تعطي زيارة مرشد الإخوان للأزهر دلالة على إعادة ترتيب المشهد الديني في مصر الذي طالته تغييرات مهمة، تعاظم معها الحاجة إلي المرجعية الأزهرية. فثمة استشعار بأن الحاجة إلى المرجعية الأزهرية باتت ملحة مع تفاقم مشكلات الاندماج والتشدد الإسلامي التي جعلت الجماعة الإخوانية فضلا عن دوائر علمية وسياسية كثيرة تتجه للأزهر الشريف كمركز للوسطية والاعتدال. وبالتالي يعيد الأزهر ترسيم دوره لاستعادة الخبرة التاريخية السنية، من خلال انفتاح واسع وواثق مع أكبر تيار إسلامي في مصر، وكفرصة للتمدد بخطاب الاعتدال الإسلامي الذي يمثله الأزهر، وبداية نأمل من خلالها أن يعيد هذا اللقاء ترسيم العلاقة بين أكبر مرجعية سنية مع فاعلين آخرين في المشهد الديني، وفي مقدمتهم الجماعة السلفية. وبما أن الأزهر الشريف يمثل المرجعية الكبرى للفهم المعتدل للمنهج النبوي، فإن خطابه يشمل الصفوة والنخبة ويتوجه إلى الجماهير والعامة، في مقابل الخطاب الإخواني الذي شهد تطورا حركيا تجميعيا تنظيميا تعبويا على حساب التطور العلمي الشرعي، مما أصاب الجماعة بضعف شديد في هذا الجانب، احتاجت وبقوة الرجوع للأزهر الشريف في هذه المرحلة الفاصلة من تاريخها. بل مما يسترعي لفت النظر أن الأستاذ البنا رحمه الله اتصف بهامشية عطائه من زاويته العلمية، فكل تراثه العلمي مجرد مجموعة من الخطب والرسائل. قضية هامشية العطاء الفكري العلمي لدي المرشد الأول لها أسبابها المبررة، والتي منها اهتمامه بالشواغل العامة للأمة، وبتنظيم الجماعة, بيد أنه ليس هناك ما يبرر لهذه الهامشية عند الجماعة نفسها، إلا خوف الجماعة من العقلية المتعلمة التي تعارض وتنتقد الجماعة في وقت لا تريد فيه الجماعة إلا أناساً يطيعون قادتها بلا استفسار ولا نقاش، فضلا عن المعارضة والجدال. فالشيخ القرضاوي الذي يعد أكبر مرجعية سنية في العالم من خارج المؤسسة الأزهرية الرسمية يقول في مذكراته المنشورة:(الإخوان عندهم ضعف في الجانب الثقافي والعلمي، كانوا يدربوننا على السمع والطاعة، فهم يريدون جنوداً مطيعين لا دعاة مثقفين، كأنما كان هناك خوف عند الإخوان من القراءة والثقافة أن تنشئ العقلية المتمردة، التي تقول: فيم ؟ ولماذا؟ وكيف؟ ولا تقول سمعنا وأطعنا، كان ذلك الهاجس هو السبب في وهن الجانب الفكري عند الإخوان، وكان مصدر ثقافتهم مقالات ودروس البنا فقط، فإذا شغلت الإمام البنا الشواغل الكثيرة – الوطنية والإسلامية خوى وفاضهم، ونفدت بضاعتهم، وقل المعروض في سوقهم، فكان ينبغي عليهم أن يهتموا بالجانب الثقافي الديني، لكن للأسف لم يفعلوا، بل لم يفكروا مجرد تفكير في ذلك)، وقال مثل هذا الدكتور عبد المنعم أبو الفتوح في شهادته. لكن جاء مرشد الإخوان ليثبت أنهم بداوا يعالجون ذلك بتأكيده على المرجعية الأزهرية، وقبله نفى الدكتور عبد الرحمن البر مقترح الزيارة لقب (مفتي الإخوان)، وكتب مقالا جميلا يفيض إجلالا وتقديرا للأزهر الشريف وعلمائه. وبالتالي فالمتابع لأدبيات الجماعة، وتصريحات قياداتها، يدرك أن خطاب الإخوان قد تطور كثيرا، فهو اليوم يقدم برنامجا سياسيا مدنيا ذا مرجعية إسلامية، ويقر بمرجعية الأزهر الشريف ومكانته، وهي خطوة في غاية الأهمية لو نفذت على أرض الواقع. 1 فعل بات للإخوان الاعتراف واقعيا بأن الأزهر الشريف هو المرجعية الكبرى التي تصنع الإنسان المصري، وتكون فكره،وتصوغ شخصيته؟. 2 وهل توقف الزيارة تآكل الأطروحة الإخوانية والصعود السلفي في الجماعة، وهو ما تناوله الباحث المتخصص حسام تمام في أطروحته المهمة وعنوانها:(تسلف الإخوان .. تآكل الأطروحة الإخوانية وصعود السلفية في جماعة الإخوان)؟. 3 وهل تبعث الزيارة رسالة من الإخوان لدعم الوسطية؟. 4 هل يثمر اللقاء عن فتحة صفحات جديدة في العلاقة بين الأزهر وباقي التيارت الإسلامية؟. إننا إذا رجعنا إلى بداية العلاقة بين الأزهر والإخوان نجد أن البنا زار شيخ الأزهر مصطفى المراغي، وعرض دعوته على علماء الأزهر، وتواصل مع العالم الأزهري الكبير الشيخ يوسف الدجوي منظَّر الأزهر، وكان البنا ينظر إلى الدجوي نظرة إكبار وإجلال، ويراه عالما موسوعيا غيوراعلى الدين عاملاً لخدمته. وقد عبر حسن البنا في (مجموعة الرسائل) عن مكانة الأزهرالشريف، ودوره في قيادة الأمة بقوله: " إن الأزهر معقل الدعوة، وموئل الإسلام". وتاريخ الجماعة حافل بالاحتفاء بعلماء الأزهر الشريف، فقد أقامت الجماعة احتفالية تكريمية للشيخ المراغي شيخ الأزهر(19351945)، وألقى الكاتب بمجلة الإخوان مصطفى الطير قصيدة يمتدح فيها المراغي (عدد17/ 3/8/1935م، ص21) مطلعها: شع منه الهدى ولاح يقينه وبدا علمه الغزير يزينه لم تكن كل المحطات بين الأزهر والإخوان محطات وئام، بل فيها محطات صدام، ليس مكانها مقال اليوم. *باحث في الحركات الإسلامية [email protected]