تمثل اللحظة الراهنة فى المنطقة العربية نقطة مثالية للحوار الإيرانى السعودى. ذلك أن تعبير السعودية عن رغبتها فى الحوار مع إيران بلا تحفظات، وكذلك ترحيب إيران، بل ومطالبتها السعودية للحوار منذ مدة طويلة يظهر أن الطرفين يدركان أن الحوار وحده هو الذى بقى بعد التجاذبات العنيفة التى وقعت بين البلدين. من الناحية الاستراتيجية يمثل الصراع الايرانى السعودى أحد أهم الاثار السلبية فى معظم الملفات العربية وخارج المنطقة العربية، وقد أدى هذا الصراع إلى تعقد الملفات السورية واللبنانيةوالعراقية وحتى الافغانية وترتب عليه آثار خطيرة حتى على بنية مجلس التعاون الخليجى نفسه. فالصراع بين إيران والسعودية التى بدأ منذ الثورة الاسلامية فى ايران عام 1979 صراع متعدد الطبقات والساحات ولم يقتصر الصراع على الجوار المباشر والاشتراك الاقليمى فى مساحة جغرافية واحدة. فقد لوحظ أن الصراع الإيرانى السعودى كان يشتد ويعنف خارج دائرة العلاقات الإيرانية السعودية حيث أنشأ البلدان اطاراً للحوار الاستراتيجى ولكن يبدو أن حرارة الصراع قد تجاوزت هذا الاطار وأن تحريك هذا الاطار لم يعد يكفى. وقد لوحظ أن الاختلاف بين قطر والسعودية وبقية أعضاء مجلس التعاون حول الملف الإيرانى قد هدد وجود مجلس التعاون الخليجى الذى تحرص عليه السعودية وقطر بشكل ظهر للعلن عندما سحبت السعودية ومعها البحرين والكويت والامارات سفراءها من الدوحة ولكن ذلك لم يكن أساساً بسبب ايران وانما بسبب التناقض الحاد بين الموقفين السعودى والقطرى من المسألة المصرية، فضلاً عن أن الملف السورى كان حاضراً جزئياً فى هذا الخلاف، فبينما اشتركت قطر والسعودية معاً فى موقف موحد في ليبيا وسوريا، فإن قطر تراجعت خطوة بفعل تطور الملف السورى وابعاده الدولية كما تراجعت السعودية خطوة أخرى فى جانب آخر، فكان التباعد واضحاً بين الموقفين فى مجمل الرؤية الخليجية من الملف السورى. ويذكر فى هذا المقام أن قطر بدأت التواصل مع ايران منذ فبراير الماضى واعلنت صراحة أن التسوية السياسية للأزمة السورية هى الطريق الوحيد للتسوية. ويبدو أن السعودية قد أدركت أخيراً أن الحوار مع ايران هو الطريق الوحيد لتسوية ملفات المنطقة. وكنا قد طلبنا منذ أكثر من أربعة سنوات بضرورة الحوار العربى الإيرانى ونبهنا إلى مخاطر الصراع الإيرانى السعودى حتى على الوحدة الاقليمية نفسها، كما اننا لم نتوقف عن حث العرب على التفاهم مع إيران ولكن العرب يجب أن يتحدوا حتى تكون نتائج الحوار مثمرة وعادلة وألا ينتظروا طويلاً حتى لا تستخدم واشنطن التفاهم العربى الإيرانى ورقة ضمن أوراقها مع إيران. فما هى الدوافع التى دعت السعودية إلى الحوار مع إيران الآن وترحيب إيران بهذا العرض. فما هو شكل الحوار ومصيره وهل يتحول من حوار ثنائى إلى حوار خليجى أو إلى حوار عربى إيرانى وما هى القوى التى تحارب هذا الاتجاه، والقوى التى تدعمه؟ هذه الاسئلة سوف تكون محل اهتمام الدوائر السياسية والاعلامية فى العالم عامة والعالم العربى خاصة. وسوف نحاول أن نقدم بعض الاضاءات فى هذه المسائل مساهمة منا فى النقاش العام. لا يجدى فى هذه المرحلة خصوصاً فى الصحف العربية التشكيك مقدماً فى نتائج الحوار كما أن إيران والسعودية يعرفان جيداً حدود مواقف كل منهما فى الملفات الشائكة ويدركان أن الحوار سوف يؤدى إلى ازالة الاحتقان فى هذه الملفات بما يحافظ على المصالح الاستراتيجية للبلدين. نقطة البداية هى أن يعترف البلدان بأنهما يلعبان أدواراً اساسية فى هذه الملفات وأن الصدام بين هذه الادوار هو الذى يحتاج اما إلى فك الاشتباك واما إلى تسويات لهذه الملفات على ضوء ثقل كل طرف فى تحديد اتجاه هذه الملفات. ونعتقد أن أخطر هذه الملفات هو الملف السورى والعراقى، لأن هذين الملفين هما ساحة الاشتباك الاساسية ومن الاسباب المباشرة للفتن الطائفية والدمار الذى اصاب البلدين الشقيقين، وتسوية تفريعات هذين الملفين سوف يسمح بالحديث عن تصور مشترك لأمن الخليج. وقد تابعنا هذه السالة على مدى العقود الخمسة الاخيرة، وخلاصتها أنه لا يمكن أن يستبعد أى طرف الطرف الآخر من المعادلة خاصة بعد تحول العراق من طرف عربى موازن لإيران إلى أحد الدول العربية المريضة والضحية للصراع الاقليمى. فالحوار هو الطريق الآخر بديلاً عن تحول الصراع خارج علاقات البلدين إلى صراع مباشر بين البلدين. ومما يعطى الحوار غطاءاً دولياً هو أن واشنطن تؤيده وتدعو إليه ولكن إلى الحد الذى لا يتصادم مع مصالحها فى الخليج والملفات الأخرى، ومن حسن الحظ أنه يبدو أن هذا العامل من أهم دوافع السعودية إلى طلب الحوار. ولسنا بحاجة إلى سرد تطورات الموقف الأمريكى من المنطقة ومن إيران الذى كان نقطة التحول فى المواقف الاقليمية، ولكنى واثق أن هذا الحوار عندما ينجح ولابد له أن ينجح سوف يعيد رسم خرائط الملفات التى اشرت إليها. فمن ناحية سوف يزيل هذا الحوار الاحتقان بين أعضاء مجلس التعاون الخليجى، ويحمد لسلطنة عمان بحكمتها واتزانها طوال العقود السابقة، انها تلعب دوراً مهماً فى التفاعلات الايجابية وخاصة العلاقات الايرانيةالغربية، والعلاقات الايرانية الخليجية، والتوترات بين أعضاء مجلس التعاون. اما فى البحرين فسوف يؤدى الحوار إلى انطلاق العملية الديمقراطية التى كان معهد البحرين للتنمية السياسية أحد ادواتها الاساسية والذى تشرفت بالتعاون فى جهود انشائه وانطلاقه فى مرحلته الأولى لأن قضية البحرين هى أحد ضحايا الصراع الإيرانى السعودى. أما فى العراق، فإن هناك معادلات استقرت على الأرض خلال العقدين الماضيين لصالح إيران .ولذلك فربما يكون الحوار ملطفاً وليس حاسماً فى تغير المعادلة. اما الملف السورى فقد ارتبط بشكل مباشر بدور إيران فى الصراع العربى الإسرائيلى من خلال دعم المقاومة اللبنانية والفلسطينية، وهذه المقاومة اللبنانية طرف مع إيران فى دعم النظام فى سوريا ضد الخط السعودى فى هذا الملف وأظن أن الحوار السعودى الإيرانى لن يكون هو الحاكم فى الملف السورى لأن هناك أطرافا أخرى لها مصالح واضحة، ولكن لحسن الحظ فإن تركيا والسعودية وايران والولايات المتحدة لها مصلحة فى تسوية الأزمة السورية حتى ولو لم تحصل هذه الدول على ما تريد تماماً فى التسوية خصوصاً وأن روسيا وإلى حد ما الصين أطراف خارجية مؤثرة ويصل تأثيرها إلى مجرى الصراع على الأرض، وهناك اتجاه دولى يتبلور يدعم التوجه الايرانى ضد التطرف السنى وهو أمر لا تعترض عليهالسعودية. ومن الواضح أن لبنانوالأردن وكذلك امتداد الصراع السورى إلى العراق هى جيوب ممتدة فى الأزمة السورية، وأن المطلوب فى لبنان هو انهاء أثر هذه الأزمة على الأطراف السياسية بحيث يسود السلام والاستقرار فى لبنان، وأن يؤدى انهاء الأزمة فى سوريا إلى اعادة اعمار سوريا وهذا ملف آخر يثير لعاب الغرب ويسمح بعودة اللاجئين السورين فى الأردن وغيرها إلى وطنهم. ولا شك أن الحوار السعودى الإيرانى الذى طلبنا به مراراً يواجه تحديات وعقبات كما يواجه قوى معادية وأول هذه القوى هى إسرائيل لأن إسرائيل يزدهر مشروعها كلما اشتعلت البيئة المحيطة بها وكلهم من أعدائها، خاصة ونحن نذكر أن إسرائيل قد اختلفت مع واشنطن حول سياساتها الجديدة اتجاه إيران ولكن إسرائيل تعمل اليوم على تعظيم فرص الاستفادة من هذه السياسة بعد أن اكتشفت عقم مواجهتها، كما عبرت السعودية عن موقف مماثل ونرجو أن تكون دعوة السعودية للحوار سعياً من جانبها إلى تسوية الملفات السابق الاشارة إليها بعد أن تأكدت من الموقف الأمريكى ومن عقم استمرار المواجهة. حبذا لو بدأ الحوار إيرانياً سعودياً ثم أصبح إيرانياً عربياً تلعب الجامعة العربية فيه دوراً تنسيقياً حتى يمكن أن نجلب الاستقرار إلى العالم العربى ومجلس التعاون الخليجى وهى بالقطع قوة للعرب وخطوة أساسية فى سبيل الصحوة العربية الجديدة. وأخيراً أذكر بأننى دعوت إلى الحوار المصرى والعربى الإيرانى عندما اندلعت الحرب العراقيةالإيرانية ولو كانت الدعوة قد نجحت لوفر العرب على انفسهم الكثير من الويلات مما حدث فى ما جاء لاحقاً من أحداث.