فضيلة الإمام الأكبر د. أحمد الطيب في أول حوار صحفي معه : الخطاب الديني في حاجة إلي المراجعة وديننا يحثنا علي التجديد في أول يوم لتوليه مهام عمله بالمشيخة التي ذهب إليها مبكرا لاستقبال الضيوف والمهنئين له من كبار العلماء ورجال الدولة.. كان لنا هذا اللقاء مع فضيلة الإمام الأكبر د.أحمد الطيب شيخ الأزهر الذي استمعنا إلي ملامح خطته للعمل في الفترة القادمة وطموحاته لتطوير مؤسسة الأزهر والنهوض بها مستكملا ما بدأه شيخ الأزهر الراحل ليبقي الأزهر الشريف مؤسسة دينية تمتاز بالوسطية والاعتدال كما عهدناها دائما. قال لنا فضيلة الإمام الأكبر: هناك ثوابت عامة للأزهر وأي شيخ جديد له لا يستطيع العمل بعيدا عن هذه الثوابت، ولكني سأضيف علي ما بدأه فضيلة الإمام الراحل الدكتور محمد سيد طنطاوي، فهو قد أضاف العديد من الإنجازات التي تعد مكاسب للأزهر، ولكل من يعمل به، وهذه الإنجازات يجب علينا أن نبني عليها لا أن نهدمها، وأنا لست من أنصار أن كل شيخ جديد يضع خريطة جديدة . كما أنني علي دراية بما كان يدور في المشيخة أيام الإمام الراحل، ولم أكن بعيدا عن العمل فيها، بل إنني كنت يوميا مع الإمام الراحل نتناقش في أمور العمل بجامعة الأزهر، ومجمع البحوث الإسلامية والمجلس الأعلي للأزهر . قضايا أساسية صباح الخير : ما هي القضايا التي ستوليها اهتمامك في المشيخة؟ فضيلة الإمام الأكبر : يوجد العديد من القضايا والمهام التي سأبدأ بالعمل فيها مواصلا ما بدأه الإمام الراحل، لأنها مبادئ وثوابت لا يمكن المساس بها، وسوف أبدأ بتطوير ملف التعليم الأزهري، حتي يواصل الأزهر أداء رسالته العلمية وحتي نتمكن من الحفاظ علي هوية الأزهر، باعتباره مدرسة الوسطية والاعتدال، والمرجعية الأولي للثقافة الإسلامية والفيصل فيما يستجد بين المسلمين، بالإضافة إلي الحفاظ علي الوحدة الوطنية وهي من أبرز التحديات التي تواجه الأزهر في المرحلة القادمة، كما أنها من الثوابت الأساسية التي وضعها الإمام الراحل، إلي جانب تاريخ الأزهر في لم الشمل والحفاظ علي وحدة المصريين، كما أنني سوف أسعي جاهدا لتنشيط دور الأزهر التاريخي في الحفاظ علي وحدة الأمة ووحدة المسلمين، فضلا عن العمل علي تطوير المناهج التعليمية، وتدريس اللغات الأجنبية، وإعادة كتب التراث إلي المواد الإسلامية والعربية، حتي ينهل طلاب الأزهر من العلم الوسطي المعتدل، وحتي يسترد طلاب الأزهر مكانتهم العلمية، وسوف نولي اهتماما خاصا لطلاب الأزهر في المرحلة قبل الجامعية، حتي ينتقل هؤلاء الطلاب إلي الجامعة، وهم علي درجة عالية من العلم والتميز، ومواكبون للدين الإسلامي في التوجه والأهداف. صباح الخير : هل الوسطية والاستنارة اللتان تتميز بهما نابعتان من دراستك بجامعة السوربون ؟ فضيلة الإمام الأكبر : هناك العديد من علماء الأزهر الذين يتميزون بالوسطية والاعتدال دون أن يذهب أي منهم إلي السوربون، ولكن الأزهر له سياساته الدعوية والتعليمية والأكاديمية المعروفة، والمطلوب من كل من يتولي منصب شيخ الأزهر الالتزام بهذه السياسات، فالأزهر هو مدرسة الوسطية الإسلامية وسيظل حريصا علي أن يعلم المصريين وأبناء العالم الإسلامي في الخارج الوسطية، وسوف يعمل علي التواصل والتلاقي مع كل المؤسسات الإسلامية في العالم حتي تنتشر هذه الوسطية، لأن الإسلام دين الوسطية، وهي التي ساعدت في تدعيم مكانة الأزهر العالمية من خلال العديد من المؤتمرات التي دارت حول حوار الأديان وكان رجال الأزهر مشاركين فيها، فعرف عنهم وسطيتهم واعتدالهم التي درسوها في الأزهر، وآخر هذه المؤتمرات مؤتمر حوار الأديان الذي عقد بأمريكا مؤخرا، فسوف نواصل المسيرة، وسيتم تطوير عمل لجنة الحوار بين الأديان، وتفعيل نشاطها في الفترة القادمة . تطوير الخطاب الديني صباح الخير : ذكرت أن الخطاب الديني في حاجة إلي تنقية ومراجعة فما هي خطتك في ذلك؟ فضيلة الإمام الأكبر : نعم الخطاب الديني يحتاج إلي تنقية ومراجعة، وهذا ليس فكرا غربيا أو حديثا، ولكنه من أساسيات الدين الإسلامي، فالتجديد معروف في القرآن الكريم، وفلسفتنا وتراثنا قائمان علي التغيير والتجديد، ونحن لسنا في حاجة إلي الاتصال بثقافات غربية حتي نضطر إلي التجديد، ولكن الخطاب في حاجة إلي تنقيه فعلا لأنه يقوم علي إثارة العواطف ولا يخاطب العقل، مع أن - الأخير - هو أساس الخطاب في القرآن، فالعقل موجود في الإسلام، وقوله تعالي «ولقد كرمنا بني آدم» أي ميزناهم بالعقل، ولذا ينبغي أن يوجه الخطاب الديني للعقل، أما التركيز علي العواطف وإثارة الوجدان في عمليات وقتية يتأثر بها الإنسان، فهذا الخطاب سرعان ما يزول مفعوله، ولكن لو بني الإنسان إيمانه علي العقل، والأدلة العقلية، لكان ذلك أفضل، ونحن نأمل أن يستعيد الأزهر مكانته كأعلي مرجعية للمسلمين، لأنه الجهة الوحيدة التي يذهب إليها المسلمون من شتي بقاع الأرض، ويولونه وجوههم في البحث عن مسائل الثقافة والفكر والقرآن والسنة والتفسير، وهذه هي الوسطية التي يشتهر بها الأزهر. - صباح الخير: هل سينتقل الانفتاح الذي قمت به بين جامعة الأزهر، والجامعات الأوروبية بدوره من الجامعة إلي المشيخة؟ فضيلة الإمام الأكبر: عندما كنت رئيساً لجامعة الأزهر قمت بعمل شراكة علمية بين جامعة الأزهر وغيرها من الجامعات في بريطانيا وفرنسا وإيطاليا وغيرها من الدول، هذا إلي جانب العديد من البعثات العلمية للخارج لأبناء الأزهر، وأؤكد أن هذا التواصل مع الآخر والحوار معه لن ينقطع وسنجعل من الحوار مع الآخر أهم أولويات المرحلة المقبلة حتي يحقق الأزهر أهدافه، فالأزهر صاحب رسالة عالمية، وكان للأزهر السبق في ذلك فأنشأ لجنة «الحوار بين الأديان»، ولا شك أن الجامعات من أهم الوسائل التي تساعد في إقامة الحوار ونشره. مما يساعد علي تقوية العلاقة بين المجتمعات الإنسانية ونشر التسامح بينها. - مفاجأة - البعض يقول أنه كان لديك علم باختيارك لمشيخة الأزهر من فترة، فما تعليقك علي ذلك؟ - فضيلة الإمام الأكبر: القرار كان مفاجأة لي ولم يكن هناك من يعلم به، وأبلغني به الدكتور زكريا عزمي رئيس ديوان رئيس الجمهورية، وأرجو أن أكون عند حسن ظن الرئيس مبارك بي، وأن أستطيع الحفاظ علي وسطية الأزهر والارتقاء به، وأشكر سيادته علي ثقته الغالية التي أعطاها لي، فهذا تكليف عظيم، وأتمني لسيادة الرئيس دوام الصحة والعافية، وأن يعود إلي مصر في أتم صحة وعافية، وأمام هذه الثقة الغالية ليس أمامنا إلا الإخلاص في العمل من أجل رفعة الأزهر الشريف.