مع وافر احترامي وتقديري للحجج والتوضيحات التي قدمها عمرو خالد حول رحلته إلى الدينمارك مع بعض الشباب ، وهي الرحلة التي أثارت الكثير من الجدل والخلاف ، فإني من واقع خبرتي بالمجال الذي تحدث فيه وعنه لم أقتنع أبدا بما قاله ، بل إني ازددت قناعة أن عمرو كان مدركا لخطئ تقديره ، وبداية أنا حزين جدا لأسلوب المهاترات والخشونة التي تحدث بها بعض الكتاب والمثقفين عن عمرو خالد ورحلته إلى الدنمارك ، إن الخلاف في الرأي والتقدير رغم مرارته أحيانا ، إلا أنه لا يليق أن يفقدنا القيم الأساسية لخلق الحوار الرفيع والجدل بالتي هي أحسن ، خاصة مع شخص مثل عمرو حريص على عفة اللسان وإبداء الاحترام لم يختلف معه ، وبالعودة إلى أصل الموضوع ، فإن تجاهل عمرو على سبيل المثال للمنظمات والهيئات التي تمثل الجالية المسلمة في الدينمارك ورفضه التام الاستماع لنصائحها أو حتى التنسيق معها للحفاظ على كرامتها وتعزيز رسالتها أمام الحكومة الدينماركية ، كان هذا التجاهل خطأ فادحا ، ولا أدري هل كان يعلم عمرو خالد أن رأس هؤلاء الدعاة كان وما زال مطلوبا من الحكومة الدينماركية ، وذلك في تصريحات علنية من وزراء ومسؤولين أمنيين أم لا يعلم ، عمرو قال أنهم كانوا متفرقين وأنه لم يحب أن يحسب على طرف منهم دون الآخر ، وهي حجة هشة للغاية ، لأن ما فعله عمرو في هذا الخلاف لا يعدو أن أضاف إليه مجموعة جديدة مختلفة ممثلة فيه ومن معه ، وصحيح أن هناك خلافات ، إلا أن الموقف في هذه القضية تحديدا جمع الكل في صعيد واحد ، ثم إنه كان يمكنه أن يبعث برسالة واضحة أنه لن يكون ضيفا أو محسوبا على هذا أو ذاك ، وإنما هو مع الجميع دعما لموقفهم النبيل دفاعا عن النبي ، لأنهم هم من خاض المعركة وتحمل مسؤولياتها الكبيرة ، فبدا كما لو كان عمرو جاء ليقطف ثمار هذا الجهاد العظيم بشكل دعائي دون أن يتحمل دفع ضريبته ، بل وزاد الأمر مرارة أنه كان سببا في تعريض هؤلاء الدعاة للمزيد من الخطر ، الاستشهاد بكلمات قالها في الندوة هناك أو الحوار ، لا قيمة له ، بل بدا الأمر كما لو كان قد رتب هذه الكلمات ترتيبا مقصودا تحسبا للإشارة إليها بعد عودته كحجة للدفاع عن موقفه ، الاستشهاد بموقف فتاة دينماركية تأثرت بالموقف والحوار وطلبت الاعتذار ، هي قصص تحدث كثيرا وبشكل يومي في أوربا لأسباب أقل من ذلك وأهون ، فليس مثل هذا الموقف فتحا مبينا ولا يمكنه أن يغسل مرارات كبيرة في نفوس إخوانه في الدينمارك وخارجها ، ولا مآلات موقفه المتعالي الذي انتهى إلى صدع في الموقف الإسلامي بما يعزز بكل تأكيد صلافة الموقف الرسمي الدينماركي الذي يرفض الاعتذار حتى الآن ، لا تناسب هذه الزاوية للاستطراد في مزيد من التوضيح لضعف الحجج التي سيقت ، ولكني أحب الإشارة إلى أن تصوير الأمر على أنه خلاف بين الداعين للحوار والداعين للصراع والمواجهة ، غير لائق ، فلا رجل في تاريخ وخبرة القرضاوي يمكن أن يحسب على التشدد ، ولا شخص في وعي وحكمة فهمي هويدي يمكن أن يوصف بأنه داعية صراع حضارات ، وأنصح أخي عمرو بأن يتأمل مجمل هذا الموقف طويلا في خلوة ، بعيدا عن الجدل والصخب واعتبارات الآخرين ، وأن يستخرج منه الدروس والعبر للمستقبل ، لأن طموحه الفكري والدعوي سيصطدم في محطات كثيرة قادمة مع طموحات وتقديرات أخرى يصعب تجاهلها أو التعامل معها وفق منطق : لكم وجهتكم ولي وجهتي ، والمشكلة أنها أيضا ستكون مسكونة بظلال كئيبة من آثار رحلة كوبنهاجن ، وبكل تأكيد ما حدث خصم من رصيده لدى قطاع من الأمة ، قل أو كثر ، وهذا ما يحزنني كثيرا ، وحتى يتوقف المزيد من الخصم مستقبلا ، عليه أن يتأمل ما حدث جيدا ، حتى يمضي في طريقه الطيب المبارك ، داعية نهضة ووحدة وخير ، وليس بؤرة شقاق وجدل . [email protected]