان ارث الماضي سيظل له دورولو محدود في توجيه السياسة الخارجية للبلد وظهر ذلك في مسالة الامين العام وايضا هذا الارث مازال فاعلا في السياسة الداخلية وكان ابرز مظهر على ذلك هى حركة المحافظين الاخيرة التي جاءت نسخة طبق الاصل مما كان يحدث في عهد مبارك وكأن الذي وضعها هومبارك او نجله جمال . ربما يكون هذا الوضع طبيعيا في تلك المرحلة التي تشهد فيها مصر بعض الارتباك والتخبط لكن عندما تستقر الاوضاع وينتخب برلمان ورئيس جديدين فانه لابد ان تكون هناك قطيعة شاملة مع كل سياسات ونمط تفكير النظام السابق التي جلبت الكوارث على مصر . لم يكن صاحب القرار في مصر موفقا بترشيح الدكتور مصطفى الفقي لامانة الجامعة فالرجل مرفوض من قطاعات شعبية في بلده واصعب رفض جاء من شباب ثورة 25 يناير الذين اصبح رايهم وموقفهم يحسب له الف حساب فهم اصحاب الثورة وهم الذين قدموا الشهداء والتضحيات حتى نصل الى ماوصلنا اليه اليوم من ازالة دولة الاستبداد , وصانع القرار لم يكن موفقا مرة اخرى عندما لم يلتقط رسالة شباب الثورة وغيرهم من الرافضين للفقي, كما لم يكن موفقا عندما لم يتجاوب مع تحفظ دول عربية عديدة عليه, وفي ظل هذا الوضع فان المرشح القطري عبد الرحمن العطية كان الوجه الاكثر قبولا وتوافقا فليست عليه اية ملاحظات بل هو دبلوماسي متمكن وذكي ونشيط ودمث الخلق وصاحب خبرة طويلة وهو قادم من ممارسة ناجحة لمدة 12 عاما امينا لمجلس التعاون الخليجي وهو المجلس الاكثر فاعلية وانجازا من الجامعة العربية . احتفت الدوحة برئيس الوزراء المصري خلال زيارته لها ضمن جولتة الخليجية قبل فترة قصيرة واطلق معالي رئيس الوزراء وزير الخارجية القطري تصريحات مهمة تؤكد ان مسالة الامين العام ستحل بالتوافق وانها لايمكن ان تؤثر على العلاقات التاريخية مع مصر ولا على الصفحة الجديدة التي يتم فتحها بين البلدين. لكن وفي اطار استمرار الفقي مرشحا لمصر وعدم تحقيق اتفاق عربي عام عليه فان الوضع صار شائكا وفي ظل تمسك مصر بالمنصب فان قطر سعت للتوافق وضربت المثل في ضرورة وحدة الصف العربي واكدت البعد القومي العربي في سياستها ونهجها وتقديرها لمصر الثورة فسحبت مرشحها طالما ان نبيل العربي وزير خارجية مصر سيكون هو المرشح لانه يحظى بالقبول العرب خصوصا وان اداؤه في الخارجية في الايام القليلة التي قضاها في المنصب حاز تقديرا محليا وعربيا واسعا. انا شخصيا وربما هناك غيري كانوا يفضلون بقاء العربي وزيرا لخارجية مصر لان اداءه اعاد الاعتبارللسياسة الخارجية ولدور مصر العربي والدولي وازال السنوات العجاف التي تولى فيها تلك الوزارة ابو الغيط وقبله المرحوم احمد ماهر وفي تقديري ان العربي كان سيتفوق ايضا على عمرو موسى عندما كان على راس الخارجية. موسى الرجل صاحب الالف وجه سواء وهو في الخارجية او في الجامعة العربية وحتى وهو يتحرك للترشح للرئاسة فانه لايريد خلع اقنعته . على كل فالجامعة جاءها على امين عام جديد لن يقل كفاءة وقوة عن عبد الرحمن عزام باشا وعبد الخالق حسونة ومحمود رياض, وقد ظفرت به الجامعة وخسرته الخارجية المصرية , لكن ولأن مصر ولادة فالمتوقع ان يكون وزير الخارجية الجديد على ذات الدرجة من الكفاءة والقدرة والجدارة. العربي نفسه عندما تم اختياره وزيرا كان مفاجاة للمصريين وبعد ادائه المتميزفي وقت قصيرتساءلنا : اين كان هذا الدبلوماسي القدير, ولماذا كان النظام السابق يعين شخصيات ضعيفة فاترة لاطعم ولالون لها في كل منصب وموقع ؟. نظام كان قزما ورجاله كانوا من الاقزام.