عندما قرأت الخبر المتعلق بإصدار المحكمة الإدارية العليا في مصر حكما نهائيا بمنع المنتقبات من ارتداء النقاب في الامتحانات، دار في خلدي على الفور أن أكتب شيئا حول هذا الموضوع الذي جعل الدم يغلي في عروقي، خاصة أنه جاء استنادا لرأي المفتي في الحكم الشرعي للنقاب بأنه "من قبيل العادات عند جمهور الفقهاء". ورغم قناعتي بأن الأولى هو أن هذا أتناول الموضوع من منطلق مصادرة الحريات الشخصية وحقوق الإنسان وأترك الجانب الشرعي لأهل العلم، لكني وجدت ضرورة في التطرق للبعد الشرعي المتعلق بحكم النقاب والذي أعلم في الجملة أنه يدور بين الوجوب والاستحباب وأن القول بأنه ليس من الدين وإن هو إلا اختلاق. ولحسن الحظ قبل أن أبدأ في بحثي لتجميع الأدلة التفصيلية في هذه المسألة لأستشهد بها في مقالي، كنت أتصفح الفيس بوك فوجدت أحد المشاركين قد نشرا مقطع فيديو من جزئين مختلفين في تاريخهما لفضيلة الدكتور علي جمعة. أما الجزء الاول فكان من برنامج أذيع على قناة اقرأ قبل أكثر من 15 عاما أي قبل أن يصبح الدكتور على جمعة مفتيا للديار وكان يرد فيه على سؤال لفتاة مصرية تسمى "علية" عن حكم النقاب فجاء رد الرجل كالتالي :" ثلاثة من الأئمة هم أبو حنيفة والشافعي وابن حنبل يقولون بفرضية النقاب وأما مالك فيقول بجوازه ... وأما القول بأنه ليس الدين وأنه عادة عثمانجية فهذا محض خرافة .. النقاب موجود من أيام الصحابة والصحابيات والقول بأنه من عادات الأتراك محض خرافة"، ثم ذكره مقدم البرنامج بجزء من سؤال الفتاة وهو هل تثاب بارتداء هذا النقاب قال :" إن الله لا يضيع أجر من أحسن عملا". (شاهد الفيديو) وقبل ان أنتقل للجزء الثاني أشير إلى أني تأكدت بنفسي من تاريخ هذا الجزء من مقدم البرنامج وهو الأستاذ راضي سعيد. وفي الجزء الثاني تحدث الدكتور علي جمعة الذي عرفه مقدم البرنامج بمفتي الديار عن حكم النقاب فجاء كلامه على النحو التالي :" من قديم الزمان وأنا أمر النساء بعدم النقاب مادمن في بلاد لا تنتقب جريا على العادة وأخذا بمذهب الإمام مالك الذي يرى أن النقاب مكروه وأنه زيادة في الدين ولم تأت به السنة السمحة وأن بنات الصحابة اللاتي شاهدهن في المدينة لم تكن منتقبات .... ".(شاهد الفيديو) حتى هنا سيعتقد غالبية من شاهد جزئي الفيديو وقرأ مضمونهما أن القضية محسومة ولا تحتاج لأي رد بل إن المفتي يرد على نفسه لأن ما قاله قبل توليه كرسي دار الافتاء، يضرب في صميم القلب كلامه بعد الكرسي مثل كثير من علماء السلطة. وهذا صحيح لكن هناك خطر أكبر لابد من الانتباه له وهو أن المفتي طالما قال قولا في دين الله لم يسبقه إليه أحد من أئمة المسلمين فما يمنعه أن يقول غيره مرات ومرات، الأمر الذي يهدد مسائل الشريعة باكملها وبذلك نتحاكم باسم الشريعة لغير الشريعة وتصبح المادة الثانية من الدستور مجرد حبر على ورق. وهنا يحق لي أن أقول إن المادة الثانية من االدستور في خطر حقيقي بل ستصبح لاقيمة لها طالما بقي الدكتور علي جمعة على كرسي الافتاء .. وعلينا أن نختار إما الحفاظ على المادة الثانية وتفعيل دورها وإما بقاء المفتي على كرسيه.