أرجو في هذه المرة أن يتنبه القارئ الكريم أني أتكلم عن اثنين أرى أنهما أفضل وأعظم السلاطين والخلفاء العثمانيين على الطلاق من وجهة نظري، وهما السلطان سليمان القانوني الذي يعتبر أعظم وأقوى سلاطين العثمانيين، والسلطان عبد الحميد الثاني والذي يعد آخر السلاطين العظماء في الدولة العثمانية... فأما السلطان سليمان القانوني (أو سليمان الأول) فهو الخليفة الثاني في الدولة العثمانية، إذ تولى الخلافة بعد موت أبيه السلطان سليم الأول. ويعتبر عصر الخليفة سليمان القانوني من أزهى عصور العثمانيين؛ وذلك بسبب النهضة العلمية التي صاحبت الاستكشافات العلمية والجغرافية الأوروبية. ويُعَدّ من أهم أعماله فتح بلجراد وانتزاع رودس من فرسان القدّيس يوحنا، كما أنه انتصر على المجر في موقعة (موهكز) وفتح أرمينيا وانتزع العراق نهائيًّا من أيدي الصفويين بعد انتصاره عام 1534م. أجمع المؤرخون على أنّ عصر سليمان القانوني هو العصر الذي يلغت فيه الدولة العثمانية أقصى مجدها وعظمتها. كان السلطان سليمان القانوني شاعراً وله ديوان في هذا المجال، كما كان خطّاطاّ اختصاصياً في الأحجار الكريمة يجيد اللغات الشرقية لا سيما العربية. وكان ينكبّ على القراءة والمطالعة كلما أراد الترويح عن نفسه، وكان ورعاً، ويُستَدَلّ على ورعه من نُسَخ القرآن الثمانية التي نسخها بنفسه، وهي محفوظة في مسجد السليمانية، وأما تمسكه بأهداب السنة فواضح من القصائد الكثيرة التي نظمها في الغزل ووردت في ديوانه. وكان محباً للصيد متحمّساً له، كما كانت شخصيته كحاكم نموذجي لا تقبل القياس إِلاّ مع شخصيات قليلة، وكان في أوروبا موضوعاً لروايات وتمثيليات عديدة. أطلق الغرب على السلطان سليمان الأول (العظيم) لكن شعبه هو الذي سمّاه ب(القانوني) أي جامع القوانين، بسبب مساهمته في تدوين وتنظيم القانون العثماني وتطبيقه بعدالة. ترك السلطان سليمان القانوني بصماته على مظاهر التقدّم السياسي والثقافي، ويعود تقدّم الدولة العثمانية في عهده إِلى النظام السياسي الداخلي الذي طبّقه، وقد وضع أساس هذا التقدّم السلاطين السابقون، إلا أن منشآت الدولة في عهد سليمان بلغت حدًّا من الكمال نستطيع معه القول أنها أصبحت بحقّ تقوم على أساس نظام ثابت ومحدّد للحكم. سار سليمان القانوني على مبدأ أسلافه فتّوج هذا النظام بسنِّ القانون العثماني، ويتناول هذا العمل التشريعي بصفة خاصة تنظيم الجيش، والإقطاع الحربي، وقوانين ملكية الأرض والشرطة. كان من بين التغييرات التي أحدثها السلطان سليمان الأول أنه جعل وظيفة المفتي من أكبر الوظائف العلمية، وقسّم جيش الإنكشارية إلى ثلاثة أقسام استناداً إِلى سِني خدمتهم، كما بلغ عدد أفراد الجيش في عهده ثلاثمئة وخمسين ألف جندي باستثناء غير النظاميين، يساند هذا العدد ثلاثمائة مدفع وأسطول بحري مكوّن من ثلاثمائة سفينة حربية. كان السلطان سليمان القانوني عظيماً في حجم تجهيزات جيوشه، وفي مدي اتساع حملاته، وفي أعماله العمرانية وفي حاشيته، وفي قوة حُكمه، وفي كل ما وصل إِليه أو حقّقه. كما أنّه طوّر الدولة العثمانية وسلّمها إِلى خلفه بدرجة التكامل، لا يمكن قياسها مع تكامل أي دولة أوروبية خلال المدة نفسها. وكانت الحروب والفتوحات التي جرت في عهده واسعة جدًّا في أوروبا وآسيا وأفريقيا، ولم يكن عهده العهد التي وصلت فيه الحدود إِلى أقصاها من الاتساع، وإِنما كان عهده العهد الذي تمّت فيه إِدارة أعظم دولة بأرقى شكل إِداري. وكان له جهد عظيم في ميدان العمارة، فقد شيّد المساجد العظيمة في العاصمة؛ منها مسجد السليمانية. وكان السلطان سليمان الأول أجرأ وأكرم من أنداده (المسيحيين) في مجال التسامح الديني؛ إِذ أجاز للنصارى واليهود ممارسة شعائرهم الدينية في البلاد العثمانية بحُريّة تامّة في الوقت الذي اعتبرت فيه أسكتلنده وانكلترا وألمانيا اللوثرية الكثلكة جريمة، كما اعتبرت أسبانيا وإيطاليا البروستانتية جريمة، والواقع أن السلطان سليمان الأول جعل من بلاده مأوى آمناً لليهود الفارِّين من محاكم التفتيش في أسبانيا والبرتغال. وكان للسلطان سليمان الأول عيوب في علاقاته العائلية أكثر منها في حكومته. ويتفق المؤرخون على أنه برغم حروبه التي برّرها بأنها هجوم من أجل الدفاع كان رجلاً مهذباً، رحيماً، كريماً، إِنساناً، عادلاً، ولقد أُعجب به شعبه وأحبه، فكان إِذا ذهب إِلى المسجد يوم الجمعة لزم الناس الصمت التام عند مروره، وانحنى هو تحيّة لهم. وإِذا قارنّاه بنظرائه في الغرب وجدناه أكثر تمدناً وحضارة؛ فقد كان الملك الفرنسي فرانسوا الأول الذي يُعد حاكماً أوروبياً كبيراً، و أكثر حكام أوروبا تمدناً - في ذلك العصر - كا يعتبر سليمان الأول حاميه وأنه حليفه. لقد حالف النصر السلطان سليما القانوني في صراعه مع الغرب الذي استمر حياته، حتى دفع الإمبراطور ملسيمسليان الثاني الجزية للدولة العثمانية. لقد حكم سليمان الأول الدولة حكماً صالحاً يتسم بعدم التحيُّز، حتى كان من أعظم سلاطين الدولة العثمانية وأقدر حكّام عصره دون منازع. وبوفاته عام 1566م خُتمت مرحلة من أزهى مراحل التاريخ العثماني بلغت فيه الدولة العثمانية ذروة قوتها.
السلطان عبد العزيز الأول: ولد السلطان عبد العزيز الأول عام 1830م. تولى السلطان عبد العزيز (دعم السلطان عبد الحميد الثاني آخر عظماء العثمانيين) العرش خلفاً لأخيه عبد المجيد الأول عام 1861م. يقول عنه السلطان عبد الحميد الثاني في مذكراته أنه كان: (وقوراً، وكان كريم الظن بكل إِنسان؛ فقد عفا عن رجل حقود مثل عوني باشا بعد فترة قليلة، وعيّنه سر عسكر، وهكذا ذهب عمي ضحيّة خطئه هذا..). من أهم جهود السلطان عبد العزيز الأول أنه أعد الأسطول العثماني إِعدادًا هائلاً بحيث جعله الثالث في العالم وقتها، ورفع القوات البريّة إِلى 700 ألف جندي، وجهّز الجيش العثماني بأحدث الأسلحة العسكرية، وأنشأ عدة مدارس هامة؛ مثل مدارس المعادن والمدفعية والمدرسة العسكرية (في مستوي الثانوية). زار السلطان عبد العزيز الأول مصر وفرنسا وانكلترا وبروسيا والنمسا والمجر، وكان الهدف من وراء رحلته في أوروبا التأثير على فرنسا لكي تقف في صفّ الدولة العثمانية بدلاً من التزامها جانب روسيا، وكذلك هَدَف إِلى تكتل الدول الأوروبية ضد روسيا. ومن الأحداث التي حدثت في عهده؛ أن أُصدِرت في عهده مجلة الأحكام العدلية بإِشراف أحمد جودة باشا، وفي عهده أيضاً افتُتِحَت قناة السويس. تم خلعه عام 1876م، وسيأتي فيما بعد ذكر لمؤامرة خلعه. مات بعد خلعه بأربعة أيام، ويؤكّد بعض المؤرِّخين أنه مات بعد أن دبَّر له أعضاء تركيا الفتاة (وسيأتي الكلام عنها بالتفصيل في بحث خاص إن شاء الله) مؤامرة لقتله، وأعلنوا بعدها انتحاره.
السلطان عبد الحميد الثاني: (وهو آخر عظماء العثمانيين) وُلد السلطان عبد الحميد الثاني يوم الأربعاء 21 سبتمبر عام 1842م وهو ابن السلطان عبد المجيد الأول. وتوفيت أمّهُ قبل أن يبلغ السابعة من عمره، فأوكل أبوه أمر تربيته إِلى إِحدى المربيات في قصره. تعلّم السلطان عبد الحميد الثاني وهو صغير اللُّغتين العربية والفارسية، ودرس كثيراً من كتب الآداب ودواوين الشعر، وتعدّدت ثقافته، وشملت مجالات كثيرة. تسلّم السلطان عبد الحميد مقاليد الخلافة بعد شقيقه مراد الخامس عام 1876م بعد طفولة جادة عجيبة، فأصبح مسؤولاً عن دولة مترامية الأطراف كسفينة في بحر تتقاذفها الأمواج. أمضى في الخلافة أكثرمن ثلاثين سنة كلها مملوءة بالأحداث والمؤامرات والخطوب الجِسام، مملوءة بقصص الحروب والثورات والحركات. ثم سقط بعد طول صمود وكفاح ليُمْضِي فترة من الزمن معزولاً بعيداً عما كان فيه من المسؤلية. ظل في عزلته هذه بعد خلعه حتى وافته منيته في سن يقارب الستين عاماً. ولعظمة شخصية السلطان عبد الحميد، ولأن له صلة بواقع معاصر نعيشه اليوم ونكابد مرارته، فقد كان هذا التفصيل عن فترة خلافته، وقصدي أيضاً- بعد ذلك - بيان كيف كان لهذا الرجل بُعد نظر وفقه سياسي لا يشك أحد في أنه من عظماء الإِسلام المعدودين.
سياسته: كانت سياسة السلطان عبد الحميد الثاني إِسلامية محضة، إِذ أنه أراد أن يجمع قلوب المسلمين حوله؛ باعتباره الزعيم الروحي لهم جميعاً، فعمل على ربط المسلمين بعضهم ببعض، وعمل على كسب الشعوب العربية عن طريق الاهتمام بكل مؤسساتهم الدينية والعلمية، فاهتم بالبلاد العربية اهتماماً خاصاً؛ إِذ أن البلاد العربية هي قلب العالم الإِسلامي، فكان يرسل إِليهم رسله للدعوة له بين العرب، ومحاولة إِقناعهم بأن الخلافة (المهددة وقتها) هي أملهم الوحيد في النجاة من الغرب، وأن الجامعة الإِسلامية هي سبيل العرب لاسترداد ما كان لهم من مجد خالد وعز تليد. نجح السلطان عبد الحميد الثاني في إِذكاء شعور المسلمين للتمسُّك والسعي والتضامن والتكتّل والالتفاف حوله بصفته خليفة للمسلمين، وخادماً للحرمين الشريفين، وحامياً لحمى الدين. كان هدفه في هذه السياسة تثبيت دولة الخلافة من الداخل ضد الحركات الدستورية التي كانت تدعو إِلى تقييد سلطانه، وحتى يصبح في الخارج رأس الحلاكة الإِسلامية، فهو يرى أن الإسلام هو الروح التي تسري في جسم البشرية فتُحييها وتغزو القلوب فتفتحها.
بُعد نظرته السياسية: كان السلطان عبد الحميد يرى ضرورة العمل على توحيد القوى الإِسلامية لمجابهة الروح الصليبية الطامعة في الخلافة وثرواتها، فسعى لطرح شعار الجامعة الإِسلامية وعمل على تدعيم أواصر الأخوة بين مسلمي الصين والهند وأواسط أفريقيا. وكان يدرك خطورة الأهداف التي يسعى إِليها ويعرف الجهات التي يتناولها من الداخل والخارج. وكان يرى أن شعار "الجامعة الإِسلامية" خير معين له لتنفيذ السياسة الداخلية والخارجية، ففي الداخل كان يعني الالتزام بحدود الشريعة الإسلامية، وفي الخارج كان يعني الالتفاف حول الخلافة العثمانية، فركب الصعاب وحاول تذليل العقبات واستعان بمختلف الرجال والوسائل الجدّية في البحث عن صيغة توحّد كلمة جميع المسلمين في الأرض.
بعض جهوده مشاريعه الضخمة: أقام السلطان عبد الحميد الثاني عدداً من المؤسسات الحديثة من كليّات وأكاديميات ومدارس ومعاهد، كما أرسل البعثات العلمية والعملية والتخصصيّة، وأسَّس البلديات وغرف التجارة والصناعة والزراعة وأقام دوائر البريد ومؤسسات المياه والكهرباء والترميات والسكك الحديدية، ودعم الأساطيل الملاحية والعسكرية، وبنى الغوّاصة، وعُني بتسليح وتدريب الجيش بمختلف أسلحته. كما قام بربط أجزاء الدّولة بثلاثين ألف كيلو متراً من خطوط البرق والهاتف. كما قام السلطان عبد الحميد بمشروعه الضخم بمدّ خط سكة حديد من دمشق بسورية حتى مدينة الرسول صلي الله عليه وسلم؛ ليسهِّل على الحجيج زيارتهم لبيت الله الحرام ومسجد الرسول صلي الله عليه وسلم، تجاوزت تكاليف إِنشاء هذا الخط الحديدي آنذاك ثلاثة ملايين ونصف مليون ليرة ذهبية عثمانية، ويقال أكثر من ذلك. وكان هدفه من هذا المشروع ليستعيض به عن طريق القوافل الذي كان يستغرق من المسافرين حوالي أربعين يوماً، وطريق البحر الذي كان يستغرق حوالي اثني عشر يوماً من ساحل الشام إِلى الحجاز. كما كان له هدف آخر من ورائه- بل لعلّه الهدف الأكبر- ألا وهو ربط العالم الإسلامي بعضه ببعض. بدأ العمل في هذا المشروع الضخم عام 1900م وقد أشرف على إِقامة هذا الخط مهندسون من الألمان، واستغرق ثمانية أعوام، ووصل أول قطار إِلى محطة سكة الحديد في المدينة قادماً من دمشق يوم 22 أغسطس عام 1908م قاطعاً مسافة 814 ميلاً في ثلاثة أيام فقط، وهي مسافة تساوي 1357 كيلو متراً تقريباً، وكان غالب السفر خلال هذا الخط من أوله إِلى آخره لا يستغرق أكثر من أربعة أو خمسة أيام على الأكثر. كما كان للسلطان عبد الحميد أهداف أخرى بإِقامة هذا الخط الحديدي سوى خدمة الحجيج وربط العالم الإِسلامي؛ أهداف سياسية وعسكرية: فمن الناحية السياسية: فقد خلق المشروع في أنحاء العالم الإِسلامي حماسة دينية كبيرة، وذلك بأن فتح السلطان عبد الحميد في كافة أنحاء الأرض باباً للتبرع لإِنشاء هذا الخط عبر بيان نشره في العالم الإِسلامي، وافتتح هو قائمة التبرع بمبلغ كبير وأصدر قراراً بخصم 10% من مرتبات موظفي الدولة لصالح المشروع. بدأت التبرعات من جميع أنحاء العالم الإِسلامي تنهال حتى غطّت التبرعات ما يزيد عن ثلثي النفقات العامة للمشروع. وأما الناحية العسكرية: فقد كان المقصود من إِنشاء هذا الخط أن يسهِّل نقل القوات والإِمدادات إِلى الجزيرة العربية وخاصة الحجاز واليمن. ولولا عرقلة شريف مكة الذي خشي على سلطانه لامتدّ الخط إِلى مكة، فبقيت نهاية الخط عند المدينة، واستمر هذا الخط حتى الحرب العالمية الأولى، فعمل الإِنجليز ومن عاونهم على تخريب هذا الخط، ولا يزال هذا الخط معطلاً- للأسف- إِلى اليوم، ونأمل اليوم الذي تُبذل فيه الجهود المخلصة لإصلاحه حتى يُسهِّل على الحجيج طريقهم إِلى مكةوالمدينة.
أثر هذا الخط وردّ فعله على العالم الغربي: عبّر السفير البريطاني في إستانبول آنذاك عن حنق الإِنجليز على هذا الخط الحديدي، لأهميته بالنسبة للمسلمين، وافتعالهم الأزمات لاعاقته وانتهازهم لأول فرصة لتعطيله ونسفه، فقال في تقرير له عام 1907م: (إن بين حوادث السنوات العشر الأخيرة عناصر بارزة في الموقف السياسي العام، أهمها خطة السلطان الماهرة التي استطاع أن يظهر أمام ثلاثمئة مليون من المسلمين في ثوب الخليفة؛ الذي هو الرئيس الروحي للمسلمين أن يقيم البرهان على قوة شعوره الديني وغيرته الدينية ببناء سكة حديد الحجاز، التي ستمهد الطريق في القريب العاجل أمام كل مسلم للقيام بفريضة الحج إِلى الأماكن المقدّسة في مكةوالمدينة.
معالجته قضية الديون: عالج السلطان عبد الحميد قضية الديون التي كانت على الدولة العثمانية، والتي وصلت عند تولّية الخلافة إِلى مبلغ 2529 مليون ليرة ذهبية عثمانية، فاستقدم الخبراء الماليين، وعمل على تسديدها بشكل منظم، وعندما شكّل إِدارة الديون العامة انخفض الإِجمال إِلى 5و106 مليون ليرة ذهبية تقريباً، ورفعت بعد سقوط الخلافة وفي عهد الانقلابيين الاتحاديين إِلى ثلاثة عشر ضعفًا.
جهوده المدنية: عُني السلطان عبد الحميد الثاني بالتعليم بمختلف أنواعه، وأنشأ المدارس ودور المعلمين والمتاحف والمكتبات والجامعات في مختلف الولايات. وأعاد تأسيس ميزانية الدولة على أساس ثابت، وبتّ في المشاكل الخارجية وتوجّه إِلى الاصلاحات الداخلية فاهتم بربط البلاد البعيدة بالدولة، فوضع مشروع خط حديدي يربط العراق بإستانبول، وأنشأ خطًّا بين بغداد وطرابلس، واختار مهندساً فرنسيًّا لذلك، كلّفه بوضع المشروع وتخطيطه، واكتشاف أقرب طريق إِلى ذلك ورسم الخرائط له. كما وضع مشروع إِنشاء الخطوط التلغرافية في بلاد الحجاز،وأنشأ طريقاً حديديًّا بين دمشقوبغداد، ومدّ الأسلاك التلغرافية بين دمشق والحجاز واليمن. ووضع المكاييل والموازين على أساس عشري ووحّدها بين أجزاء الدولة.
جهوده في المجال العسكري: قام السلطان عبد الحميد بإِصلاحات عسكرية مهمة، فقد استقدم عددّا من الجنرالات الألمان المتخصّصين، قاموا بتدريب مختلف الفرق العثمانية على أحدث الأسلحة، وطبقًا لمتطلبات العصر. كما أرسل بعثات عسكرية إِلى ألمانيا، وقام بافتتاح عدد من الاكاديميّات والمدارس العسكرية العليا والثانوية والإِعدادية والإِبتدائية، بحيث توفّر للجيش العثماني احتياجاته من مختلف المستويات. كما قام بتجهيز الجيش بأحدث وأرقى الأسلحة الحديثة، وامتلك عدداً من السفن الغوّاصة في إستانبول قبل أن تملك بريطانيا غوّاصة واحدة. كما استدعى خبيراً بلجيكيًّا اسمه(جان ديكر) لإقامة مركز تلغراف مجهّز بأقوى الخطوط الهاتفية آنذاك؛ لربط إستانبول بجميع الولايات عبر خطوط زاد طولها على 30 ألف كيلو متراً. كما افتتح مدرسة في قصره لإعداد موظفي التلغراف لإِدارة الشبكة الهاتفية للأغراض العسكرية والمدنية، و أصبح بالإِمكان متابعة الأمور دقيقة بدقيقة وإِصدار الأوامر وتوزيع الاختصاصات وتوفير الاحتياجات والتجهيزات وتيسير اتصالات القادة بين مختلف الجهات والولايات؛ مما أدّى إِلى تحقيق عدّة انتصارات بعد سلسلة من الهزائم العسكرية. أما جهوده في الحفاظ على فلسطين فهو ما سنبدأ به في المرة القادمة إن شاء الله.