السيسي بات رئيسا للجمهورية، ولكن لن يكون أقوى من مبارك، الذي كان مسنودا بنظام "متستف" منذ ستين عاما.. يتعاقب على حكمه جنرالات الجيش بلا مشاكل، وبلا خوف من شعب هو نفسه "خائف" من الحكومة التي "تعرف كل شئ" ولا يخفى عليها شئ.. صادرت أحلامه أو تنازل هو عنها بمجرد سماعه عن حفلات التعذيب الوحشي داخل مقار أمن الدولة.. ومع ذلك سقط مبارك ودخل السجن ويحاكم حاليا.. وانهارت أجهزته الأمنية العاتية.. خلال سويعات من نهار جمعة الغضب 28/يناير/2011. والسيسي لن يكون في قوة مرسي.. الذي جاء بانتخابات حقيقية وليست مصنعة داخل "صوبات الإعلام".. وبظهير شعبي منظم وعلى استعداد لخوض "خيار الدم" دفاعا عن حقه في السلطة.. ومع ذلك أطيح بمرسي.. وحٌجز له مكان بجوار مبارك. السيسي لم يأت ب"نصف شرعية" وحسب .. ولا على رأس دولة فقدت عُرى "التستيف" الموروث منذ 1952.. وباتت دولة رخوة، لا يأمن أي رئيس عواقب تحولات أرضها الزلقة من تحت عرشه. السيسي ليست مشكلته في هذه ولا في تلك وحسب.. وإنما في أنه جاء عقب ثورة أنهت عصر الاستسلام للراحة في قصر الاتحادية.. ولها مطالب محددة، تعتبر عبئا على أي رئيس وصل للحكم بعدها. لم يكن أمام مبارك أي تحد حقيقي، بل قاده شعوره بالأريحية أن يخطط لتوريث الحكم إلى أحد أبنائه.. وترك إدارة البلاد لزوجته وأبنه.. ولعدد من رجال الأعمال الفاسدين.. وتفرغ لمشاهدة المسلسلات التليفزيونية ومجالسة الفنانين بالساعات.. فيما يشبه قرارا غير رسمي بإحالته إلى المعاش. والحال أن التحديات الحقيقية كانت للمجلس العسكري من بعده، والذي خرج من الحكم ب"هزيمة سياسية" غير مسبوقة، ثم للإخوان بدرجة أكبر.. وللسيسي بشكل أخطر من تلك التحديات التي واجهت طنطاوي ومرسي من قبله. على السيسي أن يثبت بأنه الخيار الأفضل من الثلاثة: مبارك، طنطاوي ، مرسي.. فالجنرال الذي فاز بالسلطة.. أطاح بالرئيس الإخواني "المنتخب"، بزعم أنه كان "الخيار الأسوأ".. وأن السيسي وكما قال هو جاء انقاذا للوطن.. غير أنه لم يفصح عن معنى الإنقاذ أو فحواه .. لا في حواراته المتلفزة.. ولا في أي برنامج تقدم به أثناء حملته الانتخابية. غير أن اختفاء مرسي.. وتوهج السيسي، لن ينهي التساؤل لدى الرأي العام، حول ما إذا كان السيسي هو "الأفضل". على الأخير أن يقنعنا بأنه كان مُحقا في الإطاحة بالرئيس المعزول.. وهي قناعة لن تتشكل في الضمير الوطني بمجرد إطلاق الكلام "الحلو" على الإعلام الموالي.. ولا باستدعاء أغاني الستينيات الوطنية.. ولا بحشر النساء في الميادين لأداء وصلات الرقص الجماعي فرحا بانتخاب ما يعتبرونه منقذ البلاد والعباد.. وإنما من خلال حزمة من الإجراءات التي تُشعر الناس فعلا لا "اعلاميا" بأن السيسي هو الأفضل ممن سبقوه.. الأفضل من مرسي بالذات.. الذي أطاح به بزعم أنه "مطلب" شعبي، ترجمته احتجاجات 30 يونيو. شباب الثورة.. الذين لا تزال عيونهم على الشوارع وعلى الميادين.. وفي خصومة سياسية مع السيسي.. لهم مطالب معروفه ومحددة وأطاحوا بمبارك من أجلها: الحرية والكرامة والعيش والعدالة الاجتماعية.. وغالبيتها لم يرد لها ذكر في خطاب السيسي الدعائي.. بل قلما يذكر ثورة 25 يناير إلا نُبه إلى ذلك. ولا ننسى عوام الشعب "نور عيون" السيسي.. وهم خليط من الفقراء والمعدمين والمرضى والجائعين والعاطلين .. و"المتبهدلين" في داووين الحكومة وأقسام الشرطة.. وبينهم قطاع ليس بالقليل ممن فقدوا فلذات أكبادهم في الاحتجاجات التي اعقبت عزل مرسي.. وأكثر من 20 ألف معتقل في السجون التي ورثها نظام السيسي.. والعشرات من المثقفين والسياسيين المشردين خارج مصر في المنافي.. بعد أن ضاقت بهم بلدهم وباتوا مهددين بالاعتقال والبهدلة وقطع الأرزاق. ماذا سيفعل الرئيس السيسي في كل هذا "الهم"؟!.. إنها "القماشة" التي ورثها من النظام القديم.. والذي كان هو نفسه جزءا منه.. هو كما قلت لن يكون لا في قوة مبارك.. ولا في قوة مرسي.. ولن يكون أعز على الشعب منهما.. حال اكتشف المصريون بأن مبارك ومرسي لا يزلان في الحكم ولم يطرأ على حالهم شئ.. وأن الذي تغير فقط هي أسماء من تعاقبوا على قصر الاتحادية. عنوان البريد الإلكتروني هذا محمي من روبوتات السبام. يجب عليك تفعيل الجافاسكربت لرؤيته.